أقام مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي في مقر المركز بمدينة كربلاء المقدسة، حلقته النقاشية الموسومة (تنظيم العقد الاجتماعي للعلاقة بين السلطة والحرية)، وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق (15/ شباط /2020) بمشاركة مجموعة من الشخصيات الأكاديمية والقانونية ومدراء المراكز البحثية.
افتتح الحوار الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم، حيث قال:
"في تلك الأجواء الساخنة التي يعيشها المشهد العراقي التي بدأت منذ شهر تشرين الأول ولغاية الآن، وما تشهده الساحة العراقية من تظاهرات واحتجاجات وحركة شعبية مستمرة باتجاه استعادة شيء من الحرية لمحاولة السلطة أن تجهز عليها في العراق، بصدد مناقشة جزئية مهمة وهي تنظيم العقد الاجتماعي والعلاقة بين السلطة والحرية، لاسيما وأن مقاصد هذا العنوان تتعلق بالعقد الاجتماعي وفي السلطة وفي الحرية ثم التنظيم أو الأحكام التي تتصل بهذه المفردات الثلاثة، ثم نأتي على أهم التوصيات أو الآثار التي يمكن أن نحصل عليها ونوصي بها عموما".
"لذلك لابد لنا أولا التذكير بان بعض شرائح المجتمع العراقي لعله ينشط في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام لكي يبين وجهة نظره، فالبعض مثلا يشكل على النظام البرلماني في العراق، والبعض مثلا يشكل أيضا على الطبقة السياسية في العراق، والبعض الآخر قد يشكل على أداء السياسيين كشخوص وكأحزاب سلطة، لكن بتقديري الخاص أن القضية قضية شائكة ومتشعبة ولا تخرج عن هذه الصراع الأبدي الذي هو بين السلطة والحرية، فالإنسان من غير المعصومين عليهم السلام عندما يمسك زمام السلطة ويصبح هو الحاكم سيجنح شاء أم أبى نحو الاستبداد والتعسف، ولكن بدرجات متفاوتة وكلا حسب وضعه، والشعب كمجموعة من الأفراد هم ينشدون الحرية ويطلبون الحرية".
"لذلك عندنا مصطلح (العقد الاجتماعي) الذي برز في القرن السابع عشر على يد كبار الفقهاء في أوربا من مثل..(لوك/ هوبز/ روسو)، وحاولوا من خلال ذلك تبرير نشأة الدولة آنذاك، ولكن كلا انطلق من وجهة نظر معينة فعلى سبيل المثال..( هوبز/ لوك) أيدوا الحكم المطلق وكانوا يميلون إلى البلاط، علما أن دوافع ذلك الفعل ينسجم مع حالة تلقيهم الهدايا والهبات من البلاط الملكي في انكلترا، لذلك هم حاولوا تبرير السلطة المطلقة للملك وصوروا أن أطراف العقد هم الملك من جهة والشعب من جهة أخرى، لكن (روسو) باعتباره حداثوي أو مناصر للأفكار الديمقراطية تصور أن الأمر يختلف، ووصف أطراف العقد الاجتماعي هم الشعب فقط وهم من اختاروا الحاكم فيما بعد وتنازلوا له عن بعض حقوقهم، حتى يتولى السلطة وتنظيم أمورهم ورعاية مصالحهم المشتركة".
"عموما حتى نخرج من هذه البوتقة التاريخية لابد أن نوضح فكرة وهي.. هل يعتبر الدستور في العراق أو في دول العالم عقداً اجتماعيا؟، في تقديري الشخصي الدستور لا يوصف توصيف قانوني بأنه عقد اجتماعي، لكن هو في جزئياته أو في تحليله الدستور يتكون من جسد وروح، فالجسد متمثل بالنصوص القانونية المسطرة في الوثيقة الدستورية، وروح الدستور هو نوع من العقد الاجتماعي أو نوع من العقد الأخلاقي بين السياسيين أو الطبقة السياسية المهيأة لاستلام السلطة أو المهيأة للاشتراك في السلطة أو التي هي مشتركة وماسكة بزمام السلطة وبين الشعب، فهذا العقد لابد أن يتم احترامه من قبل هذه الطبقة بكل تأكيد، وذلك مخافة أن تتحول هذه الطبقة في يوم من الأيام إلى طبقة مستبدة، وهذا ما حصل فعلا في العراق".
"الطبقة السياسية جاءت بعد زوال النظام الدكتاتوري السابق بدعوى أنها تريد أن تحرر الشعب، وبدعوى أنها تريد أن تحافظ على مصلحة الشعب وتنشر الحكم الديمقراطي أو تدعم الحكم الديمقراطي، لكن حقيقة الأمر الذي لوحظ خلال هذه السنوات (17) الماضية أن النزوع كل النزوع نحو الدكتاتورية أو التعسف أو نحو الاستبداد، واستبدل المستبد الواحد بمجموعة من المستبدين متمثلين بمجموعة من ممثلي القوميات أو المذاهب أو ما اصطلح عليه برؤساء الكتل السياسية وما شاكل ذلك، ولهذا نجد أن الشعب عندما حاول أن يغير أو حاول أن يعبر عن رأيه في رفضه لهذا النظام الفاشي المستبد، تمت مواجهته بمختلف انواع التشكيك والمقاومة والقتل وما شاكل ذلك من الأفعال الإنتقامية التي مارستها السلطة".
السلطة ضرورة والحرية حاجة إنسانية
"السلطة والحرية متلازمتان، لذلك ينبغي على الدستور أن يكون هو بيضة القبان فيما بينهما، فهو ينظم هذه العلاقة الأبدية بين السلطة وبين الحرية، السلطة ضرورة والحرية حاجة إنسانية، لذا لابد التوفيق بين المصالح، حتى أن الدستور ينبغي عليه أن يوجد نوع من التوازن الدقيق بين المصالح المتباينة مصلحة الأفراد كأفراد ومصلحة المجتمع أو المصلحة الجماعية أو المصلحة العامة وبين المصلحة التي هي شكل من اشكال المصلحة العامة لوجود السلطة السياسية، لا ينتظم أمر المجتمع بدون سلطة سياسية، ولا يستقيم أمر السلطة مبدون أن تلتزم بالمواثيق على اقل تقدير العقدية الأخلاقية السياسية التي قطعتها على نفسها والتزمت بها إزاء الجمهور واتجاه الشعب".
"من هنا يتضح أن الشعب هو توصيف قانوني للدولة، لأنه سابق على الدولة وهو ركن أساس من أركانها، بل البعض ينتهي إلى انه الركن الوحيد من أركان الدولة، أما الإقليم والسلطة السياسية فهي لاحقة على هذا الركن، وهي عناصر تدخل في هذا الركن ولا تدخل في ماهيته أو في حقيقته، السلطة السياسية لاحقة عادة ما تنشأ من شكل معين على شكل تعاقد أو على شكل تنظيم قانوني يفرز هذه السلطة السياسية ويميزها ويبدع في تنظيم أحكامها القانونية من خلال القوانين التي تصدر من هنا وهناك وتنظم شأن السلطة السياسية، حتى تمارس السلطة مسؤولياتها يفترض أن تكون الممارسة باسم الشعب ونيابة عنه".
"من هنا طرحت الكثير من النظريات خصوصا بعد الثورة الفرنسية لعام (1789) نظرية (سيادة الأمة) و(سيادة الشعب)، وهل أن السيادة للأمة كشخص أو توصيف واحد يسمى الأمة، أم إنها مجزأة بين أفراد الشعب وكل شخص من الشعب يملك جزء من هذه السيادة، لذلك عندما ننتقل من الجانب النظري إلى الجانب العملي نجد أن الدستور العراقي مثلا لعام (2005) افرد مركز دستوري للشعب متميز جدا، بدأ من ديباجة الدستور التي استفتحت بقوله تعالى (وكرمنا بني آدم) وهذه الكرامة يفترض أن الدستور سوف يعبر عن هذه الكرامة وسوف ينظم هذه الكرامة".
"وانتقل المشرع الدستوري للحديث سواء في الديباجة او في المواد الأخرى.. (إلى أن الشعب هو مصدر السلطة وشرعية السلطة وأن التداول السلمي للسلطة هو الاسلوب الوحيد المتبع للوصول للسلطة وممارستها)، وبعد ذلك انتقل لتعداد وتحديد الأسس التي سوف يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، ولاسيما الحقوق والحريات التي اوجب على السلطات العامة لاسيما التشريعية منها احترامها وتقديسها وعدم المساس بها، وكفل أيضا جملة من الحقوق للمواطن العراقي بدأ بحق المساواة في المادة (14)، وانتهاء بحقه في تأسيس مثلا منظمات المجتمع المدني في المادة (44/45/46) التي حددت لنا هذه المعالم جميعا".
"بالتالي يحق لنا أن نستفسر إذا كان المركز الدستوري للمواطن أو للشعب هو مركز متميز، فما هو المركز الدستوري للحاكم؟، وذلك على اعتبار أن لدينا متغيرين اثنين وهما..( متغير الحاكم/ متغير الشعب)، المركز الدستوري للحاكم الدستور تبنى في المادة (الأولى) النظام النيابي، والنيابة ملتصقة بنوع من أنواع الحكم الديمقراطي يسمى (الديمقراطية النيابية)، فمركز الحاكم الدستوري إذاً متأتي من الشرعية الشعبية، فالشعب هو من يسبغ عليه الشرعية، فبما أن الشعب اختار أن يأخذ بنظام (الديمقراطية النيابية) فهو من يختار نوابا عنه، من اجل ممارسة السلطة نيابة عنه وباسمه ولمصلحته ولمدة مؤقتة، ثم يعود الأمر أو الاحتكام للشعب مرة أخرى لكي يحكم على الطبقة السياسية أو الطبقة الحاكمة، فأما أن يثيبها ويعيد انتخابها أو يعاقبها ولا يعيد انتخابها".
الحرية قرينة للشعب والاستبداد والتعسف قرين بالسلطة
"المركز الدستوري للحاكم يأتي متدنيا ولا يضاهي المركز الدستوري للشعب المتقدم وصاحب السيادة ومصدر شرعية سلطة الدولة، فالحرية قرينة للشعب والاستبداد والتعسف قرين بالسلطة، الحاكم أيا كان توصيفه سواء كان..( مجلسا/ فردا/ مجموعة من الحكام الذين يتناوبون أو يوزعون السلطة فيما بينهم)، يطمح إلى أن يمد سلطته إلى ابعد الحدود ولو كان ذلك على حساب الحرية، والمواطن تصبو عينه إلى الكرامة أولا وإلى الحرية ثانيا وإلى المساواة وغيرها من المبادئ التي ينبغي أن يعيش في ضلها".
"من بعد ذلك يأتي دور التعاقد الذي ينبغي أن ينظم هذه العلاقة القانونية ما بين الحاكم من جهة وما بين الشعب أو الأفراد من جهة أخرى، من هنا تبرز لنا مجموعة من المبادئ التي لابد أن نقف عندها.. خصوصا بعد ما بينا المركز الدستوري للحاكم والمركز الدستوري للشعب، والحاكم بطبيعة الحال ليس في المادة (الأولى) فقط، وذلك على اعتبار أن المادة (47) بينت السلطات الاتحادية وأنها تشريعية وتنفيذية وقضائية، والمادة (61) كرست مبدأ استبداد البرلمان لأنها نسفت المادة (الأولى) من الدستور، على اعتبارها كرست السلطة بيد مجلس النواب النظام، وانتقلت بنوع النظام السياسي من النظام البرلماني إلى النظام المجلسي أو ميال للمجلسية أو قريب من المجلسية، والسبب لان أغلبية السلطات والصلاحيات مقرونة بموافقة البرلمان، بدا من تشكيل الحكومة ومرورا بموافقتها على كبار الموظفين في الدولة، وانتهاء برقابتها التي تمتد إلى ابعد الحدود".
"فالنظام منحرف في العراق ليس نظاما برلمانيا كما يتصور البعض، إنما هو منحرف باتجاه المجلسية أو باتجاه هيمنة مجلس النواب، هذه من المفترض نقطة تسجل لصالح الشعب وليس لصالح السلطة، لكن الذي حصل أن هذه النقطة أيضا كانت سلبية على الشعب، لأنها أوجدت داخل البرلمان دكتاتورية رؤساء الكتل النيابية، فلو لم تخلق هذه الدكتاتورية لكان الشعب حقق نقطة لصالحه، حينما انحرف النظام لصالح تقوية مركز مجلس النواب على حساب السلطة التنفيذية والتي هي رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، لكن التطبيق العملي هو الذي ابرز قوة مجلس الوزراء، على الرغم أن الدستور لم يمنحه هذه المكانة الدستورية".
"والسبب لأنه استغل ضعف البرلمان وتشتت كلمة البرلمان فبرز دور مجلس الوزراء، الذي اخذ على عاتقه إصدار بعض القرارات التي ليس لها أساس من الدستور على شاكلة المادة (6/7) وغيرها من النظام الداخلي لمجلس الوزراء (2/6/2019)، وأيضا على شاكلة القرار(315) لسنة (2019) والكثير من القرارات لمجلس الوزراء التي انحرف بها عن الدستور وعن القانون، وهذا هو نموذج من نماذج الصراع بين الحرية والسلطة التي أردنا أن نشير لها في محاضرتنا لهذا اليوم من هذا نستشف أن هناك مبادئ لابد من الوقف عندها من مثل..
المبدأ الأول: أن الشعب في مركز دستوري متقدم/ وهذا يذكرنا بأن الشعوب الحرة ثارت ومنذ الأزل على الحكام، فعلى سبيل الاستهداء مثلا ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضد الحاكم، فالحاكم لم يتحجج بالعقد الاجتماعي مثلا وأن المجتمع تنازل له عن السلطة، وإنما حاول أن يبررها تبريرات دينية أخرى، وأيضا الشعب الفرنسي لما ثار رفع المؤاخاة والمساواة والحرية، والشعب الأمريكي لما ثار على المحتل الانكليزي رفع شعار الحرية في العام (1776) وما سبقتها من السنوات، والشعب الانكليزية نفسه عندما ثار على الملك استحصل على (المكنا كارت) في العام (1215) وهي وثيقة فرضها على الملك من اجل تقييد سلطته شيء فشيئا، فتاريخيا ثابت لدينا غير الثورة لن يغير أو يصحح مسار السلطة.
المبدأ الثاني: إن الله سبحانه وتعالى قد استخلف البشر ولم يميز بين الحاكم والشعب، بل جعل كلاهما في ميزان واحد ووصف كلاهما بأنه خليفة.
المبدأ الثالث: الفساد في السلطة وهو انحراف في استخدام السلطة وهو منبوذ قرآنيا واجتماعيا وإنسانيا.
المبدأ الرابع: التركيز على القيود التي توضع على السلطة، هذه القيود قد تكون نوع من المشورة التي توجب الحاكم الرجوع بالمشورة لجهات أخرى، الإسلام أيضا أرسى مبدأ المشورة التي نص عليها القرآن الكريم في أكثر من مورد، بالتالي يحق لنا أن نستفسر هل الدستور العراقي للعام (2005) خرج عن هذا المبدأ التاريخي، الجواب كلا لم يخرج عن هذا المبدأ، لذا اوجد نوع من التوازنات الدستورية، هذه التوازنات كانت لصالح مجلس النواب أيضا، لان المحكمة الاتحادية العليا كرقيب على مجلس النواب يجب أن ينظم أحكامها مجلس النواب، فهنا الكفة كانت مائلة نحو مجلس النواب، محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء في المادة (93) وإدانتهم من قبل المحكمة الاتحادية العليا عن الأخطاء التي قد يرتكبونها مقرونة بقانون يجب أن يسنه مجلس النواب، وإلى الآن لم يسن هذا القانون، التوازن الآخر بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية هو أيضا يميل كل الميل نحو السلطة التشريعية، والسبب لان السلطة التشريعية تملك أن تسحب الثقة من الحكومة وتملك أن تستجوبها وأن تطرح أسئلة، في حين أن السلطة التنفيذية لا تملك خيار حل مجلس النواب.
المبدأ الخامس: التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، فكلما ابتعدنا عن تأثيرات السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، كلما كان ذلك أفضل ويصب في مصلحة السلطة القضائية ويقوي من مركزها الدستوري ومن مهمتها الرئيسية التي تتعلق بنصرة الحقوق والحريات، ولكن ما نجده أن الدستور كان بخيلا جدا عندما تناول السلطة القضائية، ففي المادة (87) يتكلم عن استقلال السلطة القضائية، في المادة (88) يتكلم عن استقلال القضاة، في المادة (89) يتكلم عن مجلس القضاء الأعلى، وفي المادة (92/93) يتكلم عن المحكمة الاتحادية العليا، ومن ثم ينتقل لمسائل تنظيمية بسيطة جدا، في حين أن الدستور يجب أن يفصل هذه المسائل تفصيلا دقيقا ويمنع تأثير السلطة التنفيذية في السلطة القضائية وهذا ما لم يحصل، فمجلس الدولة لغاية (2017) كان مرتبط بوزارة العدل والآن أصبح مستقل ولكن استقلاله عضوي فقط، ومجلس القضاء الأعلى لا يزال يشكو من تدخلات السلطة التنفيذية من خلال اختيار كبار المتحكمين بالسلطة القضائية والتدخل في ترشيحات معينة، فالتوازن هناك لم توجد لنا ضمانات تنصر الحرية على السلطة.
"للخروج من هذه الأزمة المتداخلة لا بديل عن تعديل الدستور، وأيضا لا بديل عن الأخذ بنمط من أنماط الديمقراطية الميالة إلى الديمقراطية الشبه مباشرة، وذلك من خلال إقرار الاستفتاءات العامة فلو أردنا مثلا أن نعدل المادة (73) من الدستور، ونمنح سلطة حقيقية للسلطة التنفيذية لكي توازن بها السلطة التشريعية، فحل مجلس النواب يفترض أن رئيس الجمهورية يمتلك أمرين.. خصوصا وأن المادة (67) تعرف رئيس الجمهورية على انه (يمثل رمز وحدة الوطن ويمثل سيادة البلاد ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور)، فهذه مهام خطيرة جدا فما هي مقومات رئيس الجمهورية حتى يرعى مصالح الشعب أو يرعى الحقوق والحريات، فنحن لم نعطي لرئيس الجمهورية الأدوات الحقيقية التي يحتاج إليها للاعتراض على قوانين مجلس النواب".
إعادة التصويت بالثقة على هذا النائب
"فإذا كانت الخشية أن رئيس الجمهورية قد ينحرف في هذا الأمر، فالبديل موجود وهو عرض الأمر على الاستفتاء الشعبي، فالدستور الفرنسي في العام (1958) يأخذ بهذا المبدأ، ونحن في العام (2005) نصوغ دستور لا نضع هذا المبدأ، بغية تقوية سلطة الشعب أو نمنح الشعب إمكانية أن يتدخل كي يكون حكما بين السلطات، فحينما يعترض رئيس الجمهورية على احد القوانين ويعيده إلى البرلمان ويصر البرلمان على قراره فيفترض أن يحال الأمر إلى الحكم وهو الشعب، فأما يقبل أو يرفض، فتكون هناك موازنات حقيقية، أيضا فيما يتعلق بقضية التمثيل الفردي أو الدوائر الصغيرة، فلماذا لا نمنح مواطني هذه الدوائر الصغيرة الحق في مسالة النائب أن تعسف في استخدام سلطته، أو انحرف عن الوظيفة التي تم تكليفه بها كي يكون ممثل عن هذه الدائرة، فيفترض أن نمنح المواطن العراقي باقتراح من خمسة الاف مواطن أو من عشرة آلاف مواطن الحق في إعادة التصويت بالثقة على هذا النائب، بالتالي نستطيع أن نحصل على نوع من أنواع التوازن السليم بين السلطة والحرية".
ولإثراء الموضوع أكثر على مسامعكم الكريمة السؤالين الآتيين:
السؤال الأول: كيف يمكن صنع توازن حقيقي بين السلطة والحرية عراقيا في ضوء المعطيات الواقعية؟
الإصلاح يبدأ من وجود قانون انتخابات جيد وبرلمان جيد
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يعتقد بـ"وجود حاجة ملحة لإعادة بالدستور، من خلال الدستور يمكن أن نحقق التوازن المطلوب عبر تفعيل بعض الفقرات أو إضافة بعض الفقرات وأيضا في قانون انتخابات، فنحن مثلما نعرف أن مشكلة العراق الراهنة سببها النظام البرلماني وتشكيلة النظام البرلماني، الإصلاح يبدأ من خلال وجود قانون انتخابات جيد وبرلمان جيد يستطيع أن يقوم بتعديل الدستور وتشريع القوانين المعطلة، وذلك من اجل الوصول إلى توازن بدائي شريطة أن يستمر به تراكميا".
التصحيح يبدأ من النظام الانتخابي
- الأستاذ المساعد الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يطرح الاستفسار التالي "نحن كدولة عراقية ( شعب ونظام سياسي) أين نقف؟، الدولة العراقية بعد (2003) وإلى وقتنا الحاضر لا زالت تراوح في مكانها في موضوع التحول نحو النظام السياسي الديمقراطي، اذا نحن في ضوء هذه التجربة الممتدة إلى (17) عام وهي تتسم بالإخفاقات المتتالية، فان هذا التحول أو الانتقال نحو النظام السياسي الديمقراطي يفترض أن يبدأ بدايات صحيحة، لكن في العراق للأسف رسخنا بدايات خاطئة على مستوى.. (النظام الانتخابي/ الالتزام بالدستور/ الدستور نفسه/ السلوك السياسي للقوى السياسية/ المشاركة السياسية لدى الشعب)".
يكمل السرحان "كل هذه كانت عبارة عن عوائق وكوابح باتجاه عملية الانتقال نحو النظام السياسي الديمقراطي، اذا نحن أمام خيارين إما أن نكمل المسيرة ونتقدم نحو الأمام، أو لا نرفض هذا الجانب ونعود للنظام الدكتاتوري، لذا فان الخيار الثاني مستبعد نهائيا خصوصا ومع وجود هامش الحرية الذي منح للشعب العراقي وحرية التعبير وحرية الرأي وحرية التظاهر والتجمع وغيرها، هذه العناوين كانت لها ايجابيات كبيرة وكانت مساحة جيدة لتنشئة سياسية مناسبة، رافقتها بعض المقومات الأخرى التي تتعلق بالتنشئة بشكل عام وهي تتعلق بالتربية والتعليم، ناهيك عن المصاديق الأخرى التي ترتبط بهذا السلوك الموضوعي الديمقراطي، والذي يرتبط بالقوى السياسية ومؤسسات الدولة".
يضيف أيضا "حتى نصنع توازن بين السلطة والحرية، فالسلطة هنا هي قرينة للحاكم والحرية هي قرينة للشعب، بالتالي نحن نتكلم عن حاكم ومحكوم، التوازن الذي أوجدته الورقة على صعيد السلطة القضائية أو جعل الشعب هو الحكم في موضوع الاختلاف بين السلطات في الدولة، وأيضا تمت الإشارة إلى فقرة محدودة وهي كون التصحيح لا يمر إلا من خلال الثورة، فعلى ضوء ما تقدم يمكن أن نلجئ لنوع من التصحيح الذي يبدأ من النظام ذاته، فحينما يعجز النظام عن إصلاح ذاته سياسيا ربما نلجئ للخيارات الأخرى ومنها الثورة".
كما أردف السرحان "المشكلة بطبيعة الحال ليست في النظام النيابي أو النظام البرلماني، بل هناك سيناريو يهدف إلى خداع الناس وخداع الرأي العام كون المشكلة الأساسية تكمن في النظام البرلماني، وهذا أمر غير دقيق فالخطأ لا يمكن في النظام البرلماني، بل الخطأ يكمن في النظام الانتخابي من جهة وعدم وجود كتلة معارضة داخل البرلمان من جهة أخرى، وبالتالي أوجدنا لنا سلوك سياسي منحرف واوجد لنا أحزاب جامدة، لذلك أي تصحيح يبدأ من النظام الانتخابي، فالنظام الانتخابي هو الذي ينتج لنا السلوك الصحيح والأداء القويم لأي برلمان، فهذا التمثيل الحقيقي هو الذي يعبر عن ارادة الجماهير، فعندما نصل لهذا التمثيل الحقيقي تلقائيا السلوك السياسي سوف يتصحح".
يختم السرحان "لذا فان القانون الانتخابي هو ممتاز جدا لهذه المرحلة، ولكن يحتاج إلى مقومات فنية خاصة تتعلق بإجراءات الحكومة، وفي نفس الوقت يحتاج إلى مقوم المشاركة السياسية التي تعتمد على الثقافة السياسية وتعتمد على الرابط بين الشعب والدولة، فلابد أن نفهم أن هذه الدولة هي تعبر عن مصالحنا، فإذا ما استطعنا أن نقنع الرأي العام والجمهور على انه النظام السياسي بعد الانتخابات المبكرة هو الذي سيكون حامي لمصالح، وهذا عنوان مهم لخلق حالة التوازن بين السلطة والحرية، والعامل الثاني لابد أن تفعل الرقابة السياسية داخل مجلس النواب، والعامل الثالث هو وجود الرقابة الشعبية بعد الانتخابات".
العقد الاجتماعي مدخل حقيقي للوصول إلى حل جذري
- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يتصور أن "مفهوم العقد الاجتماعي مفهوم يحتاج إلى الكثير من البحث والتواصل في عملية النقاش والحوار، بل ربما يكون هو مدخل حقيقي للوصول إلى حل جذري وأساسي في العراق، وأن لا نذهب خلف الحلول الترقيعية، هذا المفهوم إذا ما تم مناقشته وكان له صدى كبير في الساحة سيكون مدخل أساسي لحل المشكلة، التي تتركز في الأزمة القائمة بين الحاكم والمحكوم".
أضاف معاش "وهي أزمة حقيقية في العراق طوال عقود مديدة، لعدم وجود مفهوم جامع أو ترسيخ صحيح لهذه العلاقة، القرآن الكريم يقول (أوفوا بالعقود)، كل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في الإسلام هي قائمة على مبدأ العقود، ولابد أن يكون هناك تراضي بين الطرفين، فالتراضي بين الطرفين هو أساس تلك العلاقة، كذلك فان أقوى العقود واكبرها وأعظمها هي العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعقد الاجتماعي كمفهوم يمكن ملاحظته من جانبين.. جانب المبدأ وجانب النتائج".
أضاف أيضا "جانب المبدأ الأساسي والفطري أو كما يسميه القانونيين (القانون الطبيعي) وأيضا في القوانين الدينية هو قائم على حرية الإنسان، فالإنسان حتى يكون إنسانا لابد أن يكون حرا، ولا يستطيع أي شخص أن يستعبده ويسلب منه حريته، فلذلك عندما نأتي على قضية الحاكم والمحكوم تأتي السلطة استثنائية وليست أساسية، الأصل هو الحرية والسلطة هي استثناء، وذلك من اجل تنظيم الحقوق والحريات بين الناس، وحتى لا يحصل تصادم فتتحول العلاقات الاجتماعية إلى علاقات تكاملية تحفظ فيها الحقوق والحريات جميعا".
كما أردف معاش "فلا يمكن التضحية بحرية إنسان من اجل إنسان آخر، فلا تنشئ علاقة فوقية، بل تنشئ علاقة عرضية عقدية كما هو حال العلاقة ما بين البائع والمشتري والوكيل والموكل، علاقة عقدية قائمة على أسس وقوانين واتفاقات وشروط بين الحاكم والمحكوم، والعقد لابد أن يكون شرعيا وصالح العمل به (حدوثا وبقاءً) كما يقول السيد محمد الشيرازي، أي أن شرعية العقد تبدأ من خلال الاتفاق بالتراضي بين الطرفين وفي بقاء هذا العقد واستمراره تبقى شرعيته، لذلك فان علاقة النائب بالشعب شرعيتها تبدأ وتستمر ببقاء هذه العلاقة، القضية التي حصلت مؤخرا في بريطانيا كان هناك إشكال حقيقي حول قضية الشرعية التي يستند إليها (البريكست)، وقد استمر النقاش لثلاثة سنوات حتى استقالت الحكومة وجاءت الانتخابات لتسفر عن حكومة جديدة حصلت تأييد شعبي للاتفاق، عندها تم الحصول على الشرعية الشعبية".
يختم معاش "لذلك فان الأسس الصحيحة بين الحاكم والمحكوم هي التي تؤسس لنتائج جيدة، لكن نحن في العراق النتائج دائما ما تكون سيئة، ودائما ما تنتج انقلاب عسكري وتنتج أزمات ومشاكل وحكومات فاسدة وحكومات منحرفة، والسبب في ذلك هو عدم وجود هذه العلاقة الصحيحة السليمة، وعدم ظهور ثقافة العقد الاجتماعي في المجتمع العراقي الذي تترسخ فيه ثقافة الاستبداد والتبعية والعبودية، لذا نلاحظ أن الكتل السياسية ومن يؤمن بها لديه ادراك ضعيف لواقع الفكر السياسي وواقع الفكر الاجتماعي الذي يمكن ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وان هذه العلاقة وصلت الى حد الكارثة، بالتالي هم يحاولون استنساخ حكومة (عادل عبد المهدي) التي فقدت الشرعية، وإنتاج شيء غير شرعي بغية العبور من دون الالتفاف إلى الكوارث السيئة التي ينتجها هكذا سلوك".
مفهوم بعيد جدا عن واقعنا الحاضر
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يصف "طرح هذا الموضوع بالطرح الحالم لأنه لا يستهدف سلطة ديمقراطية أو دولة ديمقراطية، السؤال هنا هل فعلا أن الحكومة العراقية أو من جاء ما بعد (2003) هو يؤمن بالديمقراطية؟، الجواب كلا، والدليل على ذلك أن الأحزاب التي تمارس السلطة الآن هي لا تتمتع بالديمقراطية في داخلها، بل تلك الأحزاب هي عبارة عن أحزاب دكتاتورية وريثة لعوائل أو لأشخاص، عندما لا يكون الفرد أو الحزب مؤمن بهذه الفكرة لا يمكن أن يبدع بها ولا يمكن أن يعطيها للآخرين، فالديمقراطية لديه هي عبارة عن شكل من الانتخابات أو عبارة عن مجموعة صناديق ومجموعة أشخاص يضعون أصواتهم في الصناديق ليضفون نوع من الشرعية على بقائهم".
يكمل الصالحي "وهؤلاء الأشخاص نفسهم إذا تظاهروا عليه سيقمعهم بشتى الوسائل ولا يتوانى عن استخدام كافة الأسلحة المحرمة، والحقيقة المسؤول العراقي لا يؤمن بوجود الحرية أصلا، بل يرى وجوده عبارة عن رمز من رموز الأمر الإلهي في هذا المكان، ومن يخالفه يعتبر خارج عن إمام زمانه، فلا يمكن التحديث عن هذا الأمر بعد فيما تبقي من الأمور، فهو يرى بأن السلطة هي استحقاق رباني له، وعليه أن يمارسها ومن يخرج عليه هو منحرف، وعلى الشعب أن يطيع وينتخب فقط، أما قضية العلاقة وقضية الحرية حسب ما يراها الحاكم لا حسب ما يراها المحكوم".
أضاف أيضا "هناك مشكلة في قضية السلطة في العراق ما بعد (2003)، فطبيعة الديمقراطية التي جاءت للعراق هي ديمقراطية مقننة بلباس حزبي بما يشتهي الحاكم أو بما تشتهي الأحزاب، وليس لما يحكمها الدستور، الدستور جزء من عملية أرادوا إكمالها لمتطلبات الحياة الديمقراطية..(دستور/ أحزاب/ انتخابات)، لكن هل يؤمن بالدستور فعلا، وهل يطبق الدستور فعلا، هل يطبق روح الدستور في قضية أن الشعب إذا ما أراد تنحيه عليه ينسحب أخلاقيا قبل أن يخرج عليه".
يختم الصالحي "السياسة قبل أن تحكمها القوانين تحكمها المصالح العليا للوطن وتحكمها الأخلاق، فإذا ما انسلخ هذين الأمرين لا يستطيع القانون أن يحكمها ولا يستطيع الدستور أن يحكمها ولا تستطيع المحكمة أن تحكمها، الذين يبحث عن مصلحة بلده يقدم المصلحة العامة قبل الشخصية ويكون هو المضحي حتى وان كان صاحب حق، العلاقة بين السلطة والحرية هو مفهوم بعيد جدا عن واقعنا الحاضر، قد يكون في المستقبل إذا ما وجد مجتمع متفهم للأمر، وإذا ما أنتج سلطة ورؤساء متفهمين للأمر".
وعي الشعب في منع السلطة من الاستبداد
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية، يوصي بمناقشة "العلاقة بين السلطة والحرية، ويوصي أيضا بمراجعة الأفكار التي تتعلق بهذه العلاقة، المؤرخ (لورد اكتم) قال..( إن السلطة مفسدة) وأن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، هذه المقولة بحاجة لإعادة النظر فيها، والسبب لان السلطة هي ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية، ولا يمكن أن نستغني عن السلطة مهما كان في أي لحظة من لحظات التعاملات الإنسانية، لأنها تنظم العلاقات اجتماعية وتنظم التعاملات الإنسانية، وبالتالي هي ذات أهمية لا يمكن الاستغناء عنها بالمجمل".
يكمل الحسيني "لكن السؤال المطروح هنا ما هي السلطة التي نبتغيها؟، السلطة التي نريدها هي تلك السلطة العادلة، فالسلطة تكون سيئة عندما تكون ظالمة وغير عادلة ومستبدة، خصوصا نحن في المجتمع الإنسانية تتعدد لدينا السلطات، فلدينا سلطة سياسية ولدينا سلطة عشائرية ولدينا سلطة دينية وحتى داخل الأسرة لدينا سلطة أبوية، هذه السلطات بالمجمل الرأي السائد والتقييم لها هي سلطة سلبية، لكن السلطة عندما تكون سلطة عادلة فهي مهمة وضرورية وتتكفل بأن يكون المجتمع متطور نامي، في وقت ذاته الحرية عندما تكون منفلتة ولا يوجد لديها ضابط هي أيضا مفسدة، لان القانون الذي يحكم الحياة يصور إن الحرية الفردية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".
أضاف أيضا "لكن القناعات الراسخة اتجاه السلطات بأنها دائما ما تكون سيئة، فنحاول أن نحيد السلطة ونضعفها إلى اكبر درجة ممكنة حتى نتمتع بحريات اكبر، هذه أيضا فكرة خاطئة وتحتاج لإعادة نظر ونحتاج لإعادة تقييم لإعادة التوازن ما بين السلطة والحرية، لذلك حتى نعيد التوازن ما بين السلطة والحرية علينا أن ندقق في العقد الذي وقع بين الطرفين.. وهما طرف السلطة وطرف الشعب، لكل عقد بمفهومه القانوني شروط، فإذا اخل احد الطرفين بهذه الشروط يصبح العقد باطلا".
كما أشار الحسيني "نحن في العراق مثلا لدينا عقدين أساسيين من خلالهما يحكم سلوك السلطة وسلوك الأفراد، العقد الأول الدستور، والعقد الثاني الانتخابات، فنحن بحاجة إلى إجراء إصلاح حقيقي في العقد الأول الذي هو الدستور خصوصا فيما يتعلق بصلاحيات ووظائف السلطة، وأيضا بحاجة إلى إجراء تعديل في العقد الثاني وهو الانتخابات وهي ذو طبيعة متغيرة، العقد الاجتماعي هو أيضا قابل للتغيير إذا كان يقتصر على طرفين، في العراق نواجه بعض التحديات هذه التحديات تتلخص بتعدد السلطة، ففي بعض المواقف سلطة المؤسسة الدينية تتغلب عل السلطة السياسية، وأحيانا السلطة العشائرية تتغلب على السلطة الدينية، فأصبح ولاء الفرد مرتبك إلى أي جهة يتبع".
يختم الحسيني "لذلك نحتاج إلى ضبط تعدد السلطات وتحييد السلطات وتقوية سلطة الدولة وسلطة السياسة، حتى يسهل الأمر على الأفراد في الالتزام بما يصدر عن السلطة السياسية، أيضا هناك تحدي أخرى يواجه إعادة التوازن للعلاقة بين السلطة والحرية وهي قلة الوعي، بالتالي لا يمكن أن نضع اللوم دائما على السلطة رغم ما بها من انحراف واستبداد، لكن أيضا الشعب لابد أن يعيد تقييم ذاته على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعة، الشعب لو كان يعي حقيقة دوره لما ترك المجال للسلطة كي تستبد وأن تذهب بعيدا بهذا الاستبداد، وأن تنتهك على أساس ذلك الحريات للأفراد".
سلطة الكلمة عنصر موازن بين السلطة والحرية
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يؤكد على "وجود صراع أزلي موجود وسيستمر ما بين السلطة من جانب والحرية من جانب آخر، الحرية هي أمر فطري ينزع له الإنسان منذ ولادته، فالطفل يتمرد على واقعه في المهد وفي الغرفة وفي المدرسة، الفرد في العائلة إذا كان يواجه سلطة الأب بشكل متعسف أيضا يحتج، الشعب كذلك يطمح إلى الحرية وإلى التحرر وإلى مواجهة السلطة".
يكمل عبيد "لذلك عندما نريد الموازنة ما بين الطرفين نحتاج إلى سلطة أخرى وهي سلطة الكلمة، فنحن يجب أن نواجه السلطة المتعسفة بسلطة الكلمة، وهذا الدور يقع على النخب الفكرية والثقافية، خصوصا وأن بمقدر المثقف العراقي أن يستثمر الحراك الشعبي عسى أن يكون نقطة انطلاق لمواجهة السلطة المتعسفة عبر سلطة الكلمة، وذلك من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات والنشر والتوجيه المخطط لها وليس العشوائي، بالتالي هناك ثمة تقصير كبير من قبل النخب الثقافية ومن قبل المؤسسة الثقافية بشكل عام".
يختم عبيد "لذلك نحن عندما نجري أي تقييم لدور الاتحادات والنقابات والشخصيات الفكرية والثقافية نجد هناك تقصير في هذا الجانب، بالتالي فان سلطة الكلمة ممكن أن تكون عنصر موازن ما بين السلطة المتعسفة والحرية".
السلطة العدو الأول والأساسي للحرية
- إبراهيم سبتي، قاص وروائي وإعلامي وخبير تربوي، يعتقد أن "السلطة والحرية ليس وجهين لعملة واحدة، بل هناك تنافر شديد ما بين السلطة والحرية منذ الأزل، فالسلطة على سبيل المثال وليس الحصر يستطيع أن يراقبها مجلس النواب، فمن يراقب الحرية؟، هنا تنطلق لدينا بعض المفاهيم المثلومة حسب مفاهيمنا كون الحرية المطلقة سلبية وليست ايجابية، لكن في ذات الوقت السؤال المطروح دائما وأبدا لماذا الجرعات التي تطلقها السلطة دائما للحرية ومراقبتها؟، فلا تستطيع السلطة إطلاق الحرية كوجبة واحدة، مخافة أن تتسبب لها بآثار سلبية".
يكمل إبراهيم "في العراق بعد (2003) ولحد هذه اللحظة نجد أن السلطة تطلق الحرية بجرعات، وهذه الجرعات مسيطر عليها، كذلك الحال بالنسبة للمجتمع العراقي إذا كانت الحرية فيه مطلقة تكون النتائج سلبية، فالمواطن العراقي لا يستوعب الحرية بالوعاء العام، وإنما يستوعبها على شكل دفعات، لذلك نجد أن المواطن العراقي بعد ثورة تشرين الأول ولحد هذه اللحظة لم يصدق ما أتيح له من حرية، فبعض المتظاهرين مثلا ذهبوا إلى حرق المؤسسات والدوائر الحكومية وبعض بيوت المسؤولين، فهذه الخطوة من وجهة نظر بعض المتظاهرين يعتبرها حرية وهي ليست كذلك".
يختم إبراهيم "فهذا المفهوم هو مفهوم تخريبي، أضف إلى ذلك أن بعض دوائر الدولة ينظر إليها على إنها تابعة للجهة الفلانية، ولذلك من واجبنا كنخبة مثقفة أن نسلط الضوء على أن الممتلكات الحكومية هي ليست ممتلكات شخصية، ما أريد قوله أخيرا أن السلطة هي العدو الأول والأساسي للحرية المطلقة".
السلطة الفعلية هي السلطة المنبثقة من الشعب
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى أن "الأصل في الأشياء الإباحة والأصل في الإنسان الحرية، لكن ثمة طرح يقول لماذا يتنازل الإنسان عن جزء من حريته إلى أشخاص معينين؟، التنازل هنا يأتي من اجل مصلحة المجموع أو المجتمع ثم تتحقق من خلاله المصلحة الشخصية، ولأجل تحقيق تلك الغاية فعملية تنظيم العقد الاجتماعي وكتابة الوثيقة الدستورية لابد أن يشترك فيها من يعارضون السلطة، وليس القابضين عليها أو الذين ينتمون إلى الأحزاب الحاكمة، لأن السلطة ظالمة وغاشمة في كثير من الأحيان، فالمعارض دائما يكون في أعلى درجات المثالية في أوقات المعارضة، فتكون الوثيقة الدستورية مثالية".
أضاف جويد "كما إن السلطة كاشفة للنوايا الحقيقية، وطالما شهدنا الكثير من الملائكة التي تمشي على الأرض في زمن المعارضة وهي تنادي بحرية الإنسان وبالعدالة الاجتماعية وأمور أخرى للرقي بالانسان وحفظ كرامته، وسرعان ما تغير هذا الأمر في أول حالة تماس مع كرسي الحكم أو السلطة حتى ظهرت النوايا الحقيقية، بالتالي علينا التفكير في كيفية بناء العقد الاجتماعي الذي هو عبارة..(عن تنازل الانسان عن جزء من حريته لصالح المجموع لغرض حاجة معينة وبنية العيش المشترك)".
يكمل جويد "فأفراد الأسرة على سبيل المثال عندما يتنازلون لرب الأسرة عن جزء من حرياتهم لغرض حماية مصالح هذه الأسرة، كذلك أفراد العشيرة يتنازلون عن هامش بسيط من حريتهم لصالح شيخ العشيرة للدفاع عنها وتمثيلها في الحافل العشائرية، ومن ثم تتسع هذه الدائرة لتصل للسلطة الدينية وإلى سلطة الدولة، اليوم ما دامت المجتمعات توسعت والمصالح متشابكة لابد لكل مجموعة تعيش ضمن إقليم جغرافي معين وتجمعها مصالح معينة، تتعاهد تلك المجتمعات على وثيقة لتنظيم عقد اجتماعي فيما بينها ليمثلها أشخاص معينين في تولي السلطة وإدارة شؤون الحكم".
يختم جويد "هنا السلطة لا تكون سلطة الحاكم على الشعب، وإنما تكون السلطة على المؤسسات التي ترعى مصالح الشعب ومصالح الناس، فهنا نستطيع تسميتها سلطة فعلية منبثقة من الشعب".
دكتاتوريات لا تستقيم مع العقد الاجتماعي
- الدكتور مسلم عباس الميالي، الباحث في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يجد أن "العقد الاجتماعي دائما ما يكون ما بين المواطن والدولة، ولكن في العراق حاليا من يمثل هذه الدولة التي تتوزع على السلطات الثلاث وهي.. السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية، فهل هذه السلطات هي قادرة على تنفيذ بنود العقد الاجتماعي؟، الجواب كلا هي غير قادرة على تنفيذ بنود هذا العقد، بالتالي عندما أتنازل عن جزء من حريتي وجزء من قدرتي على فعل بعض الأشياء لصالح هذه السلطة، فهل تضمن لي بعض الجوانب مقابل هذا التنازل".
أضاف الميالي "المشكلة تنطلق لدينا من السلطة الأبوية التي هي تعتبر كارثة الكوارث، فالعائلة دائما ما يترأسها دكتاتور إلى ما شاء الله، ومن ثم يكبر الولد ليتحول إلى دكتاتور آخر وهكذا دواليك يستمر مسلسل الدكتاتورية الأبوية، وهذا الدكتاتوري عليها دكتاتور اكبر وهو شيخ العشيرة أو مدير الدائرة هو يعتبر أيضا دكتاتور، من ثم يأتي الدور للمسؤول الأكبر في المحافظة وفي الدولة التي فيها أكثر من دكتاتور، ناهيك عن ما تقدم فان هناك دكتاتورية أخرى وهي دكتاتورية الدول الخارجية، بالتالي عندما نتكلم عن عقد اجتماعي هل نحن دولة مستقلة، وهل تستطيع أن تضمن لك ما تحتاجه، الجواب كلا فالدول الخارجية تفرض علينا ما تريد، بالتالي يختل عندنا العقد الاجتماعي ونصبح أمام مشاكل لا تحمد عقباها".
السلطة ليست سلطة واحدة وإنما سلطات متعددة
- حيدر الجراح، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، يتساءل "أولا هل الحب قرار؟، إما بخصوص العنوان فالسلطة كان من المفترض تحديدها بالسياسية، لان السلطة ليست سلطة واحدة وإنما هي سلطات متعددة من.. دينية إلى سياسية إلى ثقافية إلى اجتماعية إلى آخره، والطامة الكبرى هي السلطة الأبوية التي لا زالت راسخة في مجتمعاتنا، الشيء الآخر الذي أود الإشارة إليه لماذا لا نسمي العقد بـ(العقد الاجتماعي) وليس (العقد السياسي)؟، طالما هو تنظيم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم".
يكمل الجراح "بالتالي يمكن أن يكون العنوان (الدستور العراقي وتنظيم العلاقة بين السلطة السياسية والحرية)، السلطة السياسية عادة تعمل على تمكين الأفراد في ممارسة حرياتهم السياسية التي هي واحدة منهن حرية الانتخاب مثلا أو حرية المشاركة السياسية، العقد الاجتماعي والعلاقة بين الحاكم والمحكوم وصفة هذه العلاقة بالعلاقة المأزومة.. فما أسباب هذا التأزم؟، هل هو القفز على ألغام التاريخ أم من الأفضل استخراجها وإبطال مفعولها".
يختم الجراح "لذلك عندما نتأمل القول القائل.. (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)، فالأموال هنا من وجهة نظري هي فعل تواصلي بيني وبين الآخر، وذلك من خلال المنح والعطاء والاقتراض وأمور أخرى، أما بخصوص مفردة (أنفسهم) فهي فعل تواصل داخلي بمعنى إنها (حرية تفكير واعتقاد وإرادة مفكرة لاتخاذ القرار)، المشرع الأمريكي في الدستور وضع في الفقرة الأولى (الحرية حق طبيعي ولا يجوز لأحد مهما كان سلب هذه الحرية أو هذا الحق منه)".
السؤال الثاني: هل يكفي أن نعمل مبدأ صد السلطة بالسلطة أم إن البديل هو إيجابية الحرية؟
- الشيخ مرتضى معاش، قال "الفقه الشرعي بأجمعه مبني على المعاملات وعلى العقود، فأي سلطة كانت سياسية أو اجتماعية هي عبارة عن عقد وحتى السلطة الدينية، أما بالنسبة إلى قضية الحرية الايجابية وعدم تصادم السلطات.. أولا لابد أن نؤمن للشعب أن يمكن من نفسه من خلال عملية اثبات ذاته، فلا يمكن للشعب أن يكون محايدا أو خاضعا للسلطة فيحقق عقدا اجتماعيا، خصوصا وأن الاستبداد هو الذي ينتج الفوضى وليست الحرية، الحرية المسؤولة وبمستويات متواصلة تؤدي إلى بناء العقد الاجتماعي السليم".
يكمل معاش "النقطة الثانية لا يمكن للشعب أن يعمل بمفرده فلابد أن يؤسس قنوات تمارس عملية العقد الاجتماعي، وذلك من خلال وجود قواعد حزبية صحيحة وسليمة ومن خلال المجتمع المدني الذي يضم..(مؤسسات/ منظمات/ لوبيات/ المجتمع الأهلي/ العشائر/ أصحاب النقابات/ المهن)، النقطة الأخرى الرقابة الشعبية وعدم الإفلات من العقاب وممارسة الضبط الاجتماعي للسلطة وهي عناوين مهمة في إنجاح العقد الاجتماعي، إما بخصوص فكرة أن السلطة مفسدة هذا أمر صحيح لان السلطة منحرفة وفيها طغيان، لكن قد يسأل سائل من يقف أمام هذا الانحراف الجواب (الرقابة الشعبية)".
يختم معاش "النقطة الأخرى هي الحوار المجتمعي الذي يؤدي إلى إنجاح العقد الاجتماعي وتحويل الحرية إلى حرية ايجابية، لذلك يجب علينا الاستماع للآخر، وهذا بطبيعة الحال يأتي من خلال الحوار الصحيح والسليم، بالتالي فان الحوار الاجتماعي المجتمعي هو الذي يقود نحو العقد الاجتماعي السليم، ناهك عن الابتعاد عن اساليب الإقصاء والتهميش والتفاوت الطبقي التي تؤدي إلى الصراع وإلى الصدام بين الفئات الاجتماعية، بالنتيجة تتحول الحرية إلى فوضى فينزع الناس نحو الحاكم المستبد".
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد أن "مبدأ صد السلطة بالسلطة موجود حاليا فمن المفترض السلطة القضائية هي تراقب أداء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وفي نفس الوقت السلطة التشريعية تراقب أيضا أداء السلطة القضائية من حيث الشكل العام، بالنتيجة هل نجحت السلطة في صد السلطة، أم هذه مغازلة للسلطة، بالتالي لابد أن نبحث عن سلطة خارج السلطة وأعلى من السلطة وخارج ترتيبات السلطة من اجل ردعها".
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يرى أن "تعقيدات المشهد العراقي على مستوى السلطة وعلى مستوى المجتمع، تحتاج لعقود عديدة وليس عقد اجتماعي واحد، فهي تحتاج لعقد سياسي وعقد قانوني وعقد عشائري وعقد اجتماعي أو ديني إلى آخره، لعل هذه العقود المتعددة تحلحل الأزمة وتصل إلى أجواء وبيئة تضمن الحريات، أما موضوعة صد السلطة بالسلطة فالحالة الطبيعية أن سلطات الدولة مقسمة إلى ثلاثة سلطات، بالتالي فان المعول عليه في انحراف السلطة هي السلطة القضائية".
يكمل الحسيني "ولكن الواقع يؤكد أن السلطة القضائية في العراق هي تابعة ومسيسة وليست مستقلة، وبالتالي الأمثلة التي تذكر أن السلطة القضائية مغيبة ولا تقوى في الظرف الراهن على صد السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية وانحرافها، إذاً نحن بحاجة إلى سلطة أخرى كأن يكون السلطة الاجتماعية أو سلطة الرأي أو السلطة الدينية التي يمكن الاستناد إليها لتخفيف استبداد السلطة التنفيذية".
- إبراهيم سبتي إبراهيم، يعتقد أن مبدأ (الشعب مصدر السلطات) لا يعمل بها في العراق، ولذلك هناك صراع بين السلطات نفسها، أما بالن