حق التصويت في الانتخابات أو حق الانتخاب هو "قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو المحلي"، ويمكن تعريف الانتخابات أيضا بأنها "تلك العملية التي يقوم المواطنون بواسطتها، وبشكل دوري، باختيار ممثليهم لاستلام مناصب السلطة التشريعية أو التنفيذية أو المؤسـسات المحليـة".
تعد الانتخابات الوسيلة الديمقراطية الأكثر قبولاَ لإسناد السلطة السياسية، فهي تضفي الشرعية على النظام الحاكم، ذلك من خلال شمولية حق الانتخاب وعدم حرمان أي عنصر من المجتمع من حقه في المساهمة في الحياة السياسية. وعليه، فمشاركة أفراد المجتمع في اختيار نظام الحكم أو إدارة الحكومة لا يمكن أن تكون من الناحية العملية-مع تزايد عدد المواطنين في البلدان-إلا من خلال قيام المواطنين أنفسهم بإبداء رأيهم، ولا يكون ذلك إلا بالانتخابات.
بعض الكتاب، يقول: "لو كنا نعلم ما هو أحسن نظام حكم وأكثره عدالة، ما احتجنا الحصول على موافقة السكان أو للبت في هذه المشكلة بطريقه الانتخابات. ولو أننا عرفنا ما هو النظام الصحيح لما احتجنا الى أن نسأل رأي المواطنين بشأنه. ولو أننا كنا متأكدين أن أشخاصا معينين هم اكفاء وجديرين بإدارة شؤون المجتمع، لكان بالإمكان أن نسلمهم زمام الحكم، ولا نتدخل في أعمالهم وقراراتهم، مثلما لا نتدخل في قرار الطبيب بشان الأدوية التي يصفها لنا، ولكن السياسة لا تشبه مهنا أخرى وليس للمشاكل السياسية حل واحد فقط، اذ توجد آراء مختلفة حول كيفيه إدارة شؤون الدولة، وليس الآراء متفقة حول من هم الخبراء الذين يجوز لهم البت في هذا الموضوع، وبما أنه لا يوجد حل واحد للمشكلات السياسية، لذا نحتاج لراي الأغلبية، ومن هنا فان الانتخاب هو جوهر النظام الديمقراطي".
ليس كل انتخاب هو جوهر النظام الديمقراطي، بل هناك عدّة مميزات أو خصائص لكي توصف الانتخابات بأنها انتخابات الديمقراطيّة، ومنها:
أن تكون الانتخابات عامّة: بمعنى أنّه يحقّ لكلّ مواطن أن يَنتخِب وأن يُنتخَب. وأن تكون الانتخابات متساوية: بمعنى أنّ لكلّ ناخب صوتًا واحدًا. فصوت المثقّف يساوي صوت غير المثقّف، وصوت الغنيّ يساوي صوت الفقير.
وأن تكون الانتخابات دورية: بمعنى أن الانتخابات تعود وتتكرّر بعد مرور مدة معينة من الزمن، وهذه المدة منصوص عليها في القانون.
وأن تكون الانتخابات سرّيّة: بمعنى أن هناك وسائل تهدف إلى ضمان وتأمين سرّيّة الانتخاب، بحيث لا تكون هناك إمكانيّة لممارسة ضغط غير لائق وغير عادل على الناخب وإقناعه بالتصويت لمرشّح معيّن عبر استخدام وسائل غير لائقة ومرفوضة.
وأن تكون الانتخابات نزيهة وعادلة: بمعنى أنّها تجري وفق قواعد متّفق عليها وحسب قوانين الدولة.
في الواقع، يوجد اختلاف حول ماهية الطبيعة القانونية للانتخاب، حيث إن هناك ثلاثة اتجاهات. يذهب الاتجاه الأول إلى أن الانتخاب حق شخصي يتمتّع به كل مواطن، ويثبت هذا الحق لكل فرد على أرض الدولة على أساس المساواة بين المواطنين، باعتباره من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز حرمان أحد منها. ويترتب على كون الانتخاب حق شخصي عدم جواز تقييد هذا الحق بشروط معينة تحد من استعمال الأفراد له، أي أن الاقتراع يجب أن يكون عاماً، وللأفراد كامل الحرية في استعمال هذا الحق أو عدم استعماله، بدون جبر أو إلزام بمعنى أن التصويت يكون اختيارياً وليس إجبارياً، طبقاً لهذه النظرية فلا يجوز فرض عقوبة كجزاء للامتناع عن التصويت.
ويذهب الاتجاه الثاني إلى أن الانتخاب وظيفة، وهو ليس حقا شخصياـ وإنما هو مجرد وظيفة يؤديها المواطن نتيجة لانتمائه إلى الأمة صاحبة السيادة. ويترتب على كون الانتخاب وظيفة ألا تعطى هذه الوظيفة إلا للأجدر والأكثر كفاءة، فينحصر ذلك في فئات قليلة من الناس. ففي عهد الثورة الفرنسية حظيت هذه النظرية بقبول كبير، حيث أيدتها الجمعية التأسيسية سنة 1791، وضمنت في الدستور الصادر في نفس العام ، وكذلك في نظام الانتخاب الذي تم إقراره حينذاك، إذ تم تقسيم المواطنين إلى طائفتين، طائفة المواطنين الإيجابيين أو العاملين، وهم الذين لهم حق مباشرة الحقوق السياسية، وعلى رأسها حق الانتخاب، ولكن بشروط معينة كان أهمها شرط النصاب المالي، أما الطائفة الثانية، فهي طائفة المواطنين السلبيين أو غير العاملين الذين لا يتمتعون بالحقوق السياسية، أي ليس لهم حق الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.
بينما يذهب الاتجاه الثالث إلى أن الانتخاب سلطة قانونية وليس حقاً أو وظيفة، وإنما هو سلطة أو مُكنة قانونية تعطى للناخبين لتحقيق المصلحة العامة، وليس لمصلحة شخصية. وذلك على أساس أن القانون هو الذي يتولى تحديد مضمون هذه السلطة وشروط استعمالها بالنسبة لجميع المواطنين دون تفرقة، ويترتب على هذا التكييف أن المشرع له أن يعدل في شروط ممارسة حق الانتخاب، سواء بالتقييد أو التيسير طبقاً لمتطلبات الصالح العام، ودون أن يكون لأحد أن يحتج على ذلك.
مهما كان الاختلاف الفقهي في الطبيعة القانونية للانتخاب، فإن التصويت في الانتخابات أو الانتخاب وسيلة مهمة وأساسية يمكن للأفراد من خلالها التأثير على القرارات الحكومية. حيث تعد الانتخابات من منظور سياسي من أهم الممارسات السياسية في الدول الديمقراطية، فهي وسيلة حضارية لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو من مجموعة إلى أُخرى. وقد تستعين بها الدول غير الديمقراطية لإضفاء الشرعية على سلطة الحكام المستبدين.
كما تعد الانتخابات من منظور حقوق الانسان من أهم الركائز الأساسية لحقوق الإنسان، فهي وسيلة قانونية تضمن مشاركة المواطنين في ادارة الشؤون العامة لبلدانهم. وقد نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، في المادة 21 على أنه " لكل شخص حق المشاركة في ادارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية. وان إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت. وقد جرى التأكيد على أهمية إجراء انتخابات دورية ونزيهة في العديد من الصكوك الدولية والإقليمية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وميثاق منظمة الدول الأمريكية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1991 أن "الانتخابات الدورية والنزيهة عنصر ضروري لا غنى عنه في الجهود المتواصلة المبذولة لحماية حقوق ومصالح المحكومين، وان التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد في الاشتراك في حكم بلده عامل حاسم في تمتع الجميع فعليا بمجموعة واسعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى وتشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
ومع الإقرار الدولي بالحق في التصويت كأحد الحقوق الأساسية السياسية للإنسان، إلا أن هذا الاقرار مازال ناقصا؛ فيما يخص الملايين من الأفراد في مناطق العالم المختلفة. إذ تحرم العديد من المجموعات من التمتع بهذا الحق كغير المواطنين وصغار السن وبعض الأقليات ومقترفي بعض الجرائم والأفراد المشردين والجماعات المشردة داخليا، فضلا عن أفراد وجماعات أخرى من أولئك المحرومين من التمتع بالحق في التصويت لأسباب مختلفة بما في ذلك الفقر والأمية والاضطهاد والخوف وعدم سلامة إجراءات العملية الانتخابية.
هذا ناهيك عن رؤية بعض البلدان من أصل الانتخابات، فبعض البلدان لا تعترف بالحق في الانتخابات أو تداولية السلطة واختيار الحكام من جانب المحكومين، إما لأن شرعية الحكام تقوم على الوراثة أو لعدم وجود برلمان أو مؤسسات تشريعية منتخبة، فضلاً عن ذلك فإن النظام السياسي الذي تستند اليه لا يعير أي اهتمام لاختيار الشعب لممثليه، سواءً على الصعيد التشريعي أو على صعيد الإدارة المحلية.
أما البعض الآخر، فإنه رغم إقراره بالانتخابات الاّ أنه يضع قيوداً عليها بحيث تكون نتائجها محسومة سلفاً، وسارت أنظمة شمولية وتحت حجج مختلفة لفرض هيمنتها على الدولة والمجتمع ومصادرة حقوقهما في الانتخابات الحرة، سواءً أكان باسم مصالح الكادحين أو الحزب القائد أو بسط الشريعة الإسلامية أو غير ذلك. أما البعض الثالث، فهناك من يعترف بمبدأ الانتخابات الاّ ان تدخلات السلطة التنفيذية ووضع بعض الكوابح واستثمار بعض القيود الاجتماعية والعشائرية والدينية والطائفية والاثنية، تحول دون تحقيق الإرادة الحرة بانتخابات حرة ونزيهة.
مع هذا، ومهما كانت النواقص والثغرات والعيوب في الممارسة الانتخابية، فإن وجودها أفضل من غيابها أو عدم الاعتراف بها، فرغم محاولات التسويف والاحتواء بالتأثير على النتائج فإن التطور الموضوعي البعيد المدى والتراكم الذي سيحصل لا يخلو من فائدة وإن كانت محدودة وبحاجة الى تطوير وتعميق ومراقبة وشفافية طبقاً للمعايير الدولية، لان اعتماد المعايير الدولية للانتخابات سيكون المدخل الصحيح لمجتمعات تطمح بالديمقراطية.
ومما تقدم يتضح أن العملية الانتخابية هي توكيل من الناخب للمرشح لينوب عنه في ممارسة الولاية، وهي ضرورة سياسية واجتماعية لا غنى عنها في النظم الديمقراطية أو تلك التي تسعى لتحقيق حكومة الشعب وسيادته، وأن التطبيقات الانتخابية وإن كانت تتفاوت من بلد إلى آخر فإنها تجربة مفيدة في كل الاحوال، وهي تحقق مجموعة من المكاسب أهمها ما يأتي:
1. تمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم واختيار البدائل المناسبة؛
2. وتمنح الأفكار والمعتقدات المختلفة فرصاً لكسب التأييد؛