تؤكد اتفاقية حقوق الطفل (1989) وغيرها من الصكوك الدولية على أن الأسـرة هـي المجموعـة الأساسـية في المجتمـع، وتمثـل البيئـة الطبيعيـة لنمـو الأطفال ورفاههم وحمايتهم، لذلك ينبغي تـسخير الجهـود في المقـام الأول لـتمكين الطفـل مـن البقـاء تحت رعاية والديه، أو العودة إليهما، أو البقاء، عنـد الاقتـضاء، مـع أقـارب آخـرين أو العـودة إلـيهم. وينبغـي أن تـضمن الدولـة حـصول الأسـر علـى أشكــال مـن الـدعم في تأديـة أدوارهـا المتصلة بتوفير الرعاية.
إلا أن اتفاقية حقوق الطفل والصكوك الدولية تشير إلى حقيقية أخرى، وهي أن الملايين من الأطفال يتعرضون سنويا إلى فقدان الرعاية الأبوية والأسرية، إذ قد يود الطفل بدون أبوين أحياء أو قادرين أو راغبين في رعايته. وقد تكون بعض الأسر غير قادرة على رعاية الأطفال. وفي بعض الحالات قد تشكل الأسرة نفسها خطرا على الأطفال، وقد يعود السبب إلى الفقر، أو الحكم بالسجن على أحدهما، أو نزوح البشر من مناطق أخرى، بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية أو تعرض الأطفال للخطف أو المتاجرة بهم للعمل بعيدا عن مناطقهم وأسرهم، بالإضافة إلى الأطفال المولدين خارج نطاق الزواج الشرعي أو الإعاقة. وتشير المنظمات الأممية أن ملايين الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية أو من هم معرضين لفقدانها يواجهون تحديات كبيرة في حياتهم اليومية، والتي غالبا ما يكون لها آثرها الواضحة عليهم، على المدى الطويل، وحتى بلوغهم سن الرشد.
والسؤال هنا، من هم الأطفال فاقدو الرعاية الأبوية أو الأسرية؟ وكيف تنظر القوانين الدولية إلى حقوقهم في الرعاية والاحتضان والتربية والتعليم والصحة وغيرها؟ وما هو دور المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في توفير الرعاية البديلة للأطفال؟
تعرف وثيقة (المبادئ التوجيهية للرعاية البديلة للأطفال) الصادرة بموجب قرار الأمم المتحدة (١٤٢/٦٤) الأطفال المحرومين من الرعاية الوالديـة على أنهم: (جميـع الأطفـال الـذين لا يبيتـون لـيلا مـع أحـد والـديهم علـى الأقـل، لأي سـبب مـن الأسـباب، وفي ظـل أي ظـرف مـن الظـروف) ويمكن أن تتخذ الرعاية البديلة أحد الأشكال الآتية: (1.الرعايـة غـير الرسميـة: أي ترتيـب خـاص يتـاح في وسـط عـائلي، ويحـصل فيـه الطفل على عناية مستمرة أو لفترة غير محددة مـن قبـل الأقـارب أو الأصـدقاء -رعايـة ذوي القـربى غـير الرسميـة- أو غيرهـم بـصفتهم الفرديـة، بنـاء علـى مبـادرة مـن الطفـل أو والديه أو أي شـخص آخـر بـدون أن تـأمر بهذا الترتيـب سـلطة إداريـة أو قـضائية أو جهة مخولة ذلك حسب الأصول.2. والرعايـة الرسميـة: أي جميـع أشـكال الرعايـة الـتي تقـدم في وسـط عـائلي بـأمر مـن جهة إدارية أو سلطة قضائية مختصة، وكذلك جميع أشكال الرعاية الـتي تقـدم في بيئـة داخليـة، بمـا في ذلـك في المرافـق الخاصـة، سـواء كــان ذلـك أو لم يكــن نتيجـة لتـدابير إدارية أو قضائية.
وقد تتخذ الرعاية البديلة الأشكال الآتية من حيث البيئة التي تقدم فيها (1. رعاية ذوي القربى: شكل من أشكال الرعاية الأسـرية في إطـار أسـرة الطفـل الكـبيرة أو بـاللجوء إلى أصـدقاء مقـربين للأسـرة يعـرفهم الطفـل، سـواء كانـت ذات طابع رسمي أو غير رسمي؛ 2. وكفالــة الطفــل: الحــالات الــتي تتــولى فيهــا إحــدى الجهــات المختــصة إيــداع الطفل، بهدف إحاطته برعاية بديلة، في بيئة منزلية داخل أسرة غـير أسـرته تختارهـا هـذه الجهات المختصة وتؤهلها وتوافق عليها وتشرف على تقديمها هذه الرعاية؛ 3. والأشكال الأخرى للرعاية الأسرية أو التي تشبه الرعاية الأسرية؛ 4. والرعايـة داخـل المؤسـسات: الرعايـة المقدمــة في أي موقـع لا يــستند إلى بيئـة أسرية، مثل الأماكن الآمنة لتقديم الرعايـة الطارئـة ومراكـز العبـور في حـالات الطـوارئ وجميع مرافق الرعاية القصيرة والطويلـة الأجـل داخـل المؤسـسات، بمـا في ذلـك المـساكن الجماعية؛ والترتيبات المعيشية المستقلة الخاصة بالأطفال بإشراف جهة مختصة).
تعطي القوانين الدولية الأهمية البالغة للأسرة، وتنظر إلى إبعاد الطفل عن أسـرته علـى أنـه آخـر تـدبير يلجـأ إليـه، وأن يكـون تدبيرا مؤقتا ما أمكن ذلك، ولأقصر فترة ممكنة. وينبغي كذلك أن تراجع قـرارات الإبعـاد عـن الأســرة بانتظــام، وأن تكــون إعــادة الطفــل إلى رعايــة والديــه، بمجــرد زوال أســباب الإبعــاد الأصلية، أو في حالة التوصل إلى الحلول الملائمة لمعالجـة تلـك الأسـباب، أمـرا لا يتعـارض مـع مصالح الطفل الفضلى.
وفي حالة عجز الأسرة، حـتى مـع حـصولها علـى الـدعم المناسـب، عـن تقـديم الرعايـة الكافية لطفلها، أو في حالة هجرها له أو تخليهـا عنـه، تتحمـل الدولـة مـسؤولية حمايـة حقـوق الطفل وتأمين الرعاية البديلة المناسبة بالتعاون مع السلطات المحلية المختـصة ومنظمـات المجتمـع المــدني المعتمــدة وفــق الأصــول أو عــن طريقهــا. كمــا تتحمــل الدولــة، عــن طريــق السلطات المختصة، مسؤولية تأمين الإشراف على سلامة أي طفل يتلقـى الرعايـة البديلـة ورفاهـه ونمـوه وإنجاز مراجعة دورية لتقييم مدى ملائمة ترتيبات الرعاية المقدمة.
في الإسلام أشار القران الكريم إلى الطفولة من حيث كونها نعمة وهبة ربانية، تحث المنعم عليه بها لأن يحمد الله تعالى ويشكره لكونها فضلا كبيرا. ونلحظ ذلك في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام حين جاءه الولد، قال تعالى: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) ووهب الأبناء يعد رحمة من الله تعالى (ووهبنا لهم من رحمتنا) وقد جاء التوجيه إلى سيدنا زكريا عليه السلام بان يكثر من الذكر والتسبيح بعد بشارته بالولد. قال تعالى (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار).
وقد أكد الإسلام على بناء الأسرة على المودة والرحمة وجعلها الرباط الأقوى الذي يربط بين قلب الأب وإلام ويربطهما بأطفالهم، انه الرباط الذي يشد أركان الأسرة بعضها إلى بعض، ويجعلها بيئة لطيفة قادرة على احتضان الأطفال والتكيف مع حاجاتهم وطبيعة تكوينهم. قال تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فالرحمة تهيئ الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للرجل والمرأة، وللصغير والكبير، وتهيئ جوا مناسبا للأمومة والأبوة والتنمية الاجتماعية للطفولة.
وقد اعتبر الإسلام رعاية الأطفال وتوفير السند الأسري لهم من مسؤوليات الوالدين الدينية والأخلاقية، وأوجب على الوالد النفقة والرعاية. قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).
وإذا كان بعض الأطفال يتعرضون إلى مشكلات مثل اليتم والفقر أو التشرد أو غيرها مما يؤثر على نمومهم وتربيتهم فقد رتب القران الكريم للطفل اليتم حقوقا مادية ومعنوية، عناية به وبحالته التي توجب شفقة الآخرين عليه، إشعارا بان اليتم للطفل ليس شيئا شائنا، وليس دليل نقص في إنسانيته، وأخذت العناية بالطفل اليتم في القران أكثر من بعد نفسي ومادي منها عدم قهر اليتم (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فآوى).
بناء على ما تقدم نخلص إلى ما يأتي:
1. ينبغي أن تنتهج الدول سياسات تضمن دعم الأسـر في تحمـل مـسؤولياتها اتجـاه الطفـل وتعـزز حــق الطفـل في إقامــة علاقـة مـع والديـه كليهمـا.
2. ينبغـي أن تعـالج سياسات الدول الأسباب الجذرية لهجر الطفل والتخلي عنه وانفـصال الطفـل عـن أسـرته، ويكـون ذلـك بعـدة وسـائل مـن بينـها ضـمان الحـق في تـسجيل المـيلاد والحـصول علـى الـسكن اللائـق والرعايـة الصحية الأساسـية والتعلـيم وخـدمات الرعايـة الاجتماعيـة، إلى جانـب تعزيـز تـدابير مكافحـة الفقـر والتمييـز والتـهميش والوصــم والعنـف وإسـاءة معاملـة الأطفـال والاعتــداءات الجنـسية وتعاطي المخدرات.
3. ينبغـي تعبئـة القـدرات التكامليـة للدولـة والمجتمـع المـدني، بمــا في ذلـك المنظمـات غـير الحكومية والمنظمات المجتمعية والقيادات الدينيـة ووسـائط الإعـلام لتقديم خـدمات تمـتين أواصـر الأسـرة، مثـل تنظـيم دورات تدريبيـة حـول مهـارات الأمومــة والأبـوة، وتعزيـز العلاقــات الإيجابيـة بــين الوالــدين والأطفـال وتعزيـز مهـارات حـل النزاعات وتـوفير فـرص العمــل وإقامـة المـشاريع المــدرة للــدخل وتقـديم الــدعم الاجتمــاعي، إذا اقتضى الأمر.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights