يمر الإنسان خلال حياته بمراحل متعددة تبدأ منذ الولادة ويتدرج في مراحل حياته حتى يصل إلى مراحل النضج ومن ثم الكهولة وفي بداية حياته يتميز الإنسان بعدم التمييز بين المنافع والمضار لعدم تكامل قواه العقلية والجسدية ويكون عرضه للتأثر والتعلم بسهولة ويمكن ان تحدد خياراته المستقبلية في هذه المرحلة من قبل ابويه ومعلمه ومجتمعه، والمؤسف اننا نشهد تجاوزاً على الحق في التنشئة الصالحة وحق الطفولة لعدد كبير من أطفال العراق وسوريا واليمن وغيرها من البلدان التي تشهد صراعاً مسلحاً أخذين بعين الاعتبار العديد من الصور والتطبيقات التي تعد على درجة كبيرة من الخطورة بل ترقى في الكثير من الأحيان إلى وصف جريمة الحرب ومن أهم وكان آخرها قيام أحد الإرهابيين في سوريا بتفخيخ أجساد ابنتيه والدفع بهما نحو ارتكاب جريمة لا يقدران خطورتها ومدى انحرافها عن الحق والدين والأخلاق والنبل والقيم الإنسانية، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تعددت هذه التطبيقات ومنها:

- بيع الأطفال.

- استغلال الأطفال جنسياً في البغاء والمواد الإباحية.

- اشراك الطفل في الصراعات المسلحة.

- استغلال الأطفال في العمل الشاق أو في ظل ظروف عمل غير إنسانية.

- استرقاق الأطفال.

- نقل أعضاء أجسادهم والاتجار بها بشكل غير مشروع.

وفي ذلك مخالفة صارخة للشرعية الدولية سيما ما أكدت علية اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 والتي صادق عليها العراق بموجب القانون رقم (3) لسنة 1994 اذ تؤكد الاتفاقية في المادة الثانية والثلاثين أهمية ان تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن اداء أي عمل يرجح ان يكون خطيراً أو ان يمثل اعاقة لتعليم الطفل أو ان يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني والعقلي والروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، واقرت المادة الخامسة والثلاثين من الاتفاقية ضرورة ان تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الاغراض أو باي شكل من الأشكال.

كما ألزمت المادة السادسة والثلاثين الدول بحماية الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارة باي جانب من جوانب رفاه الطفل، لاسيما ان كان الاعتداء على الطفل لأغراض الاستغلال الجنسي وأكد البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل منع استغلاله في المواد الإباحية ومنع بيعه اذ عرف بيع الطفل بانه فعل أو تعامل يتم بموجبه نقل الطفل من جانب أي شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص أخر لقاء مكافأة أو أي شكل أخر من أشكال العروض ويؤكد البروتوكول على تحريم تعريض الطفل للعمل القسري، وبيع الطفل أو استغلال حالته ونقص إدراكه باي صورة ولاشك يعد جريمة بموجب القانون الوطني والدولي اذ ينص الدستور العراقي لعام 2005 في المادة التاسعة والثلاثون على حظر استغلال الأطفال بأي صورة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم، وأكد ذلك قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969على تجريم هذه الأفعال حيث ورد بالمادة (421) ما نصه يعاقب بالحبس.. من قبض على شخص أو حجزه أو حرمه بأية وسيلة كانت بدون أمر من سلطة مختصة في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين والأنظمة بذلك وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمسة عشر سنة في الأحوال الآتية:

أ- إذا حصل الفعل من شخص تزيا بدون وجه حق بزي مستخدمي الحكومة..

ب- إذا صحب الفعل تهديد بالقتل أو تعذيب بدني أو نفسي.

ج- إذا وقع الفعل من شخصين أو أكثر أو من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً.

د- إذا زادت مدة القبض أو الحجز على خمسة عشر يوماً.

هـ- إذا كان الغرض من الكسب أو الاعتداء على عرض المجني عليه أو الانتقام منه أو من غيره، فمن يتمكن من احتجاز الطفل سيصبح مسيطراً عليه ويفقد الطفل حريته ما سيؤثر على نشئة الطفل بدنياً ونفسياً، ويستغل المسيطر على الطفل ذلك ليجبره أو يستغله في أداء العمل القسري خلافاً لإرادة الطفل أو ما تقضي به القواعد القانونية حيث نظمت اتفاقية تحديد الحد الادنى لسن العمل باتفاقية عام 1973 والتي أوردت أحكام تشغيل الأحداث وخولت الدول بحسب ما تنظمه قوانينها تحديد الحد الادنى لسن العمل وفق ما ورد بالمادة الثانية ومنعت ذلك بالنسبة لمن تقل أعمارهم عن الرابعة عشر من العمر الا على سبيل التدريب في الأعمال التي تتلائم مع أعمارهم وإمكانياتهم الجسدية.

الا ان الملاحظ ان الأطفال غالباً ما يزج بهم في الأعمال الزراعية والصناعية من قبل حتى أولياء أمورهم لزيادة الإنتاج والإنقاص من تكاليف العمل إلا إن ذلك يكون على حساب نمو الطفل ومراحل تكامل قواه الجسدية والإدراكية، وفي العراق نظم قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 الحد الأدنى لسن العمل في العراق وهو (15) سنة وفق ما ورد بالمادة السابعة وأكدت المادة التاسعة حظر العمل القسري والإلزامي بكافة أشكاله والمتاجرة السرية بالأشخاص والعمال المهاجرين ومنع القانون التحرش الجنسي في الاستخدام أو المهنة الا ان القانون لم يمنع العمل في إطار العائلة أو ينظمه.

ومن صور الاعتداء على الطفولة استغلال الأطفال في التسول أو الطلب من الأفراد الغرباء أموالاً بداعي الفقر والحاجة باستغلال ادعاءات تدعو للرحمة والعطف على المتسول كادعاء المرض والاعتلال الصحي أو إثارة الشعور الديني واستغلال البعض للعاهة المستديمة المصاب بها الطفل، ومن الملاحظ ان البعض يستغل الأطفال المعتلين والمعوقين كون وضعهم الجسدي يمكن ان يستقطب تعاطف الناس من المحسنين وإجبار الطفل على الاستعطاء هو نمط من الرق ويتنافى مع قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 في المادة (390) والتي تعاقب بالحبس.. كل من اتم الثامنة عشر من عمره وكان له مورد مشروع يعتاش منه وكان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد وجد متسولاً في الطريق العام أو المحلات العامة.. وتشدد العقوبة إذا تصنع المتسول الإصابة بجروح أو عاهة أو استعمل وسيلة اخرى من وسائل الخداع لكسب إحسان الجمهور وأضافت المادة (392) معاقبة من يغري شخصاً لم يتم الثامنة عشر من عمره على التسول وتشدد العقوبة ان كان الجاني ولياً أو وصياً أو مكلفاً برعاية أو ملاحظة ذلك الشخص.

وتتزايد الاعتداءات على الطفولة بشكل خاص في أوقات النزاعات المسلحة سواء بقتل إعداد كبيرة من الأطفال بشكل مباشر بمختلف الأسلحة أو بشكل غير مباشر كما في أحوال نقص أو انعدام سبل الحياة الكريمة للطفل اذ تنقطع الأغذية والمنظفات المخصصة للأطفال، بل يكون الأطفال صيداً سهلاً للشواذ من الإرهابيين والمنحرفين حيث يلاحظ تزايد الاعتداءات الجنسية عليهم وهو ما حصل في العراق بعد شهر حزيران 2014 حيث قامت عصابات داعش الإرهابية باغتصاب عشرات الأطفال واسترقاق العديد من الفتيات القصر وتم نقل العديد منهن إلى خارج العراق وبيعهن كجواري.

أضف إلى ذلك ان اغلب الجماعات الخارجة عن القانون تستغل الأولاد غير البالغين في الحروب وتزج بهم في اتون القتال، ووصل الأمر إلى ان عصابات الجريمة في العراق أعدت العديد من الأطفال ليفجروا أجسادهم تحت مسمى أشبال الخلافة المزعومة، ويلاحظ ان عمليات قتل الضحايا كانت تتم على يد الأطفال ما يترك في نفوسهم وعقولهم تركة يصعب إزالتها، ولاحظنا ان هذه الجماعات عمدت إلى تسميم أفكار الأطفال عبر تدريس الأفكار المنحرفة الضالة كمناهج دراسية في المدارس والجوامع لإعداد أجيال قادمة من الإرهابيين ممن يحملون الفكر الإجرامي.

وهذه السلوكيات المتقدمة لاشك انها تسرق من الطفل أعز ما يملك الا وهو براءة الطفولة وتمثل اعتداء سافر على حقوقه وحرياته، ولعل أهم ما تنطوي عليه تلك السلوكيات ما يأتي:-

1. الاعتداء على الحق في النمو الجسدي والنفسي السليم:- اذ ستترك الممارسات غير اللائقة في الاستعباد الجنسي أو الجسدي أو العمل المبكر أثارها على نمو أعضاء جسم الطفل، بل ابتعاد الطفل عن جو الأسرة الاعتيادي يؤدي إلى تذبذب ما يحصل عليه من غذاء وعلاج ومأوى وخدمات أخرى وسيعيش في أجواء ملئها الإهانة والتحقير ما سينعكس على حياته ونشأته بشكل مباشر، ويتعرض الطفل المتسول لمختلف أنواع التعنيف الجسدي والنفسي الأمر الذي يجعل منه ينمو ويعيش مع عقد ومشاكل نفسية عميقة وخطيرة.

2. الاعتداء على الحق في العيش في بيئة أسرية سليمة:- فمن يسلب من اسرته ليباع في مكان أخر أو دولة أخرى أو يترك المدرسة ليزج في العمل القسري والشاق هو في الحقيقة يغادر أجواء اللهو واللعب الذين يعدان حاجة اساسية للطفل ولهما الدور الاكبر في تنشئته بشكل صحيح ما يجعل منه يعاني من أزمات نفسية مزمنة وفراغ فكري وعاطفي.

3. الاعتداء على الحق في العيش بحرية:- فالأطفال يميلون إلى تصديق الكبار عموماً وذوي النفوذ عليهم بشكل خاص لاسيما أولياء أمورهم ورجال الدين ومحاولة التأثير على معتقداتهم وتوجيهها نحو التطرف وإقصاء الآخر هو قمة العدوان على حق الطفل في حرية العقيدة والرأي.

وأشارت المادة (381) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل إلى معاقبة كل من أبعد طفلاً حديث العهد بالولادة عمن لهم سلطة شرعية عليه أو إخفائه أو إبداله بآخر أو نسبته زوراً إلى غير والدته وما انتهت اليه المادة (383) من معاقبة من عرض للخطر سواء بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالة الصحية أو النفسية أو العقلية، وهو ما نصادفه اليوم مع ما تقوم به بعض الجماعات الإرهابية أو الانتهازيين ممن يؤثر مصالحة الخاصة على حساب الطفل وحقوقه وما يتعرض له الطفل أحياناً من أسرته أو مجتمعه بقصد ومن غير قصد.

التوصيات:

1. ضرورة إعادة إدماج الأطفال الذين تعرضوا لحالة من حالات انتهاك الحقوق الطبيعية للطفل عبر تضافر الجهود بين القطاع العام ودوائر الدولة المختصة لا سما وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية والصحة من جهة والمنظمات غير الحكومية التي يعول على دورها المحوري في إعداد برامج تعيد للطفل المعنف بعض ما فقده من عطف اسري وما فاته من سنوات الطفولة.

2. السعي الجدي لتغيير انطباع الرأي العام تجاه الأطفال الذين انساقوا إلى الإجرام مع إرهابي داعش بفعل التغرير بهم من قبل أولياء أمورهم أو بعض ممن تمترس بعباءة الدين تارة أو بفعل الإكراه الممارس على ذويهم، والنظر إليهم كضحايا لا كمجرمين كونهم لا يملكون التمييز والإدراك لما يصدر عنهم من تصرفات وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في الوسط العائلي والمدرسي من جديد.

3. إلزام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على تنظيم زيارات لمواقع عمل الأحداث بشكل منتظم واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أرباب العمل ممن يخالف ضوابط عملهم المنظم في قانون العمل رقم (37) لسنة 2015.

4. ضرورة ان تكفل جميع الدول للأطفال المبعدين عن عوائلهم بشكل قسري أو تحت تأثير شظف العيش العودة الطوعية وان تكفل لهم الدولة العراقية بعد عودتهم العيش الكريم تنفيذاً لما ألزم به الدستور العراقي لعام 2005 الحكومة العراقية بموجب المادة(29) التي تنص على ان الأسرة أساس المجتمع تحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية، وان تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.

5. السعي الجاد لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يلزم جميع الدول بتسليم جميع المجرمين من إرهابي داعش العائدين لدولهم لاسيما الاوربية منها أو الهاربين إلى تلك الدول بعد ارتكابهم افظع الجرائم بحق الأطفال والكبار وما لاقت براءة الطفولة على ايديهم من ويلات في العراق لغرض محاكمتهم في العراق وإنزال اشد العقوبات بحقهم.

6. تعديل قانون العقوبات العراقي وإيراد نص صريح يحرم الاتجار بالأطفال وغيرهم ووضع عقوبات رادعة بحق الجناة ومصادرة أموال الجناة التي تقاضوها نتيجة سلوكهم الإجرامي المنطوي على اعتداء على براءة الأطفال.

7. أهمية الدعوة إلى مؤتمر عالمي برعاية منظمة الطفولة العالمية لبحث الآثار المدمرة التي خلفها الصراع المسلح في العراق وسوريا وغيرهما من الدول على حياة الأطفال وضرورة إقرار خطة انقاذ عالمية عاجلة لفك أسر الأطفال المختطفين من قبل العصابات الاجرامية ورعاية كل من فقد والداه أو اضطر إلى العمل واعالة اسرته أو النزوح بعيداً عن مدينته وانتشالهم من مخاطر الانجرار خلف التيارات المتطرفة التي تستهويهم بأفكارها المغلوطة وتنمي في اذهانهم نوازع الشر والعدوان والانتقام من الاخرين بالتمرد وسلوك سبيل الإجرام.

8. حتمية القضاء على الأسباب المؤدية إلى سرقة براءة الأطفال وعلى رأسها الفكر الإرهابي المنحرف والثغرات التي تضمنها قانون العقوبات والمؤدية إلى إفلات الجناة من العقاب.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات