يمكن القول إن البيئة المحيطة بالإنسان هي من صميم حقوق كل إنسان، إذ أنها تؤثر على صحته ومعيشته، وأسرته والمجتمع الذي يعيش فيه، مثل حقه في هواء نظيف أو مياه نظيفة. لذا فإن الحفاظ على البيئة لم يعد رفاهية؛ وإنما أصبح قضية تتوقف عليها قدرة الإنسان على التمتع بحياة آمنة وصحة جيدة، تتيح له أن ينتج وأن يبدع.
ينص المبدأ الأول من إعلان ستوكهولم عام 1972 على "أن للإنسان حقاً أساسياً في الحرية والمساواة وفي ظروف عيش كريمة، في ظل بيئة ذات نوعية جيدة، تسمح له بأن يعيش حياة كريمة مرفّهة. وعلى الإنسان تقع مسؤولية مقدسة عن حماية وتحسين البيئة لصالح الأجيال الحالية والقادمة".
إلا أن الإنسان المعاصر لم يعد قادرا على توفير بيئة صحية سليم له، حيث تقف أزاء حصول الإنسان على بيئة نظيفة، تحقق له عيشة آمنة ومستقرة، العديد من التحديات والمشاكل المعاصرة، كظاهرة تزايد أكوام "النفايات" في المدن الحضرية ومراكزها، التي تتسبب باستمرار في تلوث البيئة المحيطة بالإنسان، وتعرض المجتمع أو غالبيته لإخطار صحية لا تحمد عقباها، لا سيما في البلدان التي لم تعتمد على التقنيات الحديثة في التخلص من النفايات أو إدارتها من خلال تحويلها إلى فرص استثمارية مفيدة للمجتمعات المحلية المنتجة لها.
يعد رمي النفايات خطرا شائعا، يمكن للمرء أن يشهده في جميع المناطق الحضرية، حيث أن أغلب الشوارع والأرصفة، ومواقف السيارات والطرق السريعة، تزخر بأغلفة المواد الغذائية وزجاجات المياه والمشروبات الغازية والأكياس البلاستيكية والنشرات الدعائية وأعقاب السجائر، بالإضافة إلى المناديل الصحية والأوراق وغيرها. وبحسب تقريرٍ صدر عن برنامج الأمم المتّحد للبيئة UNEP ينتج العالم سنوياً أكثر من 3 مليارات طنّ من النفايات، ويتوقّع أن تصل هذه الكمّية إلى ما يزيد عن 13 مليار طنٍّ عام 2050.
ما هي النفايات المنزلية وأنواعها؟ وما هي أسبابها وأضرارها البيئية؟ ومن يتحمل مسؤوليتها؟ وكيف يمكن التخلص من آثارها أو الاستفادة منها في تحقيق التنمية المجتمعية؟
تُعرف "النفايات" على أنّها جميع المخلفات الناتجة عن الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، سواء كانت داخل المنزل أو أنشطة زراعية أو صناعية أو إنتاجية، أي جميع الأشياء التي يتم تركها وإبقائها من قبل الإنسان في مكان معين، وتركها يؤدي إلى إلحاق الضرر بالبيئة والسلامة العامة، وعلى صحة الإنسان بشكل مباشر. وتتكون النفايات المنزلية من مواد معروفة مثل مخلفات المطابخ وعمليات تحضير الطعام، وكذلك القمامة وما تحويه من ورق وزجاج ومواد بلاستيكية وغيرها.
وتختلف "النفايات المنزلية" في المكونات والكمية من دولة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، بل ومن منزل إلى آخر. وهذا الاختلاف يعتمد على عدة عوامل، وهي -على سبيل المثال: تزايد عدد السكان، فكلما زاد عدد الأفراد زادت كمية المخلفات الناتجة عن كل فرد منهم. وتطور المستوى المعيشي، حيث تغيير نمط الاستهلاك مثل العادات غير السليمة كطبخ كميات كبيرة من الأطعمة أو شرائها، وقد لا يستهلكها الفرد وتأخذ طريقها إلى النفايات، وشراء الأكواب والملاعق والصحون البلاستيكية والورقية غير المرتجعة والتي لا يمكن استعمالها مرة ثانية. والتطور الاقتصادي حيث ساهمت زيادة المصانع في توفير المعلبات الأكل الجاهز والأكواب والملاعق والصحون البلاستيكية والورقية غير قابلة للاستعمال مرة أخرى، جعلتها سببا في تراكم النفايات المنزلية.
يُشكل تراكم النفايات، سواء المنزلية أو الصناعية أو التجارية دون معالجتها أو التخلص منها بصورة نهائية مصدرا للخطر يهدد صحة الأهالي، فأكوام القمامة تشجع على تكاثر البكتريا والجراثيم والفيروسات والقوارض مما يؤدى إلى انتشار الأمراض وتفشي الأوبئة الفتاكة. كما تؤدي النفايات المتراكمة إلى الإصابة بالجروح؛ بسبب وجود الأدوات الحادة والزجاج المكسور، وإلى تلف المياه والتربة الصالحة للزراعة بالجراثيم المسببة للأمراض، وتلوث الهواء بالروائح الكريهة، والغازات السامة الناتجة عن احتراقهما، إضافةً إلى تشويه البيئة الحضارية.
يعود تتراكم النفايات في الطرق والشوارع والأسواق والحدائق، إما إلى المواطنين أنفسهم، بسبب الإهمال والكسل، وغياب الملكية والشعور بالانتماء للمنطقة أو الحي الذي يقطنه، بالإضافة إلى الشعور بأن شخص آخر سوف يجمعها، وغياب كلا من الضغط الاجتماعي والمعرفة بالآثار البيئية المترتبة على رمي النفايات، فكلها عوامل تؤثر على سلوك المواطن وتجعله غير آبه أو مكترث بالمحافظة على بيئته نظيفة.
وإما بسبب إدارة البلديات وموظفيها، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن إدارة النفايات وجمعها والتعامل معها، وتخليص المناطق والمدن السكنية من آثارها البيئية. فكثير من البلديات لا تمتلك خططا متطورة وفعالة للتعامل مع تزايد النفايات وتراكمها، ولا توظف العدد الكافي والعمالة الماهرة اللازمة لرفع النفايات وعزل مكوناتها، ولا توجد فعالية كافية للتخلص من النفايات أولاً بأول، مما يؤدي إلى تراكمها. ولا توفر عددا كافيا من مواقع وصناديق القمامة وقربها من المنطقة، أو تعمد للتخلص منها بطرق غير صحيحة مثل حرقها، رميها في البحار والأنهار، فضلا عن غياب قوانين صارمة تمنع رمي النفايات مثلاً وتعاقب من يقوم برميها.
ومع أن النفايات تمثل مصدر قلق للمدن والمناطق السكنية في كل يوم، لما لها من آثار سلبية على حياة المواطنين وصحتهم، ولكن يمكن أن يتعامل مع هذا الخطر وتحويله إلى فرصة استثمارية تستفيد منها المجتمعات المحلية المنتجة لتلك النفايات.
فمن منظور التدوير وإعادة الاستعمال، يرى المختصون في مجال البيئة أنه "من منظور التدوير وإعادة الاستعمال، لا وجود لشيء اسمه "نفايات". إذ أن "النفايات"، في حقيقـة الأمـر، عبارة عن الموارد غير المستعملة أو غير المرغوب فيها. وعندما تتراكم لدينا مثل تلك الموارد، فلا بـد أن نبحث في كيفية التقليل منها أو إزالتها أو تدويرها. وتكمن نقطة البداية في التحكم بما يدخل المنزل، بحيث نتجنب السلع التي تستخدم لمرة واحدة مثـل شـفرات الحلاقة، الصحون والكؤوس البلاستيكية ومناديل موائد الطعام الورقية.
كما لا بد من استعمال المنتجات غير الملوثة للبيئة، فضلا عن شراء السلع الأساسية التي تغليفها محـدود وقليـل. ويجـب أن يقتـصر سـلوكنا الاستهلاكي على شراء ما نحتاجه فعليا وليس بدافع الإغراء الاستهلاكي العابر، بمعنى لابد أن نشتري السلع النوعية والمعمرة والتي أنتجت بطريقة بيئية والتي تعتبر إدارتها اقتصادية وبإمكاننا إصلاحها بسهولة".
ومن أجل أن يعيش الإنسان في بيئة نظيفة، أكد الإسلام على رعاية النظافة في كل جوانب الحياة، كنظافة الثياب، ونظافة البيت، ونظافة الطعام والشراب، ونظافة الشوارع والمرافق العامة كالمساجد، ونهى عن أي تلويث عبثي للبيئة، أو تخريب شيء من جمال الطبيعة، وهذا ما تفيض به الأحاديث والروايات الكثيرة. فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم، وأخرجوها نهارًا، فإنّها مقعد الشيطان".
وذمّت الروايات أولئك الذين يؤذون الناس بوضع القاذورات في الشوارع والطرقات العامّة. ففي الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من سلّ سخيمة على طريق عامر من طرق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين". وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظلّ، وقارعة الطريق".
نخلص مما تقدم:
• إن التدهور البيئي بما فيها رمي النفايات يمكن أن يؤثر، بل إنه يؤثر فعلاً، تأثيراً سلبياً في التمتع بطائفة عريضة من حقوق الإنسان بما فيها الحق في الحياة والصحة والغـذاء والماء. كما أن ممارسة بعض الحقوق، يمكن أن تعود بالفائدة، وهي كذلك تعمل، علـى عملية رسم السياسات البيئية بما يؤدي إلى حماية البيئة على نحو أفضل.
• إن مسؤولية المحافظة على البيئة هي مسؤولية مشتركة وتضامنية، طرفها الأول المواطنون وطرفها الثاني الحكومة. وعليه؛ فان عدم قيام المواطن بواجبه إزاء المحافظة على البيئة كرمي النفايات في غير محلها يصعب المهمة على عمل البلديات، والعكس صحيح فان عدم قيام البلدية أو إهمال موظفيها ينعكس سلبا على صحة المواطنين وبيئتهم.
• تتحمل الدولة بمؤسساتها الحكومية المختلفة وضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة للتخلص من النفايات بطريقة عملية حديثة، تضمن سلامة الناس في الحاضر والمستقبل، وتصون وتحافظ على الهواء والأرض والمياه من الغازات والانبعاثات الضارة جراء القيام بعمليات الحرق أو الطمر غير العلمية.
• تتحمل المجتمعات المحلية لا سيما المنظمات غير الحكومية والنقابات والاتحادات الجماهيرية التي تعنى بالمحافظة على الصحة البشرية والبيئية مسؤولية تأليف الجمعيات المحلية التي تتعامل مع ظواهر غير صحية مثل رمي النفايات أو تجميعها، وتعمل على إشاعة الثقافة الصحية كلما حصل تقصير في أداء المؤسسة الحكومية.