المتقاعد هو كل موظف (مدني/عسكري) انتهت مدة خدمته، وخصص له بموجب أنظمة التقاعد معاشاً تقاعدياً عن الفترة التي قضاها. ويُعرف المتقاعد الحكومي أيضا أنه "الفرد الذي يعمل في عمل حكومي ويخضع لنظام التقاعد. حيث يقتطع من راتبه الشهري نسبة معينة أثناء الخدمة على أنه يحق له بعد سنوات محددة من الخدمة راتب تقاعدي، وفق نسب محددة لهذا الغرض، سواء كان الانفكاك من العمل بالاختيار أو بالإجبار أو حدث له ما يمنعه من العمل كعجز كلي أو جزئي" والمتقاعد-وفق القانون العراقي-هو كل شخص استحق عن خدماته راتبا تقاعديا أو مكافأة تقاعدية أو مبلغا مقطوعا وفقا لأحكام القانون.
يعد مفهوم "التقاعد" من المفاهيم الحديثة، التي أخذت بها جميع الدول، كوسيلة لرفع الظلم والحيف الذي لحق بالموظفين والعمال الذين كانوا يعملون طوال حياتهم، ثم يستغنى عن خدماتهم أو يطردون من العمل لانخفاض قدراتهم الإنتاجية، بسبب تدهور أوضاعهم الصحية أو كبر السن، دون أي ضمانات أو أي حقوق.
لا شك أن التقاعد جزء من فلسفة ضمان الاجتماعي في هذا العصر، الذي لم يعد مجرد مطلب إنساني فحسب، بل أصبح -فضلا عن ذلك-ضرورة اقتصادية وإنمائية أساسية، تعمل جميع الدول المتطورة –على اختلاف اتجاهاتها الاجتماعية والسياسية – من أجل توفيرها لمواطنيها العاملين كافة، بعد أن ثبت علميا، بان الازدهار الاقتصادي، والإنماء الإنتاجي، يتصاعدان طردا مع ارتقاء مستوى صحة الطبقة العاملة ووعيها وعيشها، ومع تعاظم اطمئنانها على مستقبلها ومصير عيالها من بعدها.
ومع ذلك، يواجه المواطنون المتقاعدون، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، العديد من التحديات في سبيل الحصول على الحقوق التقاعدية المقررة قانونا، تبدأ بإجراءات المعاملة التقاعدية التي قد تستغرق أشهراً عدة لاستيفائها، دون دخل للأسرة طيلة هذه المدة، ومروراً بمكافأة نهاية الخدمة، ومبلغ الراتب التقاعدي، وطرق احتسابه، وآليات صرفه، وتأخر الصرف والتحويل النقدي المصرفي وغيرها.
وتستمر معاناة المواطنين المتقاعدين إلى ما بعد استلام الحقوق التقاعدية المقررة قانونا، وذلك نتيجة التحديثات التي تجريها دوائر هيئة التقاعد العامة في المحافظات على المرتبات الشهرية المستحقة، والتي تتسبب –عادة-في قطع الراتب أو جزء منه، أو نقص فيه، أو تأخر تحويله من حساب الهيئة إلى حساب المصارف.
ولا تنتهي معاناة هذه الشريحة المجتمعية عند الحصول على المستحقات التقاعدية المقررة لهم حسب القانون، بل تستمر معاناتهم إِلى ما لا نهاية؛ مازالوا يتقاضون راتبا تقاعديا من هيئة التقاعد العامة، حيث تغييب عن المواطنين المتقاعدين العديد من الحقوق التي ينبغي أن يتمتعوا بها، مثل حق زيادة المرتبات التقاعدية للارتفاعات المتكررة في الأسعار، وحق التأمين الصحي، وحق الحصول على القروض والسلف، وحق الترفيه، ومميزات أخرى يمكن أن يحظى بها المتقاعدون مادية أو معنوية، مثل: وجود مستشفيات، ومراكز ثقافية ومكتبات، وتذاكر سفر منخفضة، وأسعار فندقية تفضيلية، ومواقف خاصة للسيارات، ومعاملة حسنة من موظف مسئول أو شرطي مرور.
يمكن أن نقسم حاجات المواطنين المتقاعدين إلى مراحل ثلاثة: الأولى هي مرحلة المعاملة التقاعدية، والثانية هي مرحلة الحفاظ على الراتب التقاعدي بشكل مستمر وانسيابي، والثالثة هي مرحلة التمتع بالحقوق الاجتماعية المقررة لكبار السن. وفي سبيل ذلك خصصنا ثلاثة مقالات للحديث عن المشكلات والتحديات التي تواجه المتقاعدين والطرق والآليات المقترحة لمعالجتها.
وفي هذا المقال، وهو المقال الأول، نحاول أن نستعرض مشكلة المتقاعدين فيما يتعلق بـ"المعاملة التقاعدية" وهي أول إجراء إداري، ينبغي أن يقوم به الموظف المحال على التقاعد أو الراغب بالإحالة على التقاعد، قبل بلوغ سن التقاعد المعمول به في بلده، هو يختلف من بلد إلى آخر.
اتفقت معظم قوانين الموظفين في مختلف الدول على وجوب إيجاد سن معينة ينتهي عندها خدمة الموظف ويحال على التقاعد، إلا أنها اختلفت في تحديد السن التي يستحق الفرد عند بلوغها معاشا تقاعديا، وإن كانت أغلب الدول حددته ما بين سن 60 سنة و66 سنة، وذلك لأن الاحتمال القائم والمتفق عليه هو أن إنتاجية الفرد وقدراته تتناقص في هذه السن. ومع ذلك يمكن للموظفين الذين لم يبلغوا هذه السن طلب الإحالة على التقاعد لأسباب منها العجز أو المرض.
فعلى سبيل المثال حدد القانون العراقي حالات الإحالة على التقاعد عند إكمال سن (63) الثالثة والستين من العمر وهو السن القانوني للإحالة بغض النظر عن خدمة ما لم ينص القانون خلاف ذلك، وبقرار من اللجنة الطبية الرسمية المختصة بعدم صلاحيته للخدمة، وبناء على طلب المتقاعد إذا كانت لديه خدمة تقاعدية لا تقل عن (25) سنة أو أكمل سن الـ (50) سنة من العمر الأسباب الصحية.
وفي كل الأحوال، يُعد اليوم الذي يُحال فيه الموظفون على التقاعد، أو يطلبون فيه الإحالة على التقاعد، يوما صادما ومؤلما لا يرغبون بلقائه؛ لأنه اليوم الذي يفقد فيه الموظفون الكثير من الامتيازات الوظيفية التي كانوا يحصلون عليها بحكم طبيعة عملهم، معنوية كانت أو مادية أو نفسية أو اجتماعية من جهة، ولأن ذلك اليوم يمثل بداية طريق الصعاب والفراغ والوحدة والمجهول والانتظار غير المحمود من جهة ثانية.
تبدأ معاناة المتقاعدين بصدور أمر التقاعد عن دوائرهم، إذ يتعين على الموظفين المحالين على التقاعد أن يبدؤا رحلة تنظيم "المعاملة التقاعدية" وهي رحلة قد تطول أشهر، بسبب صعوبة الإجراءات اللازمة لاستكمالها، وعملية انتقالها بين دائرة المتقاعدين ودوائر هيئة التقاعد العامة، الجهة المعنية بصرف الحقوق التقاعدية للموظفين المتقاعدين.
وتعد مرحلة إعداد معاملة التقاعد في دائرة الموظف المحال إلى التقاعد من أصعب المراحل وأعقدها، حيث تبدأ دائرة المحال على التقاعد بإعداد معاملة تقاعدية مستكملة الشروط، بعد حصول الموافقات الرسمية للإحالة إلى التقاعد، في ظل الإجراءات الإدارية المعقدة لتي تستوجب تهيئة الأوليات الإدارية الخاصة بالمحال على التقاعد، وبالمحصلة تتأخر معاملة التقاعد أشهر إضافية، علاوة على المراجعات المتكررة لدوائر التقاعد في المحافظات أو هيئة التقاعد العامة التي تفتقر إلى المباني اللائقة لاستقبال المتقاعدين، وسوء معاملتهم من طرف موظفي التقاعد، والتضيق عليهم بقصد ابتزازهم .
في الواقع، أن هذه تعقيدات لا تتناسب مع فلسفة تقدير الخدمة الوظيفية التي قضاها الموظف في خدمة دائرته وتثمينها، ولا تتناسب مع كبر سنه وشيخوخته، فضلا عن حقه الطبيعي في الحصول على شروط ميسرة للإحالة إلى التقاعد، لأنه يدفع "توقيفات تقاعدية" مما يؤهله أن يكون محلاً للاحترام وتحسين أوضاعه المعيشية، وهي من أهم الأسباب الموجبة التي شرع من أجلها قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014.
ولكي يتمكن المتقاعدون في العراق، المدنيون والعسكريون على حد سواء، من إنجاز معاملتهم التقاعدية، بسهولة ويسر، ودون تأخير مقصود أو غير مقصود، فانا نقترح أن تقوم دائرة الموظف المحال على التقاعد بجزء من الإجراءات، وأن تقوم دوائر التقاعد في المحافظات وبغداد بالجزء الآخر، وحسب الآتي:
أولاً: دائرة الموظف:
- يقع على عاتق دائرة الموظف المحال للتقاعد بذل المزيد من الاهتمام بالمعاملات التقاعدية لموظفيها، ومتابعة أداء (شعبة التقاعد) التي جرى استحداثها، وعلى وفق الاعمامات الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
- تقوم شعبة التقاعد في الدائرة بتهيئة قوائم بأسماء الموظفين ممن سيحالون الى التقاعد، وقبل مدة مناسبة كأن تكون ستة أشهر.
- يجري فحص أضابير الموظفين واستكمال أية متطلبات كأن تكون قرار من لجنة التحقق، واحتساب خدمة سابقة، ودفع توقيفات وغيرها.
- تهيئة الأوامر الوزارية والإدارية واستحصال الموافقات بالإحالة على التقاعد. وعند حلول الأجل بالإحالة على التقاعد يقوم موظف شعبة التقاعد بحمل الأضابير المعنية وتسليمها مباشرة إلى هيئة التقاعد الوطنية.
ثانياً: ما يقع على هيئة التقاعد الوطنية:
• إيلاء الأضابير التقاعدية الأهمية المطلوبة وانجازها بالسرعة المطلوبة بما يضمن حصول المتقاعد على راتبه التقاعدي في الشهر اللاحق لإحالته على التقاعد مباشرة، وإن تطلب ذلك تعديل التعليمات النافذة.
• تقوم هيئة التقاعد الوطنية بصرف راتب المتقاعد، وعلى وفق طريقة الاحتساب المعتمدة فيها، وعلى وفق الأوليات المقدمة لها من الوزارة.
• بعد إجراء التدقيق من قبل الهيئة، وفي حال ظهور أية مخالفات أو نواقص في الأضابير المرسلة من الوزارة، فان الوزارة هي من تتحمل المسؤولية كاملة في حالة صرف رواتب تقاعدية غير مستحقة.
• تقديم الخدمات التي تليق بفئة المتقاعدين والمتقاعدات ليتاح لهم الحصول على المعاش التقاعدي بسهولة ويسر، وتجسير الفجوة بين فترة الانتقال من الراتب إلى المعاش التقاعدي، من خلال الخدمات الآتية:
1- صالة استقبال المراجعين: وتضم عدد من الموظفين المختصين المؤهلين بالخبرة وفن التعامل لتلقي طلبات وأوراق المراجعين، واستكمال البيانات والمعلومات الخاصة بالمتقاعد.
2- الأدلة والمطبوعات الدورية: أن تصدر عن هيئة التقاعد ودوائرها في المحافظات عدد من المطبوعات والإعلانات الإرشادية، لتكون نافذة معرفية يطلع من خلالها المتقاعد على بنود وضوابط نظام التقاعد المعتمد وما تقدمه الهيئة من خدمات ومميزات.
3- إيجاد قاعدة معلومات لجميع المتقاعدين والمتقاعدات الراغبين في توظيف خبراتهم واستثمار أوقاتهم بعد مرحلة التقاعد. ومن جانبها تقوم هيئة التقاعد بالتواصل والتنسيق مع الشركات والمؤسسات والقطاعات الأخرى الراغبة في الاستفادة من هذه الخبرات عن طريق تزويدهم ببيانات ومعلومات عن المتقاعد، ومن ثم التواصل بطريقة مباشرة بين الجهة الراغبة والمتقاعد.
4- توفير دليل الخدمات الإلكترونية: أن توفر هيئة التقاعد على بوابتها الإلكترونية مجموعة حزم من الخدمات الإلكترونية خاصة بالمتقاعد، وذلك لتسهيل إجراءات إنهاء معاملات المتقاعد ومتابعتها عبر الوسائل الحديثة دون الحاجة للذهاب إلى مقر الهيئة. على أن يرافق كل خدمة من هذه الخدمات وصف تفصيلي لطريقة الاستخدام والإجراءات التي يجب إتباعها، مما يسهل الاستفادة من تلك الخدمات والتعامل معها بكل دقة ويسر.