دراسات

التطرف والإرهاب الفكري عبر الإنترنت ومواقع التواصل

   تتحدد أهمية وخطورة موضوع شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقتها بانتشار التطرف وفكر الإرهاب من زاويتين: كثافة استخدام أفراد المجتمع بشكل عام لوسائل التواصل الاجتماعي. وفي اعتماد الجماعات المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر التطرف وتجنيد الشباب.

ما هو الفكر الإرهابي...؟

الفكر الإرهابي: هو الفكر الإجرامي الذي يؤمن ويتبنى استخدام القوة المفرطة الممنهجة الهادفة إلى السيطرة على الآخر (دولة، طائفة، جماعة، مؤسسة…إلخ) من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة، لعل من أبرزها: (بث روح الكراهية بين فئات المجتمع، وهدم وزعزعة ثقة الجمهور في الحكومة، وإكراه طبقات المجتمع على طاعة قادة الإرهاب، ودفع السلطات للخضوع لمطالب الإرهابيين مثل الإفراج عن معتقلين، أو دفع إتاوة، أو عدم الملاحقة القانونية…إلخ، وقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة تحت حجج وأسانيد باطلة).

وبالتالي فالإرهاب عبر الإنترنت يهدف إلى استخدام القوة أو العنف ضد الأفراد أو الممتلكات بقصد ترويع أو إكراه الحكومة أو المدنيين أو أي شريحة تابعة لها لتحقيق أو بلوغ أهداف سياسية أو اجتماعية، والدوافع الشخصية المؤدية لتجنيد الإرهابيين:

1- الرغبة في الظهور، وحب الشهرة، حيث لا يكون الشخص مؤهلاً فيبحث عما يؤهله باطلاً فيشعر ولو بالعدوان والتخريب والتدمير.

2- الإحباط في تحقيق بعض الأهداف أو الرغبات أو الوصول إلى المكانة المنشودة، وإحساس الشخص بأنه أقل من غيره وينظر إليه نظرة متدنية، فيلجأ إلى هذه المواقع وخصوصاً المخصصة لتجنيد الإرهابيين والخروج على النظام.

3- افتقاد الشخص لأهمية دوره في الأسرة والمجتمع، وفشله في الحياة الأسرية، مما يؤدي إلى الجنوح واكتساب بعض الصفات السيئة، وعدم الشعور بالانتماء والولاء للوطن.

4- الإخفاق الحياتي، والفشل المعيشي.

5- نقمة الشخص على المجتمع الذي يعيش فيه نتيجة ما يراه من ظلم وإهدار لحقوق المجتمع، فيتولد لديه الحقد والاستعداد للقيام بأي عمل يضر المجتمع.

6- غياب الفكر المعتدل المواجه لنشاط هذه الجماعات التكفيرية المتطرفة البارز على مواقع الإنترنت الحوارية، والذي كان من الممكن أن يكون له دور كبير في تصحيح بعض الأفكار ومناقشتها من قبل الكثير من المختصين.

7- غياب الرقابة الذاتية والأسرية الذي ساعد أيضاً الجماعات التكفيرية على رواج خطابهم التكفيري، كما أن أكثر الأشياء التي ساعدت على رواج خطابهم عبر مواقعهم أن الظاهر والمعلن في خطابهم أنه ينبني على أصول قد يتفق الجميع على المسلمات بها مثل رفع الظلم ونُصرة الأمة والمستضعفين، إنكار مظاهر الفساد.

لذا يثار السؤال حول الكيفية التي يستخدم من خلالها الإنترنت في التأثير على الشباب وتجنيدهم...؟

الأمثلة على خطورة هذه الظاهرة كثيرة، بالنظر إلى حوادث إرهابية وقعت في العديد من الدول، ثبت من خلالها أن الشباب الذين وقعوا في فخ التطرف تأثروا بشكل مباشر بحسابات وصفحات دعائية خاصة بأفراد وجماعات يركزون على ترويج ثقافة التطرف، وعلى وجه الخصوص حسابات في موقع “تويتر”، بالإضافة إلى حسابات تبث مواد حماسية على موقع “يوتيوب”، إلى جانب منتديات يديرها متطرفون.

ويتزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مستمر بين كافة الفئات العمرية داخل الأسر والشرائح الاجتماعية المختلفة، إلا أن أخطر المستخدمين وأكثرهم ضرراً وتأثيراً من حيث نشر الميول الإرهابية هم الأفراد الناشطين بشكل عقائدي مع الجماعات المتطرفة، الذين يتم تكليفهم على شكل مجموعات باختراق عقول الشباب والتأثير عليهم عاطفياً، بتوجيه خطاب ديني حماسي يشجع على العنف والانسلاخ عن المجتمع وتكفير الحكومات والدعوة لمناهضة الحكام وتأييد التطرف ورموزه، ويعمل هؤلاء على تصوير نموذج “داعش” باعتباره في نظرهم يمثل الأداة العملية لترجمة الخروج على الأنظمة والمجتمعات.ومن العوامل التي أثرت كذلك على الشباب ما حدث في العراق وسوريا من تشكل للبؤر الجماعية لتنظيم “داعش” بعد سيطرته على عدد من المدن في البلدين، وبالتالي أصبح التأثر بالفكر الداعشي الإجرامي يمتلك مساحة جغرافية على أرض الواقع، الأمر الذي يدفع بالبعض إلى التفكير عملياً بالالتحاق بأصحاب ذلك الفكر المنحرف.

وللأسف الشديد يتأثر بعض الشباب بأساليب “داعش” ودعاياتها نتيجة لمتابعتهم الشخصية المنتظمة لحسابات وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر مواداً تحريضية تتبنى فكر الإرهاب. ومن خلال تفشي هذه الظاهرة يمكن القول أن خدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تحولت من نعمة إلى نقمة، ومن وسيلة حضارية إلى وسيلة جهنمية لتفخيخ عقول الشباب وترويج الأفكار الظلامية في أوساطهم.

ما هي أساليب وطرق تكوين التنظيمات الإرهابية الحديثة؟

يقوم الإرهابيون بإنشاء وتصميم مواقع لهم على شبكة الإنترنت، لبث أفكارهم الضالة، والدعوة إلى مبادئهم المنحرفة، ولإبراز قوة التنظيم الإرهابي، وللتعبئة الفكرية وتجنيد إرهابيين جدد، ولإعطاء التعليمات والتلقين الإلكتروني، وللتدريب الإلكتروني من خلال تعليم الطرق والوسائل التي تساعد على القيام بشن هجمات إرهابية، فقد أنشئت مواقع إرهابية إلكترونية لبيان كيفية صناعة القنابل والمتفجرات، والأسلحة الكيماوية الفتاكة، ولشرح طرق اختراق البريد الإلكتروني، وكيفية اختراق وتدمير المواقع الإلكترونية، والدخول إلى المواقع المحجوبة، ولتعليم طرق نشر الفيروسات، ونحو ذلك.

ويلاحظ إن هذه المواقع الإلكترونية الخاصة بتجنيد الإرهابيين في العادة تمتاز بما يلي:

1- الشكل الفني المبدع في التصميم والحرفية في تقسيم الموضوعات والصور والمحتويات.

2- توفير خدمات تجاوز حجب المواقع وترسل بصورة منتظمة للأعضاء وتقدم كل جديد من خلال التواصل المنظم مع الأعضاء.

3- التحديث المستمر للمحتوى ومواكبة الأحداث وملامسة رد الفعل الإنساني العفوي للإنسان والتعليق عليها وفق وجهة النظر التي يؤمنون بها.

4- استقطاب كُتاب لهم تأثيرهم والنشر لعلماء معتبرين لرفع مستوى الثقة بالموقع.

5- التنسيق العالي بين هذه المواقع لنشر البيانات التي تخصهم والمواد الجديدة التي يقدمها أحد قادة التنظيمات ومفكريها.

6- صناعة نجوم هذه المنتديات ومؤازرتهم سواء من حيث حجم الرواد أو تميز مواضيعهم عن غيرها.

7- توفير المواد السمعية والمرئية والكتب وغيرها لطالبيها بشكل سريع وفي صورة فنية محترفة.

8- تقديم المعونة والمشورة الفنية لمساعدة المتصفحين لإخفاء الأثر من خلال مواقع وسطية أو برامج معينة.

9- توزيع الأدوار في إدارة المواقع لأشخاص ذوي مقدرة متميزة وينتمون إلى بلدان مختلفة.

10- تقديم مجموعة من الخيارات الثقافية المساعدة مثل خدمات تحميل الكتب وغيرها.

ويستخدم الانترنت لأغراض إرهابية منها:

1- توفير المعلومات:

يبذل الإرهابيون جهوداً للدخول في حرب الدعاية والحرب النفسية، حيث أن ظهور شبكة الإنترنت العالمية قد زاد بشكل كبير من الفرص للإرهابيين لتأمين الدعاية لهم ولنشاطاتهم، كما أن الإرهابيين أيضا استخدموا الإنترنت كأداة من أدوات الحرب النفسية من خلال نشر المعلومات المضللة، وتقديم التهديدات، ونشر الصور المروعة.

2- التمويل:

المال هو شريان الحياة للإرهاب، بل هو محرك للعمليات المسلحة، والطبيعة الفورية والتفاعلية للاتصال بالإنترنت يفتح إمكانات هائلة لزيادة التبرعات المالية. وهذا المال يستخدم لإغراء الشباب للانضمام إلى هذه الجماعات الإرهابية، حيث قال خبراء في الأمم المتحدة أن تنظيم داعش يدفع لأنصاره ما يصل إلى 10 آلاف دولار عن كل شخص يجندونه للانضمام إلى صفوف التنظيم ويستخدم مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات غير الرسمية التي تضم أصدقاء وأقارب العديد منهم، وإذا كان الشخص الذي يتم تجنيده حاصل على تعليم جيد مثل أن يكون مختصا في الكمبيوتر أو طبيبا، يتم دفع مبلغ أكبر لمن يجنده.

وعادة تتم عملية التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مواقع ويب خاصة وعبر غرف الدردشة من خلال الإقناع أو الابتزاز ثم التجنيد. ويتم استدراجهم للمشاركة في جريمة: وبعد إقناع الضحية بتنفيذ الجريمة، وعادة تبدأ بجرائم صغرى كالمشاركة في هجوم إلكتروني، وتزوير وثائق، واحتيال، ثم تتطور لتصل لترويج المخدرات والمشاركة في عملية غسيل أموال، وإغراء الشخص بالأموال الطائلة، وبحيث أنه عاطل عن العمل أو فقير، فهو مستعد لفعل أي شيء مقابل المال، هذا بالإضافة لاستغلال الشباب المتديّن بأن الجهاد فريضة وأنهم حريصون على مصلحة الأمة والدين وأن أعماله خالصة لوجه الله وفيها الأجر العظيم.

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هـ/7712421188+964http://ademrights.orgademrights@gmail.com

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات