تشير تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات العالمية الخاصة بالحقوق والحريات، بصورة واضحة وجلية إلى حجم الانتهاكات التي تعرضت لها الحريات في مصر، سواء من قبل السلطة التي تم انتخابها أو السلطة التي أطاحت بها، فرغم إن الأولى تعد منتخبة عبر صناديق الاقتراع، إلا أنها تعدت كثيراً على الحريات الدينية والمدنية، ففي عهد الرئيس محمد مرسي تم انتهاك العديد من الحريات وفي مقدمتها الاعتداء على حرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية الاعتقاد والرأي، فقد أشارت بعض التقارير إلى إن العهد الذي هيمن فيه الإخوان المسلمون على الحكم وأصبحوا على رأس هرم السلطة، مارسوا فيه "استخفافاً كبيراً بحقوق الإنسان"، تمثل في أعمال العنف الطائفي والتضييق على الحريات والمعتقدات الدينية وقتل عدد من المواطنين بحيث وصل الأمر إلى سحل بعض المواطنين في الشوارع من قبل جماعات متطرفة ترعاها السلطة أو تغض الطرف عن تصرفاتها العدوانية، إضافة إلى تزايد عدد الملاحقات القضائية للصحفيين، وانتهاكات الشرطة، كما قام مجلس الشورى بإصدار تشريعات اشتملت على مشاريع قوانين "تقييدية" للحريات، تخص التجمعات العامة والجمعيات.
أما الثانية وهي سلطة العسكر، بعد 30/يوليو/حزيران، فقد كانت تمارس انتهاك الحريات بصورة شبه مستمرة وعلنية تحت يافطة (الأمن أولاً)، وبحجة توفير الأمن المزعوم وقع عدد كبير من الانتهاك للحريات العامة والتعدي عليها، وإصدار أحكام الإعدام والأحكام السالبة للحرية، وبالتالي ضياع كل ما ضحى من أجله الشعب المصري لتعود السلطة من جيد بيد العسكر وإلغاء إرادة المواطن المصري وتجاهل حريته في اختيار من يراه مناسبا لحكمه بغض النظر عن أيدلوجياته بإعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة. تراجع حرية الإعلام
من غير المستغرب أن تكون وسائل الإعلام المصرية قد بشرت إلى حد كبير بخطوة الجيش، وبقيت صامتة بينما هو ينقض على جماعة الإخوان والأصوات المعارضة: فطوال عقود، عمل خليط من المصالح السياسية والاقتصادية على خنق تطور واحترام آليات لصناعة وسائل إعلام مستقلة وشفافة. وبينما تمر مصر بالسنة الثالثة منذ الإطاحة بحسني مبارك في العام 2011، يستعد الكثيرون لاختبار المدى الذي يمكن أن تذهب إليه حملة التقييد ضد الإعلام وملاحقة من ينتقد السلطة.
ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، فقد توفي سبعة صحفيين في الميدان منذ حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس 2013، مضافين إلى الثلاثة الذين توفوا خلال السنتين السابقتين أبان حكم الإخوان. وفي الخريف، تعرض صحفيان مصريان كانا يعملان في سيناء إلى الاعتقال والمحاكمة أمام محاكم عسكرية. وفي كانون الأول/ديسمبر، سُجن أربعة من مراسلي محطة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية بتهم التحريض. وخلال احتفالات كانون الثاني/يناير، تم اعتقال سبعة صحفيين على الأقل، وتعرض عشرات آخرون للإصابات، والاعتداءات أو الاحتجاز في الأشهر منذ الإطاحة بمحمد مرسي. وتعرض ما لا يقل عن 45 صحفياً للاعتداءات، وتم اعتقال أكثر من 44 صحفياً منذ تموز /يوليو. تبادل التهمفي كل مناسبة تنتهك فيها الحريات ومن بينها حرية الصحافة ويتعرض فيها الإعلاميين لحوادث القتل، يتم تبادل التهم بين الإخوان والعسكر ضد بعضهما من أجل التدليس على الرأي العام وتشويه الحقائق والتخلص من تبعات تلك الجريمة، كما حصل في مقتل الصحفية "ميادة اشرف"، خلال تغطيتها للتظاهرات المؤيدة للإخوان في عين شمس، كما تم طعن ماري سامح جورج التي قتلت في الاشتباكات نفسها بين المؤيدين للإخوان والشرطة. ففي يوم 29/3/2014 تم قتل الصحافية والإعلامية "ميادة أشرف" برصاص مجهول أثناء تغطيتها لتظاهرات قادتها جماعة الإخوان، ورغم بشاعة الجريمة وخستها إلا أن كلا الجهتين نفيتا مسؤوليتهما عن الحادث وتقديمه على أنه جريمة قام بها الطرف الآخر، وهذا حال العديد من الانتهاكات التي تعرض لها الإعلاميين في زمن الإخوان وفي ظل حكم العسكر.الانترنت تحت المجهرأتاح فضاء الإنترنت أشكالاً جديدة من جمع الأخبار وتبادلها -من جماعات صحافة المواطن، ومع ذلك، وفي اتجاه متصاعد تم جلب العديد من مستخدمي الإنترنت الذين يحظون بالشعبية وبعض الساسة إلى المحاكم بناء على تغريدات أو تعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد تم إعتقال عدد من المغردين على خلفية آراء سياسية تم تدوينها على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد نقل عن مصدر مسئول في وزارة الداخلية أنه قال: إن وزير الداخلية محمد إبراهيم أصدر تعليمات مشددة بمتابعة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، و"تويتر"، التي تسيء إلى شخص المشير المستقيل عبد الفتاح السيسي، والمرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية.وأوضح المصدر في تصريح نقلته أحدى الصحف العربية "أن إدارة مباحث الاتصالات بالوزارة تراقب ما يحدث على هذا "الهاشتاج"، للقبض على جميع المشاركين به". وهذا الأمر غير مستغرب في الدول ذات النظم التي لا تُحتَرم فيها الحريات ولا تصان، ومن الطبيعي فما يجري في مصر يجعلها بعيدة عن حماية هذا الحق في ظل تطرف متبادل بين أطراف سياسية تسعى للاستحواذ على السلطة بأي ثمن. شبح التطرفشهد عهد حكم الإخوان تراجع كبير في الحريات العامة بفعل ظهور جماعات متطرفة حاولت أن تفرض أفكارها ومشاريعها على المصريين بكل توجهاتهم الدينية والمذهبية، وصاحب تلك الفترة انتهاكات خطيرة للحريات الدينية والشخصية وصلت إلى حد سفك الدماء وسحل البعض في شوارع المدن أمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية، كما شهدت الفترة التي أعقبت الإطاحة بحكم الإخوان انتهاكات كثيرة تمثلت في الاعتقالات العشوائية وتكميم الأفواه من قبل العسكر.وفي هذا الإطار يعبر حقوقيون في مركز آدم للدفاع الحقوق والحريات وفي مناسبات كثيرة، عن خيبة أملهم بسبب تراجع الحريات العامة داخل مصر بعد تغير نظام حكم الرئيس مبارك والتي جاء من أجلها التغيير وضحت في سبيله الكثير من شرائح المجتمع المصري، وغياب الإرادة الحكومية الجادة في تعزيز قيم ومبادئ حقوق الإنسان في المجتمع، على الرغم من خروج ملايين المصريين للدفاع عن أحلامهم في الحرية المنشودة وإصرارهم على تحقيق العدالة الاجتماعية والنضال من أجل الكرامة الإنسانية. انحياز القضاءشهدت مصر في الفترة الأخيرة كثرة المحاكمات السريعة والأحكام غير المنسجمة مع المعايير القانونية الإنسانية، وبدأت بعض محاكمها الجنائية تأخذ طبعاً عسكرياً، فصارت تنظر إلى أي شخص موجود على ساحة الأحداث متهم حتى وإن خرج ليطالب بحقه، وبغض النظر عن الأوضاع الأمنية الصعبة التي تمر بها مصر في الوقت الراهن، كان لا بد أن يحظى جميع المتهمين بوجود محاكمة عادلة تؤمن لهم وجود إجراءات قضائية طبقا لمعايير ومقتضيات العدالة.إذ يجب ابتعاد القضاء عن محاكمة النوايا والضمير والرأي، وأن يعطى حق الدفاع للمتهم في جميع مراحل التحقيق وأثناء المحاكمة والسماح له بالطعن بعد الحكم الصادر ضده قبل اكتسابه الدرجة القطعية، وأن تخضع الأحكام للتدقيق والفحص قبل النطق بها أو تنفيذها، إذ يجب إعادة النظر بالأحكام التي صدر مؤخراً بإعدام أكثر من (500) من جماعة الإخوان لأنها قد تشتمل على أحكام جائرة أو غير عادلة تولد ردود فعل عكسية وتتسبب بمزيد من العنف في الشارع المصري المحتقن أساساً بالعنف وردات الفعل غير المنضبطة. الخشية من العودة لحكم العسكرقد يدفع ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي إلى إثارة مشاعر الخوف من سيطرة العسكر على السلطة وإجراء انتخابات شكلية، وبالتالي يتم إقصاء المعارضين السياسيين وملاحقتهم أمنياً، مما قد يثير الكراهية ويفاقم نزعة الانتقام لدى جماعات المعارضة وخصوصاً جماعة الإخوان، مما يؤدي إلى مزيد من العنف يقابله مزيد من الاعتقالات ومصادرة الحريات. إذ كان ينبغي على قيادات الجيش أن تأخذ جانب الحياد ولا تدخل في المعترك السياسي ويكون دورها مقتصرا على حماية الأمن والوقوف بوجه من يعتدي على حريات المواطنين أو يتعرض لانتهاكها دون المساس بأصل النظام السياسي القائم على أساس إحترام إرادة وحرية الناخب المصري وحماية حقوقه.التوصياتأولاً: لابد للمجتمع المصري أن ينعم بالحرية التي ترسخ للاستقرار والتداول السلمي للسلطة، وأن تعمل السلطات المصرية بالدفع نحو إعادة الثقة وأن تشرع بإبداء حسن نيتها أمام موطنيها، وذلك بإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهم سياسية وإطلاق سراح الإعلاميين والمغردين ومعتقلي الرأي.ثانياً: كما يجب على السلطات أيضاً العمل على ترسيخ العدالة الاجتماعية، فالحرية سوف تكون مفرغة من معناها الحقيقي ما لم تستند إلى نظام اجتماعي عادل، ينظر إلى أفراد المجتمع نظرة إنسانية متساوية، لا تميز بينهم على أساس مذاهبهم الفكرية أو السياسية أو الدينية أو العرقية، بل يكون ميزان التفاضل فيه هو السلوك القويم، والعمل الصالح الهادف إلى المساهمة في تحقيق مصالح المجتمع. ثالثاً: العمل على إيجاد نظام قانوني عادل، فلا تظهر آثار الحرية على أرض الواقع، إلا في ظل نظام قانوني عادل، يضمن للمحكومين حرية اختيار أحسن الحاكمين بإرادتهم الحرة المعبرة، والعارية عن أي شكل من أشكال الضغط والإكراه، والخالية من أي لون من ألوان الغش، والتزوير، مهما كان نوعه، وكيفما كان مصدره ودواعيه.رابعاً: الإسراع بإجراء إنتخابية نزيهة يتم السماح للجميع الاشتراك فيها وخوضها وأن تمنح فرصة الترشيح والدعاية والحملات الانتخابية واللقاءات مع الجماهير لجميع المرشحين دون استثناء وبنفس القدر من المساواة. خامساً: تحقيق العدالة الانتقالية، بحيث يحقّ للضحايا أن يروا معاقبة المرتكبين ومعرفة الحقيقة والحصول على تعويضات، لأنّ الإنتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الإنتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كان لها يد في هذه الإنتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.