عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا تحت عنوان (مواكبة السلطات العامة للتغيير الاجتماعي في العراق)، وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق (18/كانون الأول /2020)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية، ضمن فعاليات ملتقى النبأ الإسبوعي بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.
افتتح الحوار الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم، حيث قال: "شهد الواقع الاجتماعي تغيرا اجتماعيا واضحا للعيان، بدأت بواكير هذا التغيير تتضح ما بعد العام (2011) ووصولا إلى عام (2014) ومرورا في العام (2015) وما صاحبها من تظاهرات مطلبية وانتهاءً بالحراك الاجتماعي الكبير في تشرين/2019) والذي لا يزال مستمراً إلى اليوم، وأي شخص منصف ينظر للواقع العراقي يلحظ إن هناك تغيرا كبيرا، وهناك شجاعة لافتة تبرقع بها وتمترس بها الشاب الذي جاء للمطالبة بحقوقه وحرياته، ومطالبا أيضا بإسقاط أصنام الفساد في العراق وإنهاء حكم المستبدين والأحزاب التي لا تدين بالولاء للعراق شعبا وأرضا".
"فهذا التغيير يكشف لنا أن هناك واقعا جديد لابد أن نتعامل معه كمختصين وأكاديميين وسلطات عامة، التي من المفترض أن تتعامل مع هذا التغيير الاجتماعي الحاصل اليوم بجدية مطلقة، هذا التغيير يمكن تصنيفه على انه تغيير شامل، لاسيما وأن الطبقة الشابة في المجتمع العراقي لعلها هي الطبقة الأكبر في المجتمع العراقي، وهذه الطبقة بطبيعة الحال منفتحة من خلال وسائل التواصل ومن خلال وسائل الإعلام، حيث رأت وسمعت ما موجود في دول العالم وتربو أعينها إلى أن تكون في مصاف الشعوب التي تعيش حياة كريمة، ولكن واقعنا في العراق يكشف أن القابضين على السلطة لا يريدون لهذا الشعب أن يعيش حياة كريمة، لهذا آثارنا على أنفسنا تناول هذا الموضوع وفي هذه الفترة بالذات".
"لا شك أيضا ولا ريب أن السلطات العامة الثلاثة الرئيسية التي هي.. ( التنفيذية/ التشريعية/ القضائية)، أثبتت وبالدليل القاطع أنها قد فشلت فشلا ذريعا في مواكبة التغيير الذي حصل، ولهذا دفعنا ضريبة كبير جدا من دماء الشهداء في ساحات الاعتصام والتظاهر والاحتجاج، ولعله ما زالت الفاتورة مفتوحة وهذا ما نخشاه، فالتغيير الذي حصل والمواكبة التي رافقته من السلطات العامة كانت ضيقة ومحدودة جدا، وهناك كم كبير من الممانعة والمقاومة من قبل السلطات وليس السلطات ذاتها، بل من قبل أشخاص معينين ماسكين في السلطة، وهم يمنعون حصول التغيير ويمنعون تلك المواكبة لهذه التغيرات والاستجابة لهذه المطالبة الحقة والمشروعة".
"فإذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية أساسه القانوني فيبرز لدينا تساؤلين:
التساؤل الأول من هو صاحب السلطة الحقيقي هل هو القابض على السلطة حاليا أم هو الشعب؟ فان اجبنا الشعب فالشعب هو من أراد التغيير، فلماذا إذاً هذه الممانعة من قبل الموظف إذا صح الوصف أو الممثل الذي من المفترض أن ينساق إلى رغبات الشعب وهو السيد، من جانب آخر لو نظرنا إلى طبيعة العلاقة بين الممثل أو الحكومة أو السلطات العامة عموما وبين المواطن، فما هذه العلاقة القانونية، فهناك في الفقه الدستوري من يطرح أن العلاقة هي علاقة تعاقدية، وهذا يرجع إلى أفكار..(روسو/ جون لوك/ هوبس)، ولكن في حقيقة الأمر هذه العلاقة ليست علاقة تعاقدية".
"فالدستور ليس عقدا اجتماعيا كما يصور البعض، الدستور لو كان عقداً فينبغي أن يكون له جانبان جانب (الحاكم) من جهة و(الشعب) من جهة أخرى، علما أن الحاكم اصغر من أن يكون طرفا في عقد اجتماعي، الحاكم هو مجرد ممثل أو مجرد متلقي للأوامر من قبل الشعب ومطبق لهذه الأوامر وهو مؤتمن على كرامة الشعب لا أكثر ولا اقل، لذلك الفقه الدستوري الحديث يجمع على أن العلاقة علاقة تنظيمية بين حاكم من جهة وبين شعب من جهة أخرى، الشعب هو من ارتضى أن يحكم بهذه الطريقة، وأن تكون له هذه المؤسسة التي اسمها الدولة، وتشتق من هذه المؤسسة مؤسسات فرعية تشريعية وتنفيذية وقضائية كلها ممثلة لهذا الشعب، وهو من يختارهم ومن يغيرهم ومن يمنحهم الشرعية ومن يسلب عنهم هذه الشرعية، وكل هذا منظم بوثيقة ارتضاها الشعب لوحده وهي الوثيقة الدستورية".
"بالتالي لا يوجد لدينا طرفان بل طرف واحد وهو الشعب، وهذا الشعب لا نستطيع أن نلزمه بان يبقى على الوثيقة الدستورية إلى الأبد، وأن كان الشعار الذي يحمله البعض الحفاظ على الدستورية وعلى الشرعية الدستورية أو ما أوصانا بها الدستور أو ما نص عليه الدستور وما شاكل، فهذه كلها حجج منمقة ملمعة بدهان اسمه الدستور، لكن باطنها يخفي قمع الشعب والانتقاص مع حقوق الشعب والانتقاص من كرامة الشعب، فالدستور ليس مؤبدا وليس قرانا منزلا فطبيعة الحياة تميل نحو التغيير، وهذه سنة إلهية فكل شيء قابل للتغيير، فالدستور هو عبارة عن قاعدة قانونية ارتضاها الشعب في مرحلة لمدة معينة، والآن هو يريد أن يغير هذه القاعدة وأن يخرج عن مقتضى هذه القاعدة، فهل فهم القابضين على السلطة هذه الرسالة الجواب كلا".
"الدليل لو جاءنا مثلا إلى السلطة التشريعية وهي من أهم السلطات وكل من فيها يدعي الوصل بليلى أي الشعب، على اعتباره ممثلا ومنتخبا من قدر معين من الناخبين، فهذا الممثل واقعا خذل الشعب في أدق الظروف وأصعبها، فحينما انطلقت الحركة الاحتجاجية في أوائل تشرين كانت مطالبها لا تربو المطالب المستحيلة أو الصعبة جدا، كانت تطالب بحفظ ماء وجه الشعب وأن يكون هنالك نظام سياسي ملائم لتطلعات الشعب العراقي، فترجم هذا الأمر إلى المطالبة بتعديل بعض القوانين أو صياغة قوانين جديدة، ولكن بعد أخذ وجذب ما صلنا إلا إلى إقرار قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (31) لسنة (2019)، إلا بدفع فاتورة كبيرة من الدماء ودفع فاتورة كبيرة من الجرحى والمصابين وما شاكل ذلك".
"وكان البرلمان متثاقل إلى ابعد الحدود بدليل أن التظاهرات بدأت في أول تشرين وبعد يومين فقط تمتع البرلمان بإجازة لمدة (15) يوم، وكأنما العراق يمر بأسعد أيامه ولا يوجد احتقان ولا يوجد مطالب ولا يوجد جماهير منتفضة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني في البلد، وكأننا نعيش في دولة مستقرة والأمور في أفضل أحوالها ليتسنى لهم الذهاب بإجارة، بل الأدهى من ذلك أن المتظاهرين تعرضوا لعمليات قنص والكثير من الناس قتلوا جهارا نهارا، دون أن يكلف البرلمان نفسه عناء استضافة القادة الأمنيين أو القائد العام للقوات المسلحة ليستفسر منه عن تلك الجريمة النكراء التي حصلت على رؤوس الأشهاد".
"بعد ذلك تم الانتقال إلى إقرار قانون الانتخابات الذي لم يقر إلا من بعد جولة كبيرة جدا من العناء الشعبي، حتى وصلنا إلى إقرار قانون الانتخابات الذي نأمل أن ينشر في الوقائع العراقية خلال هذه الأيام، وتوقف البرلمان عند هذه النقطة، وكأنما انتهت الجولة ولم يضغط على الحكومة لتقديم استقالتها ولم تكون هناك دعوة حقيقية لمسالة رئيس الوزراء قبل أن يقدم استقالته صاغرا بضغط من الشارع، وإنما كان البرلمان في الإعلام يصرح بتقديم طلب الاستجواب فقط.. فأين الإجراءات الأخرى لتقديم الاستجواب فالدستور وضع لنا (7) أيام بعدها لابد أن يحضر رئيس الوزراء، أيضا لابد أن يكون هناك بيان يخص حضور رئيس الوزراء من عدمه ووضع الرأي العام بالصورة وهذا الأمر لم يحصل البتة".
"أيضا لو انتقلنا إلى السلطة التنفيذية والحكومة بالتحديد سنجد أن حصتها وافرة من احتقار الشعب، وإهمال المطالب الشعبية والانتقاص حتى من الساحات ومن المطالب والإجراءات التعسفية مع المتظاهرين وما شاكل، فكانت الحكومة حصتها من هذه المسالة وعدم فهمها للتغيرات التي حصلت، وعدم رغبتها في مواكبة هذه التغيرات أو ترجمة خطوات عملية يمكن أن تطمئن الشارع العراقي ويمكن أن تطمئن المتظاهرين، وتجعلهم يعودون إلى دوامهم أو إلى بيوتهم أمنين مطمئنين هذه كلها غير موجودة، القضاء العراقي أيضا كانت له حصة فلو نظرنا مثلا إلى المحكمة الاتحادية العليا وهي التي بيدها مفتاح حل الأزمة في وقت معين، لكن للأسف الشديد أضاعت المفتاح حينما أرسل يوم (19/12) رئيس الجمهورية استفسارا للمحكمة الاتحادية العليا يسألها عن تفسير الكتلة النيابية الأكبر عددا".
"فكان بإمكان المحكمة الاتحادية العليا أن تصحح الخطأ الذي وقعت فيه في العام (2010)، وكان بإمكانها أن تكفر عن تلك السيئات التي قتلت الديمقراطية في العراق، وبالمناسبة فنحن كمختصين في القانون الدستوري نجد أن تبدل الاجتهاد القضائي سنه في كل المحاكم في العراق، فالمجلس الدستوري الفرنسي ما انتهى إليه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي نسفها نسف تام في العام (2007)، وذلك لما اقر بصلاحية رئيس الجمهورية بمسالة التعديلات الدستورية التي حصلت في دستور (58) في عام (2008) في فرنسا، وحينها كتبت عشرات البحوث والأطاريح في التبدل الاجتهادي للمجلس الدستوري الفرنسي، إذن لماذا تصر المحكمة الاتحادية العليا في عام (2019) على فتوى خاطئة في صدرت في العام (2010) في تفسير الكتلة النيابية الأكبر عددا وتؤكد بأن قرار (25/2010) هو القرار النافذ حاليا".
"بالتالي الكتلة النيابية الأكبر عددا هي التي تكونت في الجلسة الأولى وسجلت وما شاكل ذلك، وهذا ما زاد الأمر تعقيدا فهي لم تواكب التغيرات الاجتماعية التي حصلت، بل على العكس من ذلك انقضت مع بقية الجهات الأخرى والسلطات الأخرى على المطالب الشعبية وعلى التغير الاجتماعي الذي حصل وعلى المطالب الحقة للجماهير الشعبية وأصبتها بمقتل بهذا القرار، الذي جانب الصواب وجانب المصلحة العامة فمن مقتضى المصلحة العامة أن تسهر هذه المحكمة على سلامة الدستور وعلى سلامة سيد الدستور وهو الشعب وليس فقط الدستور، لأننا نعلم جميعا أن الدستور جسد وروح فان كان الجسد هو المواد القانونية، فان روح الدستور هو الفلسفة التي جاءت بهذا الدستور والفلسفة هي كرامة الشعب، وهذه الفلسفة كانت غائبة عن السادة القضاة عندما أصدروا هذه الفتوى الأخيرة".
الآثار القانونية المترتبة على عدم المواكبة
"من كل ما تقدم نتساءل إن استمرت حالة التجاهل للتغيرات التي تحصل، وهذا التجاهل حقيقة يمثل تجاهل لحقيقة إنسانية، فالتغيير واقع لا محال ومهما وقفت أمامه السلطات العامة اليوم، قد يتحول هذا التغيير إلى سونامي يأتي على هذه السلطات جميعا، وهذا من الاحتمالات المطروحة وان لم يحصل اليوم بدرجة (100%) سيحصل غدا بدرجة (100%)، لان إرادة الشعوب لا تقهر ومهما حاول الحكام ومهما حاول القابضين على السلطة، أن يسيسوا المطالب أو يلتفوا على المطالب الشعبية وعلى الاستحقاقات الجماهيرية فإنهم لن يصلوا إلى ذلك، في الوقت الذي نتساءل عنه ما الآثار القانونية التي تترتب على عدم المواكبة، نقول أن الأثر الذي سوف يترتب هو:
أولا: أثر البطلان.. فما بني على باطل فهو باطل، فكل القرارات التي اتخذت بغير مشيئة الشعب هي باطلة، وذلك على اعتبار إنها مخالفة لإرادة الجماهير، وأن الدستور قد منح الجمهور هذه المكانة أو القدر الدستوري عندما نص في المادة (الخامسة)(بان السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، فما يصدر عن السلطات من أعمال شرعيته رضا الشعب وليس العكس أي ليس رضا السلطة نفسها، ومن هذا نحكم على القانون وعلى القرار بأنه شرعي أو غير شرعي، عندما يصادف أو لا يصادف رضا المحكومين أو رضا الشعب).
الثاني: قيام المسؤولية.. فلا شك ولا ريب أن المسؤولية القانونية والمسؤولية السياسية والمسؤولية الأخلاقية ستقوم على جميع هذه السلطات التي تنصلت عن مهامها القانونية والدستورية، فالبرلمان مثلا لم يكون مواكبا للأحداث بصورة حقيقية وبالتالي جزاءه الأوفى هو الحل، نعم أن الدستور لم ينضم مسالة الحل إلا في المادة (64) وكان حل صعب جدا مستصعب، لكن يبدو أن الموجودين في البرلمان لا يعلمون ولا يفهمون مسألة الرضا أو عدم الرضا الشعبي الذي يؤدي إلى حل البرلمان شعبيا، نعم ليس لدينا طلب من البرلمان أو من مجموعة من الأفراد لحل البرلمان كما موجود مثلا في ولاية (برن) في سويسرا.
لكن عندنا قبول وعدم قبول هؤلاء الأفراد عن هذه المؤسسة والذي يؤدي إلى سحب المشروعية عنها وعن ما يصدر عنها، فلو كانت الأمور طبيعية لأمكن أن ننظم استفتاء حول بقاء او عدم بقاء البرلمان، لأنه أصبح منتهي الصلاحية وغير قادر على مواكبة التغيرات الاجتماعية، وغير قادر على مواكبة التحولات التي حصلت في المجتمع العراقي ولا قادر أن يستجيب لتطلعات الشعبية التي اختارته في مرحلة معينة، كذلك الحكومة فهي حكومة مستقيلة ومنتهية وإلى زوال، وكذلك الجهات القضائية التي لم تستطع أن تنصر الشعب في هذه المرحلة وان تحقق تطلعاته، وهنا لنا كلمة أن الوثيقة الدستورية نعم هي سارية المفعول وهي السيد وهي القانون الأعلى في البلد، لكن هذه الوثيقة الدستورية أصبحت على المحك الآن وهي لا تعبر عن تطلعات الشعب وليست قادرة على مواكبة التغيير الاجتماعي الكبير الذي حصل.
وحتى نستكمل الحوار نطرح السؤالين التاليين:
السؤال الأول: ما الأسباب الكامنة وراء الممانعة الرسمية بالاستجابة لمقتضيات الواقع العراقي بعد الحركات الاحتجاجية منذ ٢٠١١؟
فرصة حقيقية لديمقراطية متكاملة
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد أن "العراق كانت لديه فرصة ما بعد التغيير السياسي أن ينشأ ديمقراطية متكاملة وديمقراطية حقيقية، لكن انطلقنا نحو شق موازي للديمقراطية ومنحرف عنها بقليل، أي إننا اتجهنا نحو الديمقراطية المحاصصاتية أو ديمقراطية الأشخاص للانتخابات، أي أن الديمقراطية التي أريد لها أن تكون عنوانا للحكم الجديد هي طريقة يستخدمها الحاكمون والقابضون على السلطة لإضفاء الشرعية على حكمهم، وليست قناعة نابعة عن ذاتهم للمؤسسين لهذا العمل على أنها وسيلة وطريقة للاستمرار في الحكم".
أضاف الصالحي "الدليل على ذلك إنهم لا يمتلكون الديمقراطية في داخل أحزابهم ولا يتكلمون عنها في أروقة العمل الحزبي، بالتالي عندما نجد الحزب نفسه هو من يمارسه الدكتاتورية ويؤمن بمبدأ التخوين والمؤامرة، عندها من الطبيعي أن يكون فاقد الشيء لا يعطيه، بالإضافة إلى ذلك فان عمليات الترقيع التي بدأت منذ العام (2011/ 2013/2014) كلها كانت عمليات ترقيعية ومحاولات يائسة للامساك بالسلطة من قبل أشخاص، وكانت في وقتها ورقة الطائفية والحالة المحاصصاتية تعمل بذلك الجانب، ولكنهم استنفذوا كل ما لديهم من هذه الأوراق، اليوم ليس لدينا تغير في الوضع العراقي على مستوى السلطة، وإنما هناك تغير على مستوى الأشخاص".
يكمل الصالحي "نحن ليس لدينا مؤسسات حقيقية تحكم العراق حتى نستطيع التحدث عن سلطات، فالسلطة القضائية التي من المفترض أن تكون الرادعة لانحراف السلطات الثلاثة اليوم هي تسير بمزاجية هذه السلطات وأهوائها، بالنتيجة القرار الذي يصدر من المحكمة الاتحادية أو من مجلس القضاء هو متناغم مع الهوى السياسي في السلطات الثلاثة، لذلك السلطة التنفيذية هي اضعف ما تكون في هذه المرحلة، كذلك السلطة التشريعية ورئاسة الجمهورية هي مجرد تكملة لمشوار المحاصصة السياسية الموجودة في العراق، في الحقيقة لا توجد سلطات خارجة عن أهواء الأحزاب وعن أهواء الشخصيات حتى تستطيع مجاراة الشارع".
أضاف أيضا "لربما رئيس الجمهورية تمكن نوعا ما من مجاراة الشارع، ولكن كمية التخوين التي تلقاها رئيس الجمهورية أوقف ذلك المسار التصحيحي، بالنتيجة نحن لا نحتاج إلى تغيير في سلطات وإنما نحتاج إلى تعديل في مسار العمل الديمقراطي منذ (2003)، والأمر هنا يتعلق بالدستور أولا ومصاديقه وتعديلاته، ومن ثم تغيير قانون الأحزاب الذي أعطى زخما معنويا لأحزاب لا تجيد العمل بالنظام الديمقراطي، وانتهاء بالمصاديق التي أنتجتها الرئاسات التي لا تؤدي دورها الدستوري في ذلك، ولذلك نحن نرى الخرق الدستور في أوسع أبوابه ومنذ تأسس الدستور ولحد الآن، بالتالي نحن لدينا دستور مخترق ولدينا أحزاب غير حقيقية وغير ديمقراطية ولدينا مصاديق وشخصيات للرئاسات لا تعي ولا تفهم معنى الديمقراطية بشكل صحيح".
الاختلال بين النظام الاجتماعي والنظام السياسي
- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن "الأزمات تنشأ من الاختلالات الحاصلة هي بين النظام الاجتماعي والنظام السياسي، لذلك عندما تكون هناك فجوة كبيرة بين النظامين السياسي والاجتماعي، يصبح هناك مستنقع لظهور الأزمات والأمراض الكبيرة في المجتمع، أيضا لابد للنظام السياسي أن يواكب النظام الاجتماعي حتى يستطيع تلبية حاجاته، فمثلا في النظام الدكتاتوري يأتي نظام فردي قامع يسيطر على النظام الاجتماعي ويحاول أن يشكل ذلك النظام على طريقة تفكير شخص الدكتاتور".
أضاف معاش "عندها يكون المجتمع مجرد عبد أو استنساخ لشخصية الطاغوت والحاكم المطلق، ولكن على طول التاريخ تلك الشخصيات الدكتاتورية هي شخصيات خاسرة وهي لا تستطيع أن تنتج نظاما اجتماعيا على ضوئه، بالنتيجة النظام الاجتماعي هو نظام بحد ذاته يشكل نفسه بنفسه، فالسنة الكونية دائما ما تؤكد أن النظام السياسي يكون منبثقا من النظام الاجتماعي، ولايجاد التوازن وعدم الاختلال هناك حاجة لشخصيات مثقفة وعاقلة وحكيمة تدرك هذه القضية، ".
يكمل معاش "ولابد للطبقة السياسية ان تغادر تلك العقلية التي تنتج الأزمات وتحاول أن تغطي عليها مما يؤدي الى انتاج أزمة أقوى وأكبر منها، وهذه الطبقة تمثل مجموعة الأفكار السياسية التي أنتجها تاريخنا السياسي، هذا التاريخ تاريخ ملبد بالدكتاتورية والاستبداد والعنف والإقطاع والسيطرة المطلقة من قبل الحاكم، فالحاكم عندما يأتي للحكم يعتبر هؤلاء الناس كلهم عبيد، هذا النمط من التفكير هو عبارة عن سلسلة متوارثة من التفكير السيئ الذي لا يواكب أي مجتمع، وحتى لو انتقلنا إلى عالم الحيوان فهذا العالم يحتاج لاسلوب في إدارته، وهذا ما توثقه القنوات التلفزيونية الخاصة التي تحاول دراسة عالم الحيوان سيكولوجيا، ومن ثم يضعون الدراسات التي تتناسب مع طبيعة تلك الحيوانات، فكيف بالإنسان ذلك الكائن العاقل والمجتمع العاقل الذي يمتلك إنتاجا فكريا وثقافيا واقتصاديا تتعامل معه هذه الطبقة بطريقة أسوء من التعامل مع القطعان".
أضاف أيضا "عندما نتحدث إلى النخب التي ترغب بالتغيير فهل يمكن إنتاج نظام سياسي غير دكتاتوري من دون وجود عقد اجتماعي، فهل استطعنا خلال التجربة العراقية التي امتدت إلى (16) عام أن ننتج عقدا اجتماعيا الجواب كلا، لدينا طبقة سياسية تحكم ولدينا مجتمع ليس له علاقة بهذا العقد الاجتماعي".
يختم معاش "فكيف تكون المواكبة إذا لم يكن هناك عقد اجتماعي، لذلك علماء علم الاجتماع عندما ناقشوا قضية الربيع العربي استدلوا بوجود خلل في العقد الاجتماعي، فليس هناك عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، لذلك لابد أولا أن نفتح باب الحوار بين الطبقات الاجتماعية وبين الحكام حتى نؤسس عقدا اجتماعيا يردم الفجوة الموجودة بين النظام السياسي والنظام الاجتماعي".
العقد اجتماعي هو الوجه الآخر للدستور
- الدكتور. منير الدعمي، نقيب الأكاديميين في كربلاء المقدسة، يستفسر أولا عن العقد الاجتماعي الذي هو الدستور من خرق،ه الشعب الذي هو مصدر للسلطات أم السلطات ذاتها، الجواب بطبيعة الحال ومن دون أي مقدمات إن السلطات الثلاثة أي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية هي من بدأت تخترق وتنتهك هذا العقد الاجتماعي، ابتداء يتعلق الأمر بإحدى فقرات الدستور التي تتحدث عن أن القوات الأمنية وجدت لحماية الشعب، في حين إننا وجدنا القوات الأمنية استخدمت من قبل السلطة التنفيذية لقمع الشعب، بالإضافة إلى ذلك هناك توقيتات دستورية كالمادة (76) تم اختراقها من قبل السلطة التنفيذية جهارا نهارا".
يكمل الدعمي "وحتى رئيس الجمهورية الذي يعتبر حامي للدستور في فترة معينة أيضا لم يساهم في حماية الدستور، لذلك من انتهك الدستور هي السلطات العامة أي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، علما أن طموحات الشعب العراقي ما بعد التغيير السياسي كانت تسعى لخلق نظام ديمقراطي في العراق يلبي رغبات هذا الشعب، وللأسف الشديد أصبح لدينا نظام محاصصاتي وهذا النظام هو جزء من النظام الدكتاتوري، ولكن هذا النظام أصبح على شكل أحزاب وإقطاعيات متعددة، فتجد لدى الشيعة أربعة أو خمسة قوائم وكذلك يوجد لدى الكورد قائمتين مسيطرة على إقليم كردستان والأمر أيضا ينسحب على المنطقة السنية، وبالتالي نجد نظاما دكتاتوريا موزعا على مجموعة أحزاب سياسية منقسمة على نفسها بشكل قومي وطائفي ومذهبي".
يختم الدعمي "وهذه الاتفاقيات السياسية هي تصب في مصلحة أحزابهم ومصالحهم الذاتية، وهي لا تخدم مصلحة الشعب ولا تخدم مصلحة الجهة التي ينتمون إليها، لذلك نحن نعول كثيرا على هذه التغيرات الاجتماعية التي يقودها الشباب العراقي، ولكن هؤلاء الشباب يحتاجون إلى تنظيم وإلى إدارة وإلى توجيه، بالتالي يفترض على النخب الأكاديمية وعلى الكفاءات وعلى القيادات الاجتماعية والعشائرية والمؤسسات التنظيمية كالاتحادات والنقابات والتنسيقيات، أن تنظم صفوفها وأن تعطي المشورة لهؤلاء الشباب كي تكون صفا واحد من اجل تجاوز هذه الأزمة".
السلطات العامة ولدت ولادة غير شرعية
- الدكتور حميد الهلالي، عضو مجلس محافظة سابق وحقوقي، يعتقد أن العلة الأساس كون السلطات العامة ولدت ولادة غير شرعية وغير حقيقية، فالسلطة الأساسية هي السلطة التشريعية فكل القوانين التي وجدت لولادة تلك السلطة أي (السلطة التشريعية) نجدها قوانين بعيدة عن خيارات الشعب، ابتداء من القائمة المغلقة ثم القائمة المفتوحة المغلقة ثم قانون سانت ليكو، وهذا بالتأكيد أنتج لنا فئة سياسية أو تشريعية بعيدة كل البعد عن الشعب، لذلك كان هناك اغتراب بين هذه السلطة وبين الشعب، وهذا الاغتراب ولد هذا البون الشاسع بين طلبات الشعب وبين السلطة، علما أن السلطة التي اتجهت نحو المغانم".
أضاف الهلالي "لذلك أنتج لنا سلطة تنفيذية على ضوء هذا الخلل الموجود في السلطة التشريعية، بالتالي الخلل الموجود في السلطة التشريعية انتقل إلى السلطة التنفيذية وهي الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق ما بعد (2003)، علما أن تلك الحكومات هي حكومات توافقية وحكومات وحدة وطنية وحكومات محاصصة وكل هذه التسميات هي بعيدة عن ما اقر في الدستور، بالإضافة إلى ذلك لدينا اعتراض صريح على هذا الدستور الذي هو دستور مشوه وهو من أنتج هذه السلطات، وكذلك الحال بالنسبة للسلطة القضائية وهي سلطة غير حقيقية وهي لم تقر قانون المحكمة الاتحادية والكثير من القوانين الأخرى".
يكمل الهلالي "لذلك كل الأسباب كوننا أوجدنا سلطات غير حقيقية وسلطات مشوهة، ناهيك عن ذلك فان السلطة الرابعة وهي سلطة الإعلام كان تحاول تجميل صورة الدولة، المشكلة الأساسية أن هذه السلطة لم تقرأ الشعب قراءة متأنية وحقيقية، بل أن وعي الجماهير كانت أكبر من وعي السلطة، لذلك تفاجأت السلطة بهذا الوعي الجماهيري الذي سبق الوعي الحكومي، هذا مما حتم عليها الركون في زاوية محددة للدفاع عن أنفسهم، لذلك هم سمحوا لأنفسهم استخدام أدوات السلطة ضد الشعب الذي انتخب هذه السلطة، هذا مما اوجد لدى السلطة حالة اغتراب كبير عن الشعب أو بمعنى آخر أن السلطة تدرك تماما بان أي تغيير يعني نهاية هذه السلطة".
أضاف أيضا "لذلك هم يحاولون قدر الإمكان قمع هذه الانتفاضة التي تعتبر المنقذ الحقيقي والفرصة الأخيرة لهذا الشعب للخلاص من تلك الطبقة السياسية، حتى نجعل البلد يسير بالاتجاه الصحيح، وأيضا كي يفهم السياسي العراقي أن بعض المبادئ الأساسية حيث يتمترسون حول مفهوم السيادة ولا يفهمون معنى السيادة، فالبعض يتصور السيادة هي تعني خروج القوات الأمريكية من العراق أو خروج الإيرانيين من العراق، بالإضافة إلى ما تقدم حتى المفاهيم التي يطلقها بعض النواب وبعض المسؤولين هي مفاهيم خاطئة، بالتالي يصل بنا الأمر إلى إن جهات خارجية من خارج الحدود تأمر السلطات التنفيذية والتشريعية بتبني قوانين وتنفيذ أجندات خارجية".
يختم الهلالي "علما إن الرئيس المصري السابق (محمد مرسي) أحيل إلى الإعدام نتيجة مخابرة مع دول عربية وهي قطر، بالتالي إذا أردنا التغيير كنخب أكاديمية وثقافية علينا تبني هذه الانتفاضة وليس دعمها فقط".
العقد الاجتماعي نظرية تنظيمية بين الحاكم والمحكوم
- الدكتور عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي، تدريسي في جامعة كربلاء كلية تربية اختصاص تاريخ العراق الحديث والمعاصر، يتصور أن نظرية العقد الاجتماعي (لجان جاك روسو) هي نظرية تنظيمية بين الحاكم والمحكوم، وهي لا تقتصر فقط على الجانب السياسي، بل كان هناك عقد بين الفرد وبين الكنسية، وهناك عقد بين الرجل وزوجته، علما أن نظرية العقد الاجتماعي هي ركن من أركان الحركة الفكرية في عصر النهضة الاوربية ومسبب كبير في الثورة الفرنسية في العام (1789)، لذلك هي عبارة عن قضية تنظيمية حقوق وواجبات بين الحاكم والمحكوم".
أضاف المفرجي "الأمر الآخر أن مصائب العراق ما بعد (2010) يمكن أن تنظم بأمور إصلاحية دستورية، وهذا ما لا اتفق معه لان العراق ما بعد هذا التاريخ تعرض العراق للانهيار على المستوى الاقتصادي الاجتماعي وثلث العراق احتلال وفاجعة سبايكر، فهذه الأمور لا يمكن أن تعاد بأمور الإصلاحية ربما تكون ترقيعية بغية إرضاء جهة على حساب جهة أخرى، لذلك الإجراءات يجب أن تكون انقلابية وثورية في المجتمع وفي النظام السياسي وفي الأنظمة الاقتصادية".
يكمل المفرجي "القضية الثالثة أن المؤرخ الذي يريد أن يؤرخ لتلك الحقبة سوف يكتب أن سوء الأوضاع الاقتصادية هي التي أدت إلى تدهور الحالة الاجتماعي وإلى الحراك السياسي، بالإضافة إلى ذلك فان مشكلة عدم مواكبة التغيير من قبل السلطات يعود لسببين.. السبب الأول كون السلطة معزولة عن الشعب وعن المجتمع وهي عزلة غير جليلة، السبب الثاني هي وجود الحواشي الدينية والسياسية التي ترتبط بالخارج، لذلك هذا التمزيق الحاصل الآن في المجتمع العراقي هو بسبب الحواشي وبسبب المستشارين".
عوق فكري وعقد تاريخية
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يجد أن "المنطلقات الفكرية التي انبثقت منها السلطات العامة تعاني من عوق فكري وعقد تاريخية، ففي مجتمعات وسط وجنوب العراق الثائر الآن ضد تلك الأوضاع يتم تجاهل حقيقة إن المجتمع العراقي يضم مكونات أخرى في الوطن أيضا منطلقاتهم الفكرية ناتجة عن عقد تاريخية، وهذه العقد التاريخية هي التي تحاول أن تبقي الوضع على ما هو عليه، فعلى سبيل المثال الإخوة الكورد إلى الآن هم يعانون من إشكالية عدم الثقة بالأخر الشريك في الوطن".
يكمل جويد "بالتالي هم لا يستطيعون تجاوز الماضي والنظر إلى المستقبل من اجل بناء وطن يواكب التغيير الاجتماعي الحاصل في العراق وفي المجتمعات الأخرى، القابعين على السلطة في العراق ينطلق من منطلقات فكرية توحي إليه بأنه أرقى من الآخرين أو أعلى شأنا، وهذا ما تسعى إليه الأحزاب السياسية في العراق وهي دائما ما تنظر للمجتمع وللشعب نظرة دونية، وكأنما هم المناضلين وهم أصحاب التغيير ما بعد (2003)، وللأسف هذا العوق الفكري هو الذي افشل بناء سلطات الدولة على شيء مؤسساتي، ناهيك عن فكرة تقسيم السلطات أو استقلال السلطات بعضها عن البعض الآخر، وهذا الأمر كان يشكل ديمومة لبقائهم في السلطة لمدة أطول وقد يجددون في أحزابهم تبعا للتغيير الحاصل".
يختم جويد "فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا هناك أحزاب عريقة تعمل منذ عشرات ومئات السنين، فهذه الأحزاب استطاعت مواكبة التغيير الاجتماعي والتأقلم معه وتلبية الاحتياجات الطموحة التي يطرحها الشارع، اليوم وللأسف الشديد حتى القوانين التي يتم سنها الآن لا تتناغم مع حاجات المجتمع، في الختام أن العقلية الحاكمة الآن هي تعاني من العقد التاريخية".
فشل مطلق في مواكبة التغيير الاجتماعي
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يؤكد على أن "السلطات العامة فشلت فشلا مطلقا في مواكبة التغيير الاجتماعي، السبب الأساسي لهذا الفشل كون التغيير حصل من الخارج أي بسبب العامل الخارجي، بمعنى لو تم القضاء على الدكتاتورية من الداخل من خلال أحزاب داخل العراق أو خارجه، لكنى الآن نتمتع بنظام سياسي وسلطات عامة في قمة الاكتمال، فلدينا على سبيل المثال لدينا نماذج متعددة أثبتت نجاحها منها مثلا نيلسون مانديلا لم يعتمد على غيره، بل قوم الأشياء واحدث مصالحة وطنية مهمة في دولة جنوب أفريقيا، وتجارب أخرى مثل السودان التي ظلت تقام لمدة سنة كاملة حتى وصلوا لنظام سياسي مقبول لحد ما".
يكمل عبيد "ولذلك المشاكل والعقد التي تواجهها السلطات السياسية تبعيتها لمن أتى بها، بمعنى أدق أن الدول الداعمة للأحزاب والجهات السياسية تريد تسديد فواتير ذلك الدعم، لذا فان التصحيح الصحيح والأساس للسلطات العامة وللطبقة السياسية هو أن تكون عراقية ووطنية بحتة، وعلى هذا الأساس يمكن إحداث مواكبة جيدة للتغيير الاجتماعي".
لدينا قابلية على الاستعمار
- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، ماجستير اقتصاد، يتصور "وجود سببين لعدم الاستجابة للتغيير الاجتماعي.. فهناك سبب رئيسي داخلي، والسبب الآخر ثانوي هو عامل خارجي، فالسبب الداخلي يعود للثقافة المزدوجة فأي مواطن عراقي وبحكم الإرث التاريخي وممارسة سياسة التجهيل التي مارسها الدكتاتور ووجود السياسيات الحكومية الاستفزازية، تولدت لدى المواطن العراقي ثقافتان فعندما يكون مواطن دائما ما يتبع سياسة الطاعة للقائد أو للمدير وما شاكل، وعندما يكون هو مدير يمارس قضية الاستبداد".
يكمل الجبوري "أما بالنسبة للسبب الثانوي فهو يأتي من العامل الخارجي وهذا ما أكد عليه عالم الاجتماع الجزائري مالك بن بني حيث قال (ما استعمروك إلا وجودك قابل للاستعمار)، بالتالي نحن لدينا قابلية على الاستعمار هذا مما ممهد الطريق أمام الأحزاب لتنفيذ أجنداتها غير المتناغمة مع الإرادة الوطنية والشعبية".
مرحلة انتقالية للنظام السياسي الديمقراطي
- الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يجد أن العراق في مرحلة انتقالية للنظام السياسي الديمقراطي، فهذه المرحلة الانتقالية هي التي توصل للنظام السياسي الديمقراطي، بالتالي لابد أن تكون سلوكيات القوى السياسية إن وجدت وصلاحيات السلطات وأدائها يكون ناصرا أو خادما لهذا الانتقال، وهذا التأصيل يأتي نتاج طبيعي لحالة الانتقال من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي ويستتبعه بشكل حتمي نوع من التغيير الاجتماعي، فهذه المرحلة الانتقالية الهدف منها أمرين.. الأمر الأول تضع أسس ضابطة واطر قانونية ضابطة للتغيير الاجتماعي بشكل يخدم النظام السياسي الديمقراطي".
أضاف السرحان "والجنبة الثانية يؤطر إطار سياسي وقانوني متكامل للسلطات العامة حتى تكون مواكبة لهذا التغيير الاجتماعي وتلبي متطلبات التغيير الاجتماعي، فنحن في هذه المرحلة المهمة جدا في تحول الأنظمة السياسية من دكتاتورية إلى ديمقراطية، القوى السياسية في العراق ما بعد (2003) إن صحت هذه التسمية لم تدرك أهمية هذه المرحلة المهمة في النظام السياسي في العراق، وبالتالي هي لم تعمل على تأصيل النظام الديمقراطي بقدر تأصيل واستدامة السلطة هذا جانب، الجانب الثاني هذه القوى السياسية والسلطات التي انبثقت عنها وعن سلوكها السياسي لا يوجد التزام في الأطر القانونية والتشريعية التي وضعتها لنفسها وهذه مشكلة أساسية".
يكمل السرحان "فعناصر التغيير الاجتماعي لابد أن يؤمن بان هناك ضوابط قانونية وسياسية معينة هي التي تأصل وتؤطر لكل السلوكيات السياسية داخل الدولة، فهذا يبعث برسالة سيئة وسلبية بالنسبة للأفراد وللمواطنين الذين يحتاجون أن يكونوا مؤمنين بهذا التغيير الاجتماعي، الجنبة الثالثة لعدم مواكبة السلطات العامة للأسباب هي غياب الرقابة السياسية والشعبية، طبعا إن غياب الرقابة السياسية هي غياب الرقابة في البرلمان بسبب عدم وجود المعارضة، أما بالنسبة للرقابة الشعبية فقبل (2011) فالشعب وأبناء الشعب انشغلوا كثيرا عن ممارسة الرقابة الشعبية لأسباب اقتصادية".
تخاذل كل السلطات الرسمية لمراعاة حق المواطن العراقي
- محمد علاء الصافي، الباحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، يعتبر "الحراك الشعبي القائم الآن هو نتاج طبيعي لتخاذل كل السلطات الرسمية لمراعاة حق المواطن العراقي، لذلك جاء الشباب الثائر وهو يحمل شعار (نازل اخذ حقي) بعدما توصل إلى حقيقة مفادها بان الجميع منشغل عن الاهتمام بشؤون المواطن والإنسان العراقي، فالسلطة الحالية لا تمثل الإرادة الشعبية، بالتالي فان السلطات العامة هي من أخلت وبالدستور وبالعقد الاجتماعي، فالتغيير الاجتماعي لابد أن يحصل وهو نتيجة حتمية للسلوك الإنساني السوي".
يكمل الصافي "الأمر الآخر أن القوى السياسية العراقية الحالية هي تمارس ذات الاسلوب القديم الذي مارسه الدكتاتور فهي دائما ما تعزف على أنشودة الدين والمذهب، أيضا حواشي الأحزاب والشخصيات السياسية أمر واقع في المجتمع العراقي".
السلطات العامة تابعة للأحزاب السياسية
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، قال "قبل العام (2003) وما بعد هذا التاريخ لم تكون هناك سلطات عامة في العراق من حيث المضمون بل من حيث التسمية فقط كممثل للجمهور، السلطات العامة كانت ولا زالت تابعة للأحزاب السياسية ولبرامج وخطط ومصالح هذه الأحزاب، وأن تكون تلك المصالح داخلية أو خارجية، لذلك أمر متوقع جدا أن لا تحرك هذه السلطات ساكنا في التجاوب مع طلبات الجمهور، والسبب لان هذه الطلبات في جلها كانت ضد المصالح الحزبية".
يكمل آل طعمة "لذلك السلطات العامة مشكلتها إنها لا تمثل الشعب، وإنما تمثل مصالح الأحزاب فقد هيمنت عليها الأحزاب السياسية بشكل محكم خلال السنوات التي مضت وحتى قبل العام (2003) كانت تابعة لحزب واحد".
السؤال الثاني: ما المطلوب من السلطات العامة لتستجيب للمتغيرات الاجتماعية والثقافية بعد احتجاجات تشرين؟.
- عدنان الصالحي، يعتقد أن "السلطات سوف لن تغادر فكرة إنها على خطأ، ففي كل مراحل التاريخ كانت هناك فئة مجتمعية تعارض الإصلاح، وهذه هي العصا التي تمسك بها السلطات لضرب المجتمع، فاليوم ما يضرب به الشارع هي مجاميع مدفوعة الثمن أو مضلل بها وجهات تمسك السلاح تقتل أبناء شعبها، بالتالي لابد العمل على هذه الحلقة وتوعيتها وتنبيهها وإرشادها حتى لا تجد السلطات ملاذات آمنة لها كي تضرب الشارع".
- الشيخ مرتضى معاش، يدعو إلى "تحرير النظام لاجتماعي من هيمنة وسطوة النظام السياسي، فعلى طول التاريخ يأتي النظام السياسي أو السلطات العامة ليشكل النظام الاجتماعي وهذا خطا كبير، فالطريقة الأنجع والأصوب، أن يقوم المجتمع بتحديد الأولويات بنفسه وتحديد القوانين التي يحتاجها وينبثق منه كل شيء، النقطة الثانية كي ينجح هذا التحرير لابد أن يكون لدينا نمو قوي في المجتمع المدني، فالمجتمع المدني عندما يقوي بمؤسساته بحركته بتجانسه سوف يؤدي إلى ظهور العقد الاجتماعي".
يكمل معاش "اليوم وللأسف الشديد لا يوجد لدينا عقد اجتماعي، بل لدينا حاكم ومحكوم فالحاكم سيء والمحكوم عبد، لكن عندما ينمو المجتمع المدني نتجه تدريجيا صوب بناء العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، النقطة الثالثة هي الاستقلال الاقتصادي وتحرير المجتمع من هيمنة اقتصاد الدولة، فما دام الشعب والمجتمع تحت هيمنة اقتصاد الدولة يبقى عبداً ولا يستطيع أن يتحرر من ربقة الدولة، خصوصا وأن العراق هو دولة ريعية أو رعوية بمعنى آخر أي أن المواطن يعيش على ما تعطيه الدولة، بالتالي الدولة تتحكم بالمواطن ورزقه بالنتيجة التحرر السياسي والاقتصادي خطوة مهمة في بناء المجتمع المدني ومن ثم تأسيس العقد الاجتماعي".
- الدكتور منير الدعمي، يعتقد أن السلطات العامة في العراق تفتقر لثقافة قراءة الشارع بل هي تعيش في عزلة تامة، وبالتالي الشارع هو من سيأخذ على عاتقه مهمة التغيير".
- الدكتور حميد الهلالي، يرى أن "ثورة تشرين لن تأتي من فراغ بل بعد احتقان وتراكمات ونفاذ صبر، لذلك الاستجابة الآنية والسريعة لمطالب المتظاهرين هي التي ستحل تلك الأزمة، بالتالي على السلطات أن تنفذ مطالب المتظاهرين بقناعة وهذه غير موجودة والا سوف يجبرون على تنفذ المبادئ التي دعا اليها المتظاهر العراقي".
- الدكتور عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي، يدعو إلى "المصالحة مع الشعب العراقي ورأس تلك المصالحة هو الاعتراف بفشل التجربة، عندها من الممكن ان تتم فكرة المصالحة ما بين السلطات والشعب العراقي".
- الحقوقي احمد جويد، "يوصي الأحزاب السياسية في العراق بالتحرر من الارتهان للقرار الخارجي، بالتالي فان الاحتماء بالشعب العراقي هو الخيار الاصوب من الاحتماء بالعامل الخارجي".
- محمد علاء الصافي، يصنف "حالة الارتهان للخارج لا تسبب فقط العزلة مع الشعب بل تسبب تقسيم للبلد بشكل كبير، خاصة وأن القرار السياسي لا يعود للشيعة فقط بل هناك شركاء في الوطن من المكون الكردي والسني، بالنتيجة خارطة التغيير إذا لم يتم الاستجابة لها فالوضع يتجه نحو التقسيم وإلى خسائر فادحة في الجانب الاقتصادي وتراكم الديون".
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، يدعو إلى "استمرار الضغط الجماهيري والضغط الشعبي لان هذه الأحزاب التي تقف خلف السلطات العامة حاليا، سوف لن تستجيب لمطالب المتظاهرين من تلقاء نفسها، لذلك بدون ضغط شعبي مستمر يلزمها ويجبرها للاستجابة لمطالب الشعب".