اتفاقيات جنيف لعام 1949، إلى جانب اتفاقيات أخرى، ألفت بمجموعها ما يُعرف بـ(قوانين الحرب) أو (القانون الإنساني الدولي) وهذه القوانين تُعد ملزمة لجميع الدول التي تدخل في حروب أو نزاعات وكذلك هي ملزمة لغير الدول من الجماعات المسلحة، سواء كانت نظامية أو غير نظامية التي تشترك في الحروب أو النزاعات المسلحة، رغم أنّها لا تستطيع التصديق رسميّا على المعاهدات.
تتمثل القاعدة الأساسيّة في القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات في أنّ جميع الأطراف ملزمة بالتمييز في كل الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. لا يجوز أبدا استهداف المدنيين والأعيان المدنيّة بالهجمات؛ ويجوز للأطراف المتحاربة فقط استهداف المقاتلين والأعيان العسكريّة. ولا يكفي ببساطة الاكتفاء بقول إنّ المدنيين ليسوا هدافا للهجمات؛ إنما يفرض القانون الإنساني الدولي على أطراف النزاع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنيّة. وتُحظر أيضا الهجمات التي لا تُفرّق بين المقاتلين والمدنيين، أو التي يُتوقع أن تتسبّب في أضرار غير متناسبة للسكّان المدنيين مقارنة بالمكاسب العسكريّة.
بموجب القانون الإنساني الدولي، يجب معاملة أي شخص يتمّ احتجازه، مثل أسرى الحرب، معاملة إنسانيّة، ويُحظر أخذ الرهائن واستخدام الأشخاص كـ"دروع بشريّة". وعند شنّ هجوم قد يؤثر على السكان المدنيين، تفرض قوانين الحرب على الأطراف إعطاء "إنذار مسبق بوسائل مُجدية"، ما لم يكن ذلك مستحيلا. فاعليّة الإنذار تعتمد على الظروف، وإذا كان المدنيون عاجزين عن المغادرة في اتجاه منطقة أكثر أمانا، لن يكون الإنذار مجديا.
لكن إعطاء الإنذار لا يُعفي الأطراف من واجب حماية المدنيين. يجب الاستمرار في حماية المدنيين الذين يُخلون المكان بعد الإنذار. حتى في هذه الحالة، يجب عدم استهدافهم ويجب على المهاجمين اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحمايتهم. تُحظر التصريحات التي لا تمثل إنذارات حقيقيّة لكنها تهدف إلى استخدام التهديد بالعنف لبث الرعب بين السكان، مثل تلك التي تجبرهم على المغادرة.
تنطبق قواعد القانون الإنساني الدولي كلها على النزاع المسلح في فلسطين، حيث تحتلّ إسرائيل الضفّة الغربيّة، بما فيها القدس الشرقيّة، وغزّة، اللتان تشكّل معا الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، منذ 1967. وخلافا لما تدّعيه الحكومة الإسرائيليّة، فان سحب إسرائيل لقواتها البريّة من غزّة في 2005 لم يُنه احتلالها لها. ذلك لأن إسرائيل حافظت منذ ذلك الحين على سيطرة فعليّة على غزّة، بما في ذلك مياهها الإقليميّة ومجالها الجوّي، وحركة الناس والبضائع، باستثناء حدود غزّة مع مصر، ممّا جعل القطاع سجنا في الهواء الطلق.
ترتكب إسرائيل جرائم حرب بحق الفلسطينيين وفقا للقانون الإنساني الدولي، وتشمل جرائم الحرب مهاجمة المدنيين عمدا، وأخذ الرهائن والعقاب الجماعي. وتُعدّ الغارات الجويّة والهجمات الصاروخيّة التي تشنها إسرائيل والتي تستهدف المدنيين أو العشوائيّة جرائم حرب. وكل من يرتكب جريمة حرب يتحمل المسؤولية الجنائيّة، وكذلك المسؤولون عن إصدار أوامر بارتكاب جرائم حرب أو المساعدة على ارتكابها أو تسهيلها. ويتحمل القادة والزعماء المدنيون أيضا المسؤولية الجنائيّة بموجب مبدأ مسؤولية القيادة إذا كانوا على علم أو كان عليهم أن يعلموا بجرائم ارتكبها مرؤوسوهم دون منعها أو معاقبة المتورطين فيها بالشكل المناسب.
أشار تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة إلى أنه (وجدت البعثة أنه وفي الفترة التي أفضت إلى الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، فرضت إسرائيل حصارا يبلغ حد العقاب الجماعي ونفذت سياسة منهجية وتصعيديه لعزل وحرمان قطاع غزة. أما إثناء العملية العسكرية، فقد دمرت المنازل والمصانع وآبار المياه والمدارس والمستشفيات ومراكز للشرطة وغيرها من المباني العامة، وبقيت الأسر، بما في ذلك كبار السن والأطفال، تعيش وسط ركام منازلها حتى بعد مرور فترة طويلة على انقضاء الهجمات، ذلك أن إمكانية إعادة الإعمار غير واردة نظرا لاستمرار الحصار. ولقد خلف الأمر صدمة كبيرة، سواء على المدى القصير أم على المدى البعيد، عانى منها سكان غزة..).
وأضاف التقرير المذكور آنفا (إن عمليات غزة العسكرية كانت موجهة من قبل إسرائيل ضد شعب غزة ككل، وذلك تعزيزا لسياسة شاملة تهدف إلى معاقبة سكان غزة، وضمن سياسة متعمدة من القوة غير المتناسبة والتي تستهدف السكان المدنيين. إن تدمير منشآت الإمدادات الغذائية، ونظم الصرف الصحي للمياه، ومصانع الخرسانة والمنازل السكنية جاء نتيجة لسياسة متعمدة ومنهجية لجعل الحياة المعيشة اليومية والحياة الكريمة، أمرا أكثر صعوبة بالنسبة للسكان المدنيين.
كما قامت القوات الإسرائيلية بإذلال السكان ونزع الصفة الإنسانية عنهم والاعتداء على كرامة الشعب في قطاع غزة، من خلال استخدام الدروع البشرية، والاحتجاز التعسفي، وظروف الاحتجاز غير مقبولة، ونشر العبث والدمار في البيوت، ومن خلال المعاملة التي انتهجت عند الدخول إلى منازل الناس، وكتابة الرسوم والشعارات النابية والعنصرية على الجدران. إن العمليات الإسرائيلية كانت مخططة بعناية في جميع مراحلها على نحو هجوم متعمد من القوة الغير متناسبة تهدف إلى فرض العقاب، والإذلال وزرع الإرهاب وسط السكان المدنيين).
نخلص مما تقدم أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب بحق سكان قطاع غزة؛ تتمثل فيما يأتي:
1. نفذت إسرائيل قصفا مستمرّا لقطاع غزّة المكتظ بالسكان، الذي يأوي 2.3 مليون نسمة. وراح ضحية هذا القصف الآلاف من المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ
2. تسببت القنابل التي تطلقها إسرائيل نحو قطاع غزة المحاصر في تحويل مباني بأكملها، بل أجزاء من الأحياء، إلى أنقاض.
3. استخدمت القوات الإسرائيليّة الفسفور الأبيض، وهو مادة كيميائيّة تشتعل عندما تلامس الأكسجين، مسببة حروقا مروّعة وشديدة، في أحياء مكتظة بالسكان. قد يتسبب الفسفور الأبيض في حروق تصل إلى العظام، وغالبا ما تكون الحروق التي تصيب 10% من جسم الإنسان قاتلة.
4. انخرطت إسرائيل أيضا في معاقبة سكّان غزّة بشكل جماعي من خلال قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عنهم. هذه جريمة حرب، كما هو الحال بالنسبة إلى منع وصول الإغاثة الإنسانيّة عمدا إلى المدنيين المحتاجين.
5. أمرت إسرائيل بتهجير الكثير من السكان المدنيين من غزّة، والتهجير الدائم جريمة.
6. اعتقلت إسرائيل المئات من السكان المدنيين، وأعدمت جزء منهم، وعذبت جزء أخر، والأوضاع التي يعيشها الأسرى والمحتجزون غاية في الصعوبة، حيث يبقى معظمهم في خيام، ويعانون من سوء التغذية وسوء المعاملة.
7. واجهت هذه الحرب ضعف الحماية للأفراد والمنظمات الإنسانية، وتعد الأونروا والعاملين فيها، والعاملين في المطبخ العالمي، وغيرهم ممن تعرضوا إلى انتهاكات خطيرة دون القدرة على حمايتهم وهذا يقتضي العمل على تعزيز آليات الحماية بشكل أفضل.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights