ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (التعاون والتوازن بين الإرادة والإدارة المحلية.. قراءة في القواعد القانونية المنظمة للهيئات المحلية في القانون العراقي)، بمشاركة عدد من الباحثين وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الدكتور علاء إبراهيم الحسيني أستاذ جامعي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، وابتدأ حديثه قائلا "قراءة في القواعد القانونية المنظمة للهيئات المحلية في القانون العراقي تبنى المشرع الدستوري في العراق النظام الديمقراطي على المستوى الاتحادي والمحلي، فمن نافلة القول وجوب إن يكون هنالك مؤسسات محلية تعبر عن الإرادة الشعبية في مستويات دون الاتحادية، تسهر بالدرجة الأساس على إشباع الحاجات والمصالح الشعبية لقاطني إحدى المحافظات أو الأقضية أو النواحي أو القرى، وبالوقت عينه فان المؤسسات المحلية ستتمتع بالسلطة والاختصاص وتمنح وسائل القانون العام التي تمكنها من إصدار الأوامر والنواهي وإلزام الأفراد بها، الأمر الذي يعني ببساطة تقييد الحقوق وتنظيم ممارسة الحريات الفردية والجماعية، ولما كانت الحكومة العراقية بصدد إعادة النظر بتعطيل المجالس المحلية والدعوة إلى انتخابات لمجالس المحافظات والأقضية فلابد من بحث المنافع التي سيحصدها المواطن بعودة عجلة الديمقراطية المحلية إلى الدوران من جديد، وما هي وسائل التعاون بين الفرد أو مجموع الأفراد وهذه المؤسسات وكيف يمكن للجماهير إن تساهم في صناعة الإرادة العامة المحلية وتحدد سلم الأولويات وتمنع الانحرافات التي ترافق المجالس والوحدات المحلية ولتكتمل الصورة لابد من بحث أهم الضمانات التي كفلها النظام الديمقراطي للناخبين ومن سواهم ليؤسسوا لنظام ديمقراطي محلي مستدام. بعبارة أخرى كيف للإرادة العامة إن تمنع الانحراف بالوظائف والتكاليف المسندة لهذه المؤسسات وتنتشلها من حومة الفساد التي طالما حامت حول أدائها لوظائفها وتعزيز فرص الانطلاق نحو فضاء الخدمة العامة، ولا يخفى على احد إن التنظيم الدستوري في العراق اعتمد على تقسيم مستويات السلطة في العراق على مستويين:
أولا: المستوى الاتحادي وهو التنظيم المركزي وفي مؤسسات مثل رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والهيئات المستقلة.
ثانياً: المستوى دون الاتحادي فهنالك جزء إقليمي وجزء لا مركزي أو محافظات وأقضية وغيرها من التنظيمات.
وهناك بعض نقط التعاون بين الإدارة المحلية "الشعب المحلي" وبين السلطة المحلية التي نفتقد جناح من أجنحتها الممثل بمجالس المحافظات ومجالس الأقضية، وكذلك لابد إن نقف عند التوازن بين هذه الإرادة وهذه السلطة، وحقيقة الأمر إيجاد نقطة توازن بين الإرادتين، فالسلطة المحلية ممثلة بالوحدة الإدارية التي يقودها المحافظ أو القائم مقاميه أو الناحية تمثل إرادة لان المحافظ سيمثل إرادة الوحدة المحلية التي اسمها محافظة باعتبار إن الدستور العراقي في المادة الخامسة ذهب إلى إن الشعب هو مصدر السلطات يمارسها بالاقتراع العام السري المباشر، فالإرادة إرادة الشعب والشعب لا يستطيع إن يعبر عن هذه الإرادة بوسائل وأساليب تصاغ على شكل قواعد قانونية لذلك يوكل هذه الإرادة لدى ممثلين على المستوى الاتحادي المتمثل بمجلس النواب أو على المستوى المحلي المتمثل بمجالس المحافظات ومجالس الأقضية، والمادة 122 من الدستور تتحدث على إن المحافظة تتكون من أقضية ونواحي وقرى، وأودع الدستور السلطة لدى مجلس المحافظة حينما نص إلى إن مجلس المحافظة سوف يمنح السلطات أو الاختصاصات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنه من إدارة شؤون المحافظة وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، ثم جاء إلى المحور الثاني في المحافظة وهو المحافظ فنص إلى انه ينتخب من مجلس المحافظة ويمارس الاختصاصات التي يخولها إياه مجلس المحافظة، ونكتشف من ذلك إن المشرع الدستوري حرم المحافظ من أي اختصاص ومن أي صلاحية وانه سيستقي اختصاصاته حصرا من مجلس المحافظة التي يخولها إياه، لكن المشرع العراقي في عام 2008 خرج من مقتضى الدستور عندما شرع المادة 31 من قانون المحافظات ونص على قرابة 11 اختصاص للمحافظ فكان ذلك خروجاً صريحا لإرادة المؤسس الدستوري وإرادة الشعب، فالأصل المحافظ يصاغ بهذا الشكل أن المحافظ ليس لديه أي اختصاص إنما مجلس المحافظة سيعهد إليه باختصاصات لان مجلس المحافظة منتخب من قبل الشعب، ويفترض وجود تعاون بين إرادة الشعب وإرادة ممثل الشعب على المستوى المحلي وهو مجلس المحافظة ومجلس القضاء، والتعاون يظهر بتبادل الأدوار بالتعبير عن الإرادة للوصول إلى الغاية باعتبار إن النظام اللامركزي يقوم على أركان، الركن الأول فيه وجود مصالح محلية مستقلة عن المصالح الوطنية أو القومية، اما الركن فهو وجود هيئات محلية منتخبة تسهر على إشباع الحاجات المحلية المتميزة عن الحاجات الوطنية، والركن الثالث هو وجود الرقابة من السلطة المركزية على السلطة المحلية خشية إن يؤثر النظام اللامركزي على وحدة الدولة واستقرارها، وان المادة السابعة البند الأول من قانون مجلس المحافظات أوضحت إن من أهم اختصاصات مجلس المحافظة هو إن يعد الموازنة المحلية والذي يعدها المحافظ ويرسلها لمجلس المحافظة لغرض التصويت عليها ومجلس المحافظة ملزم بموجب التعديل الثالث لعام 2018 لقانون رقم 10 إن يعلن الموازنة على الرأي العام المحلي بكل وسائل الإعلام المتاحة ويعقد الندوات والمؤتمرات لمناقشتها مع إفراد الشعب المحلي و المنظمات غير الحكومية بغية إنضاج هذه الموازنة ونوع من أنواع الشفافية وبعد ذلك تقرأ قراءتين في مجلس المحافظة ويتم التصويت عليها ثم ترسل لوزارة المالية لتدمج مع الموازنة الاتحادية وهذا احد أنواع التعاون بين الإرادتين لإنضاج حالة معينة.
وهناك صور أخرى من التعاون منها الرقابة المتبادلة، وكذلك لابد من وجود توازن لان إحدى الإرادتين قد تطغى على الإرادة الثانية والمشكلة ليست إن تطغى الإرادة المحلية المتمثلة بالشعب بل المشكلة إذا طغت الإرادة المركزية على الإرادة التمثيلية والإرادة الشعبية فهنا نحتاج إلى علاقة توازن أي إلى وجود سلاح يشهره هذا الطرف على الطرف الأخر حتى يمنعه من الاستبداد أو يمنعه من الانحراف من الغاية التي وجد من اجلها، فهناك وسائل منظمة وهناك وسائل غير منظمة وافتقر المشرع العراقي إلى إيجاد وسائل منظمة فاغلب الوسائل لدينا ليست منظمة مثل التظاهرة أو التعبير عن الرأي والاحتجاج الشعبي وكذلك العصيان المدني مثل هذه الوسائل ممكن من خلالها الضغط على الإرادة التمثيلية إذا ما انحرفت عن الغاية التي وجدت من اجلها، ولكن هناك وسيلة منظمة وهي الانتخابات وقانون مجالس المحافظات رقم 12 لسنة 2018 الذي عدل تعديلين في العام 2019 عدل بالقانون 14 و القانون 27، وان قانون رقم 14 كان أفضل وكان قانون 27 فيه مشكلة الذي عطل مجالس المحافظات عندما عدل المادة 44 من القانون الفقرة 3، وبالتالي لم يجد هذا القانون البديل لمجالس المحافظات وكان هناك الفقرة الرابعة من القانون 27 تشير إلى إن أعضاء مجلس النواب يراقبون المحافظ وعطل جزء من المادة 30 من قانون المحافظات الذي كان ينص إن المحافظ بانتهاء الدورة يتحول إلى تصريف الأمور اليومية فتم تعطيل هذا الجزء، لذلك افتقرنا إلى أهم محور من محاور التوازن لذلك كان هناك تعطيل للإرادة الدستورية بإرادة تشريعية لا تملك إن تعطل الإرادة التشريعية وهي إرادة مجلس النواب لان الإرادة الدستورية مأخوذة من السلطة التأسيسية وهي الشعب، ومجلس النواب في عام 2019 عطل الإرادة الشعبية وعطل المادة 122 مرتين مرة في عام 2008 عندما انحرف تشريعيا ووضع للمحافظ سلطات تقتل الإرادة الشعبية، مثل المادة 31 " للمحافظ الاعتراض على قرارات مجلس المحافظة ويعيد القرار مع ملاحظاته للمجلس المعني خلال 15 يوم والمجلس المعني يجب عليه إعادة النظر بالقرار فإذا أصر للمحافظ إن يذهب للمحكمة الاتحادية"، وكل الذي حصل تغليب إرادة مجلس الوزراء الاتحادي على الإرادة المحلية لان المادة 31 البند 4 تقول بان المحافظ ينفذ السياسة العامة التي يرسمها مجلس الوزراء، فبالتالي حسب المادة 7 يرسم سياسة محلية تتعارض مع السياسة المركزية سوف يعترض المحافظ ويقتل الإرادة التمثيلية الشعبية المحلية، وبالتالي تغلب الإرادة المركزية في حين إن الدستور في المادة 15 يقول المسائل المشتركة الأولوية فيها لقانون المحافظات رغبة منه في تقوية الإرادة المحلية فلذلك نحن أمام انحرافات متتالية ولابد لهذه الانحرافات إن تدرس دفعة واحدة وتذهب باتجاه سلة واحدة من اجل إرجاع الإرادة التمثيلية المحلية إلى نصابها".
وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع نطرح السؤالين الآتيين:
السؤال الأول/ لماذا التخوف من عودة المجالس التمثيلية المحلية ؟.
السؤال الثاني/ كيف يمكن تعزيز دور المؤسسات التمثيلية المحلية باتجاه تحقيق المصالح العامة، وتطويق وسائل الانحراف بدورها نحو المصالح الحزبية أو الفئوية الضيقة ؟.
المداخلات
الدكتور رياض المسعودي؛ عضو مجلس نواب سابق:
"هناك رغبة للحكومة بالذهاب إلى أجراء مجالس المحافظات، وقد حدد موعد مبدأي في تشرين الأول أو الثاني في عام2023 لأجراء الانتخابات، وان مجالس المحافظات تمثل مصداق أو نتاج للنظام الديمقراطي ووردت في نص المادة 122 من الدستور النافذ، ولم يضع الدستور عبارة انتخاب مجالس المحافظات وإنما ذكر عبارة مجالس محافظات وبما انه علة التشريع أو التشريعات العراقية خصوصا بعد 2003 بسبب لأننا ذكرنا 2003 باعتبار التشريعات في ظل نظام جديد ديمقراطي مع انه جميع التشريعات فيها بواطن ضعف وقوة بعد عام 2003.
وهنالك تشوه في عملية التشريع لأنه هناك تشريع قانوني وتشريع قطاعي المستفيد من تطبيق التشريع سوف يحدد سريعا التشوهات في هذا التشريع، الجانب الأخر لابد أن نراعي بقية القوانين التي تشترك مع هذا القانون لذلك يوضع فقرة في اغلب القوانين "لا يعمل بأي نص يخالف هذا التشريع" بسبب كثرة التشريعات والخوف من الوقوع بالمحذور خوفاً من التضارب مع مادة أو تشريع قديم، وهنالك صبغة سياسية في التشريع وهذا يعد تغليب أو تحجيم للإرادة الشعبية "الصبغة السياسية تحجم الإرادة الشعبية" لان الإرادة السياسية تعبر عن إرادة فرد أو مجموعة إفراد محدودين العدد ولا تعبر عن رغبات الشعب، ولأنه جزء كبير من الشعب ممثل بالقوى السياسية، إذن من يوصل أصوات هؤلاء إلى عملية التشريع القانوني.
الجانب الثاني الفوضى وهذه نقطة أساسية فمثلا "قانون الإدارة المالية" لسنة 2019 وضعوا فيه شرط جدا مهم مع الأسف هذا الشرط من بعد المظاهرات سقط واضطررنا أن نعدل به من بعد 20 يوم من وضعه، ولدينا قانون المحافظات رقم 159 لسنة 1969 وقانون مجالس الشعب رقم 26 لسنة 1995، فبالتالي هناك قوانين موجودة ورغبة لإضفاء دور لإيجاد الإيرادات المالية أن تكون ممثلة ليس عبر البوابة المؤسساتية وإنما عبر البوابة السياسية وهذا الإشكال الرابع أي هناك رغبة في مشاركة هؤلاء عبر البوابة السياسية وليس عبر البوابة المؤسساتية، وهذه التشريعات فيها صبغة المنّية يعني إنني أعطيك هذه الفسحة بإرادتي وليس استجابة لتطلعاتك، أي إنني أعطيك انتخابات مجلس محافظة لكن مشروطة وأعطيك حرية صحافة لكن مشروطة وهذا ينم على عدم أخلاقية الجهة السياسية، وطبعا المياه تجري في اتجاه تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات بما يضمن إيجاد قانون يمكن الأحزاب المسيطرة على مجلس النواب أن تكون ممثلة في مجلس المحافظات، وان كل القوى السياسية ذاهبة لإجراء انتخابات مجلس النواب العراقي ولن تجازف بإجراء انتخابات مبكرة وهذا مصداق الأرزاق المحلية في صناعة القرار السياسي".
الباحث صلاح الجشعمي؛ محامي وناشط حقوقي:
"نرى الكثير من التعارض والاختلاف بين النصوص القانونية وتشعر أن هناك حالة تعمد في هذا الاختلاف أو التعارض في مثل هذه النصوص القانونية والتشريعية، وان هذه المجالس بفلسفتها وغايتها التشريعية سواء كانت مجالس محافظات أو مجالس محلية أو ألوية، وان هذه المجالس وجدت في دول شعوبها متباينة تباين عظيم وان سكان هذه الدول تتشابك تشابك واضح في المصالح فوجدت في إدارتها المحلية مجالس تسمى بـ(مجالس المقاطعات) حتى تستطيع أن تفك أي تشابك بالمصالح بين هذه الطوائف والقوميات المتشابكة والمتباينة في رقعة جغرافية واحدة معينة صغيرة، وأصبح هذا النظام جزء من النظام الديمقراطي خاصة في الدول الغربية، وان تاريخ هذه المجالس في العراق مر في مرحلتين الدولة العثمانية والدولة الحديثة، إما بخصوص الدولة العثمانية فكان ضمن ألوية ثلاث بغداد والموصل والبصرة وتحتها سنجق وتحت السنجق قائم مقام وتحتها ناحية ثم قرى، ولكل وحدة إدارية لها رئيس، ولم نرى في العهد العثماني ذهاب الدولة إلى تقنين هذه المجالس وذلك لانتفاء الحاجة لها، وفي العهد الملكي صدر قانون مجالس ألوية 27 و 46 وذكر هذا الأمر لكنه لم ينفذ في الواقع لأنه لم يكن هناك تشابك في المصالح بين السكان، ووجدت مجالس المحافظات لغرض سياسي وهو سيطرة نفوذ الأحزاب على المحافظات كما يشير الواقع لذلك، ولن نستطيع الخروج من أزمة هذه المجالس إلا بتعديل الدستور الذي يعد أمر صعب جدا في الوقت الحاضر".
الحقوقي احمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"طبقاً لثقافة الشعوب خاصة الشعوب العربية والشعب العراقي فإن قضية الانتخابات والوصول إلى القيادات والإدارات عن طريق الانتخابات قضية لا تدركها الشعوب العربية بشكل جيد، وما مجلس الأمة ببعيد في العهد الملكي أو المجلس الوطني في النظام السابق وهي عبارة عن مجالس شكلية ليس إلا، حتى انتخابها كان يتم عن طريق فرض أشخاص على الناخبين وهم أعضاء في الحزب الحاكم، وبعد 2003 أراد الساسة العراقيين وبتوجيه وإرادة خارجية أن يركب العراق قطار الديمقراطية فكان مجلس النواب متمثلا بالجمعية الوطنية ومن وجالس المحافظات والنواحي هي شكل الديمقراطية لكن بقي مضمونها بعيد عن المفهوم الحقيقي لها، وكأنما العراق اخذ التجربة والعالم الغربي جاء إليه بتجربة جيدة، ولكن للأسف الشديد لا القيادات العراقية تفهم معنى الديمقراطية ومعنى التداول السلمي للسلطة ولا معنى كيفية إدارة هذه المجالس واختيار الأشخاص الكفوئين لها، وان أصحاب المجالس اغلبهم لا يفقهون حدود عملهم فمنهم من يعمل كأنه مشرع أو يتدخل بالسلطة التنفيذية، وبالرغم من توزيع المجالس إلى لجان لكن أصحاب تلك المجالس يفهم بأنه هو المتحكم بالجهات وليس هو جهة رقابية او تعين الجهات الإدارية على حل المشاكل، وان التجربة التي حدثت لم تنتج مجلس محافظة نموذجي حتى على مستوى إقليم كردستان".
حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
"هناك سببان رئيسان أديا الى عدم الرجوع لمجالس المحافظات الأول يتمثل بمسألة ثقافية اجتماعية وانه بعد 2003 تحول العراق ولو شكليا تحول سياسي واقتصادي دون أن يتحول اجتماعيا نحو الديمقراطية، إما الجانب الثاني فهو ليس وجود تجربة رائدة لمجلس المحافظات لكي نلجأ لها ونتبنى مسألة مجالس المحافظات بالإضافة كذلك إلى مسألة الفساد التي تحول دون العودة لمجالس المحافظات".
الشيخ مرتضى معاش:
"التمثيل الشعبي الذي يتحقق بتمثيل كل فرد هو جوهر الديمقراطية، وان لم يكن هناك تمثيل لكل فرد فهذا ليس نظام ديمقراطي، لذلك فإن الذي لدينا اليوم هو عبارة عن نظام إقطاع وإقطاع سياسي وهو الذي ساهم في إسقاط مجالس المحافظات، لان المشاركة بمجالس المحافظات أو المجالس المحلية أو مجلس الاتحاد واكتمال المؤسسات الدستورية يؤدي إلى قوة المشاركة الشعبية وقوة التمثيل الشعبي وهو ما يؤدي بالتالي إلى تضاؤل قوة الكتل السياسية على التحكم. فالكتل السياسية تريد أن تتسلط وتجعل الطبقة الشعبية مجرد تابع وخادم لها، لذلك وجود هذه المجالس يعني هناك توزيع للقدرة وتضاؤل قدرات الكتل السياسية واحتكارها لموارد الدولة لسلطة ورقابة الشعب، كما ان أهم أسباب رصانة النظام السياسي في العراق ومشروعيته هو تعزيز اللامركزية عبر قوة التمثيل الشعبي، ولكن لاحظنا ان هناك من يتمسك بالقوانين الموجودة للأنظمة السابقة التي تؤدي إلى مركزية القرار وهذه المسألة خطيرة تؤدي الى تكريس ديمقراطية شكلية ومركزية النظام الحاكم، لذلك فان ازدياد التمثيل الشعبي يؤدي إلى توزيع القدرة وخروج القدرة من يد الإقطاع السياسي.
فالمجالس التي تعزز الإرادة الشعبية والتمثيل الشعبي يؤدي إلى انبثاق القرار الديمقراطي من القاعدة وليس من القمة وبالنتيجة ينتزع القرار من القمة وهذه قضية جوهرية مهمة في فلسفة الديمقراطية، وان اللامركزية هي الأساس في انبثاق النظام الديمقراطي من خلال تحجيم المركزية.
وكذلك ترصين النظام الانتخابي وتعزيز عملية المشاركة الشعبية بما يجعل الناخب قادرا على معاقبة المنتخب الفاشل، فالناخب يعزف عن المشاركة لشعوره بأنه يمارس عملية ديمقراطية شكلية، بالإضافة إلى تشجيع الشباب للمشاركة في التمثيل الشعبي وهذا يؤدي إلى تعافي النظام السياسي والخروج من حالة الفوضى وعدم اليقين".
الدكتور قحطان حسين طاهر، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"ان تجربة مجالس المحافظات من التجارب المهمة في العراق وعند تقييم هذه التجربة كتقييم شخصي بالتأكيد هو تقييم سلبي، وهذه السلبية نابعة من أسباب عديدة والسبب الأساسي الأول هو النقص التشريعي في العراق والذي له أوجه عديدة للنقص التشريعي وهناك تعارض وتقاطع ما بين القوانين النافذة سواء كانت على مستوى الدستور أو على مستوى التشريعات الاعتيادية، وهنا الخلل التشريعي أحدث فوضى في عمل المؤسسات الرسمية في العراق، وبعض التطبيقات التي أحدثتها هذه الفوضى هي صلاحية المحافظ، وان القانون النافذ الذي هو قانون مجالس المحافظات وان المحافظ ليس له أي صلاحيات إلا الصلاحيات التي يخوله إياها مجلس المحافظة، وان مجلس المحافظة الذي هو هيأة رقابية ولدينا هيأة تنفيذية الذي هو المحافظ ونائبين المحافظ، وفي المبدأ الديمقراطي هؤلاء يمثلون هيأة رقابية وهيأة تنفيذية بجانب السلطة القضائية الموجودة في المحافظة، ويفترض أن يكون هناك تعاون وتكامل وقدر من الفصل بين هاتين السلطتين، فإذا تحقق البند الدستوري أو المادة الدستورية التي تلزم المحافظ بإتباع ما يخوله إياه مجلس المحافظة فهنا سيكون هناك دمج ويصبح المحافظ الذي هو عبارة عن هيأة تنفيذية تابع بإرادة مجلس المحافظة، فإذا كان مجلس المحافظة جيد وأداءه مهني وسلوكياته تتم وفق القوانين، لكن الواقع اثبت عكس ذلك وبالتالي تم تغييب الهيأة التنفيذية وأصبحت الهيأة الرقابية هي المتحكمة بزمام المحافظة، إما بخصوص مهام واختصاص مجالس المحافظات وان التجربة السابقة منذ 2005 إلى 2019 وإذا ما قيمنا عمل هذه المجالس نرى إخفاق كبير في عملها ورغم أن مجالس المحافظات تأثرت بالخلل التشريعي وتأثرت بالخوض السياسي سلباً وغياب القوانين التي تنظم عمل مجلس المحافظات وحتى ان وجدت فهي غير مطبقة لان الأجندات السياسية هي التي كانت الحاكم، والتخوف من عودة مجلس المحافظة وذلك بسبب فشل التجربة والظروف التي لا تزال سائدة ولم تتغير ومنها الفوضى السياسية والصراع السياسي وغياب الوعي، ولو جرت الانتخابات وعادت هذه المجالس فستكون الانتخابات بمعيار أخر على غيار المعيار السياسي أو الحزبي".
الباحث عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
"فكرة الديمقراطية الناشئة هي فكرة رائعة جدا تمتد من الإدارات المحلية سواء كانت حكومة محلية أو مجالس محلية أقضية ونواحي صعودا إلى البرلمان، ولو كانت الفكرة عكس ذلك لرأينا أسوء من ذلك ولو كانوا أشخاص معينين لكانت الديكتاتورية تبددت في أسوء صورها في العراق، وان مجالس المحافظات كقانون أو فكرة هي من أفضل القوانين مع بعض المؤاخذات على تطبيقاتها وصياغتها، ولكن المشكلة تكون في الهدف من إنشاء ديمقراطية وبناء بلد أو هدف في إنشاء كتل سياسية وزعامات، وان الذي يسن القانون يحاول أن يضخم من مساحته ولا يعطي فرصة لتوسع الآخرين، وان اغلب الكتل السياسية تعمل على تقليل المشاركة في الانتخابات إلى ادنى مستوى، لان الأغلبية الصامتة إذا اشتركت ستقلب الموازين وتظهر الكتل السياسية بصورتها الحقيقية، لذلك الجزء الأساس في إنتاج مجالس محافظات أو إدارات محلية هو عدم وجود نية صادقة لأغلب الكتل السياسية في إنتاج قوانين ومصاديق حقيقة لإنجاح مجالس محافظات عملي".
الدكتور حميد مسلم الطرفي، عضو ملتقى النبأ للحوار:
في النظم السياسية تعني الإدارة اللامركزية مجالس محلية منتخبة مقرونةً برقابة عليا.
(وجود مجالس المحافظات، وكون المحافظ ينتخبه مجلس المحافظة) تلك قضية دستورية واجبة التطبيق (المادة 122) من الدستور.
فساد الممثل لا يلغي فكرة التمثيل مثلما أن سوء تطبيق النظرية لا يعني فساد النظرية، وإلا فعلينا إلغاء مجلس النواب ومجلس الوزراء وكل الدولة والتوجه نحو شريعة الغاب.
عبر تجربتي الخاصة في المجالس (2005-2009) الأخذ بالمقترحات التالية مفيد جداً لنجاح التجربة:
1- يُقلل العدد من 25 كعدد أساس إلى 7 كما تم في التعديل الأخير.
2- تحدد وظيفة المجلس بالقضايا التالية: انتخاب المحافظ بالأغلبية وإقالته بأغلبية الثلثين، اعداد موازنة المحافظة بحدودها الادارية قبل انتهاء السنة المالية، المصادقة على تعيين المدراء العامين بالأغلبية، تقييم أداء مدراء الدوائر في نهاية كل عام عبر تقرير يرفع الى المحافظ.
3- يُضاف إلى المجلس في الاجتماعات مدراء الدوائر التنفيذية الرئيسية البلدية والبلديات والماء والمجاري والكهرباء كأعضاء ولكن لا يحق لهم التصويت.
من أسباب إخفاق التجربة:
- تدخل مجالس المحافظات بالدوائر التنفيذية عملاً وتعييناً واقالةً (تُسحب منهم هذه الصلاحية).
- ابتزاز المحافظ لأغراض خارج المصلحة العامة (تستبدل الاقالة لأسباب محددة من الاغلبية المطلقة الى الثلثين).
- انتقال الخلافات السياسية في اعلى الهرم الى المحافظات (حصر المهام في قضية الموازنة والتقييم السنوي ورفعه الى المحافظ) يقلل من المغانم والتي هي سبب الاختلاف.
- وجود النص الدستوري (لا يخضع مجلس المحافظة لإشراف أو سيطرة أية وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة (المادة 122 /خامساً)، وأظن ان مجلس النواب قد أقر في التعديل الأخير للقانون رقابة مجلس النواب على مجلس المحافظة على أن تعزز هذه الرقابة بتقرير سنوي يرفع الى رئاسة المجلس يتضمن كافة الخروقات الدستورية والقانونية للأعضاء في حال وجودها.
علينا أن لا ننسى أن مجلس المحافظة يخضع في شؤونه المالية لرقابة ديوان الرقابة المالية وفي شؤونه الادارية والمالية لإجراءات هيئة النزاهة في حال حصول أي خروقات ادارية أو مالية.
كل المعايير الواجب توفرها في المرشح والناخب في عملية انتخاب مجلس النواب يجب توفرها في ذات العملية لمجلس المحافظة لتكون المخرجات سليمة ومنتجة، فوعي الناخب، وتحريه عن المرشح، وعدم تأثره بالمال السياسي، وثقافته العامة كفيل بأن يكون ممثله على قدر المسؤولية.
الباحث جواد العطار؛ برلماني سابق:
تعتبر فكرة إقامة مجالس المحافظات المنتخبة تطبيقا عمليا لنظام اللامركزية الإدارية الناجحة في عدد كبير من بلدان العالم، بعد إن أثبتت المركزية في الحكم فشلها باعتبارها الخطوة الأولى نحو الديكتاتورية.
وللأسف لاقت تجربة عمل مجالس المحافظات في العراق فشلا كبيرا حتى أصبحت حلقة من حلقات الفساد والمعرقل الرئيسي للتنمية والأعمار وحتى الاستثمار إلى إن جاء قرار تجميد عملها من قبل البرلمان تحت ضغط الشارع عملا مخالفا للدستور ولكنه مرضي للواقع في حينها.
لكن هذا التجميد لم يكن إلا محاولة لإرضاء الشارع وغلق منفذ كبير من منافذ الفساد الذي ينخر جسد الدولة وكان سببا مهما في تأجيل انتخابات المجالس المحلية عام ٢٠٢٢، التي يجري الحديث حاليا عن احتمال إجرائها في موعد قريب بعد استيفاء شروطها الموضوعية مثل قانون انتخابي عادل ومفوضية جديدة.
إذا قد لا تجري انتخابات جديدة لمجالس المحافظات أصلا مع الواقع السياسي الحالي وفشل معظم المحافظين في أداء عملهم والغضب الجماهيري حيالهم... ورغم ذلك فان العراق يحتاج قبل خطوة إعادة مجالس المحافظات إلى تدريب كوادر متخصصة في العمل الإداري تمتاز بالكفاءة والنزاهة أولا؛ وتعريف الرأي العام بأهمية مجالس المحافظات باعتبارها مجالس دستورية ثانيا؛ وفعالة في الحفاظ على النظام الديمقراطي من عودة الديكتاتورية ثالثا.
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights