تعد (المساءلة) كمفهوم حجر الأساس بالنسبة للإدارة العامة، والمساءلة تعني (الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة، حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم، وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول بعض المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش).كما تعرف هيئة الأمم المتحدة المساءلة بأنها (الالتزام من قبل المسؤولين في القطاعين العام والخاص بالقواعد التالي: توضيح كيفية تنفيذ الدائرة لمهامها ومبررات القرارات التي تتخذها، والتفاعل المباشر مع الانتقادات والمطالب التي تقدم إليها، وقبول جزء من المسؤولية عن الأخطاء التي تقع أو الفشل الذي ينتج عن تلك القرارات، ووجود آلية واضحة تتيح للمواطنين التحقق من التزام الدائرة بمهامها على الوجه المخطط له، ووجود آلية واضحة للتعامل مع الأخطاء أو الفشل).كما يقصد بها (تمكين المواطنين ذوي العلاقة من الأفراد أو المنظمات الحكومية أو غير الحكومية من محاسبة ومراقبة العاملين في القطاع العمومي، يتم بواسطة الإجراءات والأدوات والآليات الملائمة التي لا توقف العمل أو تعطله أو تسيء إليه).وتأخذ المساءلة ثلاثة أبعاد هي:1. مساءلة قانونية: أي مطابقة تصرفات الأفراد مع بنود القانون في الأعمال التي يقومون بها، فإذا ثبت وجود تجاوز للقانون ترتب عليه ضرر جرمي، ويحاسبون وفق ما ينص عليه القانون لدى الجهات القضائية.2. مساءلة إدارية: وتعني تعرض الأفراد العاملين في المؤسسة الحكومية للفحص والمتابعة والتقويم المستمر لمدى إلزامهم بأحكام وقواعد الإدارة السليمة الذي يقوم به أفراد أعلى منهم درجة في سلم الهرم الوظيفي للمؤسسة أو الوزارة.3. مساءلة أخلاقية: وتعني مقاربة الأعمال التي يقوم بها الشخص مع القيم الأخلاقية التي يجب الالتزام بها مثل الأمانة في العمل كعدم قبول الرشوة، وعدم العمل لاعتبارات الواسطة، والمحسوبية، والصدق في القول، والعدالة في المعاملة، وعند ثبوت تجاوز الشخص لواحد أو أكثر من هذه الصفات الأخلاقية في عمله يستدعي محاسبته من قبل الجهات المسؤولة عنه.يأتي مفهوم (مساءلة المسؤول) عن أعماله المكلف بها على مستوى الوظيفة، ثم محاسبته، من فكرة مفادها: أن يخضع كل من حصل على تفويض من جهة معينة بصلاحيات وأدوات عمل، للوقوف أمامها للإجابة عن كيفية استعمال الصلاحيات، وإدارة الموارد التي وضعت تحت تصرفه. أي أن المساءلة تعني واجب المسؤولين عن الوظائف (سواء كانوا منتخبين أو معيين) أن يقدموا تقارير دورية عن عملهم وسياستهم ونجاحاتهم في تنفيذها.ومن الأمثلة على تطبيقات آليات (المساءلة) ما تنص عليه معظم الدساتير في العالم فيما يتعلق بإلزام الحكومة بتقديم تقارير دورية عن أعمالها الكبرى أمام المفوضين من الشعب، وبمساءلة الجمهور لممثليه بواسطة الانتخابات الدورية، وبقيام الجهات التنفيذية في المنظمات الأهلية بتقديم تقارير دورية للهيئات العامة، إضافة إلى دور المواطن ودور الإعلام في إعداد التقارير وتقديم الأسئلة للمسؤولين.ولا ريب أن (المساءلة) إحدى أهم وسائل الرقابة البرلمانية شيوعا، حيث يمارس أعضاء البرلمان دورهم في مساءلة المسؤولين التنفيذيين عن طريق الاستجواب، وذلك عبر طرح مجموعة من الأسئلة التي ينبغي للمسؤول المستجوب الإجابة عليها، وإقناع أعضاء البرلمان بصحة أجوبته. ويجدر التنويه إلى أن الاستجواب لا يعني مجرد الاستفسار فقط، كما هو الحال بالنسبة للسؤال، بل تحمل أحيانا معنى وجود شبه الاتهام تمهيدا للمحاسبة. أي أن المساءلة لا تعني مجرد السؤال، بل ترتبط بالمحاسبة ارتباطا وثيقا، فهي تعني خضوع الأشخاص الذين يتولون مناصب عامة للمحاسبة عن أعمالهم نتيجة للفحص والمساءلة من قبل المسؤولين عنهم في المناصب العليا، مثل الوزراء ومن هم في مراتبهم، مما يتطلب أن يكون العضو المستخدم لهذه الوسيلة واثقا تماما من معلوماته المدعومة بالمستندات والوثائق الرسمية، وأن يكون ملما بالأبعاد القانونية والدستورية التي تقوي موقفه.وعلى هذا الأساس، يمكن للمواطنين أيضا مساءلة الإدارة العامة من خلال ما يتمتع به المواطنون في ظل نظام ديمقراطي من قدرة عالية على مساءلة الإدارة العامة من أجل تحقيق هدفين: يتمثل الهدف الأول: في تحقق الإنصاف من موظفي الخدمة في حالة الإضرار بمصالحه، وذلك بسبب اتخاذ قرار غير قانوني أو سوء الإدارة ، وفي هذه الحالة يستطيع المواطن مساءلة الإدارة العامة باللجوء إلى المحاكم المدنية والمطالبة بالإنصاف طبقا للنظام أو القانون الإداري أو المدني، ويظهر من ذلك أهمية عامل استقلالية القضاء ما يعطي السلطة القضائية القدرة على إنصاف المواطن ومساءلة الإدارة العامة.ويتمثل الهدف الثاني: في مساءلة المواطن للقطاع الحكومي حول سوء الإدارة الذي يسبب القصور في جوانب بعض الخدمات العامة المقدمة للجمهور، وبهذه الحالة تكون مساءلة المواطن للإدارة العامة من خلال جماعات منظمة أو من خلال الانضمام إلى منظمات المجتمع المدني المختلفة وممارسة المساءلة من خلال عضويته فيها، ويكون ذلك باللجوء إلى المحاكم أو من خلال ممثليهم في البرلمانات أو مجالس الشورى أو استخدام وسائل الإعلام المختلفة من خلال توجيه الملاحظات الانتقادية على الرغم من أنها ليست مساءلة ذات اثر مباشر إلا أن تراكمات هذا العمل قد تؤدي إلى تنشيط صورة أخرى للمساءلةولذلك، تعد آلية المساءلة إحدى أهم أدوات الرقابة في إطار مكافحة الفساد، فهي تعد معيارا ضابطا للأداء الحكومي، وأداء تقويمية للأشخاص العاملين في مؤسسات الدولة المختلفة، عندما تتم محاسبتهم من قبل الهيئات المخولة بذلك رسميا، أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرأي العام للحد من الخروقات والانحراف في عمل الحكومة التي قد تحيد عن مسارها الصحيح، إذا ما ضعفت أشكال المحاسبة أو جرى الحد منها عمدا.انطلاقا من ذلك، توجـد هـناك علاقـة قويـة بين المساءلة والفساد الإداري، ففي الحالات التـي يغيـب فـيها نظـام المساءلة أو يكون غير فعال، تزداد فرص حدوث الفسـاد الإداري، بـل إن غـياب المسـاءلة يشـجع علـى حـدوث الفساد الإداري. وفي بعض المؤسسات توجد نظم واضحة للمساءلة، غير أنه يوجد أيضاً أفـراد لديهم مهارات عالية في تغطية أنشطة الفساد التي يقومون بها، وبذلـك يهـربون مـن المسـاءلة. وتتطلب مواجهة الفساد في تلك الحالة تطوير نظم المساءلة الموجودة وزيادة فعاليتها. وفـي بعـض الأحيان يتخلف الموظف العام عن أداء مهام وظيفته وتقديم الخدمـة لجمهـور المتعاملين خشية الوقوع في الفساد أو ارتكاب أخطاء معينة تكون فيما بعد موضعاً للمساءلة. وفي مثل تلك الحالات يجب إلا يقتصر نظام المساءلة على محاسبة الموظف العام بشأن إتباع اللوائح والقوانيـن، بـل يجب أن تمتد المساءلة لتشمل مدى قيام ذلك الموظف بأداء الخدمات المطلوبة لجمهور المتعاملين.وفي كل الأحوال، أكانت المساءلة على مستوى السلطة التشريعية أو التنفيذية أم كانت مجتمعية أم إعلامية، فإنها تتطلب توافر مجموعة من العناصر والمقومات، وأهمها:1- وجود طرفين تربطهما علاقة رئيس ومرؤوس حيث يكون المرؤوس عرضة للمساءلة أمام رئيسه عما قام بأدائه من أعمال وما حققه من نتائج.2- وجود هدف (أهداف) متفق عليها مسبقا بين الطرفين.3- وجود معيار(معايير) ليتم الرجوع إليها عند قياس ما قام بعه المرؤوس من عمل.4- منح المرؤوس نوعا من السلطات والصلاحيات ليقوم بأداء ما طلب منه أداؤه ضمن الأهداف المتفق عليها.5- لا يكون الهدف من المساءلة معاقبة الموظف المقصر بالدرجة الأولى، بل توجيه وتدريبه وزيادة قدرته على الأداء من خلال تعريفه على مجالات التقصير في أداءهمع ذلك، لا يمكن القول إن مساءلة المسؤولين العموميين عن أفعالهم وتصرفاتهم الوظيفية مسائلة سهلة ومتيسرة، بل هي مسائلة صعبة وغير متاحة عند الكثير من الدول، لأن المساءلة والمحاسبة تتطلّب صحافةً حرة قادرة على الكشف عن سوء استخدام السلطة، ومجتمعاً مستعداً لمراقبة العمل السياسي وسلوك المسؤولين العامين، ونظاماً قانونياً مستقلاً يؤمن مقاضاة ومعاقبة المسؤولين ذوي السلوك السيئ، ويتضمن ذلك تحديد وتعريف سلطة وصلاحيات السلطات القائمة في الدولة وخاصةً السلطة التنفيذية، وذلك من أجل الحيلولة دون سوء استخدام السلطة.إضافة إلى ذلك، فإن هذه المساءلة تتطلب مجتمعاً مدنياً فعالاً لا يعزز المساءلة فقط، وإنما يعزز تمثيل وحيوية العملية الديمقراطية أيضاً، كي تقوم المؤسسات المستقلة بتفحص وكبح سلطة الدولة وتعمل على تعزيز شرعية الديمقراطية، وذلك بتقديم وسائل جديدة للتعبير عن المصالح السياسية، وزيادة الوعي السياسي وفعالية وثقة المواطنين، وخلق برامج سياسية جديدة تضمن منافسة إيجابية.نخلص مما تقدم إن المساءلة كوسيلة من وسائل الردع والمحاسبة، تحقق مجموعة من الأهداف منها:1. توجيه سلوك المكلف بالوظيفة العامة: فكلما شعر الموظف بالخدمة العامة أن ثمة شخص أو أشخاص يمكن أن يقوموا بمساءلة عن أعماله المكلف بها، على وفق النظام والخطط الموضوعة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن يترتب على هذه المساءلة محاسبة ما أو عقوبة ما، كان ذلك دافعا لهذا المكلف أن يولي اهتماما كبيرا للنتائج والمخرجات التي كلف بها، وأن يعمل على جعل النتائج المترتبة على قراراته متساوية مع الخطط المرسومة له.2. ضمانة أكيدة لحقوق المواطنين: فوجود المساءلة وشويع ثقافتها بين المسؤولين عن الخدمة العامة، يحقق ضمانة أكيدة لحقوق المواطنين، حيث أن المساءلة تدفع المكلف بالخدمة العامة إلى أن يؤدي خدماته إلى المواطن بأفضل ما يمكن دون نقصان أو أذى، وهاجس الخوف من أن عدم مراعاة حقوق المواطنين، وعدم تلبية احتياجاتهم يمكن أن تكون سببا في مساءلة ثم محاسبة ذلك المسؤول كاف لضمان حقوق المواطنين.3. أداة لخفض السلبية في الأداء: تعد المساءلة أداة لخفض السلبية في الأداء، وتخلق استعدادا مسبقا لدى العاملين للبحث، لأن المساءلة في المعنى الحديث لها تعني محاولة تشخيص مواطن الضعف والقوة في الأداء، وبالتالي استغلال وتوظيف مواطن القوة لمعرفة العوامل المؤدية للقصور في الأداء ومناقشتها.
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-2018هـ/7712421188+964http://ademrights.orgademrights@gmail.com