تُعرف الموازنة العامة بأنها (تقدير مفصل ومعتمد للنفقات العامة والإيرادات العامة، عن فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة) وتُعرف أيضا بأنها (وثيقة مالية تشمل جميع الإيرادات الحكومية ومصروفاتها خلال سنة مالية، وتعكس التوجهات الرئيسية للسياسة العامة للحكومة).
أو أنها (خطة مالية تقديرية لإيرادات الدولة ونفقاتها، لمدة زمنية محددة، عادة ما تكون سنة) تضعها السلطة التنفيذية، وتعتمدها السلطة التشريعية، قد تبدأ السنة المالية في بداية السنة الميلادية وتنتهي بنهايته. ويتبيـن مـن هذه التعاريف أن المـوازنة العامة للدولة، تستند إلى عنصرين أساسيين، هما التقدير والاعتماد.
يتمثل التقدير بحق السلطة التنفيذية بتوقع الإيرادات العامة التي يُنتَظَر أن تحصل عليها، وكذلك النفقات العامة التي يُنتَظَر أن تنفقها لإشباع الحاجات العامة للشعب، وذلك خلال فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة. ويتمثل الاعتماد بحق السلطة التشريعية في الموافقة على توقعات السلطة التنفيذية، من إيرادات عامة ونفقات عامة. وعلى هذا الأساس، فإن الموازنة العامة تظل مجرد مشروع موازنة، حتى تُعتمد من السلطة التشريعية.
والسؤال هنا ما حاجة الدولة إلى إعداد موازنة عامة؟ وماهي مراحل أعدادها؟ وماهي طرق إعداد الموازنات العامة؟ ولماذا تميل الدول الحديثة إلى موازنة البرامج والأداء دون غيرها من الموازنات الأخرى؟ وماهي متطلبات التحول من الموازنة التقليدية إلى موازنة البرامج والأداء؟
للموازنة العامة للدولة أهمية كبرى؛ لأنها تعبر عن برنامج العمل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للحكومة خلال الفترة المالية. وبعبارة أخرى، فإن الموازنة العامة للدولة لها دلالة سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ يمكن الكشف عن مختلف أغراض الدولة عن طريق تحليل أرقام الإيرادات العامة، والنفقات العامة، التي تجمعهما وثيقة واحدة، هي الموازنة العامة للدولة.
فالموازنة العامة تعلب دورا كبيرا في تشجيع النشاطات الإنتاجية والحد من الأنشطة غير الإنتاجية، وتقليل البطالة ورفع إنتاجية العمل الاجتماعي، والاستقرار العام للأسعار والحد من التضخم، وجذب الاستثمارات الخارجية، وزيادة الدخل القومي، ودعم الميزان التجاري، وتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي والمالي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وغيرها من مسائل التنمية المستدامة.
وتمر الموازنة العامة بمراحل أساسية، هي:
1- مرحلة الإعداد: وتبدأ خلالها الجهة المسؤولة عن إعداد الموازنة (وزارة المالية أو الخزانة) في تقدير اعتمادات الجهات المختلفة، في ضوء الموارد المالية المتاحة، وذلك من خلال إرسال بيان ما قبل الموازنة لكل جهة، ثم تقوم جهات الموازنة بإرسال مشاريع موازناتها إلى الجهة المسؤولة عن إعداد الموازنة، ويبدأ التفاوض فيما بينهما لتحديد اعتمادات كل جهة، ولحين إقرارها من هرم السلطة التنفيذية والإيعاز بإرسالها إلى البرلمان لاعتمادها.
2- مرحلة اعتماد الموازنة: يجري مناقشة مسودة الموازنة العامة في الهيئات التشريفة أو اللجان التشريعية لغرض مناقشتها والموافقة المبدئية على اعتمادها، ثم تعرض على السلطة التشريعية لاعتمادها كقانون. أي أن مرحلة الاعتماد أو الرفض أو إدخال تعديلات على الموازنة هي من اختصاص السلطات التشريعية بحسب ما تنص علية المواد الدستورية في دستور كل دولة وقانون الموازنة. وإذا لم يصدر البرلمان قانون الموازنة العامة قبل بدء السنة المالية يتم الصرف في حدود اعتمادات موازنة السنة المالية السابقة إلى حين اعتماد الموازنة الجديدة.
3- مرحلة التنفيذ: وتبدأ كل جهة من جهات الموازنة مع بداية السنة المالية في تنفيذ برامج الإنفاق المختلفة في ضوء الاعتمادات المخصصة لها وفقا لقانون الموازنة. وأثناء قيام الجهات التنفيذية تقوم الجهات الرقابية، سواء التابعة للبرلمان أو للرئاسة أو ما يُعرف عادة جهاز أو مكتب المراجعة المركزي، أو ديوان الرقابة المالية، بمتابعة وتقييم نتائج تنفيذ موازنات الجهات المختلفة، وإعداد تقارير مالية بشأنها في نهاية السنة.
4- مرحلة تدقيق ومراجعة التنفيذ وإعداد الحساب الختامي: المرحلة الأخيرة من مراحل إعداد الموازنة هي مرحلة المراجعة وإعداد الحساب الختامي. وفي هذه المرحلة تتحول فيها الإيرادات والنفقات التقديرية إلى إيرادات ونفقات حقيقية، يبنى عليها في إعداد الموازنة العامة القادمة.
وليس هناك أسلوب أو طريقة واحدة لإعداد الموازنة العامة، حيث تختلف الدول في طرق إعدادها للموازنة العامة، فالمعروف أن أكثرية الدول تعتمد الموازنة التقليدية، وتسمى (موازنة البنود والاعتمادات) كونها طريقة سهلة وواضحة تتضمن تبويب الموازنة على شكل مواد أو (بنود) ولهذه المادة أو البند تخصيص مالي معين (اعتماد) وتتم مراقبة عملية التمويل والصرف على وفق ما محدد في بنود الموازنة وعلى أن يجري الصرف في ضوء القوانين المعتمدة في البلد، وتحاسب وحدات الإنفاق على ما صرفته من أموال مخصصة، وعلى التزام النصوص القانونية، وتفتقد عادة موازنة البنود والاعتمادات إلى البيانات المالية الدقيقة، والتخطيط، وغياب شبه تام للنتائج والأثار التي تترتب على عملية التخصيص والتمويل والصرف.
وبالنظر إلى هذه السلبيات، وتطور الأدوار التي تقوم بها الموازنة العامة الحديثة، وتدخل المجتمعات المحلية في مراقبة الإيرادات والنفقات، سواء بشكل مباشر أو عن طريق المنظمات المجتمعية، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق ممثليهم في السلطات المحلية والوطنية، فان كثير من الدول فضلت اللجوء إلى موازنة البرامج أو موازنة البرامج والأداء، وذلك لتجاوز سلبيات إعداد الموازنة العامة بطريق البنود والاعتمادات.
ولعل من أهم مميزات هذا النوع من الموازنة أن التخصيصات المالية تركز على ربط الأهداف الوطنية بالأهداف القطاعية، وتترجم الأهداف القطاعية إلى برامج رئيسة وفرعية، والبرامج تترجم إلى أنشطة رئيسة أو فرعية، ولكل نشاط موازنة (تخصيص) محدد لا يمكن التلاعب به، كما يجري تحديد المسؤولين عن تنفيذ هذه الأنشطة، وتحديد مسؤولية كل منهم، ويجري التنفيذ في فترات زمنية محددة مسبقا، كما يوضع مؤشرات أداء لكل نشاط، والحكم من خلالها على المنجز الحقيقي للنشاط المعتمد، وكل ذلك يؤدي إلى وجود منجز واقعي، يراه الناس ويلمسون أثره.
والسؤال هنا إذا كانت موازنة البرامج والأداء هي أفضل موازنة في الوقت الحاضر، لماذا لا تلجأ الدول والحكومات إلى اعتمادها دون اعتماد موازنة البنود؟
الجواب؛ صحيح أن موازنة البرامج والأداء تحقق نتائج واضحة وملموسة على مستوى الحكومة، وعلى مستوى المجتمعات المحلية المستفيدة، ولكن يحول دون ذلك أن متطلباتها كثيرة، يصعب توافرها في بيئة رتيبة من جهة، كما أن معوقاتها كثيرة من جهة ثانية، وهو ما يجعل العديد من الدول تبقى على موازنة البنود، أو تقرر الانتقال إلى موازنة البرامج والأداء بصورة تدريجيا، قد يستغرق الانتقال عدة سنوات.
فعلى سبيل المثال فان الموازنة العامة العراقية مازالت تعد بطريقة (البنود والاعتمادات) ومن عيوبها بحسب محافظ البنك المركزي العراقي الدكتور علي العلاق، هي:
1- تُعد الموازنة العامة في ضوء تقديرات الوزارات والجهات الأخرى، والتي تبنى على بيانات تاريخية وتوقعات مستقبلية، تضاف بشكل عشوائي، وبشكل مبالغ فيه جداً، لتوفير مجال للتفاوض مع وزارة المالية (على سبيل المثال كانت الوزارات والجهات الأخرى قدمت تقديراتها الانفاقية إلى وزارة المالية بأكثر من (300) مليار دولار للسنة في أغلب السنوات –أي بأكثر من إيرادات الدولة بـــ 4 أضعاف)، وتدخل تلك الطلبات في عمليات تفاوض وأخذ ورد للوصول إلى رقم معين، وتؤثر في تحديد المبلغ في بعض الأحيان قوة الجهة المفاوضة، سياسياً أو إقناعياً أو شخصياً، وإذا ما وصلت التقديرات المقرة بشكل ابتدائي بعجز كبير، يصار إلى اقتطاع مبالغ من التخصيصات بنسبة شبه موحدة على الجميع دون الأخذ بنظر الاعتبارات الموضوعية والأولويات والالتزامات والأهداف وطبيعة النشاط.
2- رغم الاستمرار في وضع إستراتيجية قصيرة ومتوسطة الأمد للموازنة، ورغم وجود إستراتيجيات وطنية ذات صلة مباشرة بالموازنة العامة، مثل إستراتيجية التنمية الوطنية (لخمس سنوات)، وإستراتيجية الحد من الفقر، وإستراتيجية تطور القطاع الخاص، وإستراتيجيات قطاعية (الطاقة، الصحة، التعليم، العمل والرعاية الاجتماعية، الزراعة،الإسكان... الخ)، رغم وجود كل تلك الإستراتيجيات التي يجب أن تنعكس في بناء الموازنة العامة، إلا أننا نلاحظ شبه غياب تام لتلك الإستراتيجيات في ما تتضمنه الموازنة ولا يمكن اسلوب العرض الحالي من معرفة مدى مراعاة تلك الإستراتيجيات في الموازنة.
3- هذا بالإضافة إن غياب الشفافية في عرض الموازنة لا يساعد إلا على مزيد من تكريس السلبيات وتعاظم المخاطر التي تهدد الأوضاع الاقتصادية والمالية للعراق، وقد آن الأوان في ظل التحديات المالية التي يواجهها البلد من عملية المراجعة الشاملة والتقويم الجاد والإصلاح الحقيقي ومفتاح ذلك الرئيسي هو الموازنة العامة للدولة، ولكن كيف؟
1- الإسراع بإنجاز مشروع إصلاح تبويب وعرض الموازنـة، الـذي بدأتـه الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ووصـل مراحـل متقدمـة باعتمـاد موازنـة البرامج بدلاً من موازنة البنود التقليدية.
2- تغيير منهجية وأسلوب إعداد تقديرات الموازنة العامة والتي تقوم حالياً على جمع تلك التقديرات من الأسفل إلى الأعلى في هرم الحكومة ووزارتها، والتحول نحـو بنـاء التقديرات من الأعلى (اللجنة الاقتصادية في مجلـس الـوزراء ومجلـس الـوزراء وبالتنسيق مع اللجنة المالية واللجنة الاقتصادية في مجلس النواب) وتحديـد سـقوف للتقديرات على مستوى القطاعات، ثم الوزارات والجهات بناء على خطـة الحكومـة والأهداف التي تسعى لتحقيقها وفقاً للأولويات.
إعادة هيكلة وزارتـي التخطـيط والماليـة وخاصـة الـدوائر المعنيـة بالاقتـصاد الكلي، الإيرادات، الحسابات القومية، الموازنـة العامـة، والارتقـاء بأدائها، وربط عملهـا ومخرجاتهـا بالأنظمة والبيانـات ذات العلاقـة، وهـي موجـودة أصلا مثل: نظام الحسابات القومية، ونظام البيانات المالية الحكومية، نظام ميزان المدفوعات، والوثائق والنشرات التي تصدر عن صندوق النقد الدولي.
4- ضرورة استفادة وزارة الماليـة مـن الدراسـات والبحـوث فـي ميـادين الماليـة العامة والموازنة والتـي قـدمها خـلال الـسنوات الماضـية خبـراء ومختـصين واكاديميين إضافة إلى مؤسـسات بحثيـة ومنظمـات دوليـة، وتوظيـف تلـك الدراسات لخدمـة عمليـات التطـوير المطلـوب فـي الإدارة والـسياسة الماليـة والموازنة العامة في إطار الاقتصاد الكلي.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights