تشتد الحملة الانتخابية لآلاف المرشحين وعشرات القوائم السياسية، فتم نشر آلاف الملصقات والصور الملونة وافتتحت المكاتب الخاصة بالمرشحين في عموم المناطق السكنية في المحافظات العراقية بهدف جلب انتباه الناخب العراقي وشدّه لهذا المرشح أو ذاك من خلال حجم الملصق الانتخابي أو طريقة تلوين صورة المرشح الشخصية دون الاهتمام بالبرنامج الانتخابي لقائمته أو كتلته السياسية.
ومن حق الناخب في أي مكان بالعالم أن يتعرف بشكل دقيق على ما تنوي الجهة السياسية المرشحة فعله في المستقبل لحل مشاكل بلده، ومشاكله هو، فالعملية الانتخابية ليست آلية لتغيير الوجوه بل هي وسيلة لتغيير السياسات بهدف الوصول إلى أفضل ما يمكن من الأداء والارتقاء بمستوى دور الدولة لتكون فاعلة في رسم مستقبل أفضل لمواطنيها.ومن الغريب أن يطالب الناخبون الكتل السياسية ببرامجها الانتخابية عبر تعليقاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أو خلال أحاديثهم العامة ولا يهتم السياسيون كثيرا بوضع برنامج انتخابي يحدد تصوراتهم وأهدافهم لأربع سنوات مقبلة خصوصا والبلاد تعاني من أزمات حقيقية وجادة.وقال المواطن، رضا حبيب،40 عاما لـ"مركز آدم" ما نريده من السياسيين هو حل المشكلة الأمنية بدرجة أساسية وملحة جدا" مضيفا أن المواطنين العراقيين دفعوا ثمنا باهظا خلال السنوات العشر الماضية بسبب كثرة الخروقات الأمنية وعجز الأجهزة الأمنية عن التصدي للجماعات المسلحة وحماية المواطنين.وتشهد المدن العراقية المختلفة منذ 2003 تفجيرات بسيارات مفخخة وأحزمة وعبوات ناسفة بشكل شبه يومي، فيما تفاقمت الأوضاع الأمنية خلال العام الأخير ودخل الجيش العراقي في مواجهة بدت طويلة وغير مدروسة مع الجماعات المسلحة التي باتت تسيطر على مناطق في غرب ووسط العراق.وتساءل حبيب عن خطة الكتل السياسية التي رشحت لمجلس النواب لإنهاء عمليات العنف التي تعصف بالبلاد وأعرب عن خيبة أمل واضحة حيال" عدم مبالاتها" بهذه الأوضاع لأنها برأيه لم تفرد لها مساحة في شعاراتها التي ترفعها هذه الأيام خلال سعيها لاستمالة الناخبين.وقال" هل يمكن أن نعرف من الكتل السياسية ومرشحيها ما هي خططهم لإنهاء العنف الذي يضرب في عموم البلاد منذ أكثر من عشرة أعوام؟".ولفت مواطن آخر يدعى، باسم جلال، 56 عاما، تحدث لـ"مركز آدم" إلى أن الوضع الأمني ليس المشكلة الوحيدة التي يعاني منها العراق، وإن كانت الأكثر ضررا، وقال" مشكلة الفساد المالي والإداري التي أفقدت العراق مبالغ خيالية لا تقل خطورة عن تردي الأوضاع الأمنية".وبين أن العراق الذي يعد من بين أغنى دول العالم من حيث حجم الثروات النفطية والغازية التي تستطبنها أرضه ما زال غير قادر على حل مشكلة السكن التي يعاني منها ملايين الأشخاص، وقال" من المعيب أن تختفي مليارات الدولارات ولا يعرف مصيرها بينما العراقيون يعانون من الفقر والحرمان ويعيشون في بيئة سيئة وملوثة".وكانت تقارير إعلامية قد أشارت إلى اختفاء نحو 60 مليار دولار من العراق بعد سقوط النظام السابق وكشف المفتش العام الأميركي في عهد الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، ستيوارت بوين عن وثائق ومستندات وحقائق إلى الجانب العراقي تشير إلى فقدان أكثر من 60 مليار دولار من صندوق التنمية "DFI" بينما كان الجانب العراقي يحقق بفقدان نحو 20 مليار دولار فقط.وطرح بوين وثائق في غاية الخطورة تشير إلى تورط ضباط مدنيين ينتمون إلى فريق الأعمار المدني آنذاك بالخضوع لإرادة الجماعات المسلحة، وقبول المساومة على أموال طائلة، ذهب بعضها إلى دول مجاورة لإنشاء مشاريع استثمارية تدر أرباحا على جماعات إرهابية تنشط داخل العراق.وفيما تعاني العملية السياسية في البلاد من مشكلة جدية بعد أن تم تقسيم المناصب والمراكز المهمة في الدولة على أساس حزبي وطائفي، يعتقد متابعون أن المحاصصة لابد أن تنتهي ويتم تصحيح المسار السياسي ليتم لاحقا تحديد مسؤولية كل طرف في العملية السياسية.وقال الإعلامي، غانم عبد الزهرة لـ"مركز آدم" المحاصصة تعني توزيع المسؤولية على الجميع كما تعني تنصل الجميع من المسؤولية، ولابد أن تعلن الكتل السياسية موقفا واضحا من المحاصصة" واعتبر العراق يعيش في مفارقة سياسية غريبة منذ 2003 تسببت بضياع حقوق المواطنين في معرفة وتحديد مسؤولية كل طرف من أطراف العملية السياسية.وأوضح أن المواطن العراقي اليوم بحاجة إلى أن يعرف من هو المسؤول عن الإخفاقات ومن هو البديل، وقال" الواقع يشير إلى إن الكل مسؤول والكل بديل وهذا أمر غير مقبول سياسيا، وهو سابقة فريدة في الأنظمة السياسية".واعتبر تصحيح المسار السياسي في البلاد من حق المواطن العراقي الذي يجب أن يحدد الجهة السياسية التي أخفقت فيتجنب انتخابها أو يحاسبها والجهة التي كانت بعيدة عن هذا الإخفاق وبالتالي يمكن أن تكون بديلا لإدارة الدولة بعد الانتخابات.وقال" حين يشترك الجميع بالحكم وينتقدون بعضهم بدون أدنى فرصة لتحديد من هو المسؤول عن الإخفاق فهذا يضع المواطن العراقي في حيرة من أمره ويمنعه من ممارسة حقه الانتخابي بحرية".ولفت إلى أن البرنامج الانتخابي هو الأكثر أهمية بالنسبة للناخب ومستقبل البلاد من كل صور المرشحين وملصقاتهم الدعائية، وأوضح أن تضمين موقف الكتل السياسية من المحاصصة ورغبتها في الانتهاء منها يعد أمرا لازما في هذه الفترة.وعقد زعماء الكتل السياسية الكبيرة في الأيام الماضية ومن المتوقع أن يعقدوا مستقبلا ندوات جماهيرية أمام أنصارهم للتعريف بأهدافهم العامة من الترشح للانتخابات. لكن متابعين يعتقدون أن الكلمات والشعارات التي يتم الإعلان عنها في التجمعات الجماهيرية لا يمكن أن تكون بديلا عن البرامج الانتخابية.وحين استضاف مركز" آدم للدفاع عن الحقوق والحريات" عددا من المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة والتي ستجرى في نهاية الشهر الجاري، لم يتضح أن لديهم تصورا يمكن تسميته برنامجا انتخابيا، وكانت إجاباتهم عن الأسئلة التي وجهت لهم فيما يخص تصوراتهم لحل مشاكل البلاد عامة وتفتقر إلى الدقة.فمثلا قال أحدهم" إنه يحمل أفكارا لدعم قطاع السياحة في المدن الدينية، ويحث الحكومة المقبلة على بناء منشئات سياحية يمكن أن توسع من إنفاق الزوار الأجانب خلال زيارتهم إلى هذه المدن".وحين سأله "مركز آدم" عن دور كتلته من تصوراته هذه قال" إنه لا يعلم بالضبط لكنه سيعمل على إقناعها بعد فوزه" وهذا مؤشر على أن المرشحين لا يتبنون برنامجا انتخابيا ويتم ترشيحهم بناء على توقعات بمقبوليتهم اجتماعيا لحصولهم على أصوات تمكنهم من الفوز.وهذا لوحده لا يكفي لبناء دولة، فالعراق اليوم في لحظة تاريخية تحتم على من يتصدى لقيادته معرفة الوجهة الصحيحة التي ستؤدي بالبلاد إلى النجاة من بحر الأزمات المتلاطم الذي تتخبط فيه والوصول بها إلى برّ الأمان.التوصياتأولا- بعد أكثر من عشرة أعوام من الإطاحة بالنظام السابق في العراق لا ينبغي على الكتل السياسية أن تفكّر بطريق رمادية وبمرحلية مفرطة دون أن تصل إلى مستوى التفكير الاستراتيجي.ثانيا – الكتل السياسية تتحمل المسؤولية في رفع مستوى التفكير السياسي لدى الناخب من خلال تصويب العملية الديمقراطية ببرامج انتخابية تكون منهاج عمل للكتلة التي تتبناها لأربع سنوات مقبلة وليعرف الناخب ما الذي تحقق منها وما الذي لم يتحقق.ثالثا- البرامج الانتخابية مهمة لأنها تحدد بوصلة سفينة الدولة وتخرجها من التخبط والضياع في الارتجالات الآنية التي لا تبنى على أساس متين من الوعي والإرادة.رابعا- على الناخب العراقي أن لا يكف عن مطالبة الكتل السياسية ببرامجها الانتخابية وان يكون فاعلا وحاضرا بوعي في التجمعات الجماهيرية التي تقيمها وان لا يكون مؤيدا دون وعي ومساندا دون هدف واضح.خامسا- على الناخب العراقي أن يحاسب الكتل السياسية على إخفاقاتها ولا يصطف بشكل مطلق مع هذه الجهة أو تلك وان تكون خياراته السياسية نابعة من رغبته بنهوض بلده وتحقيق أهداف مواطنيه.