الشعور بوجود الصلة بين القائمين على هذه المهن والحقوق والحريات، وعلى سبيل المثال ترتبط حرية التعبير عن الرأي أشد الارتباط بفكرة الخروج عن مقتضى الحق أو الحرية بالإساءة للأغيار قولا أو عملاً بوسائل العلانية التي تظهر هذا التصرف إلى العلن، لذلك لابد من ان يكون العاملين في الميدان...
الحق في السمعة كأي حق من الحقوق الإنسانية يحميه المشرع بمختلف الظروف والأوضاع لأهميته في حياة الإنسان الخاصة، وهو حق معنوي يتفرع عن الحق في الشرف أو الاعتبار، وبالنتيجة لا يختلف عن حق الإنسان في سلامة جسده أو في حريته أو في حياته أو في إي حق آخر ويعد من الحقوق اللصيقة بالشخصية القانونية للإنسان ويتفرع عنه بشكل مباشر، أياً كانت المكانة الاجتماعية أو الرسمية التي يتمتع بها الشخص في المجتمع، فشرف الإنسان وكرامته واعتباره له قيمة قانونية واجتماعية واعتبارية لا تقل عن أي حق من الحقوق الأخرى.
ويذكر أنه ورد النص على ما تقدم في المادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 "لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا يتعرض لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته"، وان من حق كل شخص ان يحميه القانون ضد أي نوع من التدخل غير المبرر أو المساس بحقه في الاعتبار عموما والمهني خصوصاً، وان من واجب المشرع حماية الإنسان وابتداع الآليات القانونية التي تحقق سعادته في الوطن، لكي يتمكن من العيش بيسر وسهولة وكرامة.
وبالتالي لابد من التطرق لأهمية حماية سمعة الإنسان واعتباره المهني بوصفه حقاً من الحقوق الأساسية لا يمكن التفريط به مطلقاً، وقد أفرز التقدم التكنولوجي والتقني مخاطر جمة على شخص الإنسان فكراً وجسداً وهنا لا يمكن ان نفصل بين المخاطر المادية التي أنتجها هذا التقدم، وبين المخاطر المعنوية التي قد تمس الجانب الاعتباري أو المعنوي، فكثير من الناس من ضعاف النفوس يستغلون وسائل التواصل والوسائل التقنية والتكنولوجية الحديثة للإساءة إلى سمعة الآخرين بالحط من قدرهم، لا سيما في الجوانب التي تتصل بشرفه المهني واعتباره الفني.
ففي كل يوم تطالعنا الفضائيات وبعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ببرامج سياسية أو فكاهية الغاية منها أحياناً المصلحة العامة وفي كثير من الأحيان تستغل وتكون ممراً للقيام ببعض أعمال القذف والسب والتقريع ونعت الأشخاص بعبارات جارحة ما يتسبب بخدش الشعور وإلحاق الضرر المادي بهم أولاً والمعنوي ثانياً.
لذا بات تدخل المشرع لحماية حق الإنسان في سمعته المهنية خصوصاً أمراً حتمياً، وبالحالة المتقدمة نكون بحاجة للإجراءات الإدارية والقضائية التي من شأنها ان تحمي الحق وتصون الكرامة وتعيد الحال إلى ما كان عليه، أو على الأقل تعوض الضرر المتحصل عن تجاوز الغير على الحق في الاعتبار ممن ارتكب فعلاً ينطوي على التحقير أو الإساءة المهنية.
ومما لاشك فيه ان مثل هذه الأفعال يظنها البعض أنها تندرج ضمن معنى حرية الرأي والتعبير ما يتطلب وضع ضوابط وشروط لاستعمال الفضاء التقني والتكنولوجي وكذلك وسائل البث والإعلام بمختلف إشكالها لكي لا تحيد عن غايتها الإنسانية المتمثلة بخدمة الإنسان وحفظ كرامته والدفاع عنها ضد الاستبداد.
فالسمعة مشتقة من التسامع أو ما يسمعه الناس عن الشخص مما يقال أو يكتب عنه، ومنه سمع تسميعا أي اشتهر به، ولم يرد في القانون تعريف محدد للسمعة أو الاعتبار المهني بيد ان الباحثين اجتهدوا في تعريفها، فمنهم من عرفها بأنها مصلحة تنتهي حفظ الكرامة الإنسانية المعنوية وعدم تعريض الشخص للتقريع أمام الجمهور بدون موافقته أو علمه أو سبب يبرر ذلك، فعدم إذاعة أمور من شأنها ان تدعو لاحتقار الإنسان أو الشخص الاعتباري وعدم احترامه بين الآخرين من أفراد مجتمعه فيما يعد إساءة أو تحقير.
وكذلك الإضرار بالإنسان أو الشخص الطبيعي معنوياً ما يتسبب في خسارة مادية كما لو أحجم الأفراد الآخرين عن التعامل معه أو تلحق به ضرارا معنوياً يصيب شعوره أو اعتباره كانعدام الثقة بالشركة أو المصنع أو المحل التجاري فمن الثابت ان الأعمال التجارية عموماً تقوم على السمعة والاعتبار قبل كل شيء، ومن الراجح ان أي إساءة من شأنها ان تفقد التاجر أو الشركة ذلك، كما الأمر بالنسبة لممارسي المهن كالطبيب أو المحامي أو النجار وغيرهم إذ يمثل الاعتبار المهني بالنسبة لهم جانباً مهماً في عملهم ويلحق بهم عظيم الضرر حين تنصرف الإساءة إلى سمعتهم المهنية فيخسرون زبائنهم وعملائهم.
فالاعتبار المهني مجموعة من القيم التي ينتمي إليها الشخص أو يتسالم أهل الاختصاص بضرورة مراعاتها في ميدان معين من قبل الأعمال أو الحرف أو المهن كما في صفة الصدق والأمانة في التعامل أو الإخلاص والمهارة وغيرها كما أنها تمثل المكانة الاعتبارية للشخص بين أقرانه من ممارسي نفس المهنة وممارسة النقد له خلافا للواقع وقد يأخذ معنى التجريح، أو الطعن في سمعته وشرفه المهني وبالتالي ممكن ان يسبب له ضرراً مادياً وأدبياً وقد ينتهي إلى مسألته مهنياً وقضائياً في حال إذا ما ثبتت صحة تلك الادعاءات، إما لو انتهى الأمر إلى عدم صحة الادعاءات وأنها كانت كاذبة فمن الممكن للمتضرر ان يقيم الدعاوى أمام المحاكم المختصة مطالبا بإنزال العقاب بمن أضر بسمعته، فان كانت الإساءة بلا سبب يبررها كانت سبباً لقيام المسؤولية المدنية وفق أحكام المادة (202) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 والتي تشير إلى أنه "كل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أي نوع أخر من أنواع الإيذاء يلزم بالتعويض من أحدث الضرر "كما ورد في الفقرة الأولى من المادة (205) من القانون المدني نفسه" يتناول حق التعويض الضرر الأدبي كذلك فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي، يجعل المتعدي مسؤولا عن التعويض" وهنا يشير المشرع بشكل صريح وواضح ومحدد إلى الشرف والعرض والسمعة واعتبارها من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان وأي اعتداء عليها يوجب المسؤولية المدنية وينبغي على القاضي ان يحكم بالتعويض.
مما لا شك فيه ان الصلة والارتباط قائمة ما بين احترام الحقوق والحريات وضرورة بل حتمية مكافحة الفساد وتحقيق التنمية، وان حرية الرأي والتعبير وخصوصا ممارسة الحريات الصحفية والإعلامية لا تعد ترفا بقدر ما هي وظيفة اجتماعية من شأنها ان الشعور بوجود الصلة بين القائمين على هذه المهن والحقوق والحريات، وعلى سبيل المثال ترتبط حرية التعبير عن الرأي أشد الارتباط بفكرة الخروج عن مقتضى الحق أو الحرية بالإساءة للأغيار قولا أو عملاً بوسائل العلانية التي تظهر هذا التصرف إلى العلن، لذلك لابد من ان يكون العاملين في الميدان الصحفي والإعلامي ومرتاديه وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدميها على معرفة بحقوق الناس في السمعة والاعتبار وعدم المساس بهذا الحق كونه من الحقوق الأساسية.
وتجدر الإشارة ان ما تقدم لا يرتبط بصحة الرأي من عدمه، ولا مرتبط بالرأي ذاته، وإنما هو مرتبط بضوابط موضوعية يبينها المشرع الدستوري والعادي تهيمن على ممارسة مثل هذه الحقوق أو الحريات بان لا تكون ميداناً للإساءة وهو ما عبرت عنه المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 بان "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق في حرية الآراء دون تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
وبالمعنى ذاته تذهب المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 بأن "لكل إنسان الحق في اعتناق آرائه دون مضايقة وان لكل إنسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء بشكل مرئي أو مطبوع في قالب فني أو بأي وسيله يختارها".
بيد ان ممارسة هذه الحقوق مقرونة كما أسلفنا بواجبات ومسؤوليات فلا يصح ان نخرج عن هذه الواجبات فتقوم المسؤولية وبالتالي قد يتحقق وجوب فرض جزاء معين على منتهك حقوق الناس في السمعة والى ذلك أشار قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل بالمادة (433) بأن "القذف هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه، ويعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق العلانية الأخرى عد ذلك ظرفاً مشدداً" وهنا نلتمس بعض القيود التي ترد على حرية الرأي حماية للحق في السمعة المهنية:
أولاً: مبدأ الشرعية: بان يوجد نص في القانون يحظر على الأغيار استعمال وسائل التعبير أو الإعلام للإساءة لشخص أو مكون أو فئة من المجتمع.
ثانياً: المصلحة المشروعة: ينبغي ان تكون هذه الحماية مقرونة بالمصلحة المعتبرة للفرد أو الفئة في السمعة، بأن يلحق بهم ضررا ماديا أو معنويا ان لم تحترم.
ثالثاً: أهمية الملائمة أو التناسب: ما بين المنع أو الحظر وما بين مقتضيات الحق في السمعة فلا يصار إلى المبالغة في الحماية إلى الحد الذي تصادر فيه الحقوق والحريات، ولا إلى إطلاق الحرية في التعبير إلى مستوى يفقد أو تفقد معه السمعة محتواها.
رابعاً: وجود آلية قانونية محددة للحماية: يمكن بواسطتها لصاحب الحق في السمعة المهنية من مقاضاة من مس بمصلحته المعتبرة في الاعتبار وأمام محكمة مشكلة بموجب أحكام القانون، تتبع إجراءات قانونية أصولية من شأنها ان تفرض الجزاء العادل على مرتكبي هذه الأفعال في حال ثبت بشكل قانوني قيامهم بذلك.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights