لابد أن يتمكن الناس في كل مكان من الوصول إلى الأدوية الأساسية والمنتجات الصحية التي يحتاجونها؛ وأن تكون الأدوية والمنتجات الصحية آمنة وفعالة ومضمونة الجودة؛ ويتم وصف واستخدام هذه الأدوية بأسلوب رشيد، كما يجري استخدام الأجهزة الطبية وإدارتها على نحو فعال.
ولكن من أكثر التحديات التي تواجه المواطنين المرضى هو تحدي ضمان حصول المواطنين على أدوية فعالة وآمنة من شركة رصينة (دواء أصلي) بسعر ملائم، لاسيما مرضى الأمراض المزمنة، مثل أمراض تكسر الدم، والفشل الكلوي، والأمراض السرطانية، وغيرها.
إذ مع توافر كميات كبيرة من الأدوية المستوردة، من طرف المؤسسات الحكومية المختصة بالرعاية الصحة، ومن طرف القطاع الدوائي الخاص، ومع تزايد ملحوظ في أعداد المذاخر والصيدليات الأهلية، في السنوات الأخيرة، فأن المواطنين المرضى مازالوا يعانون من صعوبة الحصول على أدوية رصينة وبسعر مناسب، نتيجة انتشــار الأدوية المزيفــة ومنخفضــة الجــودة والفعالية، ممـا يسبب مضاعفات خطيرة في صحة المرضى، ويؤشر تراجع في مستوى الخدمات الصحية بشقيها الوقائي والعلاجي.
والسؤال هنا، هل للمواطن الحق في الحصول على الدواء؟ ومن يتحمل مسؤولية توفير الدواء للمواطنين بسعر مناسب؟ وما هي الجهات المعنية بتسعير الدواء والمحافظة على تسعيره دون إتاحة فرصة لعمليات الغش والتلاعب بحياة الناس؟ وكيف يمكن محاسبة الذين يتاجرون بصحة الإنسان، بل بحياته بحجة أن الدواء سلعة خاضعة لمبدأ العرض والطلب؟ وما هي العوائق التي تحول دون توفير الدواء الرخيص الذي يناسب ظروف ملايين الفقراء في بلدنا في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية؟
أولا/ يعد الحق في الحصول على الدواء جزء لا يتجزأ من الحق في الحصول على صحة مستدامة، وهو حق من حقوق الإنسان، ذلك لأن الدواء سلعة ضرورية للسلامة البدنية لا يمكن الاستغناء عنها من أجل البقاء على قيد الحياة. ولذلك اتجهت المنظمات والهيئات والأفراد المهتمون بحقوق الإنسان للدعوة إلى أهمية ضمان توفير الدواء الجيد، وبشكل يتيح للجميع إمكانية الحصول عليه.
وفي هذا الإطار، ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضوح على حق الجميع في الحصول على الأدوية، المقررة طبيا، بشكل منتظم وآمن وبسعر في المتناول، مع التأكيد على عدم حرمان شخص أو مجموعة أشخاص من حقهم في الحصول على أية أدوية مقررة طبيا، سواء بسبب العنصر، أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الميلاد أو الملكية أو أية وضعية أخرى.
وجاء في وثيقة السياسة الصحية الوطنية العراقية (2014-2023) أن (الحصول على الرعاية الصحية هو حق من حقوق الفرد العراقي وقد كفلها له الدستور، وكـل فـرد عراقـي لديـه إمكانيـة الحصـول علـى خـدمات الرعايـة الصـحية، بغـض النظـر عـن الوضــع الاجتمــاعي والاقتصــادي والأصــل والجــنس والموقــع الجغرافــي).
ثانيا/ إن الدولة هي المسؤولة الأولى عن حماية المواطن، وإتاحة حصوله على الأدوية، وإمكانية تحمل تكلفتها، من خلال تبني القوانين، واتخاذ الإجراءات الرقابية، وحماية التكلفة من أي تعديات من قِبل شركات الدواء والصيادلة والأطراف المعنية. كما يعتبر الحصول على الدواء أحد المعايير المفتاحية التي يمكن بها قياس التزام الحكومات بصحة شعوبها، وفقًا لمواردها المتاحة ودون رجوع أو انتكاس عن الخطوات التي تحققت ونفذت. وإدراكًا لأهمية الحق في الصحة، أدرجته دول عديدة بوضوح وتفصيل في نصوص دساتيرها التي نص بعضها ليس فقط على الحق في الصحة، بل أيضًا على الحق في الحصول على الأدوية الأساسية.
حيث ترى منظمة الصحة العالمية أن (الحكومات الوطنية هي المسؤولة عن إنشاء هيئات تنظيمية وطنية قوية للأدوية (MRAs) بمهمة واضحة، وأساس قانوني متين، وأهداف واقعية، وهيكل تنظيمي مناسب، وعدد كاف من الموظفين المؤهلين، وتمويل مستدام، والحصول على أحدث المؤلفات التقنية المسندة بالبينات، والمعدات والمعلومات).
ونصت وثيقة السياسة الصحية الوطنية العراقية (2014-2023) على أن (تلتــزم الحكومــة بتوفير مستوى أعلى من خدمات الرعاية الصحية للفئات الأكثر ضعفا والأشد فقرا، وبـــذل كـــل الجهـــود لتقـــديم خـــدمات رعايـــة صـــحية مســـتدامة ذات جـــودة عاليـــة، وتلبـــي الاحتياجـات الصـحية لأفراد المجتمـع العراقـي، وزيـادة فاعليـة الكلفـة وكفاءتهـا والـتحكم فـي أسعارها لتصبح معقولة وفق المقدرات الاقتصادية للأفراد كافة).
ثالثا/ تشير دراسات أجرتها منظمة الصحة العالمية أن معظم حكومات البلدان النامية التي توفر الدواء بشكل مجاني أو شبه مجاني هي غير قادرة على توفير الأدوية الأساسية بشكل مستمر. لذا فان القطاع الخاص، يلعب دورا أساسيا في تعويض النقص الحاصل في المؤسسات الحكومية لتلك الدول، ومع ذلك فهو توافر ضعيف.
فقد تبين من استقصاء أجرى في 30 بلدا ناميا أن 35٪ فقط من الأدوية المنتقاة للاستقصاء كانت متاحة من القطاع العام، وأن 63٪ منها كان متاحا من القطاع الخاص. وفي القطاع الخاص تعد تكلفة الأدوية في المتوسط أكبر من الأسعار المرجعية العالمية بنحو 650،٪ في حين يبلغ متوسط تكلفتها في القطاع العام -حيث يدفع المرضى أسعار أدويتهم -حوالي 250٪ أكثر من الأسعار المرجعية الدولية.
تنفق الحكومة العراقية على الأدوية، نحو (36%) من اجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية، بحسب وثيقة السياسة الصحية الوطنية (2014-2023)، حيث تجهز وزارة الصحة المؤسسات الصحية في القطاع العام بالأدوية الأساسية من خلال مخازنها المركزية الموزعة على محافظات العراق.
ومع ذلك، فوزارة الصحة غير قادرة على توفير احتياجات المرضى من الدواء، لذلك منحت الوزارة العديد من الصلاحيات الى دوائر الصحة في المحافظات والمؤسسات الصحية لتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية من القطاع الدوائي الخاص، وبصورة مباشرة لتأمين انسيابية جيدة للأدوية في المؤسسات الصحية. حيث يشمل القطاع الدوائي الخاص المتنامي شبكة من المستوردين ومستودعات الأدوية والصيدليات وله تأثير مباشر على مدى توافر الأدوية.
رابعا/ إن تفعيل حق الإنسان في الحصول على صحة مستدامة، ومنها حقه في الحصول على أدوية فعالة ومناسبة من يحث السعر، يعتمد بالأساس على تطبيق سياسة المساءلة والمحاسبة التي تجريها أجهزة الدولة المختصة، فإذا كانت الدولة لا تمتلك أجهزة رقابية لضمان سلامة تداول الأدوية، أو كانت الأجهزة ضعيفة وغير فاعلة، فان حق المواطن في الحصول على أدوية يكون مجرد حبر على ورق.
ولهذا، ينبغي أن تخضع جميع الأدوية والمستلزمات الطبية المتداولة في القطاعين العام والخاص الى إجراءات المراقبة والتقييم لضمان الالتزام بالتعليمات والضوابط وسلامتها ومطابقتها للمواصفات. تقول منظمة الصحة العالمية: (يجب أن تخضع الهيئات التنظيمية للأدوية للمساءلة أمام كل من الحكومة والجمهور، وينبغي أن تكون عمليات اتخاذ القرار شفافة. وينبغي أن تدرج آليات الرصد والتقييم في النظام التنظيمي لتقييم تحقيق الأهداف المقررة).
نخلص مما تقدم أن حق الإنسان في الصحة وحقه في الحصول على دواء فعال ومفيد وفق ظروف معيشته، إنما يعتمد على مجموعة عوامل أساسية هي:
- زيادة الإنفاق الحكومي وغير الحكومي على القطاع الصحي والأدوية الأساسية، لاسيما أدوية الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية؛
- دعم وتشجيع الصناعة الدوائية الوطنية في القطاعين العام والخاص، وضمان جودة وفعاليـة المنتجات الوطنية من خلال التعاقد والمتابعة المستمرة والتخطيط للوصول إلى الاكتفـاء الـذاتي من الإنتاج الدوائي وتشجيع الاستثمار.
- زيادة الاستثمار في الصحة من أجل المشاركة في تكامل خدمات الرعاية الصحية.
- تشــديد الرقابــة علــى تــداول الأدوية فــي القطاعين العام والخــاص، لمنــع انتشــار الأدوية المزيفــة ومنخفضــة الجــودة والفعاليــة.