طالب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات السلطات الحاكمة في السعودية بالسماح لبناء قبور أئمة البقيع وذلك إحتراما لمشاعر مئات الملايين من المسلمين، وكذلك لإشاعة روح التعايش بين طوائف المسلمين وإزالة أسباب الكراهية، وتماشيا مع ادعاء سلطات المملكة ببداية عهد جديد في الاصلاح وحفظ حقوق الجميع الدينية والمدنية.
وفيما يلي نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً" الكهف (21).
عام بعد عام وفي الثامن من شهر شوال- تتجدد الذكرى الاليمة لجريمة التعدي على مقدسات المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله المتمثلة بهدم أضرحة أئمة المسلمين وتتجدد معها المطالبات الشعبية بضرورة إعادة بناء تلك الاضرحة الطاهرة وصيانة مقبرة البقيع الواقعة بالقرب من المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وهي إحدى أهم مقابر المسلمين التاريخية التي تضم رفات الألاف من المسلمين الأوائل، منهم أحفاد النبي وأهل بيته عليهم السلام وأعمامه وأولاد عمومته، وزوجاته، وغيرهم من الصحابة المقربين، من المهاجرين والأنصار.
واليوم يصل عمر تلك الجريمة الى عامها الواحد بعد المائة وهي باقية شاهدة على حقد فئة منحرفة تعدت على حقوق المسلمين وانتهكت مقدساتهم ورموزهم الاسلامية بإسم الاسلام وبموافقة السلطات السعودية التي طالما تم مناشدتها من جهات مختلفة بإعادة بناء تلك الاضرحة لكنها لازالت مصرة على عدم الاستجابة.
إن قرار هدم قبور البقيع هو قرار سياسي بالدرجة الاولى مغلف بغلاف ديني صدر عن السلطات الحاكمة لكسب ود الطبقة الدينية المتنفذة والمتشددة التي ساندت السلطة الناشئة وقتذاك. فليس ثمة شك أنه من دون موافقة تحريرية من الجهات الحاكمة أن يتجرأ أحد من المسؤولين، لا من علماء الدين، ولا من الموظفين التنفيذين على تنفيذ هذه عملية الهدم. وقد عللت السلطات آنذاك إن أسباب هدم تلك القباب وتسوية القبور على الأرض بحسب السلطات التنفيذية هي إعادة التنظيم العمراني والحضاري للمدن التاريخية بما يتلاءم مع تشكيل المدن الحديثة، إلا أن الامر ثبت عكس ذلك بمرور أكثر من مائة عام على جريمة الهدم.
وعلى الرغم مما يٌشاع في خارج المملكة أنها نسيج عرقي واحد، ونسيج مذهبي واحد، إلا أن الواقع الاجتماعي والديني والمذهبي يؤكد أن المملكة العربية السعودية لا تحكمها أغلبية مذهبية معيّنة في كل مناطقها. إنما مناطقها مقسمة على مذاهب شتى، ففي المنطقة الوسطى (نجد) يسطر المذهب الحنبلي بقراءته الوهابية، وفي المنطقة الغربية (الحجاز) يغلب على سكانها المذهب المالكي والشافي، وفي المنطقة الجنوبية تنتشر جميع المذاهب الدينية تقريبا دون سيطرة مذهب على مذهب، وفي المنطقة الشرقية (القطيف والأحساء) يغلب عليها الأكثرية الشيعية.
نعم يمكن القول إن القرار السياسي في المملكة كلها بيد (نجد) لاسيما العائلة الحاكمة، وإن القرار الديني بيد علماء (السلفية الوهابية) هؤلاء اعتبروا الأضرحة (عبادة للأصنام) ويعتقدون أن وضع علامات على القبور هو بدعة بناءً على تفسيرهم للآيات القرآنية المتعلقة بالقبور والمزارات، ضاربين عرض الجدار كل الادلة العقلية والنقلية لدى المسلمين في حرمة التعدي على تلك الاماكن أو المساس بها.
إن القوانين الدولية والوطنية الحديثة تعدّ أي معلما تاريخيا أثرا حضاريا وإنسانيا لا يمكن المساس به، سواء كان هذا المعلم معلما دينيا أم معلما بيئيا أم معلما ثقافيا، وسواء كان لقوم مازالت حضارتهم قائمة أم لقوم اندثرت حضارتهم ولم يبق منها إلا طلل. وبذلك تُلزم تلك القوانين والهيئات الدولية الدول والجماعات المحافظة على تلك المعالم وصيانتها كونها إرثا لكل البشر. إلا أن السلطات الحاكمة في المملكة العربية السعودية وللأسف الشديد لا تعطي للمعالم التاريخية لاسيما مقابر آل النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين هذه السمة، وتعدها مواقع عادية غير مقدسة، ولا تمثل إرثا تاريخيا يمكن العناية به أو صيانته.
اليوم وبعد كل ما تقدم نطالب السلطات الحاكمة في السعودية إعادة النظر بقرارها الابقاء على وضع الهدم لمقبرة البقيع وأن تشرع ببناء تلك الاضرحة إحتراما لمشاعر مئات الملايين من المسلمين في جميع انحاء العالم، لإشاعة روح التعايش بين طوائف المسلمين وإزالة أسباب الكراهية، وطي صفحة سوداء في تاريخ المملكة وبداية عهد جديد في الاصلاح وحفظ حقوق الجميع الدينية والمدنية.