تتجه العديد من الأحزاب السياسية في فترة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية إلى التحالفات السياسية فيما بينها، للفوز برئاسة الدولة أو المقاعد البرلمانية، أو مناصب وظيفية قيادية في السلطة التنفيذية، كرئاسة الحكومة أو وزراء أو وكلاء للوزارات أو مسؤولين تنفيذين قياديين.
فماذا تعني التحالفات السياسية الانتخابية؟ ولماذا تندفع الأحزاب والفعاليات السياسية إلى التحالف فيما بينها؟ وكيف يمكن أن تنجح بعض هذه التحالفات بينما تفشل أخرى؟ وماهي مقومات فعالية واستمرار هذه التحالفات؟ وماهي التأثيرات الإيجابية والسلبية التي يمكن أن تعكسها تلك التحالفات السياسية على حقوق الناخبين؟
إن التحالف من الحلف، والحلف قد يعني العهد بين القوم على التناصر والتعاضد، فيقال: حالف فلان فلاناً إذا عاهده وناصره وعاقده. وقد يعني الصداقة والأخوة. فالصديق يحلف لصديقه أن يفي له ولا يغدر. وعلى هذا، فالتحالف يمكن أن يكون بين قبائل وعشائر أو جهات رسمية كدول أو أحزاب أو حكومات، ويمكن أن يكون بين الأفراد بصفتهم الشخصية، وفيه معنى المودة والولاء والأخوة.
ويُعرف التحالف بأنه "اتحاد مؤقت بين مجموعتين أو أكثر" وقد يُعرف التحالف السياسي أو التحالف الحزبي بأنه "اتحاد بين حزبين أو أكثر" من أجل الحصول على تأثير أعظم أو نفوذ أكبر من الجماعات والأحزاب المنفردة، عندما تريد تحقيق أهدافها. وقد يُسمى التحالف السياسي بالائتلاف السياسي "وهي عملية التعاون السياسي بين جهتين والتضامن بينهما لتحقق أغراض مشتركة" ويظهر الائتلاف بصورة أوضح في الأحزاب السياسية عندما لا يحرز حزب واحد الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، فيضطر للائتلاف مع غيره من الأحزاب المتقاربة معه في الفكر.
وهذه التحالفات السياسية الانتخابية قد تكون قبل إجراء العملية الانتخابية، بين عدد من الأحزاب والفعاليات السياسية والشخصيات الداخلية في الانتخابات. وهذا النوع من التحالفات الحزبية تفرضه طبيعة القوانين التنظيمية الناظمة للانتخابات، خصوصا على مستوى العتبات التي تتضمنها تلك القوانين والتي تهم عتبة الدوائر الانتخابية المحلية أو تلك المتعلقة بالدعم المادي. وقد يفهم –أحيانا-من التحالفات القبلية أنها ستكون نواة الحكومة المقبلة. وقد تكون بعد إجراء العملية الانتخابية بين الأحزاب والفعاليات السياسية والشخصيات التي فازت في الانتخابات. وهذا النوع من التحالفات يحضر بكثرة أثناء تشكيل الأغلبية البرلمانية، وأيضا الأغلبية الحكومية، وهي تحالفات قد تكون أحيانا صعبة وشاقة للأحزاب المتحالفة؛ لأنها تتطلب تنازلات من كل الأحزاب المتحالفة على حساب المرجعيات الإيديولوجية والبرامج الانتخابية.
قد تتكون التحالفات السياسية الانتخابية من حزبين سياسيين أو من أكثر من حزبين سياسيين، أو من حزب سياسي وشخصية سياسية مستقلة لها حضور جماهيري، أو من حزب سياسي ومنظمة مجتمع مدني أو أكثر من منظمة مدنية، وذلك في البلدان التي تُعد المنظمات المدنية جزء من المجتمع السياسي والانتخابي فيها.
وتختلف مدة التحالفات السياسية من تحالف إلى آخر، بحسب أهمية التحالف وموضوعه، فقد يكون التحالف بعيد المدى، إذا كانت الغاية منه هو تحقيق الاتحاد أو الاندماج بين الأحزاب، وقد يكون التحالف متوسط المدى، إذا كانت الغاية منه هو الشعور بخطر يهدد التوافقات السياسية أو يمس بعض المكتسبات، وقد يكون التحالف قريب المدى، إذا كانت الغاية منه التصدي المباشر لبعض السلوكيات أو القرارات التي تمس بعض أو كل مصالح البلاد العليا.
وعلى هذا الأساس، تختلف الأسباب التي تدفع الأحزاب والقوى السياسية للتحالف فيما بينها، فالسبب الرئيس للتحالفات قبل الشروع في العملية الانتخابية هو رغبة تلك الأحزاب في الحصول على أكبر قدر من أصوات الناخبين مما يؤهلها مجتمعة للحصول على رئاسة الجمهورية أو يؤهلها للدخول إلى قبة البرلمان، أو يؤهلها لتشكيل الحكومة؛ فالأحزاب والقوى السياسية الصغيرة تشعر دائما بأنها غير مؤهلة للوصول إلى أهدافها في السلطة، فتلجأ للتحالف مع الأحزاب الأخرى التي تشترك معها في هاجس الخوف نفسه، بينما الأحزاب الكبيرة لا تتحالف قبل الانتخابات - في العادة- لشعورها أنها تمتلك رصيدا من أصوات الناخبين يؤهلها لتحقيق غاياتها الانتخابية.
أما السبب الرئيس للتحالفات السياسية بعد الانتخابات فان جميع الأحزاب سواء الصغيرة منها والكبيرة قد لا تستطيع -بحسب القوانين والأنظمة واللوائح الانتخابية- من الوصول إلى غاياتها الانتخابية وتشكيل حكومة تمثيلية، لنقص النصاب القانوني، فتلجأ إلى التحالف السياسي على وفق آليات تسرع في تشكيل الحكومة، وتخدم إلى حد ما أهداف المتحالفين. وهكذا فان التحالف الذي يتم تشكيله خلال الحملة الانتخابية من أجل الفوز بالانتخابات له غايات تختلف عن تلك التحالفات التي تتشكل بعد الانتخابات لتشكيل الحكومة، ولكن في بعض الحالات يبقى التحالف نفسه مع تغير الأهداف.
وليس ثمة شك أن التحالف السياسي الانتخابي لا يحدث بين أحزاب وقوى سياسية أو شخصيات متوافقة في الأفكار والأدوات والأهداف والغايات، بل قد يحدث بين متحالفين مختلفين في الأفكار والأهداف أيضا، مثل: التحالف بين أحزاب قومية وإسلامية، أو التحالف بين أحزاب إسلامية ومسيحية، أو التحالف بين حزبين ينتميان إلى مذهبين دينيين مختلفتين؛ لأن التحالفات الانتخابية لا تعنى بالضرورة التوافق الكامل على كل القضايا، ولا تعنى ذوبان أحد الأطراف في الآخر، إنها تعنى التوافق على عدة قضايا أساسية، تخص المرحلة التي يبنى فيها هذا التحالف، وتستفيد كل هذه الأطراف من تجميع قوتها ومواردها لحصد مقاعد ونتائج انتخابية تقربها من سدة الحكم وتنفيذ مشاريعها. لذلك، فالتحالف ليس وحدة اندماجية، تنصهر فيه الأحزاب المتحالفة، ولكنه اتفاق برنامجي مع احتفاظ كل تنظيم بهويته وباستقلاليته وسيادة أجهزته المقررة.
وإذا ما كان الأمر كذلك، فانه يتعين على الأحزاب السياسية والمجموعات المدنية أن تحدد حجم التعاون الذي سيتفقون عليه في تشكيل التحالف. مثل: الاتفاق على عدم التنافس على مقاعد منطقة ما، أو أن الأحزاب المتحالفة لن تصوت ضد تشريعات بعضهم البعض. أو أن تعلن الأحزاب والمنظمات السياسية للملأ بأنها تدعم برنامج بعضها البعض، أو تعلن دعمها لبعضها البعض في توفير المال أو الإعلام والدعاية والتأييد، أو تعلن نزولها في قائمة واحدة مشتركة في وجه قوائم أخرى منافسة، وغيرها من أوجه التعاون والتعاضد بين المتحالفين لتحقق الأهداف الانتخابية المشتركة.
ومع ما يمكن أن يحقق التحالف بين الشركاء السياسيين من فوائد جمة قد تنعكس على جميع الشركاء أو على بعضهم، إلا أن من الإنصاف القول إن ثمة مساوئ محتملة تنجم عن الانضمام الى تحالف والتي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، فقد تخسر المجموعة المتحالفة أو الحزب بعض السيطرة على الرسالة والقرارات التكتيكية، وربما تخسر أيضا هوياتها الشخصية أو أسمائها في فترة الانتخابات، ومن الممكن أن يفضي هذا إلى اختلاف أو شجار بين أعضاء التحالف وضمن الحزب الواحد بين مؤيد لهذا التحالف وبين رافض له، وقد تؤثر السمعة السيئة لأعضاء بعض الأحزاب الحليفة على سمعة الحزب الحليف؛ فيفقد بعض من أنصاره، وقد لا يلتزم بعض الشركاء بالخطط والبرامج المتفق عليها، وقد يعمل بعض الشركاء في الخفاء لذاته على حساب التحالف، وقد ينشب صراع بين المتحالفين فينفض التحالف في لحظة حرجة وغيرها.
ليس هذا وحسب، بل قد تستمر الخلافات بين المتحالفين سياسيا إلى ما بعد الانتخابات وربما تزداد كلما اقتربت الأحزاب من تشكيل الكابينة الحكومية، فقد يعرف التحالف بعض الأزمات أثناء تشكيل الأغلبية الحكومية في حالة ما فازت أحزاب التحالف بالانتخابات، حيث يمكن أن تخضع الأحزاب الكبرى لابتزاز سياسي من طرف الأحزاب الصغرى، رغم فوزها بأصوات ومقاعد قليلة في الانتخابات، لكنها تبقى ضرورية بالنسبة للأحزاب الكبرى لتشكيل الحكومة، ولذلك تضطر الأحزاب الكبرى في التحالفات الاستجابة لضغوطات الأحزاب الصغيرة.
ومع أهمية ما تقدم، إلا أنه لا ينبغي النظر إلى التحالفات السياسية من منظور مصالح تلك الأحزاب والكتل السياسية المتحالفة فقط، بل ينبغي النظر إلى تلك التحالفات على أساس الفائدة التي يمكن أن تحققها للمواطنين الناخبين؛ لأن الأحزاب السياسية، سواء دخلت الانتخابات منفردة أو دخلت الانتخابات متحالفة، هي مطالبة بتحقيق توجهات ورغبات ومصالح مؤيديها التي تعبر عنها في العادة البرامج الانتخابية للحزب أو التحالف.
في أثناء الانتخابات، قد تؤدي التحالفات السياسية إلى تضيق خيارات الناخبين، كما لو تحالف جميع المرشحين الأقوياء ودخلوا في قائمة واحدة، وقد تؤدي إلى تعطيل حرية الناخبين بالاختيار من خلال الترويج لقائمة المتحالفين الأقوياء، ومهاجمة قوائم المرشحين الصغار، وعليه تلغى إمكانية الاختلاف والتنافس بتبريرات شتى، وينتفي دور البرامج السياسية، فلا تنظم المناظرات بين المرشحين والأحزاب، ولا تكون الفرص والحظوظ متكافئة بينهم، مما يتنافى مع المعايير الحقوقية الدنيا لقانون الانتخابات، وحقوق المواطنين الناخبين الباحثين عن مرشحين أقوياء لهم قدرة تمثيل مصالح الناس وتنفيذها..
وبعد الانتخابات، قد تؤدي التحالفات السياسية إلى الالتفاف على أصوات الناخبين، ففي البداية يختار الناخب الحزب السياسي الذي سيصوت له، وذلك بناء على البرنامج الذي عرضه هذا الأخير، لكن عندما يصل إلى السلطة ويجد نفسه أمام حتمية الإتلاف مع أحزاب أخرى، فيتنازل ويحاول أن يقارب مبادئه مع مبادئ الأحزاب الأخرى للاتفاق على سياسة عامة وبرنامج معين للحكومة الائتلافية يختلف عن برنامجه السياسي الذي تقدم به في المرة الأولى قبل الانتخابات.
ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى النتائج الآتية:
1. إن التعددية الحزبية تعد ركنا أساسيا للديمقراطية، فلا يمكن تصور ديمقراطية بدون أحزاب سياسية تتناوب على السلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة.
2. إن الانتخابات تمكين الأحزاب السياسية من التداول على السلطة، وتفسح المجال للناخبين ليعبروا عن آرائهم واختيار ممثليهم الذين سينوبونهم في مختلف الهيئات السياسية.
3. لا بد أن يكون كل ناخب حرا في التـصويت للمرشح الذي يفضله أو لقائمة المرشحين التي يفضلها في أي انتخابـات لمنـصب عام، ولا يرغم على التصويت لمرشح معين أو لقائمة معينة، وأن تـشرف علـى الانتخابات سلطات تكفل استقلالها وتكفل نزاهتها، وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام السلطات القضائية أو غير ذلك من الهيئات المستقلة النزيهة
4. إن من الصعب على أي من هذه الأحزاب السياسية الحصول بمفرده على الأغلبية المطلقة للأصوات المعبرة، التي تمكنه من الوصول إلى المقاعد النيابية أو تأليف الحكومة، وبالتالي لا يستطيع الحكم بمفرده؛ لذا يلجأ للتحالف مع أحزاب أخرى.
5. قد يكون التحالف بين حزبين أو أكثر مختلفين في المبادئ والأهداف يحقق نوعا من الاستقرار والهدوء المجتمعي في الساحة الانتخابية، خلاف ما إذا دخل كل حزب الانتخابات لوحده، فمن المتوقع أن تساعد الانتخابات على العنف بين الناخبين.
6. إن تحقيق أهداف أي تحالف لاسيما التحالف أثناء العملية الانتخابية يعتمد على قدرة المتحالفين على تنظيم ثلاثة أمور أساسية هي الوقت والمال والناس. ومن الجوهري تقرير كم من هذه المصادر يمكن لأعضاء التحالف توفيرها والسيطرة عليها بالطريقة المثلى بحيث تضمن التأثير والفائدة القصوى لجميع الأطراف في التحالف، وكذلك من المهم تطوير الطرق لتأكيد ما إذا كان الشركاء جادين في استغلال هذه المصادر لفائدة الجميع.
7. تسعى الأحزاب المشتركة في الحكومة الائتلافية، وذلك من خلال عرض المطالب وتبيين وجهات النظر في المسائل الجديرة بالاهتمام إلى الدخول في مفاوضات (مساومات تمهيدية) من اجل الحصول على تعهد من رئيس الائتلاف بتنفيذ عمل ما في حالة ما تم الائتلاف مع حزبه.
8. تتميز الحكومة الائتلافية بالضعف بشكل عام، وعدم الاستقرار الوزاري؛ نتيجة لاختلاف مصالح كل حزب من الأحزاب السياسية وسعيها إلى تحقيقها، حتى لو كلفها الأمر المصلحة العامة، أما رئيس الوزراء يوجه اهتمامه إلى البحث عن كيفية الحفاظ على استقرار وترابط وزارته ويهمل هو أيضا المصلحة العامة.