هناك حرب طاحنة تدور رحاها بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسبب تلك الحرب هو استمرار احتلال إسرائيل لأراضي الشعب الفلسطيني، منذ نحو 75 سنة من الآن. ومازالت القوات الإسرائيلية المحتلة تستخدم القوة العسكرية المفرطة بحق الفلسطينيين، مقاومين كانوا أم مدنيين، وتهدم منازل الفلسطينيين المدنيين بحجج مختلفة، ومازالت تعتقل نحو 6000 فسلطني في سجونها.
والسؤال هنا ما هو القانون الذي يحكم النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وكيف ينبغي أن تتعامل المنظمات الدولية والإنسانية مع طرفي النزاع في حال انتهاك قواعد حقوق الإنسان؟
يخضع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لقواعد القانون الإنساني الدولي، وتحديدا المادة المشتركة (3) من "اتفاقيات جنيف لسنة 1949"، فضلا عن القانون الإنساني الدولي العرفي الساري في ما يسمى النزاعات المسلحة غير الدولية – على النحو المنصوص عليه في "البروتوكولات الإضافية لعام 1977 لاتفاقيات جنيف". حيث تتناول هذه القواعد سبل ووسائل القتال، وتدابير الحماية الأساسية للمدنيين والمقاتلين الذين لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية، سواء لصالح جماعات مسلحة تابعة للدولة أو غير تابعة للدولة.
وفيما يتعلق بحماية المدنيين والمنشئات المدنية فان قواعد القانون الإنساني الدولي تقضي بأن على أطراف النزاع أن تميّز في كافة الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. ولا يجوز أبدا استهداف المدنيين بالهجوم. وتُحظَر الهجمات التي تستهدف مدنيين، أو التي لا تميّز بين المقاتلين والمدنيين، أو التي من شأنها إلحاق أضرار غير متناسبة بالسكان المدنيين مقارنة بالمكسب العسكري المتوقّع. وتحظر المادة (3) المشتركة العنف ضد هؤلاء الأشخاص، وتحديدا القتل، والمعاملة القاسية، والتعذيب، بالإضافة إلى التعدي على كرامتهم الشخصية والمعاملة المهينة واللاإنسانية، وأخذ الرهائن.
قواعد القانون الإنساني الدولي تحمي أيضا الأعيان المدنية، حيث تُحظر الهجمات المباشرة على الأعيان المدنية، مثل المنازل والشقق السكنية، ودور العبادة، والمستشفيات، والمرافق الطبية الأخرى، والمدارس، والصروح الثقافية. ويحظر مهاجمة مرافق الرعاية الصحية، مثل المستشفيات، والمختبرات، والعيادات، ومواقع تقديم الإسعافات الأولية، ومراكز نقل الدم، والمستودعات الطبية والصيدلانية لهذه المرافق، سواء كانت عسكرية أم مدنية. ولا يجوز التعرض إلى مراكز العبادة، مثل المساجد والكنائس ما لم تُستغل لأغراض عسكرية، مثل اتخاذها مقراتٍ عسكرية أو مواقع لتخزين السلاح أو الذخيرة.
وكذلك أخذ الرهائن في النزاعات المسلحة غير الدولية محظور، بموجب المادة 1 (ب) من "المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف" والقانون الإنساني الدولي العرفي. ويعرّف تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على المادة 3 المشتركة أخذ الرهائن على أنه "إلقاء القبض على شخص (الرهينة) أو احتجازه، مع التهديد بقتله أو بإلحاق الأذى به أو بالاستمرار باحتجازه، من أجل إكراه طرف ثالث على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به كشرط واضح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة أو سلامتها". ويعتبر أخذ الرهائن جريمة حرب، بموجب نصوص منها "نظام روما الأساسي" للمحكمة الجنائية الدولية، ويجب أن يعامل الأشخاص الذين يُأخذون رهائن، مثل جميع المحتجزين، معاملةً إنسانية، ولا يجوز استخدامهم دروعا بشرية.
وإذا كان القانون الإنساني الدولي واضح جدا في طريقة تعامله مع المدنيين في النزاعات الدولية وغير الدولية، فنحن كمدافعين عن حقوق الإنسان، وكمنظمات إنسانية دولية ووطنية، كيف ينبغي أن نتعامل مع ما يحدث من جرائم ضد المدنيين في الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
أعتقد أن جميع المنظمات الدولية والإنسانية ينبغي أن تقف إلى جانب المدنيين، وأن تُدين أي طرف يعتدي على المدنيين العزل من الأطفال والنساء، بالقتل المباشر أو بالقصف العشوائي، أو بالخطف، أو الترهيب أو التعذيب، أو التهجير، وأن تقف إلى جانب حماية الأعيان المدنية، وتمنع قصفها أو تدميرها أو استخدامها لأغراض القتال، سواء كانت فلسطينية أم إسرائيلية.
وأعتقد أن المنظمات الدولية والإنساني ينبغي أن تقف إلى جانب الشعب الأعزل، والشعب المحتل، ولا تقف مع البلد المحتل لأراضي غيره، ولا تقف مع حكومة تملك آلات التدمير والقتل، فقوانين الحرب تتيح للشعوب المقهورة أن تقاوم الاحتلال، وتستنزف طاقاته، بهدف تحرير أرضه، واستعادة حريته.
هناك جرائم مشهودة تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة الآن، وهي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية، فقد أحصت المنظمات الإنسانية هدم ما لا يقل عن 6000 منزلا من منازل الفلسطينيين المدنيين، وقتل اكثر من 3000 فلسطيني، منهم نحو 200 طفل، وقتل عدد من المسعفين الطبيين، وعدد من الصحفيين، وقطع كل إمدادات المعيشة من غذاء وماء ودواء وكهرباء ومحاصرة غزة من الأرض والجو والبحر. ودعوة إلى التهجير الجماعي.
وقد وثقت الهيئات الأممية وعشرات المنظمات الدولية والإنسانية والحقوقية ولخصت ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعديد التقارير والمواقف والمناشدات والمطالبات لوقف هذه الكارثة الإنسانية غير مسبوقة، ووصفتها بحفرة من الجحيم (الأونروا) والكارثة الإنسانية (الصليب الأحمر الدولي)، وجريمة حرب (منظمات حقوقية إسرائيلية)، وحذرت من انهيار الطواقم الطبية واستهداف المستشفيات والإسعاف وكادرها (منظمة الصحة العالمية).
وأكدت على عدم وجود مكان آمن للمدنيين في قطاع غزة بما فيهم الأطفال الذين يتعرضون لقتل يومي (اليونيسف)، وأن المنازل يتم تسويتها بالأرض وأن أوامر الإخلاء مُدانة (أطباء بلا حدود) وطالبت بوقف عمليات التهجير وحذرت من مخاطره على حياة المدنيين (12 منظمة إغاثية إنسانية دولية عاملة في قطاع غزة) واستخدام الفسفور الأبيض المحرم دوليا في القصف الإسرائيلي (منظمة العفو الدولية وهيومنرايتش وتش)، وطالبت بضرورة عودة الإمدادات الغذائية والطبية وتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتحذير من مخاطر العقوبات الجماعية (منظمة العفو الدولية)، والتحذيرات التي يطلقها مساعدي الأمين العام للأمم المتحدة بشأن المخاطر الكارثية المترتبة على القصف والقتل والتهجير باعتبارها كارثة إنسانية حقيقية، مئات المواقف التي تعير عن الصدمة والرعب من قتل المدنيين وترحيلهم (الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان)، وغيرها الكثير من ما تقوله المنظمات الحقوقية في وصف ما يتعرض له أهلنا في قطاع غزة من مظاهر إبادة جماعية.
بناء على ذلك؛ ندعو المنظمات الأممية والإنسانية إلى ما يأتي:
1. دعوة إسرائيل إلى وقف عدوانها على الفلسطينيين فورا، والتوقف عن استهداف المواطنين العشوائي؛
2. دعوة إسرائيل إلى فك الحصار عن سكان غزة والسماح بتوفير الاحتياجات الأساسية والضرورية للسكان المدنيين كالمياه والكهرباء والمواد الطبية والغذائية وغيرها؛
3. دعوة أطراف النزاع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى فتح معابر مؤقتة لوصول الامتدادات الغذائية والطبية للمدنيين الفلسطينيين؛
4. عرض الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية على المحكمة الجنائية الدولية لمساءلة المسؤولين العسكريين والمدنيين ومحاسبتهم على تلك الجرائم.
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights