ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات وضمن ملتقى النبأ الأسبوعي في مؤسسة النبأ للثقافي والإعلام، ندوته الجديدة، وتمت مناقشة موضوع يتعلق بدور الانتخابات المحلية في تعزيز الحق في المدينة. حضر الندوة نخبة من رؤساء المراكز البحثية والكتاب والمفكرين، وقدم الورقة البحثية الدكتور الباحث في مركز آدم علاء الحسيني، وحملت عنوان (دور الانتخابات المحلية في تعزيز الحق في المدينة) وجاء فيها:
الحقيقة إن الحق في المدينة من الحقوق التي تسمى بالمستحدَثة، ونسميها نحن بـ غير المسماة، نقصد بأنها من الحقوق المستحدثة، لأنها ظهرت إلى نطاق الحديث العلني عنها، في ستينيات القرن الماضي وتبلور هذا الكلام في بداية الألفية الثانية، ونسميها بأنها غير مسماة، لأن الوثائق الدولية لم تسمِّها كما سمّت مثلا الحق في الحياة، الحق في الحرية، وبقية الحقوق الأخرى المعروفة.
وإنما بقيت من الحقوق غير المسماة بشكل دقيق لغاية الآن، ولها أو ضمنها يندرج العديد من الحقوق الأخرى، الحق في المدينة أيضا من الحقوق المهمة جدا، بالنسبة لجميع بني البشر، وفهمه الكثير من المختصين بإفهام مختلفة ومتباينة، وهذا دليل على أن هذا الحق لا يزال في طور أو قيد النقاش لدى المختصين، وكذلك لدى الأجهزة المختصة التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي من شأنها أن ترسي القواعد الدولية على المستوى الدولي، وكذلك على المستوى الوطني.
نعم هنالك العديد من الدساتير الوطنية تبنت الحق إما بشكل مسمّى محدد مثل دستور البرازيل، وأما بشكل عام يتضمن مجموعة من الحقوق ضمن مفهوم الحق في المدينة، الدول أيضا حاولت أن تضع تفاصيل في هذا المصطلح على المستوى الدولي، لذلك عُقد مؤتمر أو ملتقى في المكسيك عام 2000 تناول هذا الحق، وكان هناك بعد سنة واحدة ملتقى آخر في الإكوادور، ومن ثم عقد مؤتمر دولي واسع في برشلونة عام 2006.
ومن ثم تبنت الأمم المتحدة في عام 2011 في إعلاناتها و وثائقها التي تصدر يوميا عن مجلس ولجنة حقوق الإنسان التابعة لها، وبدأت بعض الدول تتبناه في قوانينها ومواثيقها الدولية، أما في العراق لم يتم تبني هذا الحق، بشكل دقيق وبمسماه (الحق في المدينة) لكن من خلال هذه الورقة نسعى لأن نقف عند بعض العوائق التي حالت دون تبني المشرّع العراقي مثلا في الدستور عام 2005 أو في القوانين الأخرى لهذا الحق.
الحق في المدينة معني به أن تكون هذه المدينة هي الفضاء الذي يعيش فيه بني الإنسان في جو تسوده المساواة والعدالة المجتمعية، وأن يكون حكم هذه المدينة مبنيا على أسس ديمقراطية، وبغير هذه المقومات لا يمكن أن يستقيم الحق في المدينة، فهذا الحق كما أسلفنا من الحقوق المهمة لبني الإنسان عامة، وهو من الحقوق الجوهرية، التي لا تزال في حالة من التطور والنشوء والتكامل.
خطر الوقوع في براثن التعصّب
ولذلك نقول أن هذا الحق لا يعني أن تكون المدينة، حكرا على سكانها، وإلا سنقع في براثن التعصب، والعنصرية التي نحاول أن نبتعد عنها، فالمدينة هي من الإرث أو الملك الإنسان المشاع، ولكن لا يمكن أن نغفل الحقوق الخاصة بسكنة هذه المدينة، بغض النظر عما إذا كانوا من السكان الأصليين أو من السكان الوافدين كما انتهى إلى ذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
هذا الحق تتولد عنه مجموعة من الحقوق، حقوق تارة تكون سياسية، وتارة تكون اجتماعية، وتارة تكون اقتصادية، ونحن نريد أن نقف في هذه الورقة على الحق السياسي، باعتبارنا نتحدث عن دور الانتخابات واثرها في تعزيز الحق في المدينة، وليس أي انتخابات وإنما الانتخابات المحلية.
هنالك علاقة وطيدة ما بين الحق في المدينة والحقوق بتفرعاتها مثل ما ذكرنا قبل قليل بتفرعها الاجتماعي أو الاقتصادي، أو الثقافي والسياسي.
على سبيل المثال لو أخذنا جانبا بسيطا من الصلة في الجوانب الاقتصادية، فقد يعني يتحفنا المختصون في عالم الاقتصاد من مظاهر النمو والانتعاش الاقتصادي هو زيارة الأجانب للمدينة من خلال السياحة سواء كانت دينية أو سياحة أخرى، وحتى السياحة الطبية أو الصحية التي بدأت تنشط في الآونة الأخيرة.
لكن هذا الأمر جعل بعض المدن لا يمكن أن تُطاق للعيش بسبب السياحة مثل مدينة البندقية في إيطاليا، وبعض المدن الأوربية القديمة في سويسرا، والسبب هو تعاظم وكثرة السياح أدى إلى مظاهر سلبية كثيرة في المدينة منها التلوث البيئي الكبير جدا، وكذلك غلاء المعيشة الذي انعكس على سكنة هذه المدينة سلبا.
وهذا بالمحصلة أيضا، اليوم نحن في العراق بعض المدن بسبب كثرة الوافدين إليها، تعاني من بعض هذه المظاهر ومنها مثلا مدينة كربلاء، لذلك الحق في المدينة سوف يظهر من هذه الزاوية، من زاوية أن أهل المدينة أيضا لهم حقوق معينة لابد من مراعاتها، لذلك على المشرع أو صانع القرار أن يأخذ بنظر الاعتبار حقوق سكنة هذه المدينة في أن يوفر لهم أجواء أو أن يمكنهم في الحصول على حقوقهم في هذه المدينة.
هذه الحقوق التي قلنا بأنها تنبني على ثلاثة ركائز مهمة هي:
الركيزة الأولى: المواطنة.
وتمكين المواطنين من ممارسة مواطنتهم في مدنهم، ولاسيما المواطنة الإيجابية والمعني بها في مقدمة الواقع.
الركيزة الثانية: ديمقراطية إدارة المدينة. وهذه ركيزة من الركائز التي لابد منها.
الركيزة الثالثة: الأموال العامة.
ففي كل مدينة ينبغي أن تُسخَّر الأموال لأبناء المدينة، وهذا ما نسميه بالوظيفة الاجتماعية للمال العام، هذه هي الركائز الجوهرية طبعا، لكن لا نقول بأنها الركائز الوحيدة.
الحقيقة أن هذا الحق له تجليات اقتصادية، وطرحنا بعض هذه التجليات، وله تجليات اجتماعية كثيرة أيضا، إذ لابد من توفير بعض الحقوق لسكنة هذه المدينة وهذه الحقوق هي اجتماعية، بمعنى أن نسخّر الأموال التي تُجمَع من هذه المدينة لخدمة مصالح أو ساكني المدينة وعدم خروج الأموال إلى الخارج.
مثلا الآن تُجبى في كل محافظاتنا وفي كل مدننا أموال كبيرة جدا، يمكن تسخيرها لحل المشاكل الاجتماعية، حتى يمكن معالجتها، وعدم الاعتماد على الأموال التي تأتي من المركز وما شاكل ذلك، هذا هو أحد التجليات.
نحن نريد أن نركز على الجوانب السياسية، وبالذات الانتخابات المحلية وأثرها على تعزيز الحق في المدينة.
لقد أنبنى الدستور العراقي على فكرة أن النظام الاتحادي في العراق كما ورد في المادة 116 يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات وإدارات محلية، لو أمعنا النظر في هذا النص الدستوري، لوجدنا أن المشرع هنا يُفرد للعاصمة بغدد نظاما قانونيا خاصا بها، ولما نأتي إلى المادة 124 نجد أن المشرع الدستوري ألزم بأن تكون بغدد عاصمة بحدودها الجغرافية أو الإدارية المعروفة، وأن يُسن قانون خاص بالعاصمة بغداد.
وهذا إلزام دستوري بأن لا تنضم بغداد إلى أي إقليم من المؤمل أن تنشأ مستقبلا، لكن ما لاحظناه هو تكاسل البرلمان العراقي عن إصدار قانون لبغداد كعاصمة للعراق، وهنا أشار إلى حقيقة مدينة بغداد بحدودها الإدارية، ولكن في داخل بغداد، مجموعة من المدن، فإذا انتقلنا إلى الحق في المدينة، وأن الانتخابات المحلية ممكن أن تهيّئ إلى المدينة في داخل المحافظة، باعتبار أن بغداد ليست مدينة، ولا تُعامل على أنها مدينة وإنما على اعتبار أنها محافظة، وفي داخل المحافظة مجموعة من المدن، ولكل مدينة هناك خصوصية معينة، خصوصية أثنية، عرقية، لغوية، اجتماعية، اقتصادية أحيانا.
في بعض المدن هناك جانب اقتصادي أو جانب معين لابد من مراعاته. بالتالي الانتخابات المحلية من شأنها أن تعزز هذا الأمر في العاصمة بغداد.
عندما ننتقل إلى المحافظات الأخرى غير بغداد، طبعا غير بغداد تعني غير الإقليم، باعتبار عندنا إقليم موحد، فغير بغداد هنالك 14 محافظة في العراق، هذه المحافظات تناولها المشرع الدستوري بالمادة 722 وأكد على أن المحافظات تتكون من مجموعة من الأقضية والنواحي، وهنا أغفل المشرع الدستوري الحق في المدن، لأنه اعتمد على تقسيم إداري يعود في جذوره إلى الحكم العثماني وما قبله، وإن أصابها نوع من التطور في حقبة الستينيات والسبعينيات عندما اقتطعت بعض المدن وهي الآن أقضية ونواحي أُلحقت بمحافظات معينة.
المشرع غرس بذرة هي بذرة تفرّق بين الشعب العراقي، وتثير نعرات معينة، حينما تناول التقسيم على أساس المحافظات والأقضية، ولم يتناول التقسيم على أساس المدن، فلو أننا قسمنا العراق على أساس المدن سوف نتخلص على كثير من المشاكل السياسية الطافية اليوم على السطح كما يُقال، ونتخلص من الكثير من المشاكل القانونية والإدارية والمالية.
باعتبار ان الدستور كفل للجميع السكن في أي ناحية من نواحي العراق، وكفل للعراقيين المساواة، أمام القانون بدون تمييز بسبب الجنس والعرق واللون والطائفة وما شاكل ذلك، لكن التقسيم على أساس محافظة وقضاء وناحية، سوف يثير هذه المشاكل لأنه يحرك المشاكل التي تتعلق بالحدود الإدارية.
والحدود الإدارية هنا سوف تثير مشاكل مستقبلية، مثلا هناك مكامن نفطية، هناك آبار، هناك مكامن غازية، هناك بعض الموارد الاقتصادية، بعض الموارد السياحية، موجودة في مناطق حدية بين أكثر من محافظة، هذا كله مثار لمشاكل في المستقبل أضف لذلك الغدارات المحلية سوف تكون مشتتة لأن حكم المحافظات خصوصا الكبيرة جدا والمترامية الأطراف، خذ على سبيل المثال محافظة الأنبار مثلا التي تعادل ثلث مساحة العراق أو أقل قليلا.
الانتقال من التقسيم الإداري الأعمى
فحكمها صعب جدا، لكن لو انتقلنا إلى حكم المدن كمدن، سوف نحصل على نوع من الخدمة أفضل للمواطن، ويكون لكل مدينة حالة من الحكم الذاتي، بمعنى يكون لها حاكم مدينة يسمى العمدة مثلا أو المحافظ، ولكل مدينة مجلس خاص بها، ممكن يوفر الخدمات العامة لهذه المدينة، فننتقل من التقسيم الإداري الأعمى، المتمثل بالمحافظات، إلى التقسيم المرن القائم على أساس المدن، ويوضع معيار محدد لكل مدينة، فرضا كل 20 ألف نسمة صعودا ممكن أن يكونوا مدينة خاصة في الأقضية والنواحي، والمدن القديمة تبقى على حدودها الإدارية المعروفة الموجودة. هذا نوع من الحلول التي الممكنة.
لكن لو سايرنا الدستور العراقي بأن هناك محافظات وأقضية ونواحي وفق المادة 122 مجلس المحافظة يجب أن ينتخب، مجلس القضاء يجب ينتخب، وهناك انتخابات خاصة بمجالس المحافظات فقط، وهذا أيضا إغفال للحق في المدينة، باعتبار المدن ليست على مستوى المحافظات فقط، وإنما على مستوى الأقضية والنواحي.
لن قانون انتخابات مجالس المحافظات في تعديله الأخير رقم 4 لسنة 2023، أغفل الحق في المدينة أكثر مما كان عليه، لما عامل المحافظة على أنها دائرة انتخابية واحدة، ولما عدِّلت المادة 8 والمادة 12 والمادة 13، عوملت المحافظة على أنها دائرة انتخابية واحدة، وبالتالي لن يكون هنالك تمثيل متكافئ لسكنة المدن الصغيرة وهي الأقضية والنواحي.
باعتبار أن المدن الكبيرة سيكون التمثيل فيها كبيرا، لاسيما إذا علمنا أن المادة 12 من قانون الانتخابات رقم 2018 المعدل، عام 2023 اعتمد معادلة سانتييكو، وبالتالي الحق في تمثيل المدينة تمثيلا متكافئا سوف يذهب أدراج الرياح بسبب اعتماد الانتخابات على معادلة سانتييكو، أضف لذلك أن المحافظة عوملت كمحافظة في وضع شروط المرشح للانتخابات المحلية، وهذه الشروط بعضها عزز الحق في المدينة حقيقة.
مثلا المادة الثامنة لما تحدثت عن شروط المرشح واحدا من هذه الشروط أن يكون مسجّل ضمن سجلات الأحوال المدنية في هذه المحافظة التي يريد أن يرشح عنها، أو ساكنا فيها منذ عشر سنوات بموجب الوثائق والسجلات الرسمية الموجودة في دوائر معينة، هذه المادة فيها تكريس أو انتصار لمبدأ الحق في المدينة.
لكن بقية الأمور التي أشرنا لبعضها قبل قليل فيها إغفال لهذا الحق، حسنا لما نرجع إلى الحيثيات التي جعلت الفقه يتحدث الحق في المدينة، طبعا هذا الحق لا نقصد به المدينة الفاضلة التي تحدث عنها مثلا أفلاطون، أو أرسطو، ولا ابن خلدون في مقدمته، باعتبارها مرحلة الانتقال من البداوة إلى المدنية.
المواطنة الإيجابية والشعور بالانتماء
ليس هذا الذي نقصده، وإنما الحق في المدن لما تكون المدينة هي الوسط الذي يعيش فيه جميع الناس، بحالة من الشعور من العدالة والمساواة الاجتماعية بالتحديد، ما نسميه نحن اليوم بالأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، وكذلك في حالة من الحكم الديمقراطي.
نرجع إلى الركائز الثلاث الأولى التي أشرنا لها والتي ذكرنا بأن الحق في المدينة يقوم عليها، ذكرنا أن الركيزة الأولى هي المواطنة، والمواطنة الإيجابية لا تظهر إلا بعد الشعور بالانتماء، وحينما يشعر المواطن في مدينته بأن كرامته وحقوقه وحرياته مصانة، فبالتأكيد سوف تتعزز في داخله المواطنة الإيجابية.
بمعنى سيمضي في الاشتراك بكل الأشياء العامة وكل الشأن العام، لأنه شعر بالأمن الاجتماعي فينطلق نحو الإصلاح ويكون هو أداة إصلاح، ويكون هو رقيبا على نفسه، ينتقد نفسه ويخلصها من السلوكيات السلبية التي قد نراها اليوم بأم العين في الشارع، كما نجد اليوم بعضهم يقوم ببعض السلوكيات غير المنضبطة، لكن لو شعر هذا المواطن نفسه بالأمن الاجتماعي لانتقد نفسه بنفسه وراقب نفسه بنفسه.
من دون الحاجة إلى رقيب من الأجهزة الأمنية أو أجهزة ضبط إداري أو قضائي، ولأنهينا جانبا كبيرا من المخالفات التي تسجَّل وتقيّد اليوم باعتبار أنه عززنا جانب الانتماء للمدينة، وشعر هذا المواطن بأن هذه المدينة تحفظ كرامته وآدميته.
ثم قلنا ينبغي أن يكون الحكم في هذه المدينة مبني على أساس ديمقراطي، فالبناء الديمقراطي لأجهزة الحكم في المدينة، متوفرة إلى حد ما في قوانين المحافظات، ونعطي مثالا عن ذلك، قانون المحافظات رقم 21 سنة 2008 في المادة السابعة من اختصاصات مجلس المحافظة في البند الثاني تحدث عن إقرار الموازنة.
هنا في إقرار الموازنة ألزم التعديل في عام 2018 مجالس المحافظات لما تناقش الموازنة يجب أن تعلن عنها في وسائل الإعلام، المرئية المقروءة المسموعة، لمدة معينة، إلى الملأ إلى الجمهور، إلى الناس كافة، ثم يقوم المجلس بمناقشة الموازنة بحضور مجموعة من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني الموجودة في المحافظة، فهذا نوع من الشفافية، اي شفافية الحكم وهي واحدة من أهم مقومات ديمقراطيات الحكم المحلي.
أما العنصر الثالث وهو اجتماعية المال العام، أي أن الأموال العامة على مستوى المحافظة ينبغي أن تخصص للمجتمع، ونقصد بالأموال العامة حتى قضية الإرث الثقافي والحضاري والأشياء الثقافية الحضارية الموجودة في المدينة، والمتنزهات وغيرها، ينبغي أن تخصص لسكنة هذه المدينة لكن ما نراه اليوم ما هو؟، فما نراه العشوائية في مدن العراق.
الآن المدن الموجودة عندنا تختنق بسبب التزاحم الكبير، ويمكن بعد سنوات قليلة سوف نصبح مثل الدول التي نخشى أن نكون مثلها كالصين وتزاحم السكن وتزاحم العمل أو تزاحم الأبنية في هذه المدن، هناك زحمة في داخل المدينة فتكون طاردة وهذا محصل في العراق جزئيا، في كربلاء بالتحديد لما أصبحت المدينة القديمة طاردة للسكن ومخصصة للسياحة فقط وما شاكل ذلك.
هذا في حقيقته يحمل اعتداء على ساكني المدينة باعتبار من حقهم أن تخصص الأموال العامة للشوارع والأرصفة لخدمتهم ووظائف أخرى قد تمثل انتهاكا لحقوقهم في المدينة والشعور بالانتماء لهذا المكان، لأن الإنسان ليس مجرد آلة أو يمكنه التعايش مع كل الظروف، فالمكان هو جزء من هوية هذا الإنسان فتبديلها أو تغييرها وأحيانا احتكارها ومنعه من الوصول إليها أو التعامل معها يجعله في حالة من التنافر مع الواقع الذي يعيشه.
لذلك فإن مثل هذه الأمور تمثل جانبا من الاعتداء على الحق في المدينة، ونقدم هنا سؤالين للنقاش وإثراء هذا الموضوع:
السؤال الأول: كيف يمكن للمجالس المحلية تكريس مفهوم المواطنة المحلية المسؤولة في المدينة؟
السؤال الثاني: ما هو المطلوب لتعزيز الثقة الضائعة بالمؤسسات المحلية في العراق، وتعزيز التقدم والتطور بما يتناسب مع حقوق المواطن وكرامته؟
المداخلات :
الأستاذ عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للبحوث والدراسات الاستراتيجية.
المهمات الأساسية المنوطة بمجالس المحافظات
الدول الديمقراطية التي يفترض أنها تتمتع بالدستور والقوانين المتنفذة، يجب أن يكون الدستور مطبَّق بشكل إجمالي، ولا يمكن أن يجزَّأ، فإذا ما تمت تجزئة القانون، وتم تطبيق القوانين بشكل انتقائي، أنا باعتقادي فإن الديمقراطية تفقد جزءا أساسيا من عنوانها.
قانون مجالس المحافظات الذي سُنَّ في 2008، على ضوئه أجريت انتخابات 2009، لأنه ما قبلها كان هناك تعيين للمجالس المحلية ومجالس المحافظات، لذلك لم تجرَ انتخابات المجالس المحلية للأقضية والنواحي إطلاقا، بل كانوا معيّنين إلى أن تم حل هذه المجالس بقرار من مجلس النواب، إذن لم تجرَ لدينا انتخابات مجالس محافظات إلا مرتين، عام 2009 و عام 2013، وعلى ضوئها توقفت بعد ذلك وتم تمديدها بشكل غير قانوني.
وكان المفترَض أن هذه الدورة بناء على قرار المحكمة، بأن هذا التمديد لم يكن صحيحا، إذن فإن كل القرارات التي اتخذت في هذه المجالس لم تكن صحيحة، وعلى ضوئها فإن كل المناصب التي تم تعيينها، محافظين أو غيرها يجب أن تُلغى، وكل الأموال التي صُرفت يجب أن تُعاد ويحاسبون عليها. بالنتيجة تجاوزت المحكمة هذه القضية حتى لا يحدث إشكال، لأنه الموضوع متشعب تماما.
إذن هنالك جزئية في تطبيق المادة الدستورية التي نصت على إجراء انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية، الحكومة أكدت على إجراء انتخابات مجالس المحافظات ولكنها لم تشر إلى ماذا تنتظر المجالس البلدية، المفترض أن المجالس البلدية هي التي تفلتر ومن خلالها أن تسعف مجالس المحافظات بشخصيات أعرف بطبيعة المحافظة.
بالنتيجة مجالس المحافظات ذات طبيعة خدمية، وليس من مهمتها رسم القضايا الاستراتيجية ولا السياسة العامة للدولة، ولا تتبع لأية وزارة ولا تمتلك أي سلطة عليها، فقط مجلس النواب والدستور بشكل عام، لكن عليها أن ترسم الخطة الخدمية وتراقب وتشرع المشاريع التي تخص المحافظة.
إذن كان المفترض أن تكون جزءا من منظومة خدمية تبدأ من الناحية والقضاء، ثم مجلس المحافظة، إذن لماذا سكتت الحكومة عن المادة الدستورية وهل تنتظر حلها، إذن يحتاج إلى تعديل دستوري في هذا الجانب، وإذا كان البرلمان قد عدّل قانون مجلس المحافظة، وطبيعة تداول الأعمال في قضية الاختصاصات، يمكن أن يشير إلى آلية في قضية المجالس المحلية البلدية والأقضية.
أما الإجابة عن السؤالين المطروحين من قبل مقدِّم الورقة:
طبيعة المسؤول المحلية لما يكون اليوم جزء من منظومة الخدمة، يجب أن يتمتع بصفتيّ الكفاءة و النزاهة، لأنه طبيعته الخاصة مراقبة جزء من الدوائر إذا كان مختصا بها،كالاقتصاد أو الطاقة أو الخدمات، والشيء الثاني يجب أن يكون ملكا للمحافظة ولا يكون ملكا للكتل السياسية والأحزاب.
باعتقادي لحد الآن مجالسنا لم تستطع التخلص من هذه الهيمنة، ما زال تأثير المركز، أحزاب أو كتل مؤثرا بشكل واضح على أعضاء مجلس المحافظة، وحتى تصويتهم على القرارات في داخل المجلس مبتني على قضية ما يتفق عليه المركز من كتل وتم تصفية الحسابات في مجالس المحافظات على ضوء الاتفاقات التي تجري في المركز.
بعض القرارات لا يُصوَّت عليه لأنه هنالك خلاف سياسي في المركز، على قضية ثانوية تماما، أو أخرى مرتبطة بموضوع الاتحاد، وهكذا تجري الأمور.
إذن القضية ليست قضية تقديم خدمة، وإنما هي امتدادات لسياسات المركز في قضية المحاصصة وتقسيم الغنائم، نحتاج إلى تصفية تامة وفصل تام لموضوع مجالس المحافظات وأن تكون المحافظات عبارة عن كتل خدمية خاصة ولكل محافظة طبيعتها، وطبيعة الحياة التي تعيشها، قد تكون زراعية، أو سياحية أو دينية، هذا الأمر مرتبط بنوع المحافظة.
لذلك يكون هناك أساس لاختيار الأعضاء، لا يمكن أن أجلب أشخاصا من محافظة ليحكموا محافظة أخرى، لمجرد أنهم سكنوا فيها 5 سنوات لا أكثر، هذه مشكلة تحتاج إلى مادة قانونية، لأنه يجب أن تنظر إلى تاريخ المحافظة، والأبعاد التاريخية للمدينة، هنالك ارتباطات ما بين الماضي والحاضر، يجب أن تكون مالكا لكل المعلومات عن المحافظة حتى تستطيع إدارة الملف الذي يناسبك.
لذلك انا باعتقادي أننا نحتاج إلى إعادة النظر في قانون الانتخابات المحلية والأقضية والنواحي والمحافظات بشكل مركّز ودقيق، ويتم التصويت عليها في تعديلات جديدة، لأن كل التعديلات التي أجريت عام 2019 هي عبارة عن وضع حاجز لإيقاف التظاهرات التي كانت تطالب بحل مجلس النواب. وما كان مجلس النواب إلا أن يرى في حل مجالس المحافظات كبش فداء لإيقاف تلك التظاهرات.
الشيخ مرتضى معاش؛ باحث ورئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
المجالس المحلية وتصميم سياسات هندسة المدينة
أتصور إن هذه الورقة البحثية لامست جوهر الموضوع حول قضية المدينة، فهي بحد ذاتها أساس جوهر البحث في قضية الانتخابات المحلية، وهي قضية اللامركزية، بالنتيجة أتصور تم تهميش المجالس المحلية، تهميشا سيّئا جدا وكبيرا، وتحويلها إلى مجرد خدمات وهذا شيء يسيء للديمقراطية، ويسيء للمدينة أيضا، فدور المجالس المحلية ومجالس المحافظات ليس محصورا بتقديم الخدمات، مثل تقديم خدمة أسعار المولدات، أو تبليط الشوارع، هذا ليس من دور هذه المجالس.
ورقة البحث لم تركز على شيء موجود في ملخّص الورقة، وهو أن دور المجالس المحلية هو رسم السياسات، هذا هو أهم محور لابد أن نؤكد عليه وهو رسم السياسات، ونعني بذلك رسم هندسة المدينة، ولا نقصد بذلك رسم هندسة مادية، وإنما رسم هندسة معنوية، هندسة أخلاقية، هندسة اجتماعية، وهندسة جغرافية. وكذلك هندسة تعليمية.
وهندسة وتخطيط المدينة تخطيطا شاملا، بما يتناسب مع روح المدينة، وغايات المدينة، والعيش الصحيح في هذه المدينة، هناك مكان موجود في الإنترنيت الآن يعطيك مؤشرات المدينة التي تريد أن تعرفها، وهناك حوالي عشرين مؤشّرا، تُظهر لك كيف تكون المدينة صالحة للعيش من خلال تقديم نقاط معينة، وهي ليست المؤشرات الخاصة بالبنك الدولي، أحدها مؤشر السعادة، وهناك أيضا الأمن التعليم وغيره.
بالنتيجة هذه هي من أهم واجبات المجالس المحلية، وتهميشها بهذه الطريقة هو الذي يدمّر المدن، ويحولها إلى مجرد عشوائيات فاشلة تؤدي إلى معناه المواطن، وبالنتيجة عدم قدرته على العيش المطمئن.
النقطة المهمة في رأيي حول قضية الانتخابات والمجالس المحلية، عندما تُنتقَد بهذا الانتقاد الشديد، فهي ليست علاقة حكومة أو حاكم، بل هي علاقة بين مواطن وحاكم، علاقة متبادلة، وكلاهما يلتزم بالمسؤولية، بل قد تكون مسؤولية المواطن أكبر بكثير من مسؤولية الحاكم، أنا في رأيي بالنسبة لمسألة الانتخابات، مسؤولية المواطن أكبر من مسؤولية الحاكم لماذا؟، لأنه عقد اجتماعي,
وهذا العقد الاجتماعي يمثل العلاقة بين الحقوق والواجبات، أي أن المواطن له حقوق وعليه أيضا واجبات، فالمشكلة التي يعاني منها المواطن، ليس العراقي فقط، وإنما كل مواطن في العالم، أن المواطن يفكر بحقوقه دائما، ولا يفكر في واجباته، فيتساءل لماذا لا يوجد عندي شارع جميل ومنسق بشكل جيد، لكنه حين يسير في الشارع يتّسم بالتهور وبسرعة فيدمر الأمان في الشارع، فهو يبحث عن حقوقه فقط ولا يتذكر واجباته.
وإذا اختلت الواجبات تختل الحقوق، لأن هذه المنظومة متبادَلة، فهذه من المشاكل الكبيرة الموجودة عند المواطن، والشعور بالانتماء وهوية الإنسان لا تتحقق بالجغرافية، ولا بسبب علاقة الإنسان بالمدينة، بل تتحقق في الإنسان نفسه، في البحث عن العيش الكريم والغاية الإنسانية في رؤيته الأخلاقية والرؤية القيمية.
فالانتماء هو الشعور بالقيم، لذلك نلاحظ أن الإنسان الذي يلتزم بالانتماء المادي أو بالهوية المادية أو الهوية الجغرافية، فهذا لا يوجد عنده التزام بالمدينة، وليس عنده انتماء للمدينة، ومن الممكن في أي وقت يغادرها، ويبقى حنينه لهذه المدينة حنين ذكريات لا أكثر، وليس حنين للانتماء الحقيقي أو للهوية الحقيقية.
الانتماء يبدأ بشعور الإنسان بالمسؤولية، وبالأخلاقيات التي يمتلكها، ويبيّن ذلك من خلال إخلاص الإنسان، لذلك لديّ رؤية حول هذا الموضوع بأن الإخلاص وطن، فالوطن الحقيقي ينبع من إخلاص الإنسان لنفسه، لضميره، لقيمه. فالهوية يمكن أن تتحقق من هذا الجانب.
بالنسبة لقضية حقوق الإنسان بالمدينة، فإن أي قانون قسري وحاد وجبري لا ينفع، بسبب شعور الإنسان بكرامته، بانتمائه، وهويته، فحق الإنسان في المدينة يبدأ من حقه في النظام، أن يكون هناك نظام في المدينة، فهو أهم شيء في هندسة المدينة هو النظام، لأنه هو الذي يحقق التوازن في الحقوق عند الإنسان، فإذا تحقق النظام فإن جميع الحقوق سوف تتحقق، يتحقق الاحترام، و الإنصاف، و الالتزام، هذه الأمور كلها سوف تتحقق.
ومن ثم الخروج من حالة الفوضى والعشوائية، لكن نلاحظ اليوم نتيجة لسوء فهم معنى الحياة في المدينة، وفقدان المضمون والمعنى الأساسي للمدينة، حدثت لدينا حركة عشوائية خارج الإطار الهندسي، بمعنى النظام والتوازن العام، فحدثت لدينا عشوائية، وهي بمثابة تعبير عن ثقافة المواطن وعن فهمه وفهم الناس للحياة بشكل عام، فالعشوائية بالنتيجة هي تعبير، لذلك نلاحظ أن هذه العشوائية تنتشر وتتمدد دون وجود نظام.
بالنتيجة يصبح الكل يبحثون عن مصالحهم الخاصة، ومن أسوأ الأشياء التي نلاحظها اليوم في هذه المدينة المعاصر، وفي مدننا هو التوجه على شراء العقارات وأصبحت هي الهدف الأساسي، كيف يتملكون العقارات ويسيطرون عليها، وتصبح هذه العقارات مجرد مغانم ومرابح للنخب الحاكمة وأصحاب المصلحة.
إن من يضر المدينة هم أصحاب المصالح النفعيين، ومن يفكر بالنفع والربح السريع فلا يفكر بحقوق المدينة، فليس المواطن وحده عنده حق، بل المدينة أيضا لها حق، فالمدينة كتراث وتاريخ ومستقبل لها حق، بالنتيجة فالمدينة لها حق أيضا، لكن هناك من يأتي ويقوم بعملية التبذير لموارد المدينة وعقاراتها وتجريف أراضيها بهذا التمدد الهائل فيدمرها ويدمر بيئتها، ويدمر الغطاء النباتي وهو أساس الحياة والعيش في هذه المدينة.
هذا كله يمثل انتهكا للمدينة وتدميرا لها، ولو استمر الأمر في نفس النسق بعملية الاستيلاء على العقارات عبر التآمر مع أصحاب المصلحة الخاصين الذي لا يفكرون بالبعد الاستراتيجي المستقبلي، سوف تصبح هذه الانتخابات بالنتيجة لا قيمة لها، فرغة من الجدوائية ولا معنى لها.
كذلك من حقوق المدينة الحماية البيئية، حماية الغطاء البيئي، وعدم تحويلها إلى كتل كونكريتية إسمنتية، تدمر المدينة وتدمر قلب المدينة، التي لا تستطيع أن تتنفس، فتسقط جدوائيته، لذا يجب تحقيق الحماية الاقتصادية من ناحية الاستثمار وتكافؤ الفرص وتوفيرها لأصحاب العمل وخصوصا معالجة البطالة.
من أكبر عمليات الانتهاك للمدينة اليوم، وحقوق المواطن، هي (البسطيات) الموجودة في أرصفة الشوارع، حيث تمتلئ بها، فيحدث التلوث البصري، وتعبير عن العشوائية الكاملة في المدينة، من يتحمل مسؤولية هؤلاء، إنهم يريدون أن يعملون، وما يحدث هو بسبب فقدان النظام.
بالنتيجة أصبحت العقارات ملكا لأصحاب المصلحة والنخب المشتركين معهم، وهكذا فقد المواطن البسيط أن تكون له قدرة الحصول على مكان مناسب يبيع فيه أو تكون لديه (بسطية) أو عمل معين، مع العلم يمكن أن نحوّل الآن بعض العقارات الموجودة إلى أسواق شعبية للناس، فتحقق شيئين، رزق الناس وتحافظ على روح المدينة من خلال توفير فرص عمل لهؤلاء كي لا ينتشروا في الأرصفة والشوارع.
كذلك حماية المدينة فيما يتعلق بالأقضية، والنواحي والقرى، هذه النقطة مهمة جدا، لأن التكدس في المدينة غير صحيح ويؤدي إلى تدميرها، لذلك لابد أن تفتح المدينة وتنقل الناس من داخل المدينة إلى الأقضية والنواحي والقرى من خلال توسيع الخدمات وامتدادها، بحيث يصبح هناك توازن، وهذا هو معنى النظام.
فعندما تركز على داخل المدينة وتصبح لديك مركزية في داخل المدينة، كالمركزية الموجودة في داخل بغداد، سوف يؤدي هذا إلى حل هذه المشكلة.
تعزيز الثقة وتكريس المواطنة هو شيء واحد، أنا في رأيي إذا أردنا أن نعزز الثقة، أولا تحجيم الامتيازات لأصحاب المصلحة وأعضاء مجالس المحافظات، لكي لا يكون هناك اندفاع من أصحاب الامتيازات، وحوكمة السلوك الحكومي من ناحية المراقبة الشعبية، والمراقبة المستمرة والدائمة.
وأيضا استنهاض المشاركة الشعبية، بالأمس استمعت إلى أحدهم كان ينقل تجارب أحد الأخوة في اليابان، يقول في اليابان لا يوجد عندهم عامل نظافة، عندهم ناس هم الذين يقومون بتنظيف الشوارع، وخصوصا المتقاعدين، وهذه هي المواطنة الإيجابية، النظافة تحصل من خلال عدم الإهمال، ويوجد لديهم يوم في الأسبوع الكل يخرجون للقيام بعملية التنظيف من دون إلزام أو أوامر، فيقومون بالتنظيف بعمل تطوعي.
هذا هو المقصود باستنهاض المشاركة الشعبية، ولكن الإهمال واللامبالاة الموجود لدينا، والحالة العدمية الموجودة عند الشخص، والشعور بعدم وجود القدرة على التغيير، هو الذي يؤدي إلى تطور عملية الاستيلاء من قبل النخب الحاكمة على السلطة، ويزداد تغولها، وبالنتيجة يصبح المواطن لا شيء، لذلك أعتقد أن السبب الرئيس هو المواطن الذي ترك مسؤوليته وأهمل واجبه وانعزل عن الواقع المسؤول الذي يجب أن يمارسه لتثبيت حقه في الحياة وفي المدينة والشارع والحي وفي أي مكان آخر.
الأستاذ أحمد جويد مدير؛ مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات.
رؤية مختلفة لمجالس المحافظات الجديدة
هذا الموضوع مهم جدا خصوصا بعد غياب مجالس المحافظات بسبب احتجاجات تشرين 2019 وإلى الآن، تم تجميد هذه المجالس وليس إلغاءها، لأنها مجالس دستورية وُجِدت بموجب النصوص الواردة في الدستور، وقبل أن ندخل في صلب الموضوع، شهدنا في غياب هذه المجالس هناك بعض حالات التطور والإعمار وغيرها، في المحافظات، لأن المجالس كانت مكبّلة لكل فعالية إنجاز في المحافظات.
للأسف كاف فهم أعضاء مجالس المحافظات خاطئ لأدوارهم، واعتبروا أنفسهم سلطة سياسية، ومنحوا أنفسهم سلطة على الناس، بدلا من دورهم الحقيقي وهو التخطيط ورسم السياسات العامة، لهذه المدن التي انتخبتهم، وبالتالي تطويرها و وضع أفضل الخطط لتحريك التنمية في داخل هذه المدن.
نأمل أن تفرز الانتخابات القادمة مجالس أخرى، تعرف حدودها وصلاحياتها وتكون مجالس خدمة وليست مجالس سلطة.
هذا الحق بالذات، الحق في المدينة مرتبط ارتباط مباشر بالانتخابات المحلية، أكثر مما هو مرتبط بالانتخابات البرلمانية، وحسنا فعل مقدّم الورقة البحثية الدكتور علاء الحسيني في اختياره لهذا الموضوع في هذا التوقيت، لإشاعة هذه الثقافة، لأن ارتباط هذا الحق يأتي في المفاصل الاجتماعية وممارسات المواطنة وحق المواطن في المدينة.
الشيخ مرتضى معاش تطرق إلى نقاط مهمة منها قضية السكن والعمل وغيرهما، وهذه الفرص يجب أن لا يُمسّ بها، ونقصد قضايا السكن وتوفير العمل، الفرصة قائمة إن شاء الله إذا كان هناك قانون يضبط تصرفات أعضاء مجالس المحافظات القادمة، فعلى المجلس أن يعرف حدود عمله وهو للتخطيط والبناء، بعيدا عن قضايا السياسة وغيرها.
أنا شخصيا أفضّل أن يكون أعضاء مجلس المحافظة من الأشخاص غير المتحزبين، لأن إذا تدخلت القضايا الحزبية والسياسية سوف لا نحصل على الحق في المدينة ولا الحقوق الأخرى، وقد تكون النتيجة كما حدث سابقا بحيث الإعمار يكاد لا يّذكَر وقد لا نرى الإعمار في المستقبل إذا أعيدت تجربة المجالس السابقة. نأمل أن الله سبحانه وتعالى يوفق الجميع.
الأستاذ محمد الصافي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات.
نشر الثقافية الرقابية في المجتمع
أكثر ما يتردد لدينا في الشارع بخصوص مجالس المحافظات، أنها حلقة زائدة، طبعا من أصعب الأمور ان تقنع الشارع بأهمية هذه المجالس، بسبب التجربة السابقة، بالنسبة لقضية الحلقة الزائدة نحن نستطيع أن نطلقها على جميع مؤسسات الدولة، إذا كانت تعمل بصورة خاطئة، أو يتم تحويلها من مؤسسات خدمية أو اجتماعية أو تربوية أو ثقافية أو اقتصادية، إلى مؤسسات سياسية وسلطوية.
بالنتيجة مصطلح أو تسمية الحلقة الزائدة ينطبق على جميع هذه المؤسسات بالدرجة الأولى، مجالس المحافظات يجب أن تكون البذرة التي تصنع التغيير الاجتماعي والثقافي، وتنمّي العقلية السياسية عند المواطنين، نقصد المجالس البلدية وبعدها تأتي مجالس المحافظات، المجالس البلدية تم التضحية بها بسبب الصراعات السياسية، ومجالس المحافظات تم تجميدها لفترة معينة لأنه آخر انتخابات لمجالس المحافظات أقيمت قبل عشر سنوات.
بل تم تجميدها حتى قبل مظاهرات تشرين بقرار من المحكمة الاتحادية، لكن مددوا ذلك لفترة إضافية بسبب عدم إجراء الانتخابات، بسبب مشكلة التمويل ومشاكل الحرب على داعش، وعندما حدث الاحتجاجات تم التضحية بها، فالناس نسيت هذه المجالس تقريبا.
اليوم عاد الحديث عن مجالس المحافظات، وانتخاباتها، بعد أن تم تعديل قانون مجالس المحافظات، وبالنتيجة لاحظنا بين ليلة وضحاها دخلت الأحزاب السياسية هذه الانتخابات وحضرت قوائمها وتريد أن تشغل هذا الفراغ الموجود.
بالنتيجة الخيارات محدودة، فأما أن نترك الساحة للأحزاب نفسها التي كانت هي سبب الفشل للحكومات المحلية، وسيّرت المحافظات لمدة 18 سنة تقريبا، كما هي تحب وتشاء فبنت إمبراطوريات اقتصادية، داخل المحافظات، وتغوّلت شخصيات وصار لها تأثير كبير، وأنتم تلاحظون بعض الحكومات المحلية وبعض الشخصيات الموجودة في المحافظات أصبحت لا ترغب أن تشارك في الحكومة كوزير، ولا ترغب أن تشارك في البرلمان كنائب وعضو برلمان، بينما تلاحظ أنه يقاتل في سبيل أن يكون حاكما لهذه المدينة.
هذا يعني أن هذه المجالس مهمة جدا، وخطيرة في نفس الوقت، لأنها هي المتحكمة بقضايا الخدمات والفرص التي من المفروض أن تتحقق في هذه المحافظات، بما يتعلق بمشاريع وفرص العمل، بل وحتى القوانين التي تحدد حياة الناس.
إن وجود مجالس المحافظات مهم، وهي قانونية، ودستورية، إلى أن نصل في يوم من الأيام إلى حدوث تحول سياسي كبير، باتجاه تعديل القوانين، وتعديل الدستور مثلا، وإذا كانت هناك مصلحة في إلغائها تُلغى هذه المجالس، أو وجود مصلحة في تعديل قوانينها، فيمكن أن يحدث هذا الشيء، لكن من وجهة نظري أرى من المستحيل أن يتم إلغاءها في الأمد القريب أو إعادة تجميدها مرة أخرى.
أما الحل فيمكن أن يكون عن طريق اختيار نماذج جيدة من خلال هذه المجالس، وتصدير مشاريع جديدة تختلف بالعمل وبالرقابة وبالمتابعة عن التجربة السابقة، وهذا ممكن مع مرور الوقت حيث تتغير قناعات الناس وتشعر بأهمية هذه المجالس إذا حدث تغيير ملموس في أرض الواقع، لأن هذه المجالس لم تقم بدورها الرقابي نهائيا، وهو دور مهم جدا، وقد لاحظنا تجربة مجلس النواب بالسنوات التي تم فيها تجميد الحكومات المحلية، فأغلب أعضاء مجالس النواب إذا كانوا يريدون أن يمارسوا دورهم الرقابي على الدوائر المعنية بالمحافظات لاحظنا لا توجد لديهم صلاحيات بمحاسبة الدوائر الحكومية أو رموز الحكومات المحلية.
لذلك فإن صلاحياتهم متوقفة عند هذا الدور، فلا أحد منهم يستطيع ان يغير الواقع الخدمي والواقع الإداري السيء بالمحافظة، وينمي الثقافة عند الناس في جانب المساءلة ومراقبة المشاريع والدوائر الحكومية ومحاسبتها غير مجالس المحافظات، وهذا الشيء لا يمكن أن يتحقق من دون أن يصل أشخاص يعرفون دورهم ودور مجلس المحافظة ومدى صلاحياتهم، وكيف يتعاملون مع هذه التحولات.
الأستاذ حامد عبد الحسين الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات والبحوث الاستراتيجية.
فرص إعادة الثقة بالمجالس المحلية
بخصوص المجالس المحلية وكيفية تكريس المواطنة، بالتأكيد بما أن الناس لاحظوا التجارب السابقة، هذا هو الذي أضعف ثقة الناس بالمجالس المحلية، الحقيقة إن المجالس المحلية السابقة لم تؤدّ الدور المطلوب في خدمة الناس بشكل عام، ورسم السياسة العامة في المحافظة، لذا فإنه ما لم يتم العمل بتفعيل المجالس المحلية بشكل واقعي يلامس متطلبات الناس، لا يمكن أن تُعاد الثقة بالمجالس المحلية.
طبعا عادة ما يكون العنصر الرئيس والفاعل الذي تنظر له أغلب الناس، هو الجانب الاقتصادي، والجانب المالي، مثلا نلاحظ اليوم توجد قسم من المحافظات خصوصا في كربلاء أو بغداد أو غيرها، نلاحظ وجود هجرة داخل المحافظة من الريف إلى المدينة من جانب، ومن المحافظات إلى هذه المحافظة من جانب آخر.
هناك حالتان أو نوعان من الهجرة المركبة أو المزدوجة، من الأرياف إلى المركز، ومن المحافظات الخاملة إلى المحافظات الفاعلة، فعندما يقوم مجلس المحافظة بمراقبة المحافظ والجهات التنفيذية في تفعيل الخدمات أو المشاريع، فهذا الأمر سوف يحقق نوعا من الخدمات المتوازنة التي ستقلل من الهجرة باتجاه المركز سواء من داخل المحافظة أو من محافظات ومناطق خارجها.
هذا الأمر سوف يعزز روح المواطنة، بحيث يشعر المواطن بأنه توجد خدمات تصل إليه، وتوجد مشاريع وفرص عمل، وهنا سوف يبدأ المواطن يشعر بأهمية مجلس المحافظة بحكم النتائج التي ظهرت كنتيجة لأعماله.
أما بالنسبة للمجلس القادم، إذا ما عمل على نفسه بشكل حقيقي والالتزام بالدور المطلوب من قبل المجالس وتفعيل القوانين و مراقبة أداء الحكومة التنفيذية المحلية وانعكاسها على شكل برامج حقيقية في حياة الناس، ففي تلك اللحظة سوف يتم بناء مواطنة حقيقية ويبدأ دور المواطن يتعزّز على المستوى المحلي، ويظهر دوره في تعزيز عمل مجلس المحافظة والبرلمان.
الأستاذ باسم حسين الزيدي؛ كاتب في مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات.
التسلسل الديمقراطي للحكم في العراق
توجد عندي إضافة فقط، هناك فرق بين التنظير والواقع، غالبا ما يحدث في العراق أو مشكلة الشعب العراقي، المجتمع العراقي، الفرد العراقي، أن هناك فرق واسع بين التنظير والواقع، فدائما نحن ننظر إلى الأمور بطريقة افتراضية بعيدة عن الواقع.
نتحدث عن الانتخابات المحلية وعن صناديق الاقتراع وعن الديمقراطية، والتسلسل الديمقراطي للحكم في العراق، ولكن بعيدا عن واقع المجتمع العراقي، وعن ما جُبِل عليه الناس في العراق، هذه هي المشكلة، لما نأتي إلى الدستور العراقي فإنه يُقيَّم على أنه دستور محترم، ودستور جيد وفيه ضمانة كبيرة لحقوق المواطن العراقي.
عندما نأتي لنظام الحكم في العراق، أيضا نجده نظام برلماني ممتاز، يضمن حقوق الناس ويبتعد كثيرا عن الانقلابات، وغيرها من الأمور التي قد تؤثر على الديمقراطية. أيضا من الناحية النظرية النظام العراقي نظلم جيد وفيه ضمانة واسعة لحقوق الناس.
لكن عندما نأتي إلى الواقع نجد هناك فرق كبير جدا، وهذا يرجع إلى مجموعة من الأسباب نبتعد عن طرحها ومناقشتها، أما خجلا أو تكبرا أو كما يقول أحدهم نحن نعيش بخير ولا نريد أن ندخل في الجوانب السلبية.
ولكن إذا كان مناقشة الواقع في مكاشفة حقيقية، فإن هذا يمثل ابتعادا عن الواقع، في حال إذا لم نكشف عن المشكلات التي يعاني منها المجتمع.
احد الأسباب التي أدت إلى إهمال المجالس المحلية أو المجالس البلدية التي تعتبر في كل دول العالم هي النواة للديمقراطية، وهي المؤسس لما فوقها، لا يمكن أن نتصور في بلد مثل العراق عانى ما عانى من حروب وتخلف فكري وثقافي واحتلال وغيره، أن نقفز هذه القفزة، ونذهب مباشرة إلى نظام برلماني وصناديق اقتراع وديمقراطية تشبه ديمقراطية الدول الغربية من دون أن نؤسس مجالس محلية.
من أين أتت الثقافة للعراقي بحيث يصل إلى مستوى ديمقراطي، ينافس المواطن الغربي، وهو لا يعرف معنى ومهام المجالس البلدية، هذه المؤسسات المصغرة التي تستطيع أن تؤسس لديمقراطية متينة، هذه هي أول مشكلة عانينا منها.
لذلك فإن ما تأسس فوق هذه المجالس أصبح ترفا ديمقراطيا، وهذا أيضا يرجع إلى سبب آخر وهي أن مسألة المواطنة أدت إلى الكثير من الإشكالات، وأنا متأكد إذا سألنا أي مواطن عراقي، حتى لو سألنا أخويْن، ما هو انتماؤك، أو ما هي المواطنة بالنسبة لك؟، لاختلف جوابهما حتى لو كانا أخوين.
سبب هذا الأمر أننا نعاني من تشوهات فكرية، وانتماءات مختلفة، هناك من يعبر عن انتمائه للوطن بالطريقة العشائرية مثلا، أو عن طريق ديني، أو ثقافي، أو فكري، وهذا يعود إلى سبب اكبر، حيث لا توجد هوية جامعة مانعة للمجتمع العراقي يتوحد فيها، لأنه هناك خليط واسع، على العموم المشكلة أكبر وأعقد من التحدث عن دور المدينة، فنحن لا توجد لدينا ثقافة في بناء المدينة يمكن أن نعول عليها في تأسس هذه المدينة التي من الممكن أن تنعم بالديمقراطية في الوقت الحاضر.
يجب أن نناقش الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور، قبل أن نناقش دور الانتخابات المحلية في تعزيز الحق في المدينة.
وأخيرا عقّب مقدّم الورقة الدكتور علاء الحسيني على المتداخلين قائلا:
التركيز على نشر الثقافة الاجتماعية
هناك تعقيب بسيط نختم به حلقتنا هذه، توجد مشكلة فعلا في آليات انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، لاسيما بعد تعديل 2018 لقانون المحافظات الذي أقره المشرع وألغى مجالس النواحي، وأبقى على مجالس الأقضية التي لم يتم انتخابها ولا مرة كما ذكر الأستاذ عدنان الصالحي، ولم يتم انتخابها منذ عام 2004 لغاية الآن.
أفاض الشيخ الفاضل مرتضى معاش بأن مجالس المحافظات أهم ما نأمله منها هو رسم السياسات، بالفعل إن المادة السابعة من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، جعلت من أهم اختصاصات مجلس المحافظة هو رسم السياسات العامة للمحافظة، وتحديد أولوياتها في المجلات كافة.
تحديد الأولويات ليس فقط رسم سياسات، وإنما تحديد الأولويات، بمعنى إن أولوية هذا العام مثلا في الموازنة لمشاريع التعليم، أو أولوية لمشاريع الصحة، أو لمشاريع النقل، يعني المشاريع الإستراتيجية الحقيقية التي لو كانت لدينا مجالس حقيقية قادرة على أن تفهم الواقع والمشاكل الحقيقية في الواقع ثم ترسم السياسات وتحدد الأولويات للإدارات المحلية.
هل المجالس المحلية حلقة زائدة كما أشار الأستاذ محمد الصافي؟، بالتأكيد هي ليست حلقة زائدة، بل هي حلقة مهمة جدا في بناء الإنسان، والديمقراطية وفي بناء الوطن، لكن نحتاج إلى أن نغير الثقافة، ليس بقدر تغيير القوانين، لأن القوانين نعم هي تسبب اختلالات، في البناء، لكن الثقافة المجتمعية والثقافة الفردية هي الأهم في إصلاح المنظومة.
لذلك ركزت الورقة على أننا نريد في قادم الأيام أن يكون التركيز على تعديل الدستور العراقي، والانتقال من المحافظات إلى المدن، وإلغاء مصطلح المحافظة، والإبقاء على مصطلح المدينة، اليوم على سبيل المثال لما يرشح زيد من الناس في كربلاء، لعله يكون معروفا في محافظة كربلاء، لكنه غير معروف في نواحي عين التمر والهندية والحسينية.
وبالتالي قد يفقد فرصة التمثيل وقد يكون إنسانا صالحا وأفضل من غيره، ولكن لما ألغينا تجزئة المحافظة إلى ثلاث دوائر وعدنا إلى الدائرة الواحدة فالحل هو الدوائر المتعددة، أو الانتقال إلى مجالس المدن. وأخيرا لابد من التركيز على نشر ثقافة الخدمة الاجتماعية، فبدلا من أن نزج الإنسان في السجون مع المجرمين سوف يصبح مجرما مثلهم كما حدث في سجن بوكا حين دخله أناس أسوياء وخرجوا منه إرهابيين.
لذلك فإن نشر الثقافة الاجتماعية يساعد المجتمع كثيرا في المسار الديمقراطي وتطوير البنية الاجتماعية وخير مثال على ذلك ما حدث في زيارة الأربعين، حيث يأتي مواطن من البصرة كزائر فيخدم زوارا من خارج العراق أو من مدن أخرى، فتتعزز هذه الثقافة الاجتماعية ويمكن أن يكون لمجالس المحافظات دورها في هذا المجال.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights