تقارير

مركز ادم ناقش القيمة القانونية للبرنامج الحكومي والجزاء المترتب على الفشل

   ضمن سياق نشاطاته الشهرية افرد مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية خاصة تناول من خلالها موضوعا تحت عنوان (القيمة القانونية للبرنامج الحكومي والجزاء المترتب على الفشل في تطبيقه)، وذلك على قاعة جمعية المودة والازدهار في كربلاء المقدسة، هذا وقد شارك فيها عدد من الشخصيات الأكاديمية والقانونية ومدراء المركز البحثية وبعض الشخصيات الإعلامية بحضور عدد من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين.

 هذا وقد بين مدير الجلسة الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات: "إن عمر الحكومة العراقية الحالية بلغ أكثر من سنة، وقد عرضت هذه الحكومة برنامجا واعدا وحالما وجيدا من الناحية النظرية، فالبرنامج تمثل في حل للعديد من القضايا التي يعاني منها المجتمع العراقي مثل موضوعة..(البطالة/ أزمة السكن/ التنمية/ الاقتصاد/ محاربة الفساد أو الحد منه)، بالإضافة إلى ذلك فان ولادة الحكومة متعسرة إلى حد بعيدة، خصوصا وأن الكتل السياسية كانت دائما ما تحمل شعار حكومة التكنوقراط، بمعنى آخر أن تكون الحكومية مهنية ولن تنصاع لرغبات الكتل السياسية."

 أضاف جويد "إلا إن مجريات الأحداث سارت عكس ذلك، حتى أصبح موضوع تشكيل الحكومة متعثر ومتعسر ولحد الآن لم تكتمل الكابينة الحكومية، وكانت هناك تدخلات كبيرة من قبل الكتل السياسية للتدخل في الشأن الحكومي، بالتالي نحن إلى الآن لم نرى أثر حقيقي للبرنامج الحكومي على ارض الواقع، بل على العكس من ذلك هناك تعثر في بعض الملفات فالفساد على سبيل المثال لا زال مستشري، أيضا قضايا السكن التي وعدت بها الحكومة للفقراء لم نرى شيء منها، ناهيك عن قضايا البطالة وقضايا أخرى لم يتم تطبيقها في البرنامج الحكومي".

البرنامج الحكومي منصوص عليه في الدستور

 ولتسليط الضوء أكثر على هذا العنوان تمت استضافة الباحث في مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات والتدريسي في جامعة كربلاء كلية القانون الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، حيث تحدث قائلا:

 "في البدء هناك فكره نوه إليها الفقه الدستوري كثيرا وهي (القاعدة الدستورية)، وذلك على اعتبار أن البرنامج الحكومي منصوص عليه في الدستور، ففي كل دساتير العالم تقريبا هناك فكرة تقول (إن الحكومة تعرض برنامجا أو تعرض خطة حكومية لها مستقبلية تتضمن رؤاها)، فهذه القاعدة الدستورية التي ألزمت الحكومة بتقديم البرنامج أو المنهاج أو الخطة، هناك خلاف حول الزاميتها أصلا".

"البعض يطرح إشكالية مفادها (هل القاعدة الدستورية ملزمة ام لا)، فمن خلال تلك الإشكالية يمكن ان تتحقق فرصة الانطلاق نحو تعريف البرنامج الحكومي أو المنهاج الحكومي كما سماه الدستور العراقي لسنة (2005)، وذلك من اجل أن نتناول مدى الزاميته، وكيف يمرر، وما هي القيمة القانونية لهذا البرنامج، ثم نتناول الجزاء الذي يترتب علي مخالفته، هذه المحاور نمر عليها..

القاعدة الدستورية هل هي ملزمة ام لا؟

 من خلال الاستفسار التالي القاعدة الدستورية هل هي ملزمة ام لا، الكل يعلم بان الدستور هو أعلى القوانين واسماها في الدولة، لكن الفقه الدستوري غير متفق أصلا على قانونيتها والسبب هو الجزاء، خصوصا وأن القاعدة القانونية عندما نحللها.. (ننظر إليها على أنها قاعدة سلوك اجتماعي أولا وقبل كل شيء، لاسيما وأن القواعد القانونية هي في الأساس أعراف أو عادات أو سلوكيات في المجتمع وتحولت إلى قاعدة فيما بعد لما تبناها المشرع، هذه القاعدة هي قاعدة سلوك أولا، ثانيا هي تتضمن عنصر الجزاء، ثالثا يجب أن تحدد الجهة التي توقع الجزاء".

"بالتالي ليس كافيا ان نقول من يخالف تلك القاعدة يسجن أو يحبس أو يعدم، بل يجب أن نحدد من هي الجهة التي توقع الجزاء، هل هي الحكومة أم هي المحكمة أم هي جهة دولية، القاعدة الدستورية لا زال الخلاف حول مسالة الجزاء، خاصة وأن أعلى المراتب في الدولة هو الذي يخالف فمن يوقع عليه الجزاء، هذا هو أساس الخلاف في الفقه، لكن بعض الفقه يقول انها تتضمن عنصر الجزاء ويسمونه (الجزاء المرسل او غير المنظم)، الذي يظهر بصورة ردة الفعل الاجتماعي، فيقولون المجتمع هو من يدافع عن نفسه بنفسه، وذلك من خلال تظاهرة او اعتصام أو عدم انتخاب".

المنهاج الحكومي او البرنامج الحكومي ماذا يعني؟

 الفقهاء اختلفوا في تعريف البرنامج الحكومي منهم من عده..(عقد) وقال عنه انه (عقد الثقة)، بمعنى آخر (إنه عبارة عن عقد بين ممثلي الشعب أو النائب في البرلمان من جهة وبين الحكومة التي ستتولى زمام السلطة خلال المرحلة القادمة)، لكن هذا الرأي يبقى مجرد فقهي، أي ليس له إسقاطات واقعية وحقيقية، رأي آخر يقول.. (هو عبارة عن رؤى سياسية لمرحلة قادمة)، البعض يقول.. (هو عبارة عن مجموعة من الوعود الانتخابية تصاغ بوثيقة وتعرض على البرلمان كي تكون منهجا للحكومة في المرحلة القادمة)، البعض يرى..(انه ميثاق سياسي)، البعض الآخر يعرفه..(على انه عمل برلماني) بمعنى آخر هو (عمل قانوني) وسبب هذا التسمية لأنه يمرر في البرلمان".

"البرلمان سواء كان في العراق او في العالم هو يمرر من خلال أمرين.. الأمر الأول هي (الأعمال القانونية) التي تمثل بالتشريعات، والأمر الثاني هو (الأعمال البرلمانية أو ما دون التشريعية) أي القرارات بمختلف أنواعها، هذا البرنامج فيه إلزام دستوري بتقديم هذا المنهاج الحكومي وهذا ما فعله دستور (2005)، في المادة (76) بين المشرع الدستوري مراحل تشكيل الحكومة العراقية فنص..(على أن رئيس الجمهورية ما بعد انتخابه بفترة (15) يوم يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا لتشكيل الحكومة)، فخلال (30) يوم المرشح المكلف يتقدم للبرلمان بالوزراء وبالمنهاج لنيل الثقة".

"وهنا لدينا عدت تفرعات لابد أن نقف عندها.. فما مدى توفيق المشرع الدستوري بالمادة (76)، فالنسبة هنا ضئيلة جدا وهي تصل تقريبا إلى (2%) فقط، و(98%) كانت المادة (76) مادة خاطئة جملة وتفصيلا، فالأمر لا يحتاج لتدليل ففي العام (2010) كانت هناك ضجة كبيرة إزاء تلك المادة، وهذا جزء بسيط من مشاكل قادمة او مشاكل حصلت ولم ندري عنها شيئا، وذلك لان المنهاج الحكومي في الدساتير الديمقراطية يميزون بين منح الثقة لرئيس الوزراء وبين الوزراء، فرئيس الوزراء يمنح الثقة من خلال الموافقة على المنهاج أو البرنامج الحكومي، فلا يصار التصويت على شخص رئيس الوزراء، لكن يصار التصويت على الوزراء منفردين او مجتمعين حسب الدستور، المادة (76) أوقعتنا في إشكاليات عديدة..

الإشكال الأول: المنهاج الحكومي لم تعطيه قيمة قانونية، ولم تبين مدى الزاميته، لم تحدد بشكل واضح ومحدد الجزاء الذي يترتب على مخالفته، في حين دساتير حديثه مثل..(دستور تونس / دستور مصر) أعطى للمنهاج أمر آخر، أيضا لو نظرنا إلى الدستور البرازيلي لنجد الأمر مختلف جذريا فنجد هناك وجوب دستوري بتقديم المنهاج، في اطر دستورية وفي مدد محددة وفي أسس ومعايير محددة، ويتضمن هذا الأمر تقييم دوري يسمى في بعض الأنظمة الدستورية (إعادة منح الثقة)، أي بين فترة وأخرى يصار لمنح الثقة، بالتالي هم يقيمون مدى توفيق الحكومة في تنفيذ البرنامج الحكومي من عدمه.

"أيضا من بعد مضي سنة على منحها الثقة، يجب أن يعاد الأمر لممثلي الشعب حتى يقيمون أداء رئيس الوزراء، هل كان بمستوى المسؤولية ام لا، وما مقدار ما أنجزه من وعود، وهل من المؤمل خلال المرحلة القادمة أن يصل لنسبة مقبولة ام لا، لكن في العراق لا يصار لإعادة النظر فالمادة (76) لا تجيز لنا إعادة النظر بشخص رئيس الوزراء، وكأنما هو مقدس حتى تنتهي المدة المقررة لتكليفه برئاسة الوزراء، فهذه مشكلة حقيقة لابد التركيز عليها فليس هناك تقييم لشخص رئيس الوزراء".

"لأننا لو ربطنا المادة (76) بالجزاء الذي لابد أن يترتب على المخالفة، لنقول أن الجزاء منظم بالدستور الجواب نعم، أيضا قبل التركيز على مسالة الجزاء، لابد أن نعرف ما هي القيمة القانونية للمنهاج الحكومي، فمن بعد التصويت عليه في البرلمان العراقي وبالأغلبية المطلقة كما تنص المادة (76)، فهل هو تشريع؟، ام هو مجرد قرار برلماني؟، هل هذا القرار البرلماني يجوز الطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية العليا؟، هل من الممكن عرض المنهاج الحكومي على الاستفتاء الشعبي؟، هذه أسئلة واستفسارات لم يجب عليها الدستوري العراقي في العام (2005)"،

" فهذه المسائل هي مسائل محورية ولكن مسكوت عنها، وهي تعبر عن مدى الفشل الذريع لهذه المادة الدستورية المهمة، التي تعتبر جوهر نظامنا الدستوري في العام (2005)، خاصة وإننا تحولنا نحو نظام ميال نحو البرلمانية وميال نحو النظام النيابي وليس نيابي كما عبر عنه الدستور في المادة الأولى، فمحور الحكومة والسلطة الحقيقية هي مجلس الوزراء، فيجب أن يكون هذا المجلس مصاغا صياغة دستورية تشريعية متقنة، بما لا يدع مجال لأي فشل قد يصيب هذه المؤسسة المهمة، لان العراق ومصير العراق كله مرتبط بهذه المؤسسة".

"بالتالي فان القيمة القانونية لهذا البرنامج لا تعدو في نظر الحكومة العراقية والبرلمان العراقي، أكثر من إنها مجرد روتين لتمرير المرشحين القادمين من الأحزاب، فلا ينظرون إلى قيمتها عندما حصلت على موافقة ممثلي الشعب بأغلبية مطلقة تحولت إلى قرار، ووفق المادة (138) من الدستور يجب أن ينشر في الوقائع العراقية من بعد مصادقة رئيس الجمهورية، بالتالي عندما ينشر في الوقائع العراقية لا يصبح تشريعا قانونيا لكنه دون القانون وملزم".

"لأننا لو تصفحنا النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي الصادر عام (2007) والمصوت عليه في العام (2006) وهو لا يحمل رقما، نجد إن النظام الداخلي لمجلس النواب أكد على سلطة البرلمان بالتصويت على منح الثقة للحكومة وبين الآلية، فهذا التصويت له قيمة قانونية من وجهة نظرنا وهو ليس أمرا روتينيا، على الجانب الآخر الحكومة ملزمة بتطبيق هذا المنهاج الحكومي لموافقة الشعب عليه، خصوصا وأن المادة (5) من الدستور تقول.. (السيادة للقانون والشعب هو مصدر السلطات)، وهذا يتم من خلال النظام النيابي ومن خلال ممثلي الشعب الذين ينتخبهم الشعب، بالتالي عندما يوافق النواب على المنهاج الحكومي فهذا يعني ان الشعب قد وافق، لان الشعب هو من سلم ناصية القرار بيد هؤلاء الذين منحناهم الثقة".

"فهم يعبرون عن الإرادة الشعبية أو عن الإرادة الخاصة بالسلطة التأسيسية الأصلية، بل أن بعض الفقه الدستوري يرى بأن المنهاج الحكومي يرقى إلى مرتبة الأنظمة الأساسية المكملة للوثيقة الدستورية، وهي ليست مجرد رؤى أو أفكار أو طموحات لشخص رئيس الوزراء يتركها لصغار الموظفين في برنامجه الحكومي، وعندها يقومون بإعدادها وطباعتها بشكل مستعجل ويطرح هكذا على الإعلام ويسوق على انه برنامج حكومي وهذا ما حصل في العراق، لذلك لما وصلوا للتطبيق اصطدموا بصخرة كبيرة جدا وهي الواقع، فوجدوا أنفسهم أمام وعود وردية وهي خلاف للواقع".

الجزاء

"بطبيعة الحال الجزاء يصنف إلى صنفين.. (جزاء منظم / وجزاء غير منظم اي مرسل)، الجزاء المنظم ما ورد في دستور (2005) من اجزيه تقع على الحكومة في حال مخالفة البرنامج الحكومي، كذلك لابد أن نميز بين فشل كلي وفشل نسبي، أي مره يكون الفشل بكل البرنامج الحكومي فيسال عنه شخص رئيس الوزراء، ومره يكون الفشل نسبي في إحدى الوزارات فيسال عنه الوزير الذي فشل في تحقيق ما ورد في البرنامج الحكومي، وهذا ما ورد في المادة (61) البند ثامنا فنجد أن سحب الثقة من شخص رئيس الوزراء فتستقيل الحكومة بأجمعها، وقد يكون من احد الوزراء على الانفراد".

"فهذا جزاء يتم من خلال الرقابة البرلمانية أو من خلال الرقابة التي يقوم بها ممثلي الشعب على الحكومة ككل وعلى الوزراء كمنفردين، وأيضا سمح لهم الدستور بالقيام بهذا الأمر من خلال توجيه الأسئلة للوزير أو لرئيس الوزراء، او طرح موضوع عام للمناقشة بمعني طرح احد المواضيع التي وردت في المنهاج الحكومي، الذي قد يكون تعثرت فيه الحكومة في تطبيقه وقد يصار إلى الاستجواب، وهو اخطر الإجراءات التي قد يصل إليها البرلمان سواء لشخص رئيس الوزراء او لأحد الوزراء، ومن بعد الاستجواب قد يصار لسحب الثقة أو غير ذلك، فهذه الرقابة رغم انها جيدة ورغم انها نظريا قائمة، لكنها عمليا هي غير موجودة في العراق لعدة أسباب:

السبب الأول: إن النواب اغلبهم غير قادرين على معرفة دقائق عمل الحكومة لعدم التخصص.

السبب الثاني: قصر مدة النيابة/وهي أربعة سنوات، فالنائب لا يستطيع تحريك أنماط الرقابة المتعارف عليها كالسؤال والاستجواب.

السبب الثالث: ضخامة عمل السلطة التنفيذية/لذلك هي تحتاج إلى مؤسسة تستوعب هذه الضخامة في الرقابة، لكن مؤسسة برلمانية في العراق تعجز كل العجز على أن تساير ضخامة العمل الحكومي.

"فهذه الرقابة لا نعول عليها كثيرا، ولكن هناك رقابة أخرى أهم منها وهي رقابة رئيس الجمهورية، فالبعض يعتقد أن رئيس الجمهورية انتهى دوره بتسمية مرشح الكتلة النيابية الأكبر عددا، لكن الدستور لم يقف عند هذه الحالة بل في المادة (61) البند ثامنا، رئيس الجمهورية يستطيع طلب سحب الثقة من رئيس الحكومة بدون استجواب، والأمر مرهون فقط على عدم تنفيذ رئيس الوزراء لبرنامجه الحكومي، وهذا سلاح خطير جدا لا يمتلكه في الدولة العراقية إلا رئيس الجمهورية فقط، أيضا رئيس الجمهورية اقسم اليمين في المادة (73) على انه حامي الدستور".

"بالتالي الدستور عندما ألزم الحكومة بتقديم منهاج حكومي، هو ضمنا ألزمها باحترام المنهاج الحكومي والصدق في تطبيقه وتنفيذه، لذلك هو ملزم اذا لم تلتزم الحكومة بالمنهاج الحكومي أن يقرر مسؤوليتها، وذلك على اعتبار أن البناء الدستوري في دستور (2005) لم يكتمل، لان لجنة صياغة الدستور لم تكون من المختصين والمهنين، فلو لاحظنا المادة (93) من الدستور حددت اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا، واحدة من اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا هو الفصل في الاتهامات الموجهة إلى..(رئيس الجمهورية / رئيس الوزراء / الوزراء)".

"رئيس الجمهورية على سبيل المثال توجه إليه ثلاثة اتهامات وهي.. (خيانة عظمى/ انتهاك الدستور/ الحنث باليمين الدستوري)، لكن بالمقابل ما هي الاتهامات التي توجه لرئيس الوزراء أو توجه للوزراء، كي يحاكمون أمام المحكمة الاتحادية العليا غير النكول عن ما وعدوا الشعب به من خلال المنهاج الحكومي، لكن هذه المادة (93) أحالتنا إلى قانون فقالت ينظم ذلك بقانون، وهذه هي الطامة الكبرى فالبرلمان عاجز أصلا عن إصدار قانون المحكمة الاتحادية العليا نفسها".

 "فكيف يصدر لنا قانون ينظم الكيفية التي يحاكم فيها رئيس الوزراء، وكيف يحاكم الوزير، وكيف يقاضى هؤلاء، وكيف يساقون إلى المحكمة الاتحادية العليا، عندما ينكصون عن تطبيق مفردات البرنامج الحكومي، وهذه واحدة من الأشياء التي تضمنها دستور عام (2005) وأشار إليها، لكن كان البناء الدستوري ضعيف جدا، وكانت الصياغة معيبة لأبعد الحدود، لأنها لم تبنى بناءً فنيا رصينا، أيضا على الجانب الآخر القضاء ممكن أن يماس دوره في الرقابة، وهو دور واسع جدا الادعاء يذهبنا بنا لدور الادعاء العام في تحريك الدعاوى.

الجزاء المرسل أو الجزاء الشعبي

"هذا الجزاء يحتاج إلى مقومات وواحدة من مقوماته هو..(الوعي)، فالمجتمع العراقي الآن واعي جدا لما تقوم به الحكومة، وأيضا هو على اطلاع تام على مواطن الخلل والضعف في الحكومة، لكنه يعوزه التنسيق للتحرك الشعبي، من اجل إلزام الحكومة بوعودها وبمنهاجها الحكومي، فهذا الشعب ولله الحمد هو شعب واعي ومثقف وعلى درجة كبيرة من الشعور بالمسؤولية، لذلك دائما ما تجد أفواج المتظاهرين والحراك الشعبي المطالب بالخدمات، فهذا هو الجزاء الشعبي وهو من أهم الجزاءات وأخطرها، لان هذا التحرك الشعبي اذا ما تم سوف يسقط الحكومة، وقد يتسبب في انهاء عمر الحكومة بشكل مبكر، ناهيك عن أن هذا الشعب سوف لن يعطي رئيس الوزراء فرصة تكوين حكومة مستقبلا".

المداخلات:

الدستور العراقي كتب برؤية سياسية

- الدكتور حميد الهلالي، قانون دولي، يعتقد "لو أحيل دستور عام (2005) إلى أساتذة القانون الدستوري لما وقعنا في هذه الإشكالات، فالدستور العراقي كتب برؤية سياسية قبل أن يكتب برؤية قانونية ودستورية، أيضا ينظر للبرنامج على انه نوع من أنواع الالتزام بين ممثلي الشعب ورئيس الوزراء، وهو يتضمن إيجاب وقبول حينما عرض على مجلس النواب وقبل به أعضاء مجلس النواب، لذلك ما عرض من خلال البرنامج الحكومي يتضمن جانبين الضرر والمنفعة، خاصة وأن المواقيت التي ثبتت في هذا البرنامج تخص جوانب مهمة جدا تهتم بحياة الشعب".

أضاف الهلالي "واحدة من هذه الإسهامات هي الجانب السياسي ففيه إخفاق كبير وقد اثر كثيرا على الدولة العراقية، وأيضا هناك إخفاق كبير في مجال مكافحة الفساد وهذا مما اثر بشكل مباشر على تنمية الصناعة والزراعة، بالتالي عدم تنفيذ البرنامج احدث ضرر وهذا مما انسحب تلقائيا على الشعب وعلى الدولة، إذن من يحاسب على الإخفاق؟ فالمسؤولية بالتأكيد سوف تقع على الشعب، لان في الأساس البرنامج الحكومي كل وزير يكتب برنامجه الخاص ويكتب لرئيس الوزراء ورئيس الوزراء يقدم البرنامج، لكن ما حصل في العراق أن رئيس الوزراء هو من قدم كل البرنامج الحكومي".

يكمل الهلالي "لذا رئيس الوزراء يتحمل كل الإخفاق وسواء كان في الجانب الاقتصادي أو الجانب السياسي أو الجوانب الأخرى، عليه في كل الأنظمة الدستورية هناك شيء يسمى (إعادة الثقة) وهذه غير معمول في العراق، بالتالي تبقى الثقة هي ثقة الشعب العراقي وكيف يطرح الثقة بالحكومة من خلال التظاهرات والاعتصام، فإذا استمر هذا الفشل لابد أن يجبر الحكومة على الالتزام بالبرنامج الحكومي".

البرنامج الحكومي عبارة عن "اتكيت"

- نافع هاشم داود الميالي، عضو مجلس محافظة كربلاء، يصف "البرنامج الحكومي عبارة عن "اتكيت"، أي انه صوري يطرحه رئيس الوزراء وهو غير قابل للتنفيذ على ارض الواقع، غاية الأمر طرح البرنامج الحكومي والتصويت عليه بدون حساب، علما ان الشعب العراقي لا يستطيع المحاسبة بفعل المغريات التي تقدم أثناء التصويت على الانتخابات، بالتالي العقد المبرم ما بين الناخب والمنتخب هو عقد فيه خلل، ناهيك عن ذلك غالبية الأمور تقاد سياسيا فالبعض مثلا يدعي بأنه معارض او خارج وهو متدخل بالحكومة".

أضاف الميالي "لذا لابد أن تعالج تلك الثغرات القانونية التي وجدت في الدستور من قبل المختصين، فعلى سبيل المثال الدستور لا يحدد النسبة المقبولية لنجاح الانتخابات، فهذا إشكالية كبيرة لابد أن يتم التصدي لها، الشيء الآخر الذي لابد التركيز عليه هو مشروعية الانتخابات وعدم التقليل من أهميتها المشاركة بالانتخابات".

فسخ العقد المبرم ما بين البرلمان والحكومة

- زهير الميالي، محامي، يرى "إن البرنامج الحكومي الذي أعده رئيس الوزراء يشكل خارطة عمل، وأيضا هو عبارة عن عقد مبرم ما بين رئيس الوزراء وما بين الشعب، ففي بعض فقرات وبنود هذا البرنامج ما يختص في معالجة قضايا الصحة والتعليم والتربية، ووضع فترات زمنية متفاوتة، إلا أننا ورغم مضي عشرة أشهر من عمر الحكومة والحال على ما هو عليه، بالتالي لابد من فسخ العقد المبرم ما بين البرلمان والحكومة".

الحراك الشعبي قطع أشواطا كبيرة

- إيهاب جواد الوزني، ناشط مدني، ورئيس تنسيقية كربلاء للحراك المدني، يؤكد "على أن الحراك الشعبي قطع أشواط كبيرة منذ العام (2011) و (2013) التي انبثقت من خلالها تنسيقيات العراق، وكان المطلب إلغاء الرواتب التقاعدية لأعضاء البرلمان، ناهيك عن تظاهرات عام (2015) التي بقت متواصلة لسنتين، اليوم التحرك أصبح صعب لان صانع القرار السياسي في العراقي لا يهمه الواقع الجماهيري، الشيء الآخر القضاء العراقي الذي هو ركن أساسي من مقومات بناء الدولة هو الآخر أسير للإرادة السياسية، بالتالي القضاء العراقي ورغم كل تلك الخروقات والانتهاكات القانونية والتشريعية إلا انه يغض الطرف عن محاسبة المسؤول".

أضاف الوزني "على سبيل المثال في مدينة كربلاء المقدسة سقط شهيد واحد وعدد من الجرحى أثناء الحراك الشعبي ولم يتحرك احد، إذن أين الدولة؟، أين حقوق الإنسان؟، أين القضاء العراقي عندما يرشق المتظاهرين السلميين بالإطلاقات النارية الحية، أخيرا إن تنفيذ البرنامج الحكومي هو شيء صعب وهو من مسؤولية رئيس الوزراء العراقي".

خلل دستوري وقانوني

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يجد "إن عدم الوضوح والغموض سواء في الطبيعة القانونية أو التوصيف القانوني للبرنامج الحكومي وطبيعة الجزاءات وإلزامها من عدمه، يبدو أنه أتاح الفرصة للحكومة وأعطاها صلاحية الالتفات على تطبيق البرنامج الحكومي، والتنصل من الوعود التي قطعتها على نفسها أثناء منح الثقة لهذه الحكومة في البرلمان، وبالتالي هناك خلل دستوري وقانوني يجب أن يعالج كي نكون أمام عنصر إلزام الحكومة، أو توصيف أو تحديد لطبيعة الجزاء الذي يترتب على الحكومة في حال فشلها في تنفيذ البرنامج الحكومي".

أضاف الحسيني "أيضا توجد حقيقة مهمة في العراق وللأسف هي حقيقة مرة فالحكومة أو الوزارة تعمل بشكل غير منسجم، وكأنه كل وزارة تعمل باستقلالية عن الأخرى، هذه الطبيعة في عمل الحكومة أفقدت البرنامج الحكومي قيمته القانونية، بالتالي نحن أمام إشكالية جديدة فهل نحن يجب أن نركز على البرنامج الحكومي؟، ام على برنامج وزاري؟، وذلك على اعتبار أن كل وزارة تتبع رئيس كتلة، ورئيس الكتلة هو الذي يوجه ويشرف على عمل الوزارة التي هي من حصته؟، أيضا الحكومة تعمل بطريقة يمكن أن نشبهها بطريقة القسمة الرضائية".

 يكمل الحسيني "بمعنى ليست هناك رقابة ولا متابعة ولا إشراف ولا تحديد خلل، بالتالي الكل يغطي على عيوب الآخر بطريقة توافقية رضائية، وهذا هو السبب الأساسي في تعطيل تنفيذ البرنامج الحكومي، لذلك لابد من طرح الأسئلة التالية.. فهل توجد في البرلمان لجنة برلمانية لمتابعة تنفيذ البرنامج الحكومي؟، وهل تم ترتيب جزاءات على الحكومات السابقة التي يتفق الكل على إنها فشلت في تطبيق برنامجها الحكومي؟".

الشرعية الشعبية هي من تحاسب

- حمزة زيني، رئيس منتدى الثقافة والسلام، يرى "إن الشرعية الشعبية هي من تحاسب القائمين على السلطة، من خلال حق التظاهر السلمي وبعض الحقوق الأخرى، لكننا بطبيعة الحال نحتاج لوعي أكثر ولثقافة أكبر، وبغض النظر عن مآلات تلك الحقيقة هل يمكن الاستفسار عن رئيس الجمهورية، فهذا المنصب ومنذ خمسة عشر عام والرئيس لما يفكر في زيارة المحافظات العراقية، بالتالي فان رئاسة الجمهورية أخفقت في عملها طيلة الفترة الماضية، وهو خارج دائرة الانتقاد والانتقادات دائما توجه لرئيس الوزراء".

الكثير من فقرات البرنامج الحكومي لم تنفذ

- مروان الوزني، محامي وناشط مدني، يعتقد "إن الكثير من فقرات البرنامج الحكومي لم تنفذ، وهذا ما أدلى به احد النواب حينما قال بان الكثير من مشاريع وزارة الصحة لم تنفذ، لان الوزير المعني يطالب المقاولين بدفع الرشاوى، بالتالي المسؤولية لا تقع بالكامل على شخص رئيس الوزراء بل الوزراء أيضا هم مسؤولين عن التقصير."

غياب ثقافة الخصومة السبب الأهم في ضعف الرقابة

- جاسم الشمري، ماجستير قانون ومسؤول دراسات وبحوث في محافظة كربلاء المقدسة، يؤكد "على أن البرنامج الحكومي هو برنامج صوري، والدليل على ذلك أن مجلس النواب لم يناقش فقراته، وإنما فقط صوت على منح الثقة للحكومة من دون أن يناقش فقرات هذا البرنامج، كذلك نحن مثلما نحمل الحكومة مسؤولية الفشل في البرنامج الحكومي، كذلك الجهات الرقابية أيضا تتحمل مسؤولية الفشل في الرقابة انطلاقا من البرلمان إلى الرقابة الشعبية، بالتالي التظاهرات ومهما كانت حجمها تواجدها في الشارع إلا إنها لم تكون ضمن الأطر القانونية الصحيحة".

أضاف الشمري "لذلك كان من الممكن أن يخرج من بين المتظاهرين عدد من المحامين رفع دعوى قضائية في المحكمة الاتحادية ضد جزئية معينة، فالخلل الأساسي هو غياب ثقافة الخصومة سواء كانت بين الحكومة المحلية وبين الحكومة الاتحادية أو بين الجهات الرقابية أو بين الشعب، المادة (93) التي أعطت صلاحيات للمحكمة الاتحادية من ضمنها صلاحيات الفصل بين المنازعات التي تنشأ بين الحكومة المركزية والإقليم والمحافظات، فعلى سبيل المثال على مر السنوات التي مضت كانت الحكومة المركزية ترصد لمحافظة كربلاء مثلا (90) مليار، لكن ما يصل للمحافظة هو اقل من ذلك بكثير اي تقريبا (50) مليار، فلم يتقدم أي محافظة بشكوى للمحكمة الاتحادية للحصول على حصته المقررة بقانون الموازنة".

يكمل الشمري "بالتالي المطالبات تكون عن طريق الإعلام فقط، علما إن الطريق جدا سهل من خلال قرار قضائي ينفذ رغما عن انف الحكومة الاتحادية، لذلك فان غياب ثقافة الخصومة هو السبب الأول والمهم في ضعف الرقابة على أداء الحكومة وفشل البرنامج الحكومي".

ديمقراطية شكلية ودكتاتورية مبطنة

- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يعتقد "إن فشل البرنامج الحكومي هو دليل على فشل النظام السياسي أو فساد النظام السياسي بتعبير أدق، وهذا الفشل يأتي من عدة أسباب.. أولا؛ النظام السياسي قائم على المحاصصة بالتالي لن يكون هناك برنامج حكومي، لاسيما وأن رئيس الوزراء غير مسؤول عن الوزارات، بل الكتل السياسية هي التي تسير الوزير الفلاني والوزير الفلاني".

 يضيف معاش "أيضا فشل النظام السياسي سببه غياب الأحزاب الكبيرة ووجود الأحزاب الصغيرة ووجود الأفراد، فالنظام السياسي القوي تكونه الأحزاب الكبيرة وكل الأحزاب الصغيرة تنضوي تحت راية الأحزاب الكبيرة، عندها تتشكل لديك حكومة وتتشكل لديك معارضة، فعلى سبيل المثال عندما تريد أن تحاسب البرنامج الحكومي يأتي من خلال حجب الثقة، وحجب الثقة يأتي من خلال المعارضة، والمعارضة غير موجودة الآن، بل هناك محاصصة وتوافق وكتل صغيرة، لذلك نحن لابد أن نذهب نحو الأحزاب الكبيرة".

 يكمل معاش "كذلك فان فشل المحاسبة يأتي نتيجة فشل المجتمع المدني، لذلك على المجتمع المدني أن يؤسس منظمات متخصصة تعمل على تقييم البرنامج الحكومي، وذلك من خلال إجراء الاستطلاعات واخذ العينات العشوائية وتقييم أداء الوزارات، وذلك من اجل الخروج بتقرير شهري أو نصف سنوي أو سنوي، بغية إعطاء الرأي العام الشعبي فكرة مفصلة عن البرنامج الحكومي، كذلك فان الإعلام العراقي وللأسف الشديد أصبح اليوم تحت خيمة الدولة، بالتالي هذا الأمور بمجملها تجعل من السلطة في العراق ديمقراطية شكلية ودكتاتورية مبطنة".

 أخيرا يرد الدكتور الحسيني بالقول، إن المادة (76) تكلمت عن منهاج حكومي وهذا التعبير يأتي على انه شامل لكل الوزارات، بالتالي فان مجلس الوزراء هو الخيمة الكبيرة التي تنسق بين الوزارات، والتنفيذ يأتي من خلال الوزارات المختلفة، أيضا لم نخلط بين البرنامج الحكومي والبرنامج الانتخابي، فقط تم التطرق للمنهاج الحكومي ومعناه، كذلك لا يمكن تشكيل الحكومة من دون برنامج حكومي لأنها ستسير بدون هدى، علما إن جميع الدساتير العالمية تنص على وجوب وجود البرنامج الحكومي".

 

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

 

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات