"فايز اوغلو حاول تسييس القضاء بالأكاذيب والتصريحات التي لا أساس لها من الصحة.. بصرف النظر عما يقولونه، لن نغير نهجنا". تصريح رئيس الوزراء التركي لوكالة الأناضول التركية، الذي تعهد اردوغان من خلاله باتخاذ إجراءات لمنع إلقاء الخطب السياسية التي تحركها دوافع في الفعاليات القضائية.
جاءت تصريحات اردوغان بعد مرور يوم واحد على الشجار الشفهي مع رئيس نقابة المحامين التركية "متين فايز اوغلو" في فعالية قضائية، وأثار فايز اوغلو قضايا الحملات ضد حرية التعبير وقمع المظاهرات المناهضة للحكومة وطريقة تعامل السلطات مع آثار زلزال عام 2011 الذي أودى بحياة أكثر من 600 شخص في مدينة "وان".
وبما إن نقابة المحامين تُعَدّ جزءً لا يتجزأ من القضاء، وإن الفقه القانوني يعتبر المحامي هو القضاء الواقف، وإن انفعال رئيس الوزراء التركي وتجاوزه على نقيب المحامين يُعَدّ تجاوزاً وإهانة للقضاء بصوره المختلفة. المادة 138 من الدستور التركي تنص على إن "القضاة مستقلون في أداء واجباتهم، ويصدرون الحكم - أحكامهم - وفقا للدستور والقانون، وقناعتهم الشخصية المتفقة مع القانون والمطابقة له. ولا يجوز لأي جهاز أو سلطة أو مكتب أو فرد إعطاء وإصدار أوامر أو تعليمات إلى المحاكم أو القضاة فيما يتعلق بممارسة السلطة القضائية، أو إرسال تعميمات لهم، أو تقديم توصيات أو اقتراحات (مقترحات) إليهم. ولا يجوز توجيه أي أسئلة، أو عقد وإجراء أي مناقشات، أو إلقاء والإدلاء بأي بيانات في الجمعية التشريعية، فيما يتعلق بممارسة السلطة القضائية بشأن قضية قيد المحاكمة. ويجب على الأجهزة التشريعية والتنفيذية وكذلك الإدارة الامتثال لقرارات المحكمة (المحاكم)، ولا تغير هذه الأجهزة والإدارة تلك القرارات على أي نحو، ولا تؤخر تنفيذها".
"جميل جيجيك"، رئيس البرلمان التركي"، قال إن "المادة 138 من الدستور لا تعمل، نحن نكتب ونناقش فيها، إذا كان الأمر كذلك، فعلينا إزالة تلك المادة من الدستور، هناك مفهوم يسمى القوانين الميتة، وهذا يعني القوانين التي لا تمارس، على الرغم من أنها مصدق عليها، والمادة 138 من الدستور تقع ضمن هذه القوانين، فهذه المادة قد ماتت في هذا البلد،".
وكما يقول ادوارد جيبون صاحب كتاب "اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية" والتي تعود إلى عام 1776، (مزايا أي دستور حر تعدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية أن تعين أعضاء السلطة التشريعية والقضائية).
التذكير بمصير العسكر
وفي رسالة تهديد غير مباشرة من قبل اوردغان إلى خصومه في نقابة المحامين، ذكرهم بمصير زعماء القيادات العسكرية الذين أخضعهم لسلطته التنفيذية بقوله "إن الصفوة السابقة للبلاد مازالوا يعتبرون أنفسهم أصحاب البلاد رغم إن زمانهم قد ولى. كما أضاف "إن الأمة التركية أعطت ردا شديدا للصفوات الحاكمة التي كانت تستغل وترهب الشعب لعدة سنوات في انتخابات تشرين ثاني (نوفمبر) عام 2002 وان أولئك الأشخاص لن يعودوا أبدا إلى السلطة مرة أخرى".
ومحاولات إخضاع القضاء ورجال القانون تثير قلق الكثير من المنظمات والمراكز الحقوقية الخاصة بالدفاع عن الحقوق والحريات، وذلك من استخدام رئيس الحكومة لسياسة "الصوت العالي" الذي يتبعها تجاه مؤسسات الدولة التي تحد من سلطاته، وفي حال استطاع السيطرة على رجال القضاء فان ذلك يمثل توجه خطير يمكن معه مصادرة جميع الحريات وإنتهاك الحقوق من قبل سلطة رئيس الوزراء والحزب الحاكم.
والملاحظ إن سقف الحريات في تركيا بدأ يتقلص في ظل حزب العدالة والتنمية الذي أصبح يتمدد على حساب مؤسسات الدولة الدستورية، فقد أقر الرئيس التركي عبد الله غول في وقت سابق قانونا مثيرا للجدل يوسع صلاحيات وكالة الاستخبارات، الأمر الذي اعتبره منتقدوه انه يعزز سيطرة الحكومة التي تطالها فضيحة فساد على مؤسسات الدولة. وينص القانون الجديد الذي اقره البرلمان بعد نقاشات حادة هامشا واسعا لوكالة الاستخبارات التركية كي تتنصت على محادثات هاتفية أو تجمع معلومات تتعلق بالإرهاب والجرائم الدولية، كما يوفر للوكالة حصانة معززة من الملاحقة ويقضي بمعاقبة صحافيين أو غيرهم ممن ينشرون معلومات مسربة بالسجن إلى حد 10 سنوات، ويعتبر هذا القانون سلاحا إضافيا في ترسانة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بعد تسريب مكالمات هاتفية تورطه في فضيحة فساد واسعة النطاق وكشف مضمون اجتماعات أمنية عالية المستوى حول سوريا.
وبعد ما حدث في مناسبة افتتاح المحكمة الإدارية من كلام وانفعال موجه ضد نقيب المحامين في تركيا، تخشى المؤسسة القضائية التركية من تَغوّل سلطة اوردغان لتصل إلى أعلى مؤسسة في الدولة وتخضعها لإرادتها السياسية، وبالتالي تصبح الحريات في تركيا مرهونة بإرادة الحزب الحاكم يمنحها ويحجبها بما ينسجم ومقتضيات مصالحه السلطوية. وقد سبق لحكومة اوردغان أن تجاوزت على الحقوق والحريات في مناسبات كثيرة من بينها:
التحقيق في الفساد
في مراحل التحقيق حول الفساد الذي طال رموز في حكومة اوردغان، رد على التحقيق في الفساد بعزل آلاف الضباط من قوة الشرطة ونقل مئات من المدعين والقضاة وهو تحرك أثار القلق في العواصم الغربية وبينها بروكسل التي تخشى من أن تكون تركيا المرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي تبتعد أكثر عن المعايير الأوروبية.
التضييق على حرية الفكر
أعلنت صحيفة حريت في المانشيت نقلا عن رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك تونجاي أوز إيلهان انتقاده للتغييرات التي يقوم بها البرلمان التركي -الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم- في بعض مواد الدستور المتعلقة بالقانون الجنائي والمدني حيث قال "إنها ستؤدي إلى تضييق الخناق حول حرية الفكر". وأضاف "يجب أن تكون المشكلة الأساسية التي يتم تناولها وحلها هي إكساب الجهاز السياسي بنية أكثر ديمقراطية بحيث يتمكن من تجديد نفسه ويؤمن الاستقرار في البلاد". وهي تتناول المواد 159، و312، والمادة الثامنة التي تتعلق بحرية التفكير والتعبير، فقال "لقد أرسلت الحكومة نسخة قانون إلى البرلمان في إطار التنسيق مع الدستور يتعلق بحرية الفكر. وبغض النظر عن التعديلات الفنية نرى أنها تهدف إلى تضييق حرية التفكير من حيث الجوهر، إلى درجة أنها تلغي مفعول جميع التعديلات التي تمت في الدستور بشكل كامل.
انتهاك حرية الصحافة
قال مسؤول نقابة الصحافيين الأتراك ارجان ايبكجي: "إن الوضع من سيئ إلى أسوأ. إن الخوف بات سيد الموقف في العديد من وسائل الإعلام". وأضاف في تصريح صحفي نشرته الشرق الأوسط "أن 85 صحافيا على الأقل يعتبرون مناهضين للسلطة صرفوا من العمل أو دفعوا إلى الاستقالة منذ المظاهرات التي انطلقت من حديقة جيزي في إسطنبول في 31 مايو (أيار). وبذلك تكون الحريات في تركيا ومن بينها حرية الصحافة والإعلام في مرمى نيران السلطة الحاكمة إذا لم تنصاع لرغبات تلك السلطة أو تسكت عن انتهاكاتها المستمرة للحقوق والحريات. ويقر نائب الرئيس الفخري لرابطة الصحافيين الأوروبيين، التركي دوغان تيليتش، بأن الوضع الكارثي للصحافة في تركيا الذي وصفته المنظمات الدولية "صحيح مائة في المائة". وتذكر أنه "في التسعينات كنا نتحدث عن اغتيال صحافيين في تركيا" لكن "في سنوات الألفية الثانية لم تعد الحالة كذلك بل محاكمات ورقابة ذاتية. فباسم ماذا يجري كل ذلك؟".
الاعتداء على حرية التظاهر
في 12 حزيران/يونيو بدأت في اسطنبول، محاكمة 29 شخصاً متهمين بالوقوف وراء التظاهرات المناهضة للحكومة الإسلامية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية، والتي هزت تركيا في الصيف الفائت. ووجهت إلى المتهمين تهم إنشاء "منظمة إجرامية"، وإنتهاك قوانين التظاهرات ومقاومة ضباط في الجيش، ويواجهون عقوبات تصل إلى السجن 29 عاماً. وسبق أن أحيل أكثر من 300 شخص متهمين بالتظاهر إلى المحاكمة. وكانت بدأت الحركة الإحتجاجية المناهضة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بتحرك لمجموعة من الناشطين البيئيين ضد إزالة حديقة "جيزي" المجاورة لساحة تقسيم في اسطنبول. وأفادت الشرطة أنّ قمع التظاهرات التي شارك فيها نحو مليونين ونصف مليون شخص أسفر عن ثمانية قتلى على الأقل، وأكثر من ثمانية آلاف جريح، فضلاً عن اعتقال آلاف آخرين.
حجب مواقع التواصل الاجتماعي
يوم 27 آذار (مارس) وأثناء الاستعداد لإجراء الانتخابات البلدية قامت السلطات التركية بتحدي أحكام القضاء وأكدت مجدداً حجب موقع "يوتيوب" بعد نشر تسجيلات لمحادثات أمنية سرية قال رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان إنها في إطار "حملة قذرة" للإطاحة به من السلطة، وفرضت السلطات التركية حظرا على موقع تبادل مقاطع الفيديو التابع لشركة "غوغل "، بعد أسابيع من تسريبات لمحادثات على الإنترنت يزعم أنها تكشف فسادا في الدائرة المقربة من اردوغان. كما حجبت السلطات في تركيا أيضا موقع "تويتر" إلى أن قضت المحكمة بأن هذا الحجب يمثل انتهاكا للقانون.
أوردغان ومستشاره يعتدون على المحتجين
وقوع أكبر حادث انهيار منجم في تاريخ تركيا في قرية سوما جنوبي اسطنبول تسبب بقتل أكثر من 300 عامل، وكان 787 عاملا تحت الأرض أثناء وقوع الانفجار، وأثناء زيارة أوردغان للموقع قام بالاعتداء بالضرب على احد المحتجين على سياسية الحكومة التي تسببت بهذه الكارثة في سكوتها على فساد إدارة شركة التنقيب، كما قام مستشار رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ويدعى "يوسف يركيل" بالتهجم على أحد المتظاهرين من أقارب ضحايا انهيار المنجم وضربه بالقدم في وجهه لأكثر من ثلاث او أربع مرات وفق رواية شهود العيان وذلك أثناء قيام بعض الأفراد بتنظيم وقفة احتجاجية على نفس الحادثة.
المطلوب
إن جميع هذه الانتهاكات لا يمكن السكوت عليها كونها تسير بتركيا نحو التفرد والاستبداد، وبذلك يجب على حكومة أوردغان مراجعة نهجها في التعامل مع حقوق الإنسان وحرياته وعدم الاعتداء عليها أو المساس بها، كما يجب عليها تخفيف القيود على حرية الإعلام وعدم التضييق على استخدام بعض مواقع الانترنت، وأن تتعامل مع حرية التظاهر بروحية الراعي لمصالح الشعب وليس القامع للحريات، وعلى رئيس الوزراء أن يكون ممثلاً لكافة القوميات والطوائف في تركيا وأن لا ينصب نفسه سلطانا أو خليفة تمثل الطائفة التي ينتمي إليها.