مقالات

حق المواطن في مخاطبة السلطات العامة

   من الحقوق التي يتمتع بها المواطن إزاء السلطات العامة هو (الحق في تقديم العرائض) أو (الحق في مخاطبة السلطات العامة) وهذا الحق يُعرف بأنه (وسيلة قانونية تمكن الأشخاص من مخاطبة السلطتين التنفيذية أو التشريعية، ابتغاء مصلحة شخصية أو عامة، لإنصافهم من أي ظلم أو حيف قد أصابهم من الحكومة أو المطالبة بتحسين أداء المؤسسات العامة، بأقصر الطرق وأقل التكاليف).

ويعد (حق مخاطبة السلطات العامة) من أهم الحقوق السياسية، فهو وسيلة قانونية، بمقتضاها يتم مخاطبة الأفراد للسلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل تحقيق مصلحة شخصية أو عامة. فهو حق المواطن في التقدم بشكواه ومطالبه إلى السلطات العامة في الدولة من ظلم وقع عليه، أو مس حق من حقوقه وحرياته. أو بقصد تحسين أداء حكومي.

ترى الجمعية العامة للأمم المتحدة في المادة الثانية من "الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميا "أنه" يقع على عاتق كل دولة مسؤولية وواجب رئيسيان في حماية وتعزيز وإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لتمكين جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها، بمفردهم وبالاشتراك مع غيرهم، من التمتع فعلا بجميع هذه الحقوق والحريات".

إلا أن ذلك لا يعني حرمان الأشخاص من حق حماية وتعزيز حقوقهم وحرياتهم العامة، وهو ما صرحت به المادة (8) إذ نصت على (1. من حق كل شخص، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، أن تتاح له بالفعل وعلى أساس غير تمييزي، فرصة المشاركة في حكومة بلده أو بلدها وفي تصريف الشؤون العامة. 2. ويشمل هذا، ضمن أمور أخرى، حق الشخص، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، في تقديم انتقادات ومقترحات إلى الهيئات والوكالات الحكومية والمنظمات المعنية بالشؤون العامة لتحسين أدائها، وفي توجيه الانتباه إلى أي جانب من جوانب عملها قد يعوق أو يعرقل تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها وإعمالها."

كما جاء في المادة (9) أنه (1. لكل شخص، لدى ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها على النحو المشار إليه في هذا الإعلان، الحق، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، في الإفادة من أي سبيل انتصاف فعال وفي الحماية في حالة انتهاك هذه الحقوق.2. وتحقيقا لهذه الغاية، يكون لكل شخص يدعى أن حقوقه أو حرياته قد انتهكت، الحق، إما بنفسه أو عن طريق تمثيل معتمد قانوناً، في تقديم شكوى إلى هيئة قضائية أو هيئة أخرى مستقلة ونزيهة ومختصة منشأة بموجب القانون، على أن تنظر هذه الهيئة في الشكوى على وجه السرعة في جلسة علنية، والحصول من تلك الهيئة، وفقاً للقانون، على قرار بالجبر، بما في ذلك أي تعويض مستحق، حيثما كان هناك انتهاك لحقوق ذلك الشخص أو حرياته، فضلاً عن إنفاذ القرار والحكم النهائيين، وذلك كله دون أي تأخير ﻻ موجب له."

ولدى الوقوف على هذين النصين؛ نجد إنهما أقرا للأشخاص الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلاد من خلال تشخيص مواطن الخلل والقصور في أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية ومخاطبتها بذلك، وكذلك تقديم مقترحات لها لأجل تحسين أدائها، كما له الحق بتقديم الشكوى إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية ضد أعمال الموظفين الحكوميين إذا تهددت أو انتهكت حقوقه وحرياته من جرائها، وبذلك يكون الشخص قد أعطي وسيلة قانونية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية لحماية وتعزيز حقوقه وحرياته العامة.

وقد جاء في "الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان" الصادر في إطار منظمة الدول الأمريكية لعام ١٩٤٨، نصا صريحا بكفالة الحق في مخاطبة السلطات العام، سواء كان لمصلحة خاصة أو عامة، والزم الجهات التي يقدم إليها الخطاب بالبت فيه بشكل عاجل، إذ نصت المادة (٢٤) منه على انه "لكل شخص الحق في تقديم الالتماسات ذات العلاقة إلى أي جهة مختصة لأسباب تتعلق إما بالمصلحة العامة أو الخاصة، والحق في الحصول على قرار عاجل بشأنها".

ونجد إقرار هذا الحق للمواطنين دون سواهم في الدستور الأردني. إذ نصت المادة (١٧) منه على انه "للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يحددها القانون"، ومثله في النظام الأساسي لسلطنة عمان في المادة (٣٤) على أنه "للمواطنين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون"، وفي ذات الاتجاه نص دستور الصومال في المادة (١٠) منه على انه "لكل مواطن حق تقديم شكاوى مكتوبة إلى رئيس الجمهورية والمجلس الوطني والحكومة". كما جاء في النظام الأساسي للمملكة العربية السعودية في المادة (٤٣) منه نص على أنه "مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من شؤون "فهو اقر حقا للمواطنين وغيرهم ممن له شكوى أو مظلمة.

وفي العراق، وعلى الرغم من خلو دستور ٢٠٠٥ من الإشارة للحق في مخاطبة السلطات العامة، إلا أن أوجه ممارسته كانت من خلال قنوات متعددة في ظل هذا الدستور كفلته التشريعات العادية والفرعية. فعلى صعيد السلطة التشريعية، نجد أن مجلس النواب لم يغفل عن هذا الحق ، وإنما نص عليه في نظامه الداخلي، ورسم طريقا واضحا لتقديم الشكاوى والمقترحات من قبل المواطنين، وفي شتى المجالات دون أن يختزلها بشأن محدد، كما وضع آليات لمعالجتها وما تؤول إليه من نتائج، فنجده في المادة (٧٠ ) نص على تشكيل أربع وعشرين لجنة دائمة في مجلس النواب مختصة في مجالات متنوعة، ومنها لجنة الشكاوى، ثم عاد في المادة (١١١) ليبين اختصاصات هذه اللجنة وآليات عملها والتي جاء فيها "لجنة الشكاوى: تختص هذه اللجنة بما يأتي: ١- استلام آراء ومقترحات وشكاوى المواطنين. ٢- النظر في هذه الشكوى والمقترحات والآراء وتحويلها إلى اللجان المختصة. ٣- متابعة هذه المقترحات مع اللجان المختصة وإبلاغ المواطنين بها."

كما أن قانون المفوضية العليا لحقوق الإنسان رقم (٥٣) لسنة ٢٠٠٨، والصادر استنادا لإحكام المادة (١٠٢ (من دستور ٢٠٠٥، قد أقر حق الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني بتقديم الشكوى إلى المفوضية عن انتهاكات حقوق الإنسان. إذ نصت المادة (٥) منه على انه "على المفوضية: أولا- تلقي الشكاوى من الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني عن الانتهاكات السابقة واللاحقة لنفاذ هذا القانون مع الحفاظ على السرية التامة لأسماء مقدميها...".

وعلى صعيد السلطة التنفيذية، فإن النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم ٨ لسنة ٢٠١٤، أكد على أن النظر في التظلمات والشكاوى تتولاها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وفقا للمادة (٣٢/عاشرا) التي نصت على مهام الأمانة العامة للمجلس "النظر في التظلمات والشكاوى التي تردها بشأن أداء الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بحضور ممثل عنها وإبلاغ الجهات المعنية برأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومتابعتها وفق القانون". ويقع على عاتق (دائرة شؤون المواطنين والتنسيق الحكومي) إحدى دوائر الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي نص عليها النظام الداخلي في المادة (٣١/أولا/و) مهمة تلقي شكاوى وطلبات المواطنين ومتابعتها مع الوزارات والجهات المعنية.

كما صدرت العديد من قرارات مجلس الوزراء، منها قرارا مجلس الوزراء (139 و303 لسنة 2016) تحث الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات على ضرورة الاهتمام بطلبات المواطنين وشكاواهم، وأوعزت تلك القرارات إلى هذه الجهات بتأليف تشكيل إداري، تحت عنوان (قسم شؤون المواطنين) يتولى النظر في طلبات المواطنين ومتابعتها، وترتبط هذه الأقسام بالوزير أو بالرئيس الأعلى أو بالمحافظ مباشرة، وتقع تحت إشراف الأمانة العامة لمجلس الوزراء. كما ألزمت هذه القرارات المسؤولين في المؤسسات الحكومية مقابلة المواطنين يوميا أو تخصيص يوم واحد في الأسبوع لغرض الإطلاع على طلبات المواطنين وتظلماتهم والمساهمة في حلها.

وعلى الرغم أن الحكومات العراقية المتعاقبة تحث المؤسسات الحكومية على تلقي الطلبات الإلكترونية والتعامل معها عن طريق (برنامج حكومة المواطن الإلكترونية) الذي يمكن لكل مواطن أن يقدم طلبه من خلاله إلى كل الجهات الحكومية، تحت إشراف مباشر من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلا أن منافذ تقديم الطلبات التقليدية مازالت مستمرة مثل الطلبات والشكاوى الورقية، والخطوط الهاتفية (الخطوط الساخنة) وصناديق الشكاوى، والبريد الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الرسمية للجهات، والقنوات الفضائية.

ومع كل ذلك، فان حق المواطن في مخاطبة السلطات العامة، سواء كان حقا شخصيا أو حقا عاما، أو يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، أو المساهمة في تعديل وتصحيح مسار عمل المؤسسات الحكومية، أو المشاركة في صناعة القوانين والتشريعات، مازال يفتقر إلى العديد من الإجراءات الرسمية الموثوقة التي تمكن المواطن من تقديم شكواه وتحصيل حقوقه دون عناء أو مساءلة إدارية أو قانونية أو اجتماعية.

نلخص مما تقدم ما يأتي:

1. إن الحق في مخاطبة السلطات العامة هو وسيلة قانونية وإدارية تفضي إلى تمكين صاحبها من الاتصال مباشرة بالسلطات العامة كي تطلع على طلباته وتظلماته.

2. إن الحق في مخاطبة السلطات العامة هو حق سياسي بامتياز من شأنه أن يكون وسيلة فعالة لدى المواطنين من تحصيل حقوقهم وضمان حريتهم، وتصحيح مسار عمل المؤسسات الحكومية.

3. إن هذا الحق يساعد السلطات العامة لأن تصبح أكثر فعالية ورشدا في أدائها لواجباتها، الأمر الذي يسهم في إرساء دعائم دولة القانون، وتعزيز قيم الشفافية والنزاهة والحاكمة الرشيدة.

4. إن تفعيل (حق المواطن في مخاطبة السلطات العامة) يوجب على السلطات العراقية (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية) الاهتمام بنفاذ هذا الحق على ارض الواقع من خلال تبسيط إجراءات تلقي الطلبات والتظلمات والشكاوى، ومن خلال سرعة الاستجابة لتلك المخاطبات، ومن خلال تشريع القوانين والقرارات التي تساعد على حل تلك المشكلات، لاسيما تلك التي تأخذ طابعا جماعية.

 

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات