مقالات

جريمة كربلاء انتكاسة كبرى في حقوق الإنسان

الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته مهمة سامية ورسالة إنسانية، على أساسها تسعى المنظمات والمراكز الحقوقية إلى رصد الانتهاكات من باب إنصاف المظلوم وإظهار الحقائق، وعليه تستذكر الأمم والشعوب الحرة الجرائم والانتهاكات الخطيرة التي تعرضت لها الشعوب والجماعات خلال مسيرتها التاريخية، بالخصوص الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها السلطات الحاكمة آنذاك. 

ومن باب الإنصاف أيضاً أن نستعرض أكبر جريمة تم ارتكابها ضد الإنسانية عرفها التاريخ، ألا وهي جريمة طف كربلاء الدامية والتي وقعت في يوم العاشر من شهر محرم من سنة 61 هجرية، الموافق لـ 12/10/680 ميلادية، تلك الجريمة التي أقل ما يمكن أن نصفها بـ(الجريمة البشعة).فقد انتهك الجيش الأموي في كربلاء جميع القوانين والأخلاق والشرائع السماوية والإنسانية، والتي ارتكبت بحق الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت نبي الإسلام، محمد بن عبد الله، الذي أصبح المسلمون يطلقون عليه لقب "سيد الشهداء" بعد انتهاء المعركة، ومعه أهل بيته وأصحابه، وقد تم القتل من قبل جيش تابع ليزيد بن معاوية الحاكم الأموي حيث تمت إبادة كافة الرجال والأطفال في ذلك اليوم وأُخذت النساء سبايا من العراق إلى دمشق وهم مقيدي الأيدي والأرجل، وما زاد في الجريمة بشاعةً وانتهاكاً لحرمة الإنسان هو رفع رؤوس الضحايا على الرماح أمام مرآى النساء والأطفال الناجين من الموت والذين لاذوا بين الخيام المحترقة أثناء ارتكاب الجريمة من قبل القوات العسكرية الأموية، ولم تنتهي الانتهاكات عند هذا الحد، بل أمر عامل الدولة الأموية الحاكم في الكوفة بأن يسلكوا بمن تبقى من النساء والأطفال طرقاً وعرة وطويلة وصولا إلى دمشق بهدف التنكيل بهم.هذه الأحداث هي إيجاز لما وقع من جريمة نكراء من قبل السلطة الأموية، وما حدث أثناء الجريمة وبعدها من تفاصيل أمر وأدهى، حيث كانت تلك الجريمة بداية خطيرة وخطوة جريئة في انتكاسة حقوق الإنسان ويمكن أن نسميها كعاملين في مجال حقوق الإنسان بـ(الانتكاسة الكبرى للحقوق والحريات)، إذ كانت المطالب التي استجاب لها الإمام الحسين في الخروج إلى الكوفة هي دفع ظلم الحاكم ونشر العدل بين الناس بجميع انتماءاتهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.ولو نظرنا إلى ما تناوله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته مسألة الكرامة الفطرية كأساس للحرية الإنسانية، وحقوق الإنسان، "إن الاعتراف بأن الكرامة الفطرية، والحقوق المتساوية وغير القابلة للانتقاص منها لكل أعضاء الأسرة الإنسانية هي أساس الحرية، والعدالة والسلام في العالم"، وقد اعتبر انتهاك هذه الكرامة والحرية الإنسانية بمختلف أنواعها مما يقود إلى الحروب، والويلات، والمآسي، والثورات،" وحيث أن تجاهل وازدراء حقوق الإنسان قد أدى إلى أعمال همجية، أثارت غضب ضمير الجنس البشري... وحيث أنه من الضروري، إذا لم يجبر الإنسان على اللجوء، كملجأ أخير إلى الثورة ضد الطغيان والقمع، فإن حقوق الإنسان يجب أن تحمى بحكم القانون"، وطبقاً لهذا المفهوم الإنساني وجدنا إن الإمام الحسين لم يتوقف في هذه المسألة بحدود إطارها النظري حسب، وإنما أنزلها، بل نزل بها إلى حيز الواقع العلمي، ومارسها شخصيا. فحين أحس بمدى انتهاك حقوق الإنسان وحرياته الذي باشرت به حكومة يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بحق أبناء الأمة لم يكن ليقف مكتوف الأيدي إزاء ذلك، بعد أن استنفد كل الوسائل الممكنة لثني ذلك الطاغية عن ممارساته تلك، عندها باشر شخصيا بممارسة التغيير الذي عبر عنه بقوله: "ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".ومع كل هذه المعاني الإنسانية أقدمت الدولة الأموية لارتكاب تلك الجريمة في كربلاء لتؤسس بفعلها الإجرامي لأكبر مدرسة في الإرهاب عرفها التاريخ والتي لا تزال فاعلة إلى اليوم ولا يزال أتباعها يوجهون إرهابهم لجميع أبناء الجنس البشري تحت مسمى التكفير وإقامة دولة الخلافة وتأسيس الإمارات في أي دولة تواجه أزمات داخلية سواء كانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية.وقد تجلت الانتكاسة لحقوق الإنسان في جريمة كربلاء من خلال الصور التالية:أولاً: القتل الجماعي المتمثل بقتل الإمام الحسين وجميع من كان معه من الرجال وذبح عدد غير قليل من الأطفال الذين كانوا معه وقتل بعض النساء سحقاً بالخيول وضرباً بالرماح.ثانياً: التمثيل بجثث القتلى، إذ لم يكتفي الجيش الأموي بجريمة القتل، بل قام بقطع رؤوس القتلى ورفعها على الرماح لنشرع الهلع والرعب بين الناس وإرهابهم والتلويح لهم بعدم التعرض للسلطة الحاكمة والمطالبة بالحقوق من الحاكم.ثالثاً: التأسيس لمفهوم الإرهاب والاستمرار بقتل كل من يطالب بحقه وقطع رأسه وإرساله للحاكم، فأصبح العرف السائد لدى الولاة وعمال الدولة هو الفتك بخصومهم حتى لو كانت الخصومة شخصية بحجة الخروج على الحاكم، ولا تزال هذه الأعراف تمارس ضد الشعوب إلى يومنا هذا بحجة عدم الخروج على الحكام حتى لو كان ظالماً.رابعاً: ترسيخ الأعراف التي تبيح للعاملين لدى الحاكم قتل من يشاءون وقطع رؤوسهم وسبي نسائهم ومصادرة أموالهم أو نفيهم من البلاد كما حصل في أيام حكم الأمويين وحكم حزب البعث بالعراق في بداية الثمانيات من القرن الماضي حينما قتل وسفر وصادر الأموال المنقولة وغير المنقولة وكما يحدث اليوم في بعض دول الخليج.خامساً: إقامة الاحتفالات والأعياد بعد كل جريمة قتل فردية أو جماعية وذلك بمباركة السلطة المتمثلة بالحكام الأمويين وولاتهم. وبما إن الإرهاب مدان من بكافة أشكاله من جميع الشعوب الحرة والمحبة للسلام، فقد حظرت أكثر الدول الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية الأفكار النازية وتمجيدها وتعاقب عليها قانوناً أو مجرد الدعاية لهذه الأفكار أو تنظيم الشعارات واستخدامها كما هو في ألمانيا والنمسا وبعض الدول الأخرى وترتب عليها عقوبات قضائية؛ لذا يجب على دول العالم الحر والمجتمع الدولي متمثلاً في الأمم المتحدة اتخاذ مجموعة من الإجراءات واجبة التطبيق للتصدي للفكر الأموي الذي يهدد أغلب دول العالم بالإرهاب والقتل والتفجير والتكفير وقطع الرؤوس، وذلك من خلال:1- سن قوانين تجرم كل من يمجد الفكر الأموي التكفيري أو يقوم بنشر هذا الفكر أو العمل به، لغرض تجفيف منابع الفكر التكفيري الإرهابي القائم على قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وحرقها وقتل الأطفال الرضع وسبي النساء وبقر بطون الحوامل.2- حظر المؤسسات الممولة والمروجة لهذا الفكر ومتابعتها قانونياً وقضائياً.3- تجريم كل من يثبت تبنيه لهذا النهج ويدعو إلى القتل ويستبيح دماء أعداء الفكر الأموي التكفيري.4- إدانة جميع أنواع العنف والقتل والقمع الموجهة الى من يخلد ذكرى الإمام الحسين ويؤدي الشعائر الدينية المرتبطة بهذه الذكرى.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات