ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات في ملتقى النبأ الإسبوعي موضوعا تحت عنوان (ظاهرة العنف ضد الأطفال وآليات الحد منها) بحضور عدد من مدراء المراكز البحثية وشخصيات أكاديمية وثقافية وإعلامية، وذلك في تمام الساعة العاشرة صباح يوم السبت الموافق 16/2/ 2019 بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.
أدار الحوار الدكتور علاء الحسيني، التدريسي في جامعة كربلاء كلية القانون والباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، والتي أكد فيها: "إن موضوع العنف هو من الموضوعات القديمة الحديثة، بل تعد من المخالفات الجسيمة التي عانت منها المجتمعات البشرية بكل أطيافها، وهي ليست بالظاهرة الحديثة بل لها جذور عميقة جدا وضاربة في التاريخ، لكنها اليوم تتفاعل وتتفاعل بقوة في العراق وفي دول المنطقة، وبالتالي نحن أمام مجموعة أمثلة قريبة جدا فعلى سبيل المثال وليس الحصر، في السعودية ينحر طفل أمام والدته لأسباب طائفية، وتعذب طفلة صغيرة في كربلاء حتى الموت لخلاف عائلي، فهذه أمثلة شاخصة للعيان وما خفي كان أعظم".
"فظاهرة العنف لها العديد من الأمثلة ومن التطبيقات، أما بخصوص تعريف العنف فله الكثير من التعريفات، إلا أن منظمة اليونيسيف أوردت تعريفا محددا، فيما يخص العنف ضد الأطفال الفلسطينيين في عام (1992)، وكان هو الأقرب للواقع حيث يعرف على انه (استعمال القوة أو التأثير)، وتقصد المنظمة هنا بالقوة أي (استعمال القوة بكافة أشكالها وصورها)، أما التأثير فيقصد به (العنف المعنوي الذي قد يؤثر على نفسية الإنسان أو ملكاته العقلية وبالتالي هو يحدث ذات الآثار ولكن في بعدها غير المرأى أو المعنوي
"لذا فالعنف هو الاستخدام غير المشروع للقوة أو التأثير، باعتبار أن هناك عنفا مشروعا وهناك عنف غير مشروع، خاصة وأن الحد الفاصل ما بين العنف المشروع واللامشروع في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة (69) في المادة (41)، يتحدث المشرع العراقي عن أسباب الإباحة، التي تقلب الفعل المجرم غير المشروع إلى فعل مباح، فتورد في المادة القانونية بعض الأمثلة على العنف المباح، وبالتحديد العنف الذي يقع على الأطفال، وهذا العنف أطلق عليه المشرع القانوني التأديب من قبل الآباء أو من هو في حكمهم كالمعلمين".
"فهؤلاء قد يستعملون العنف المشرع وضمن معيار محدود وكما معروف عرفا، أي بمعنى (لا يتجاوز المتعارف عليه)، ولعله المتعارف عليه هو استعمال العنف بدرجات بسيطة جدا، ولا ترقى إلى مستويات كبيرة وإحداث سجعات وأضرار جسدية، في غير هذه الحالة فالعنف ضد الطفل يعد جريمة، في استعمال العنف ضد الأطفال هناك تنظيم قانوني عراقي معقد، فعلى سبيل المثال عندنا في العراق تنظيم قانوني لحالة الطفولة التي يمر فيها الطفل".
"وتقسم حياة الإنسان قبل بلوغه سن الرشد إلى أقسام، فعندنا قانون رعاية الأحداث (76) لسنة (1983) النافذ حاليا، والذي قسم حياة الحدث إلى تقسيمات، أولا الصبي أو الطفل الذي هو دون (18) سنة من العمر، وهو يمر بمرحلة لا يكون فيها مسؤول جزائيا ومسؤول عن أي أضرار يخلفها، وعندما يتجاوز(18) من العمر يصبح بالغا، في هذه المراحل قد يتعرض الطفل إلى العنف، وهذا الكلام لا ينطبق على العراق فقط، فهناك عندنا في الميدان العالمي اتفاقيات عديدة، فالأمم المتحدة بذلت جهود كبيرة لاسيما في العام (78)، وأعلنت في العام (79) هذا العام عام الطفولة، وعلى أثرها صدرت تشريعات كثيرة في الكثير من الدول".
"بدء من أمريكا في العام (79) وانتهاء في العراق عندما بدأ المشرع العراقي يلتفت إلى ضرورة أن يفرد أحكاما خاصة بالأطفال، سواء عندما يكونوا ضحايا أو يكونوا هم مرتكبي بعض الأفعال التي تعد جرائم أو ما إلى ذلك، ولذلك صدر عندنا قانون رعاية القاصرين الذي يحمل الرقم (97) لسنة (1980) النافذ حاليا، وقانون رعاية الأحداث (76) لسنة (1983) النافذ حاليا، والأمم المتحدة بعد ذلك أصدرت اتفاقية حقوق الطفل لعام (1989)، انضم لها العراق وصادق عليها بقانون رقم (3) لسنة (1994)، وأصبحت جزأ لا يتجزأ من القانون العراقي، وفيها أحكام كثيرة لرعاية الحدث وتحرم كل أشكال العنف ضد هذا الحدث".
"لذلك المادة (19) من هذه الاتفاقية ألزمت الأجهزة الإدارية والتشريعية في كل الدول، إن تتخذ الإجراءات التشريعية والإدارية اللازمة، التي من شانها أن تحد من كل أشكال العنف داخل الأسرة والمجتمع، وبالتحديد ذلك العنف الموجه ضد الأطفال، والعراق صادق على الاتفاقية بكل فقراتها وتحفظ على فقرة واحدة، وهي واردة في المادة (14) وتتحدث عن حق الطفل في تغيير دينه، وهذه الفقرة تخالف الشرع الإسلامي المقدس".
"صدر أيضا قانون لمجلس قيادة الثورة المنحل (272) لعام (1982)، فشكل (هيئة الطفولة) وجعلها إحدى دوائر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ولا زالت هذه الدائرة عاملة لحد هذه اللحظة، وهناك مشروع قانون لهيئة الطفولة وهو لا زال في أدراج مجلس الوزراء ولم يرسل لمجلس النواب، وأرسل فقط إلى مجلس الدولة العراقي لغرض التدقيق، وقد اعترضت عليه الكثير من المنظمات بما فيها منظمة الأمم المتحدة لأنه قاصر، ولم يحتوي على كل الأحكام اللازمة لمنع ظاهرة العنف ضد الأطفال، وبالتحديد إعادة النظر بالهيكلية القانونية الخاصة بحماية الطفولة في العراق من كل أشكال العنف".
"العنف قد يكون عنفا ماديا أو قد يكون من نوع آخر، فالعنف قد يكون في الأسرة وفي المجتمع وفي المدرسة، والدستور العراقي الذي هو من أسمى القوانين تناول هذه المسالة بالبحث وافرد لها أحكاما، ففي المادة (29) و المادة (30) منه، أوقع على كل مؤسسات الدولة العراقية أن تكفل الأسرة على اعتبارها هي الوحدة الاجتماعية والخلية الأولى الأساسية للمجتمع، وبالتالي على الدولة أن تكفل قيم تلك الأسرة (الوطنية/ الدينية/ الأخلاقية)، وكذلك تكفل الدولة للمرأة وللطفل الضمان الاجتماعي".
"وكذلك منع المشرع الدستوري في البند (الرابع) من المادة (29)، كل أشكال العنف في المدرسة وفي العائلة والأسرة وفي المجتمع، وهذا يوقع على السلطة التنفيذية والتشريعية التزام أن تمنع كل أشكال العنف، الذي يقع سواء في المدرسة أو في الأسرة أو في المجتمع العراقي، والسبب هو وجود التزام دستوري من قبل الدولة العراقية لمنع العنف منعا قاطعا، وبالتالي لابد أن تتحرك هذه الهيئات وهذه السلطات، فلو أردنا أن نحصر البحث في زاوية ونقول من المسؤول فعلا عن درء العنف عن الأطفال في العراق".
"هنا سيبرز لدينا دور ثلاثة وزارات وهي ( وزارة الداخلية/ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية/ وزارة العدل)، وأيضا هناك وزارة أخرى كـ(وزارة التربية/ وزارة الصحة) لهما دور، ولكن ليس كدور الوزارات الأخرى، فمثلا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هي مختصة في تطبيق قانون رعاية القاصرين، وهناك التزامات عديدة وردت في المادة (24) حيث تخصص دور تعنى بالأطفال الجانحين، الذين يرتكبون بعض الجرائم فيودعون في وزارة العمل والشؤون الاجتماعي وبمؤسسات خاصة، لغرض إصلاحهم والقضاء على آفة العنف التي تولدت في نفوسهم لسبب أو لأخر".
" في حين وزارة الداخلية ملزمة بتطبيق أحكام القانون ومن ضمنها قانون العقوبات العراقي، فعلى سبيل المثال هناك المادة ( 383) تتحدث عن عقوبة الحبس لفترة لا تزيد عن ( ثلاثة) سنوات لولي أمر الطفل، الذي يستعمل العنف ضد الطفل وسواء كان هذا العنف (لفظي/ مادي/ معنوي)، وذلك من اجل أن يقوم هذا الطفل أو هذا الحدث بعمل من أعمال البغاء أو استغلاله اقتصاديا أو استغلاله جنسيا أو أشياء أخرى، وهذا بذرة من بذور العنف التي نشهدها في مجتمعنا، فبعض أولياء الأمور أما يكون مساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة، بالعنف الذي يكون ضحيته الطفل، وبالتالي تستشري هذه الظاهرة يوما بعد آخر".
"أيضا قانون رعاية القاصرين وضع لنا أحكام جميلة جدا، خاصة تلك الفقرة التي توصي بسحب الحضانة من الوالدين أحيانا، فعندما لا يكونون هؤلاء مؤهلين لاحتضان الطفل، فمن الضروري أن تسحب الحضانة منهم، وهذا الأمر يتم من خلال المراقب الاجتماعي أو الباحث الاجتماعي، الذي بدوره يكون مراقب على بعض الأسر التي فيها قاصرين، فإذا وجد الأسرة التي يعيش فيها القاصر تمارس عليه نوع من أنواع العنف، فلابد أن يطلب إسقاط الحضانة عن تلك الأسرة، ويطلب ضمه إلى أسرة أخرى كان تكون من أقاربه، أو الدولة تتكفل بوضع هذا الطفل بأحد دور الحضانة التابعة للدولة".
"وبطبيعة هذا الحال هناك لجنة مختصة في الوزارة، وهناك مجلس للقصرين يرأسه وزير وفيه أعضاء كثر، أيضا لو رجعنا لقانون حماية الأحداث (76) سنجد مجلس يرأسه وزير العدل وهناك لجان ودور للباحث الاجتماعي، وهناك استقصاء ونوع من التدابير الاحترازية، للحد من جنوح الحدث نحو الجريمة، وسبب ذلك الجنوح هو العنف، عموما نحن لدينا قوانين، ولكن هذه القوانين تحتاج لإعادة النظر، وأيضا نحتاج أن نحذو حذو بعض الدول، التي وحدت القوانين وجعلتها تحت عنوان واحدة وهو (قانون الطفولة)، ففي هذا القانون رعاية للطفل وفيه ضمانات لحياة هذا الطفل، وفيه أيضا رقابة على الأولياء وعلى الأوصياء، وهؤلاء ليسوا منزهين، بل ربما هم سبب رئيس لجنوح هؤلاء الأطفال، وهذا يأتي من جراء ممارستهم غير السليمة للعنف ضد الأطفال، أما لأسباب ذاتية أو سيكولوجية أو لاختلالات عقلية أو نفسية لدى الأب أو الأم، أو لعله هناك ثم أسباب أخرى كالأوضاع المالية أو البطالة أو غيرها، لذلك نحد الدولة اليوم ملزمة للتحرك باتجاه أن تسن قانون يحد من هذه الظواهر، التي بدأت مستوياتها مستويات مخيفة ومرعبة، خصوصا بعد هجوم داعش على البلد في العام (2014)، وأصبح لدينا جيل جديد من الأطفال اليتامى المعرضين لكل أشكال الاستغلال أو العنف في المجتمع".
"أيضا قانون العمل العراقي (35) لسنة (2015) تكلم عن عمالة الأطفال، وهذا باب كبير يجب أن يغلق بوجه العنف ضد العمالة أي عمالة الأطفال، فاليوم عندما نزور الحي الصناعي في بعض المحافظات نجد الأطفال يعملون معاملة جدا قاسية، وبالمقابل أعين الحكومة والمسؤولين مغمضة عن هؤلاء، وهذا ملف جدا خطير، خصوصا وأن هؤلاء الأطفال يمارس ضدهم العنف اللفظي والجسدي من قبل الكبار، وهذه كلها مخاطر جمة تواجه المجتمع العراقي، ولعله لا نخطأ التوصيف إذا قلنا هذه الملفات هي قنابل موقوتة، وربما تكون مشاريع مستقبلية لمجرمين ومنحرفين ولأناس يمارسون العنف والتسلط على الآخرين".
وللخوض أكثر في تفاصيل هذا الموضوع نطرح السؤالين التاليين:
السؤال الأول: من المسؤول عن استشراء الظاهرة محل الدراسة؟
جميع مؤسسات الدولة مسؤولة عن هذه الظاهرة
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتبر "الطارئ الذي تعرضت له قضية تعنيف الأطفال هو البعد الإعلامي، سابقا كانت ممارسة العنف وسواء كان (لفظي/ جسدي/ معنوي/ ماي) ضد الأطفال، هو يتم بشكل واسع لكنه غير ظاهر ويتم التعتيم عليه، ما حصل في الوقت الحاضر أن القضية أصبحت مرصودة، من قبل الإعلام ومن قبل منظمات المجتمع المدني".
أضاف الحسيني "لكن في ظل التطورات الحاصلة في ميدان الثقافة والمعرفة، أصبحت هذه القضية قضية مشينة، كونها تتم ضد فئة اجتماعية تتسم بالبراءة ولا ذنب لها، وكل ما يصدر من الأطفال من سلوك مشين سببه أولياء الأمور، هم من زرعوا في هذا الطفل السلوكيات الخاطئة التي يعاقبونهم عليها، بالتالي فان المسؤولية عن ازدياد هذه الظاهرة تكاد تكون تكافلية وتكاملية، فكل مؤسسات الدولة مسؤولة عن هذه الظاهرة".
يكمل الحسيني "(النظام السياسي/ النظام التعليمي/ نظام الخدمات) كلها مسؤولة عن تنامي هذه الظاهرة وازديادها بشكل مخيف، لكن احمل بالدرجة الأساسي المسؤولية على (وزارة التربية)، هي التي تضع النظام التربوي والنظام المعرفي، الذي يحصن الأسر ويضع نظام لتنظيم الأسرة وضبطها وتقليل حالات العنف الأسري، التي تستهدف الأطفال وأحيانا عنف الاجتماعي ضد الأطفال".
يضيف أيضا "لا يخفى أن وجود القوانين والقواعد والعقوبات، التي تفرض على من يمارس هذه الظاهرة لا تكفي أحيانا، فإذا لم نحصن الفكر والعقل الإنساني ونزرع فيها قناعة تامة، بان هذه الظاهرة مرفوضة شرعا، عرفا، قيميا وإنسانيا، عندها قد تكون القوانين غير كافية وغير مجدية لمنع هذه الظاهرة والحد منها".
جميع الأزمات تبدأ من هذا الموضوع وكل الحلول
- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى "موضوع العنف ضد الأطفال هو من الموضوعات المهمة والمهمة جدا، التي يجب الخوض فيها، والسبب لان جميع الأزمات تبدأ من هذا الموضوع، وكل الحلول أيضا تبدأ من هذا الموضوع، فاليوم عندما نتكلم عن الأزمات التي يعاني منها المجتمع، وهي نتاج للسلوكيات والقيم التي تربى عليها المجتمع، فالنتائج الأخلاقية السيئة التي تنشأ لدى الطفل تبدأ من العنف".
أضاف معاش "العنف يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى (النفاق/ الكذب/ الانتهازية/ التلون)، كافة الأمراض الأخلاقية هي تنشئ من الخوف، لذلك نحن لا نحس بعمق هذه الظاهرة التي نحن جزء منها، الشيء الآخر لا يوجد شيء اسمه (العنف المشروع) فالعنف مطلقا مرفوض، فالأب عندما يستخدم الألفاظ السيئة أو الضرب هل هذا مشروع، ففكرة التأديب على سبيل المثال فيها مصلحة للطفل، فكيف يكون الضرب فيه مصلحة للطفل، لذلك تجد الطفل ومهما تقدم به العمر يتذكر الصفعة او الضربة التي مارسها ولي الأمر ضده فيحس بالمظلومية".
يكمل معاش "بل، الكلمة ربما تحدث شرخا في قلب الطفل، وهذا ما أشار إليه رسولنا الكريم (ص)، بالتالي فالتأديب المقصود منه هو غير العنف، خصوصا وأن التأديب سلوك يمارسه ولي الأمر، من اجل أن يرعى مصلحة الطفل كي يتربى تربية سليمة، أما بخصوص من هو المسؤول عن هذه الظاهرة أي ظاهرة العنف ضد الأطفال، فهي مجموعة القيم المتوارثة هي التي تجعل المجتمع يقتنع بضرورة استعمال العنف ضد الطفل، وهذا خطأ كبير ولا يعتبر تأديبا، بل ربما يجعل الإنسان متأزما نفسيا ومريضا نفسيا، مشكلة الأب انه لا يملك الوقت الكافي لاحتضان الطفل، بالتالي هو يتجه نحو الضرب على اعتباره قيمة مهمة لتوجيه الطفل وتربيته".
أضاف أيضا "الكراهية والحقد والثأر الذي يترسخ في داخل الإنسان عندما يكبر، هو نتيجة للعنف الذي واجهه الطفل في طفولته، لذلك فان بناء التسامح والتعايش والسلم والتوازن والاستقرار تبدأ من مرحلة الطفولة، بالتالي فان مجموعة القيمة الخاطئة الموجودة في داخل المجتمع، هي التي عززت وجود وظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق".
من اخطر الانتهاكات ضد الإنسانية
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى "إن ظاهرة العنف التي تمارس ضد الأطفال هي من اخطر الظواهر وأكبرها فداحة بحق الإنسانية، خاصة وإن فترة الطفولة التي يعيشها الطفل تبقى عالقة في ذاكرته الإنسانية، ومهما كان ذلك السلوك سيئا أم جيدا، بالتالي أي شخص قد يتذكر سلوكيات معينة، كأن تكون كلمة او فعل وسواء كانت تلك الكلمة أو الفعل صادرة من الأب أو الأم أو المعلم، عندها يكون الإنسان أمام مفترق طرق فأما ذكريات جميلة وأما ذكريات سيئة، وفي كلا الأمرين تتشكل هناك ردود أفعال مقابلة".
أضاف جويد "وحتى النظام الإسلامي عندما جاء أراد أن يرفع الحيف والظلم عن الطفل، وهذا واضح من خلال النص القرآني الذي يتمثل حالة وأد البنات، والحجة إنها تجلب العار وهي غير منتجة، بالتالي لا يوجد مبرر لزج الأطفال في سوق العمل في أعمار مبكرة تحت ذريعة كسب لقمة العيش والفاقة، بالإضافة إلى ذلك فالعنف اللفظي هو أقوى من العنف الجسدي ضد الأطفال، والسبب لان الكلمة قد تبقى في ذاكرة الإنسان لفترات زمنية طويلة، وهي قد تلغي شخصية الإنسان مستقبلا".
يكمل جويد "مشكلتنا اليوم تتركز حول اتساع دائرة العنف ضد الأطفال، فنجدها على سبيل المثال في المدارس، وبالتالي جاءت التعليمات الإدارية في وزارة التربية قاسية للحد من هذه الظاهرة، وفعلا تم وضع بعض التعليمات القاسية التي اعترض عليها بعض المدرسين وحتى أولياء الأمور، وذلك على اعتبار أن الطالب أو الطفل لابد أن يؤدب من قبل المعلم، رغم ذلك بعض إدارات المدارس وبعض المعلمين الذين لديهم عقد نفسية تجاوزوا هذه القضية".
أضاف أيضا "وهذا ما تم رصد قبل أكثر من سنة حيث أقدم معلم على ضرب طفل وفارق الحياة، فالآن هذه القضية أصبحت ظاهرة وليس حالات فردية، لذا فبعض الأسر هي التي تعنف أطفالها بالضرب المبرح، وخير شاهد على ذلك وفاة تلك الطفلة قبل أيام من جراء اعتداء الوالدين عليها، لذا لابد أن نخرج بحصيلة من اجل تلافي إشكالية العنف ضد الأطفال".
مجتمع متوحش
- الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يرى "إن ظاهرة العنف ضد الأطفال هي ليست ظاهرة فردية في العراق، وإنما هي ظاهرة اجتماعية عامة وهي لن تظهر اليوم، بل هي ظاهرة متأصلة في الثقافة العامة للمجتمع، فهناك عنف يمارسه المجتمع وعنف تمارسه الأسرة وعنف تمارسه المدرسة، وعنف تمارسه الكتاتيب أي قبل ظهور النظام المدرسي، وعنف يمارسه (المسجد/ الكنسية/ المعبد) ويمارسه المجتمع بشكل كامل ضد الأطفال".
أضاف العرداوي "فمن منا لم يتعرض للضرب في طفولته على يد (الأب/ الأم/ المعلم/ الأخ الأكبر/ الأقارب)، وحتى من قبل رجل المرور او من قبل جندي أو من الشارع، فنحن مجتمع متوحش، فاليوم عندما نتحدث عن الأطفال نحن نتحدث عن الفئة العمرية الأكثر براءة في المجتمع بل في كل الإنسانية، هذه الفئة العمرية لا علاقة لها بالأديان وتنوعها، ولا بالأفكار واختلافها، ولا بالأعراق والاثنيات ومراجعها، وإنما فئة عمرية ملائكية، فعندما تتعرض هذه الفئة العمرية في المجتمع لمثل ما تتعرض إليه من عنف".
يكمل العرداوي "هذا دليل على أن المجتمع لا يطيق البراءة ولا يطيق الطهارة، هذا المجتمع متوحش اتجاه البراءة، ولذلك عندما يخرج مصلح ليصلح المجتمع يتعرض لعنف شديد جدا، بالتالي فان الأسباب التي تجعل العنف سائد هي أسباب اجتماعية وأسباب قانونية".
توحش بسبب القيم المتوارثة
- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، قال "توحش المجتمع جاء بسبب القيم المتوارثة التي يحملها المجتمع، أيضا عدم كفاية الدخل تجعل رب الأسرة أمام امتحان زج الأطفال في سوق العمل، وهذا مما يعرض هؤلاء الأطفال للعنف، الشيء الثالث غياب النص التشريعي وضعف السلطة التنفيذية هي التي أسست لظاهرة العنف ضد الأطفال".
ضعف إنفاذ مؤسسات القانون
- الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يأسف "إننا نتكلم عن ظاهرة وليست حالات فردية، خصوصا ونحن أمام منظومة قيمية وإنسانية واجتماعية ودينية، فهناك تناقض كبير وواسع، الإسلام كنظرية وضع منظومة إنسانية كبيرة تراعي وتهذب وتنصح وتستفز قدرات الإنسان بكل مراحل عمره، في العراق هناك عوامل أساسية تغذي هذه الأسباب".
أضاف السرحان "بشكل عام هناك أسباب (سياسية/ اقتصادية/ اجتماعية/ عمرانية/ نفسية/ اختلالات اجتماعية)، هذه العوامل هي من تسبب هذه الظاهرة، لكن من يغذي هذه الظاهرة هي ضعف إنفاذ مؤسسات القانون، خصوصا وإن الإطار التشريعي هو إطار راقي ولا باس به، أيضا لابد القضاء على كل الأسباب، أيضا يمكن وضع اللؤم على وزارة التربية وعلى المؤسسات التعليمية في العراق".
السؤال الثاني: كيف يمكن تجاوز آثار هذه الظاهرة السلبية على الأسرة ومستقبل الطفل؟
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، قال "إذا كانت نظرية الترغيب والترهيب والوعد والوعيد في تنشئ الجيل، هي نظرية إلهية، للتربية ولزرع السلوك في الإنسان، فيفترض أن لا تستغل ولا توظف هذه القضية بإسراف، فتنقلب بالضد من الطفل ويستهدف بها الطفل، على اعتبار أن هناك تشريعات سماوية تبيح لولي الأمر، في إتباع اسلوب العنف مع الأطفال وضبطهم وتربيتهم، بالتالي أي مبالغة أو إسراف في هذا الموضوع".
أضاف الحسيني "هو سينعكس سلبيا على نفسية الطفل وعلى سلوكه المستقبلي، لذا فهناك ادوار في هذه القضية، وهي تبدأ من الأسرة حيث يوجد ما يسمى بتنظيم الأسرة، فالأسرة في الكثير من جوانبها تفتقد إلى قضية التنظيم، حيث تحيى وكان القضية فوضوية وعبثية ولا نلاحظ إتباع الاسلوب التربوي والثقافي والمعرفي في تنشئة الأطفال، ابتداء من عدد الأطفال وانتهاء بعدم تربيتهم ومتابعتهم ونشاطاتهم اليومية، فهذه كلها تندرج تحت يافطة غياب تنظيم واعي للأسرة".
يكمل الحسيني "أيضا من الأمور الأخرى التي نتجاوز من خلالها هذه القضية وآثارها السلبية، فنحن بحاجة إلى نشر ثقافة التربية الصحيحة والقائمة على الأسس الدينية والتربوية، ابتداء من المدرسة والأسرة وانتهاء بالأعراف والقوانين والتقاليد ووصولا بالمجتمع، وحتى خطباء المنابر والمؤسسات الدينية، ويقع على عاتقها دور جدا مهم ومؤثر في تنشئة النفس البشرية، بالنتيجة تبقى منظومة التربية والسلوك في مختلف جوانب الإنسان ومرتبطة بالنظام القيمي العام في الدولة".
أضاف أيضا "ولا يمكن أن نفك هذه المنظومة عن النظام السياسي والقانوني والخدماتي والاقتصادي، فإذا كانت كل هذه الجوانب وكل هذه الأنظمة تعاني من فوضى حقيقية، فبالتأكيد ستترك آثار سلبية على النظام التربوي والتعليمي في أي مجتمع كان، كما يجب أن نكثر من مراكز إعادة التأهيل، خصوصا للأطفال المعنفين الذين يعيشون حياة قاسية لفقدان أسرهم وأولياء أمورهم، بالتالي لابد أن نتبع خطوات من شانها إعادة الثقة في نفوس هؤلاء، حتى يعيد الثقة في نفسه وينظر للمجتمع نظرة أخرى، من اجل أن لا يكون في المستقبل هو مشروع إنسان مجرم أو خطرا على المجتمع".
- الشيخ مرتضى معاش، يوصي "الآباء بعدم ممارسة العنف الذي يعتبر قيمة اجتماعية مستشرية، وحتى فكرة الوعد والوعيد هي عبارة عن نصيحة وحوار مفتوح، بالتالي من الأفضل لنا نحن كمؤسسات بحثية ومراكز دراسات، إن نتحرك لبناء ثقافة الحوار في المجتمع، الشيء الآخر أن نموذج القصة التي اعتمد عليها الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي، كانت نموذجا ناجحا لتعزيز حالة التربية، كذلك لابد ان تكون لدينا دراسات مستمرة تصب في خانة استكشاف عوامل العنف وعناصرها، ووضع الحلول لحل هذا العنف القيمي".
أضاف معاش "انا شخصيا ممن يؤمن باللاعنف المطلق، وذلك لان الإنسان كائن عاقل فلا يمكن قمعه، بل لابد أن يتم إقناع الإنسان بالحوار وبالنقاش، لذلك فان حالة التمرد التي يقوم عليها الإنسان اليوم هو نتيجة للخزين الكبير من الاضطهاد والقمع، فالإنسان في طبيعته كائن حساس جدا، فعندما يتعرض للقمع تستقر في ذاكرته لسنوات طويلة، كذلك على حكومة الدكتور عادل عبد المهدي أن تضع الخطط والبرامج لمعالجة تلك الظواهر الاجتماعية الخطرة".
يكمل معاش "فنحن منذ (15) عام وإلى الآن، والبرنامج الحكومي غير قادر على تعزيز الأمن الاجتماعي والقضاء على الإرهاب والقضاء على الفقر، هذه كلها استراتيجيات أساسية لابد العمل عليها، فلنبدأ من الطفل في عملية البناء الاجتماعي، كذلك لابد أن نتمسك باللاعنف المطلق، فالقوة لا تعني العنف بل هي القدرة على إقناع الناس، والإمام علي عليه السلام قال (... حزما في لين...)، أي نحتاج أن نبني إنسانا منضبطا ومسؤولا، وهذا يأتي من خلال الحزم أي النظام، بالإضافة إلى استخدام الإقناع أي اللين".
- الحقوقي احمد جويد "اورد الحديث النبوي الشريف ((اتركه سبعاً وأدّبه سبعاً وصاحبه سبعاً)، والتأديب هنا لا يعني العنف، فحينما يقول رسول الله (ص) (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، فلا يعني الضرب بل التعليم، بالتالي نحن ملزمين على تربية أبناءنا وفق المنظومة الأخلاقية الصالحة وبالأسلوب الأمثل، على الجانب الآخر من الضروري جدا على كل مدرسة وجود مرشد نفسي يتابع الأطفال في المدرسة".
- الدكتور خالد عليوي العرداوي، يعتقد "المعالجات المطلوبة لظاهرة العنف تكمن في أربعة محاور أساسية، المحور الأول هو الكرامة الإنسانية، فعلينا أن نؤمن بان الإنسان وبغض النظر عن أي شيء فهو يتمتع بالكرامة الإنسانية، فإذا أصبح لدينا إيمان بالكرامة الإنسانية، ينتج عنها ايمان بكرامة الطفل، المحور الثاني صياغتنا للقوانين مجروحة فيجب إعادة النظر بالقوانين النافذة وصياغة قوانين جديدة، المحور الثالث هي قضية التربية والتعليم، المحور الرابع في المجتمع هناك مشكلات اجتماعية وثقافية واقتصادية، هي التي تحدد خيارات المجتمع الثقافية والسلوكية، بالتالي القضية معقدة وهي تحتاج لآليات كبيرة لمعالجة هذه الأزمات".
- حامد عبد الحسين الجبوري، يتصور "إن الأمر مرهون بقضية تفكيك القيم المتوارثة، وهذا يتم من خلال عقد العديد من المؤتمرات والحلقات والندوات حتى نشيع ثقافة الحوار مع الاسرة ومع الابناء، الجانب الاخر يتعلق بالبناء أي بناء المؤسسات التربوية والتعليمية".
- الإعلامي إمام قاسم، يعتبر "وزارة التربية العراقية هي اسم على غير مسمى، فالأبناء عندما يذهبون إلى المدرسة وبمختلف المراحل لا يلقون التوجيه المناسب، كذلك لابد أن يعطى المعلم مرتبا مجزيا كي يطور من أداءه التعليمي والتربوي".
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، يعتقد "إن الأمر بحاجة إستراتيجية وبحاجة إلى حلول قصيرة الأمد وطويلة الأمد، الإستراتيجية هي من مسؤولية الحكومة للحد من ظاهرة العنف بشكل جمعي، الحلول قصيرة الأمد منها على سبيل المثال بث برامج تلفزيونية توعوية وإرشادية، أيضا على الجانب الاقتصادي فجزء من العنف يأتي بسبب ضعف مستويات المعيشة، لذلك نرى استفحال العنف نجدها في المناطق الفقيرة، بالتالي على الدولة معالجة الوضع الاقتصادي لدى المجتمع".
- أ.م.د حسين أحمد السرحان، يعتبر "الحياة في العراق قاسية جدا، وهذا مما ينعكس بصورة مباشرة على سلوكيات الناس، فاليوم عندما تراجع أي دائرة من دوائر الدولة الرسمية تتعرض للإهانة وللمعاملة السيئة، بالتالي حتى العنف ضد الأطفال هو نتيجة لسبب اعم واشمل، لذا نحن نحتاج لتمكين الأطفال وتمكين المجتمع بشكل عام".
أخيرا يتحدث، المتحدث الإعلامي لجهاز مكافحة الإرهاب، يصف "جرائم خطف الأطفال التي حدثت في العام (2009/2010)، بأنها جرائم إرهابية كونها تستخدم لتمويل الإرهاب، الآن ما يخيفنا هو الجيل الثالث او ما يسمون اشبال الخلافة، هؤلاء تشبعوا بعمليات القتل والاغتيال، إلى جانب ذلك المجتمع العراقي هو مجتمع عسكري ومتفكك، ناهيك عن توفر السلاح على المستوى الشعبي والجماهيري، ناهيك عن ذلك أطفال العراق أنفسهم يميلون نحو اللعب بالرشاشات والمسدسات والمفرقعات، بالتالي نحن أمام ثقافة شعبية اكتسحت الوعي الشعبي للمجتمع".