مع ذكرى حلول شهر محرم الحرام يوم انتصار الدم على السيف في واقعة طف كربلاء تلك الواقعة الحسينية الخالدة التي غيرت مجرى التاريخ، عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا مهما يحمل عنوان (الحق في مقاومة طغيان السلطة- قراءة في النهضة الحسينية) وذلك بمشاركة عدد من الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يُعقد بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة. افتتح الجلسة الباحث في مركز آدم الدكتور علاء الحسيني أستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون، حيث قال: "تتميز حقوق الإنسان ومنذ الأزل بطابع العالمية والأزلية، أي انها مشتقه من مثّل عليا وهذه المثل أزلية، فالقران الكريم يخاطب الإنسان فيقول، (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر)، ومن هذه الكرامة اشتقت الكثير من الحقوق والحريات على مستوى الدين الإسلامي، وعلى مستوى الأديان الأخرى والنظم الأخرى التي نشأت بعد مرحلة الأديان، هذه الحقوق كثيرة ومتعددة ومتنوعة، وبعضها منظم بنصوص شرعية وقانونية وبعضها لعله غير منظم، ولم يبرز إلى الوجود إلا حديثا لكن أصوله موجودة وتنظيمه موجود، وذلك على اعتبار أن هناك قواعد عامة منها نستطيع أن نشتق هذا الحق وهذه الحرية". "مقاومة الطغيان واحدة من هذه الحقوق، وهذا الحق في المقاومة أزلي كبقية الحقوق الأخرى، علما أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق البشرية وأودع فيها الكثير من الأسرار الكونية وهذه الأسرار تتجلى بتكريم بقية المخلوقات، لذلك لا يصح عقلا أن يكون هذا المخلوق المكرم عرضة لطغيان جهة ما واستبدادها وتعسفها عليه، لذا نجد إن الحكومات الحقة هي غايتها الإنسان ورفعته، وهنا يمكن أن نأخذ حكومة أمير المؤمنين (ع) مثلا، فغايته كانت رفع الحيف والظلم عن الإنسان، والحوادث كبيرة بهذا الخصوص خاصة حادثة النصراني الذي كان يتسول وغيرها من الحوادث"."بالتالي فإن مقاومة الطغيان أمر طبيعي، والطغيان هو أمر غير طبيعي بل هو استثناء، وهذا الاستثناء يجب الخروج عليه، لذلك أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حيث قال (إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فإذا كان هناك القبح والجمال، فالعدل جمال، والبغي قبح، لذلك نحن مأمورون بالوقوف بوجه الطغيان والتعسف والاستبداد، وهذا ما جسده الإمام الحسين (ع) حينما وقف بوجه الاستبداد والتعسف، كونه خلاف الفطرة السليمة للإنسان، التي تقتضي من الإنسان أن يكون سويا في تعامله وفي عمله"."لذا فالحاكم الشرعي ينبغي أن يتصف بخصائص ويفترض فيه أمرين: أولا: شرعية وجوده. حيث يفترض أن يكون هناك سند شرعي أو كما يسمى بالقانون الوضعي بالسند القانوني لتسلمه للسلطة، أي أن يكون الآتي لرئاسة البرلمان أو إلى رئاسة الحكومة أو الدولة أن يأتي بسند شرعي لوجوده، ولذلك يعبر القرآن (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، فيفترض بهذا الحاكم أن يكون شرعيا في وجوده، حتى من خلال هذه الشرعية نستطيع أن نحكم هل يجوز الخروج عليه أم لا يجوز، فهل كان الحاكم الأموي شرعيا؟، وهل كانت قراراته موافقة للشرع، فاليوم عندنا الشرعية هي موافقة القرارات للقانون أو الدستور، في الدين الإسلامي الدستور القرآن ومن بعد القرآن السنة، فهل كان تنصيب الحاكم الأموي عن طريق القرآن أو عن طريق سنة رسول الله (ص).ثانيا: مشروعية ممارسته للسلطة. "عرّف بعض الفقهاء الحق في مقاومة الاستبداد، تعني (مقاومة الحاكم الذي يستبد بالسلطة فيتمرد على أوامر لله عزه وجل ونواهيه ويلحق الظلم والأذى بعباده)، وهذا قريب من التعريف القانوني فالاستبداد (هو الخروج عن الشرعة القانونية السليمة وعدم احترام الحقوق والحريات الفردية أو العامة المكفولة دستوريا أو دوليا)، ولذلك يجوز عندنا في القانون مقاومة الاستبداد في هذه الحال وكذلك في الإسلام، أيضا يجوز مقاومة هذه الحالة، وعندما يكون الحاكم غير محترم لأوامر الله ونواهيه ويلحق الظلم بعباده". "لو تجردنا قليلا عن مشاعرنا كي ندقق في هذا الحاكم الذي طلب البيعة من الإمام الحسين (ع) وتفاصيل حكمه، لوجدنا أولا إنه جاء إلى السلطة بشكل غير شرعي، وذلك لان المعيار في الإسلام الأصلح هو الأكفأ في جميع المعايير لأن من يتولى القضاء والرئاسة والإمرة يجب أن يكون عالما بشرع الله وحدوده، فهل جاء هذا الحاكم في تلك الحقبة بسند شرعي إلى السلطة أم جاء بمخالفة شرعية؟". "من وجهة النظر الشخصية -والكلام للباحث- هو جاء بخلاف للقواعد السائدة، فكان هناك صلح بين الإمام الحسن (ع) وبين معاوية، وعندما تسلم الإمام الحسن(ع) الخلافة وحصل النزاع العسكري وانتهى في الصلح، في هذا الصلح تعهد معاوية انه إذا هلك تعود الخلافة إلى الإمام الحسن (ع)، وإذا توفى تعود الخلافة إلى أخيه الإمام الحسين (ع)، بالتالي معاوية خالف هذا العهد الذي يعتبر اليوم بمثابة معاهدة دولية، لذلك مشروعيته في وصوله إلى السلطة من الأساس هي غير سليمة، أيضا لابد لنا أن ننظر إلى القواعد القانونية التي كان يسنها هذا الرجل كحاكم والتي هي من المفترض أن تستند إلى قواعد شرعية كالقرآن والسنة النبوية الشريفة، هذه القواعد حتى تطاع من قبل الناس لابد أن تتطابق مع ما جاء به الرسول (ص) حينما يتكلم عن الطاعة فيقول، (على المرء المسلم السمع و الطاعة، فيما أحب و كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع و لا طاعة)، هذا الرجل كانت جل أوامره هي عبارة عن معاصي ومخالفة للشريعة وللناموس الإنساني، وكانت عبارة عن قتل وهتك للأعراض وضرب الكعبة المشرفة وهدمها، وهذا سلوكيات منافية للواقع الإسلامي فنحن إزاء حاكم مستبد"."والإمام الحسين (ع) أولى الناس بالخروج على هذه السلطة وعلى هذا الاستبداد، لأنه ربيب الشريعة الإسلامية وربيب رسول الله وسبطه وهو الذي قال فيه وباتفاق جميع المسلمين (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا)، أيضا ذكرنا الإمام الحسين(ع) بأهداف رحلته سواء من كان في المدينة وحينما طلب منه البيعة ورفض البيعة ليزيد، فقال (ومثلي لا يبايع مثله... لماذا؟ فقال يزيد شارب الخمر قاتل النفس المحترمة)، وعندها ذكر الناس بمسؤوليتهم الدينية، هذا الإنسان غير صالح لكي يتولى أمر المسلمين، أيضا في الطريق إلى كربلاء دائما ما كان الإمام الحسين (ع) يذكر الأمة من خلال خطبه المتواترة، والتي قال في احدها (من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيِّر بقولٍ ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله)."وبالعودة لمفهوم مقاومة الاستبداد، خصوصا وإن المنظرين لنشوء الدولة ومنهم منظري نظرية العقد الاجتماعي، الذين كانوا ينظرون للدولة على إنها عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم وعلى رأسهم (روسو)، فكانوا ينظرون إلى مسألة الطاعة للرئيس وهل يجوز الخروج عنها أم لا يجوز الخروج عنها، (فهوبز) وغيره من الفقهاء الذين كانوا يهادنون الملك كانوا لا يسمحون بالخروج، لكن (روسو) كان متحرر في أفكاره فكان يسمح بالخروج، فكان يقول بان الرئيس أو الملك وحينما يخرج عن العقد أو عن مضمون العقد يجوز الخروج عنه". واستكمالا لهذا النقاش وحتى نستفيد من أيام عاشوراء وذكرى شهادة الإمام الحسين (ع)، وهذه الثورة وأهدافها التي جاءت متطابقة مع فكرة الحق في مقاومة الطغيان، وكيف جسدها الإمام الحسين (ع)، وكيف قاوم الطغيان وقاوم السلطة المستبدة، وقام بثورة أحدثت أثرا إلى اليوم نتملس آثاره بمباركة إلهية، بفضل التضحية الجسيمة التي قدمها الإمام الحسين (ع) وما قادت إليه من تغيير لمفاهيم الخنوع لسلطة الحاكم المستبد، نطرح سؤالين للمناقشة: السؤال الأول: ما هي الدروس المستمدة من موقف الإمام الحسين (ع) بوجه السلطة المستبدة؟دفع المجتمع إلى تحويل فكرة مقاومة المستبد إلى فرصة للإصلاح- الدكتور حسين أحمد، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، "يعتبر أن قضية الإمام الحسين (ع) وطبيعة السياقات التاريخية والزمانية والمكانية في ذلك الوقت، كانت سياقات مغلوطة وهي بالنتيجة تؤطر بإطار أزمة (سياسية/أخلاقية/اقتصادية/قيمية/فكرية)، الإمام الحسين (ع) في ثورته في ذلك الوقت أراد أن يدفع المجتمع إلى تحويل هذه الأزمة إلى فرصة للإصلاح". أضاف احمد "وبالنتيجة ما كان يتمنى من الأجيال القادمة أن تحول هذه الثورة من فرصة للإصلاح إلى مصائب، فهناك فرق كبير بين أن نستمد من الثورة الحسينية فقط مغزى واحد، نعم ما حصل في العاشر من المحرم هو جريمة بكل المقاييس الإنسانية، لكن لا يمكن أن تحصر هذه الجريمة على انها مصيبة فقط، بل الدرس الأساسي في هذا الموضوع أن نفهم كيفية تحويل تلك الأزمة إلى فرصة، ومن ثمة الاستمرار والانطلاق نحو مسيرة الإصلاح، بدون ذلك فالحاكم المستبد يفرح كثيرا إذا لاحظ إن الشعب يحدد الثورة الحسينية في إطار المصيبة فقط". يكمل احمد "وهذا واقعا يمثل تجني وظلم كبير على الرسالة الإنسانية التي حملها الإمام الحسين (ع) للبشرية، وأيضا فيها تجني كبير على أهل البيت عليهم السلام، نعم إن استذكار المصيبة شيء جيد وأيضا الرفض للظلم، لكن الرسالة الأبعد من ذلك هي وجود رسالة إنسانية لابد من الالتفاف إليها، وذلك من اجل تحويل ظروف المجتمع من أزمة إلى فرصة، بدون ذلك لن يكون لنا أي مدرك أو فهم صحيح للثورة الحسينية".أساس الأزمات هو الفساد - الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "يرى أن أساس الأزمات التي نعيشها اليوم هو الفساد، بل الأسوأ من الفساد هو قبول الإنسان بالفساد، والأسوأ من ذلك أن تصبح قيم الفساد حالة طبيعية وتترسخ كسلوك وقيم موجودة في مجتمعنا، بالتالي فان الإمام الحسين (ع) عندما نهض، وهنا نؤكد على مفهوم النهضة كون الثورة هي تهدم وتنشر الفوضى، ولكن النهضة تعمل على إصلاح الأمة، لذا فان الإمام الحسين (ع) نهض ضد منظومة الفساد التي تمثل الطغيان بحد ذاته". أضاف معاش، "فالفساد هو الذي يخلق حالة الرضا (بالاستبداد، بالتمييز، بالعنصرية وبكل القيم السلبية التي تنشئ في المجتمع)، وبالتالي كلما زاد الفساد في المجتمع كلما زاد المجتمع تخلفا وتأخرا وازداد التفاوت بين الناس، فنلاحظ في زمان الإمام الحسين (ع) ترسخت العنصرية وحالة التمايز بين الناس، وأصبحت منظومة القيم الفاسدة هي منظومة يرضى عنها الناس وهذا عقد سلبي، في مواجهة منظومة القيم الإلهية التي هي قيم أساسية كونية مطلقة في عملية خلق توازن واستقرار وانتظام ونجاح المجتمع والكون، مثل قيم (العدالة، الصدق، السلام، الحرية). يكمل معاش، "فلا يمكن لأي مجتمع أن يعمل على عقد اجتماعي أو توافقي مع النظام المستبد، أو يعمل على جعل السرقة حلال، وهذا ما يرفضه العقل والفطرة السليمة، لذلك عندما ننظر لقضية الطغيان وتجاوز الحد، فلابد أن يكون هناك مستوى للاعتدال وللعدالة وللنظام، أي أن يكون هناك نظام متوازن قائم على حرية الإنسان وكرامته وقدرته على التعبير عن نفسه وعن أفكاره وآرائه، لذلك نقول في قضية الإصلاح التي رفعها الحسين (ع) بقوله، (إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي)". يضيف أيضا، "وهناك مطالبة أكيدة بالعدل وحق الإنسان في أن يعيش حياة كريمة، وأن لا يكون الفساد هو الوجه الذي يحكمنا (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، بالتالي يصبح الفساد منظومة كبيرة تستهلك وتستنزف كل العالم، وهذا واقعا هو الطغيان بحد ذاته فلابد من مقاومته، حتى لا يستفاد منها الحاكم السيئ والطاغية".أربعة دروس وعبر - الدكتور قحطان حسين الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية "يركز على أربعة دروس وعبر ممكن لمن يريد أن يقتدي بالإمام الحسين (ع) ونهضته الإنسانية أن يضعها في الاعتبار، الدرس الأول؛ من يريد أن يمارس دور المصلح عليه أن لا يولي أهمية كبيرة جدا لكلام المحبطين، أولئك الذين قد يكونوا منتفعين من سياسات الحكومات الظالمة، وهذه التحذيرات وهذا النصح الذي يقدمه هؤلاء المحبطين، الذين يحاولون استمرار الطغيان والظلم في الحكومات كونهم من المستفيدين من الواقع السيئ، الدرس الثاني؛ هو النهضة الإصلاحية فلابد أن تترتب عليها تضحيات، فأي إنسان يفكر في نهضة فان هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، وإنما مستقبلا أو آنيا سيواجه مخاطر جسيمة وتضحيات كبيرة، قد يكون أسهلها هو فقدان حياته، وبالتالي المسألة طبيعية جدا فان من يحاول أن ينهض، عليه أن يضع في الاعتبار أن هذا الطريق خطر وليس يسير، ولابد أن تتوفر لديه القناعات الكاملة بأنه معد نفسيا وعقائديا لمواجهة كل الاحتمالات المترتبة على هذا التصرف". يكمل الحسيني، "الدرس الثالث؛ هو عدم الثقة بمن يدعي دعم النهضة أو الثورة، لان الكثير من المجتمعات التي تعيش في حالة طغيان حاكم أو في حالة فساد أو استبداد حكومي، وصلت إلى حالة من التذمر والاستياء جعلها تؤيد أي شخص يدعو إلى الثورة، وبالتالي على من يقوم بهذه الثورة أن لا يأخذ هذا التأييد على محمل الجد بشكل مطلق، فان سمة الإنسان وسمة المجتمعات الإنسانية انها عندما ترى الأمور وصلت إلى نهايتها، ربما يتراجع عن هذه المواقف وهذا ما لاحظناه عند من أيد ثورة الإمام الحسين (ع)، وإلى من دعوه إلى القدوم إلى الكوفة وإعلان الثورة من الكوفة بوجه يزيد، لكنهم تراجعوا، أما الدرس الرابع؛ هو تهيئة كل وسائل النهضة والثورة، كي تؤدي هذه النهضة إلى الهدف المنشود وهو الإصلاح، فمجرد إعلان النهضة أو الثورة ومجرد الاستعداد لها ومجرد حصول على تأييد من هنا أو هناك، فهذا لا يكفي تحقيق المبتغى والهدف من الثورة، فكل ثورة تواجه بموانع وعقبات كثيرة، فيجب أن يأخذ بنظر الاعتبار كل من يمارس هذا الدور الوسائل التي تكفل له نجاح ثورته وإلا فستكون العواقب وخيمة، لذا نلاحظ بعض فقهاء المسلمين من هذا الجانب إنهم حرموا الثورة حتى ولو كانت ضد الظالم، ويبدو أنهم فكروا بنتائج فشل هذه الثورة لأنها ستكون كارثية على الأمة وعلى من يقوم بهذه الثورة"."هذه الفكرة تلقفتها النظم القانونية الحديثة، لذلك نجد ان الثورة الأمريكية عام (1776) وإعلان فيلاديفيا للحقوق ورد فيه نص يقول (مقاومة الطغيان جائزة)، بعدها إعلان حقوق المواطن الفرنسي الذي صدر بعد الثورة الفرنسية في المادة (33) في العام (1789)، كان ينص صراحة على أن الحقوق الرئيسية هي أربعة وهي (حق الحياة/ حق الحرية/ حق الملكية/ حق مقاومة الطغيان)، تلقفها أيضا ميثاق الأمم المتحدة في المادة (51)، الذي سمح للدول بان تدافع عن نفسها عندما تتعرض إلى مخاطر يهدد وجودها ومصالح المعتبرة، بعدها الإعلان العالمي لميثاق حقوق الإنسان، بعدها قرارات مجلس الأمن التي تخص الاستعمار"."اليوم بعض الدول (كالاكوادور) وغيرها نجدها تنص صراحة في دساتيرها على مقاومة الاستبداد، بالتالي فان مقاومة الاستبداد لها جذورها الإسلامية ولها جذورها القانونية المعترف بها التي لا تقبل الشك، وهي مسألة راسخة وثابتة ولا تقبل أي نقاش، وهي واحدة من حقوق الإنسان سواء في العراق أو في غيره". لم نتعلم الشيء الكثير من النهضة الحسينية - الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، "يعتقد بأننا لم نتعلم الشيء الكثير من النهضة الحسينية، والمشكلة هنا ليس في النهضة بحد ذاتها بل هي كانت صحيحة، وأنا كمسلم اشعر بالغبطة لوجود الإمام الحسين (ع) في تاريخنا الإسلامي الطويل، لأنه واقعا عرّى الكثير من العناوين المنافقة وعرّى الكثير من العناوين السيئة في حياة المسلمين، واظهر كيف يمكن أن يستغل الدين لحصول الحاكم على الشرعية، وان الحاكم مهما تجلى ومهما ادعى من تدين فليس العبرة في هذا الشعار، وإنما العبرة في التطبيق، أي كيف يطبق الشرع وكيف يطبق الدين". أضاف العرداوي، "فلو كان أقدس القديسين ادعى بأنه يمثل الدين وحكم الناس، لكنه حكمهم بالجور والظلم فانه يكون منزوع السلطة ويجب على الكل أن يثور عليه وإسقاطه، وأنا شخصيا من المدافعين عن الثورة ومن المؤيدين لحق الإنسان في الثورة على الظالم، فلو امن الجميع بحق الثورة على الحاكم الظالم وإسقاطه، لما وجدنا حالة الظلم تستمر، فالإمام الحسين (ع) ثار بأبسط العدة والعدد من أهل بيته وأصحابه المقربين بهؤلاء ثار على الظلم، اليوم عندنا في القانون العقوبة تسقط أما في التقادم أو في موت الجاني، بالتالي اليوم الإمام الحسين (ع) غير موجود ولا الذين ارتكبوا الجريمة بحق الإمام الحسين (ع) موجودين". يكمل العرداوي "وبعد (1400) ليست العبرة أن نكرر أن هناك شخص مظلوم قتله ظالم، فلا يمكن أن نحيي يزيد حتى نطبق العقوبة عليه، لكن الدرس المستلهم هو كيف نمنع الجريمة من أن تمر ثانية". يضيف أيضا "بالنتيجة كانت سعادة بالغة نحن العراقيين حينما يحكمنا أناس يدعون حب الحسين (ع)، ولكن جاء من يدعون حب الحسين اليوم وطوال خمسة عشر عام ووجدنا أسوء أنواع الظلم يرتكب بحق العراقيين، هذا دليل على إننا لم نتعلم شيء من الحسين (ع) بل، الأسف كل الأسف على تلك الدماء الطاهرة فلم نتعلم أن نقيم دولة صالحة، فالإمام علي (ع) عندما وضع شروط للحاكم أوجزها بثلاثة شروط أولا (ورع يحجزه عن معاصي الله)، وهنا المعاصي كثيرة يمكن إيجازها بسرقة أموال خيانة الناس ظلم الناس أيضا الاستئثار بالسلطة، وصولا إلى كل أنواع الظلم والاعتداء على الحقوق والحريات، والثاني (وحلم يمنع به غضبه) بالتالي وجدنا الحكام على طول التاريخ وصولا إلى هذه اللحظة، صدرهم ضيق اتجاه الرأي الآخر وصدرهم ضيق اتجاه شعوبهم ومطالب شعوبهم، وما حصل في البصرة هو ناجم عن ضيق الصدر مع الرأي الآخر وناجم عن ضيق الصدر في سماع مطالب الناس، ووجدنا أناس يقتلون وتنتهك كرامتهم وفي هذا الوقت القاتل والمقتول يدعي حب الحسين (ع)، والصفة الثالثة للحاكم هي (حسن الولاية على من يلي كي لهم كالصاحب الرفيق أو الأب الشفيق)، بالتالي الحاكم كالأب الذي يحرص على أولاده حتى ينميهم ويؤمن لهم مستقبلهم ويعلمهم ويحفظك كرامتهم وأعراضهم، لكن وجدنا الحكام على طول التاريخ هم الحسين ومبادئ الحسين بل مبادئ أهل البيت ومبادئ الإسلام ومبادئ الضمير الإنساني في جهة، ومبادئهم وأفكارهم ورغباتهم في وادي آخر". يكمل أيضا "بالتالي الكل يرى أن الفاسدين يبكون في المواكب الحسينية ويلطمون على مصيبة الحسين، وهم يظلمون أهلهم ويظلمون شعبهم، لذا فان الدروس المستنبطة من النهضة الحسينية، إننا لم نتعلم من الحسين كثيرا حتى نبني نظام حكم عادل، لم نتعلم من الحسين أن الظلم ممكن أن يريق اعز الدماء وينتهك أقدس الحرمات وينتهي إلى أسوأ النتائج، لم نتعلم من الحسين شيئا حتى نضع حد للجريمة، بالتالي نحتاج أن نراجع أفكارنا مرة أخرى ونحتاج أن نغير طريق تعاملنا مع النهضة الحسينية".مقاومة طغيان السلطة لا يختصر فقط على السلطة الحاكمة - عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية، "يرى أن موضوع مقاومة طغيان السلطة لا يختصر فقط على السلطة الحاكمة، فلم يقتل الحسين (ع) بسيف يزيد فقط، وإنما قتل بآفة المجتمع السلطوي الفاقد للثقافة وللتعددية، قتل الحسين بثقافة المال وثقافة الفساد، فيزيد كان شخصا واحدا ولكن الجيوش التي تجيش هي كانت طامعة في المال وفي التقرب من السلطة، إذن ثقافة العبودية وثقافة الفساد هي من قتلت الحسين (ع)، وهي من تخلق السلطة الفاسدة وهي من تصنع الجبارين والباغين على رقاب الناس، فسكوت الناس هو من يزيد الطين بلة، ثلاث محاور يمكن الاستفادة منها في هذا الجانب، فيقول الإمام الصادق (ع) (أمَرَنا رَسوُلُ اللّه صلى الله عليه وآله أن نُلقِىَ أهلَ المَعاصِيَ بِوُجُوهٍ مُكَفَهّرَةٍ)". أضاف الصالحي "فمن منا واجه الفاسدين بوجه مكفهر ودار وجهه عنه، من منا لا يلتقي بالفاسدين ويبارك لهم هذه مرحلة أولى، المرحلة الثانية (كونوا لنا دعاة صامتين) فسيرة الإمام السجاد (ع) بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) كانت في هذا الطريق، هو لا يتحدث بل يسأل هل سقيت الكبش ماء قبل ذبحه؟ قال نعم يا إبن رسول الله، فيقول سبحانه الله! وابن رسول الله يقتل ولا يسقى الماء!! وهو يريد أن يوصل رسالة عن طريق السكوت، أيضا الرسالة الثالثة؛ هي في محلات التداخل الإشكالي عندما كان الإمام زيد الشهيد كان للأمام السجاد (ع) القول الفصل لم يرفض ولم يسمح، ولكن ترك الخيار للناس أن تحكم عقلهم ففي حال وجود السلطة الفاسدة والجائرة لا يحتاج الأمر إلى مأذونية".عاشوراء عبارة عن دروس وعبر - حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل "يرى أن سيرة العظماء في التاريخ تكاد أن توصلنا إلى حقيقة مفادها بأن هؤلاء العظماء استقو شيئا أو أشياء من سيرة الإمام الحسين (ع)، فعاشوراء عبارة عن دروس وعبر وكلا منا عليه أن يفهم قدر الإمكان من عاشوراء ما يستطيع فهمه، بالتالي فالمجتمع العاشورائي عليه أن يتميز ويطبق المبادئ التي خرج من اجلها الإمام الحسين (ع) ولا يكتفي بالشعارات فقط، بل من المعيب على هذا المجتمع أن يلهث وراء الفاسد الفلاني الذي يحاول أن يوهم الآخر بأنه مطبق لنهج الإمام الحسين(ع)، ومن المعيب أيضا على المجتمع العاشورائي أن يركن للظالمين وأن يقبل الذل والهوان، فهذا يعني أن هذا المجتمع لم يستقي من عاشوراء إلا الشعارات".الطغيان يستحيي نسائهم ويقتل أبنائهم - حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث "يتصور أن عنوان الحلقة حصر في طغيان السلطة السياسية وسلطة الحاكم، بالمقابل هناك عدت سلطات كانت سائدة في المجتمع أيام الثورة الحسينية، من مثل (السلطة التمييز الطبقي/ سلطة التمييز العنصري)، ولعل أدق وصف لطغيان السلطة هو الوصف القرآني (انه طغى)، فمن أوجه الطغيان انه كان يستحيي نسائهم ويقتل أبنائهم، أيضا كان هناك خلط بين مقاومة طغيان السلطة ومقاومة الاستبداد، كذلك شرعية الوجود والتأسيس التي قرنتها في مسألة السلطة، فهنا في العراق مثلا هناك شرعية للسلطة من خلال الانتخابات، ولكن هناك شيء آخر وهو شرعية الفعل السياسي التي تقوم لها تلك السلطة حتى لو كانت منتخبة من قبل الناس". أضاف الجراح "أيضا لو عدنا إلى خطبة الإمام الحسين (ع) حينما قال شارب الخمر وهي معصية شخصية وحق شخصي، لكن هنا انتقلت المعصية من الإطار الشخصي إلى الإطار العام كونه شخصية حاكمة، الشيء الآخر الثورة الحسينية هي ثورة جاءت لتنسف ما هو موجود من أوجه الطغيان". السؤال الثاني: كيف لكل المعنيين الاستفادة من أهداف وأخلاقيات النهضة الحسينية للوقوف بوجه فساد وانحراف السلطة حاليا؟- الشيخ مرتضى معاش، "يعتقد أن معاوية حول الفساد إلى فلسفة من خلال المناهج القدرية، التي تشرعن الفساد وتشرعن عملية الاستسلام للأمر الواقع، أيضا عندنا اليوم مرض خطير وهو (الغاية تبرر الوسيلة)، وهذا الشعار ينسف منظومة القيم المقدسة (كالعدالة/ الحرية)، ويرفع هذا الشعار حتى الشخصيات التي تعتقد انها تمتلك أيديولوجيات وأفكار مبدئية، لذا ليس لديه مانع أن يقتل ويذبح ويستبيح ويسرق من اجل الغاية تبرر الوسيلة، وهذا أمر خطير جدا وهو سلوك غير أخلاقي في المجتمع، بل هم أعطوه سمه أخلاقية وهذا هو سلوك معاوية، وهؤلاء يمثلون الأمويون الجدد، فبعض الناس يحب الإمام علي (ع) ولكن سلوكه سلوك معاوية، وهذا الأمر يعود لعنوان الغاية تبرر الوسيلة والحقيقة أن الغاية لا تبرر الوسيلة، فالإنسان لا يكذب من اجل المال ولا يكذب من اجل تحقيق مصالحه، ولا يظلم الآخرين ولا ينتهك حرية الآخرين، فالطغيان في أساسه هو طغيان الفرد وطغيان الطبقات وطغيان المجتمع بأكمله، بتجاوز الحدود الكونية التي أرساها الله سبحانه وتعالى في الكون".- الدكتور قحطان حسين الحسيني، "يرى أن الأهداف النبيلة والغايات السامية التي رافقت النهضة الحسينية، هي بحاجة إلى إعادة دراسة وإعادة نظر كي نقتبس منها ما يفيدنا في واقعنا هذا اليوم، نحن كمجتمع عراقي حاليا مبتلين بحكومة فاسدين فما هي العبر والأخلاقيات التي من الممكن أن نسير وفق مبادئها كي نحقق المبتغى، أولا على الحكومة أن تعي جيدا أن الحكم لن يدوم طويلا، وأن هذا الزوال لابد أن يصون حالة حسن العاقبة، فمن يثور ومن يقف في وجه الفساد ليس حبا في الترف وفي الشهرة وليس طلبا للسلطة، بل هو تعبير عن واقع سيء يعيشه هذا الثائر، إذن عليهم أن يفكروا جيدا في معالجة أوضاع هذا الثائر قبل أن يتخذوا قرار قمعه وتصفيته والقضاء عليه، وذلك لان القضاء عليه ليس حلا للمشكلة، بل هنا آلاف غيره ممكن أن يكونا مصدرا للثورة وللنهوض وللمقاومة".- الدكتور خالد عليوي العرداوي "يقول ليس قدرنا أن نبقى خاضعين للسلطات الفاسدة، وانه الظروف التي جعلت الإمام الحسين (ع) يتعرض للظلم وترتكب بحقه وعائلته وأصحابه جريمة بشعة هي ليست الظروف بعد (1400)، الظروف تغيرت والعالم تغير ووعي المجتمعات بحقوقها وحرياتها تغير، في زمان الإمام الحسين (ع) لم يكون هناك انترنيت وتواصل بين الناس، وفي زمن الإمام الحسين (ع) لم يصل الناس إلى القمر ويعبروا المريخ، وفي زمان الإمام الحسين (ع) لم ترتقي المنظومات القانونية على مستوى العالم وتظهر إعلانات حقوق الإنسان والحريات العامة". أضاف العرداوي "واستطاع يزيد وأمثال يزيد أن يضحكوا على الناس تارة باسم العنصرية القومية وتارة أخرى باسم العنصرية القبلية، ولاحظوا أيضا حتى اجتماع السقيفة تم الضحك فيه على الأنصار باسم العنصرية القبيلة، فهذه الأمور تغيرت في القرن (21) فاليوم شبكات التواصل الاجتماعي المنظومات الحقوقية منظمات الدفاع عن الحقوق والحريات، كلها تضغط على الإنسان حتى يطالب بحقوقه وحرياته، فاليوم الذي يقبل من السلطة أن تظلمه هذا إنسان استكان للظلم وأحب ثقافة الظلم وأحب أن لا يكون ثائرا، فاليوم عندما نقول أن الإمام هو أبو الأحرار فعندها لابد أن يكون هناك أحرار، والحر لا يقبل بالظلم لا على نفسه ولا على الآخرين، ومتى ما كانت هناك شعوب قوية وأحرار حقيقيون لن يستطيع الظالم أن يظلم الناس". يكمل العرداوي "اليوم لا أوجه نصيحة للسلطة بل هي عليها أن تذعن لإرادة الناس وتذعن لاحترام حقوقهم وحرياتهم، وبالتالي السلطة التي لا تحترم حقوق وحريات الناس يجب أن تسقط بقوة القانون وبقوة الرد الشعبية".- عدنان الصالحي "يعتقد أن بناء مجتمع حسيني أفضل من بناء حكومة حسينية، فالمجتمع هو الذي ينتج حكومة حسينية حقيقية، فالتركيز على بناء المجتمع والبناء الأسري الصحيح هذا هي الدروس المستلهمة، الحسين ثورة لكل الأجيال ولكل الطوائف فجاء بالرجل الأسود وجاء بالرجل الأبيض، وكان هناك المسلم والنصراني وكانت هناك المرأة الكبيرة والطفل الرضيع مرورا بالشاب والرجل الكبير، إذن هي معركة اجتماعية كاملة ضد الفساد، بالتالي لابد أن يكون هناك جيل رافض للفساد بكل أشكاله وعندها سنجد الحسين (ع) على رأس السلطة".- حيدر الجراح "وفق الاعتبارات الحالية لا يمكن الاستفادة من النهضة الحسينية، بحكم الفوضى التي نعيشها اليوم، وبحكم الاستذكار الذي نعيشه اليوم مع واقعة الطف بعيدا عن القيم التي تفصح عنها تلك النهضة"
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-2018هـ/7712421188+964http://ademrights.orgademrights@gmail.com