دراسات

حقوق الجياع في العالم

   يرى برنامج الأغذية العالمي "أن الجوع هو الخطر الأول في العالم الذي يهدد صحة الإنسان، حيث يتجاوز عدد ضحايا الجوع -كل عام-ضحايا أمراض الايدز والملاريا والسل مجتمعة" وأن الجور لا يؤثر على الفرد فقط، بل يفرض أيضاً عبئاً اقتصادياً هائلاً على العالم النامي، إذ يقدر الاقتصاديون أن كل طفل يعاني من ضعف النمو الجسدي والعقلي-بسبب الجوع وسوء التغذية-يتعرض لخسارة 5-10% من دخله المكتسب على مدى عمره.

وفي هذا الإطار، يقول المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو": إذا لم نفعل شيئاً، يمكن أن يموت أكثر من 20 مليون شخص جوعاً، خلال الأشهر الستة المقبلة، الجوع لا يقتل الناس فحسب، بل يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، الذي يدفعهم إلى الدوران في حلقة مفرغة من الفقر، والاعتماد على المساعدات الخارجية التي تمتد لعقود طويلة.

كيف نفهم حق الناس في الحصول على غذاء كاف، في إطار ما يُعرف بالأمن الغذائي؟ هل عجزت الأرض عن توفير الغذاء لساكنيها؟ هل يوجد نقص غذاء في العالم؟ أم هو بحاجة على إعادة توزيع الغذاء؟ وماهي الأضرار التي يمكن أن تصيب البشرية جمعاء، جراء انتشار ظاهرة الجوع العالمي؟ وماهي الأسباب التي تحول دون مكافحة هذه الآفة الخطيرة؟

يمكن أن يُعرف "الأمن الغذائي" بقدرة المجتمع على توفير الاحتياجات الغذائية الموضوعية (المحتملة) لأفراده والتي تمكنهم من العيش بصحة ونشاط، مع ضمان ذلك للذين لا تمكنهم دخولهم من الحصول عليه، سواء كان ذلك عن طريق الإنتاج المحلي أو الاستيراد اعتمادا على الموارد الذاتية.

مفهوم "الأمن الغذائي" مفهوم حديث طرحته منظمة الأغذية والزراعة الدولية "فاو" في ستينيات القرن الماضي. وهو يعني الجهود الذي تبذله الدولة لتوفير مخزون من احتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية، لفترة تكفي لأن تتدبر أمر تجديد هذا المخزون لتلافي حصول أي عجز فيه. أما الفترة الزمنية لكي يكون المخزون استراتيجياً محققاً للأمن الغذائي للدولة، فتختلف من بلد لآخر، ومن مادة غذائية لأخرى، لكنها في كل الأحوال لا تقل عن شهرين ولا تزيد عن سنة واحدة.

يرى المختصون في مجال الغذاء والصحة أن مفهوم الأمن الغذائي ينطوي على ثلاثة أبعاد رئيسة: البعد الأول، يتعلق بتوفير الغذاء، والذي يعني توفر كميات كافية منه ضمن المخزون الاستراتيجي. فيما يتعلق البعد الثاني بمأمونية الغذاء، من حيث سلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري. أما البعد الثالث، فيتعلق بجعله متاحاً بأسعار ضمن القدرة الشرائية لغالبية السكان على الأقل، وبما يمكنهم من الحصول عليه، وهو ما يتطلب دعم أسعاره لبعض الفئات الاجتماعية عند اللزوم، أو تقديمه كمعونات للفئات الأشد فقرا في الحالات التي تتطلب ذلك.

يؤكد الإعلان العالمي الخاص باستئصال الجوع وسوء التغذية أن "لكل رجل وامرأة وطفل حق، غير قابل للتصرف، في أن يتحرر من الجوع وسوء التغذية لكي ينمي قدراته الجسدية والعقلية إنماء كاملا ويحافظ عليها. إن مجتمع اليوم يملك فعلا من الموارد والقدرات التنظيمية والتكنولوجيا، وبالتالي من الكفاءة، ما يكفي لتحقيق هذا الهدف، ولذلك فإن استئصال الجوع هدف مشترك لكافة بلدان المجتمع الدولي، وخاصة منها البلدان المتقدمة النمو والبلدان الأخرى القادرة على المساعدة".

وقبل نحو "19" سنة من الآن، أي في نوفمبر، تشرين الثاني 1996، اجتمع زعماء العالم في مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي انعقد في روما، لبحثوا سُبل وضع نهاية للجوع. وقد تعهدوا بالالتزام ببذل جهد مستمر للقضاء على الجوع في جميع البلدان من خلال تنفيذ سياسات تهدف إلى استئصال الفقر والقضاء على انعدام المساواة، وإلى تحسين الفرص المادية والاقتصادية للناس كافة، في الحصول في جميع الأوقات، على أغذية كافية وسليمة ووافية تغذويا يستفاد منها استفادة فعالة.

مع ذلك، فان تقرير الأمم المتحدة الأخير، كان صادما، حينما كشف "أن عدد الجياع في العالم عاود ارتفاعه؛ بعد تراجع مستقر دام عشر سنوات، فشمل 815 مليون شخص في 2016 أي 11% من سكان الأرض." وأكد التقرير الذي نشرته ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، هي منظمة الأغذية والزراعة " فاو" والصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد" وبرنامج الأغذية العالمي، إن ارتفاع عدد الأشخاص الذي يعانون من الجوع بـ 38 مليونا العام الماضي، مرده -إلى حد كبير-اتساع رقعة النزاعات العنيفة والصدمات المناخية.

يحدد التقرير الأسباب الرئيسية لأزمات الغذاء المحلية، وتشمل هذه الأسباب انخفاضاً استثنائياً في الإنتاج الغذائي ونقصا واسع النطاق في القدرة على الحصول على الغذاء نتيجة تدني الدخل، وارتفاع الأسعار وتعطل شبكات التوزيع نتيجة تأثير الصراعات على وضع الأمن الغذائي على المستوى المحلي. ورصد التقرير الصراعات الأهلية والآثار المترتبة عليها، بما في ذلك موجات نزوح اللاجئين التي تثقل كاهل الدول المضيفة في 21 بلداً من أصل 39 بلداً شملها التقرير، محذرا من أنه يمكن أن تؤدي الصراعات واسعة النطاق إلى فقدان ونضوب الأصول الإنتاجية للأسر.

يعد عدم توفر الأمن الغذائي من أهم أسباب انتشار الجريمة وانعدام الأمن والطمأنينة حيث يرى أفراد المجتمع أنهم في حل من عقدهم الاجتماعي مع المجتمع الذي لم يمكنهم من الحصول على أهم احتياجاتهم. وبالتالي يعتبر عدم توفر الأمن الغذائي لأعداد كبيرة من السكان في مناطق كثيرة من العالم من أهم مهددات الاستقرار والأمن على كل المستويات المحلي، والقومي، والإقليمي، والدولي.

فعلى المستوى المحلي نجد أن انعدام الأمن الغذائي يؤدي إلى انتشار كثير من الجرائم وأنماط السلوك المنحرف مثل السرقة والاحتيال والدعارة والتسول. وعلى المستوى القومي يعتبر انعدام الأمن الغذائي من أهم أسباب النزوح والهجرة نحو المدن وظهور السكن العشوائي في أطراف المدن الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً للأمن الاجتماعي. وعلى المستوى العالمي والإقليمي نجد أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي هو أحد الأسباب الهامة للهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات. كذلك يعتبر انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع من أهم أسباب التدخل الخارجي تحت مظلة تقديم المساعدات الإنسانية والغذاء وما يصاحب ذلك من تأثير ثقافي وأخلاقي وأمني.

في الواقع، وبصورة عامة لا يعتبر توفر الغذاء مشكلة على مستوى العالم، حيث يوجد من الأغذية ما يكفي لتزويد كل فرد في العالم بحوالي (٢٥٠٠ سعر) حراري يوميـاً، وهـي كميـة تتجاوز الحد الأدنى الضروري (٢٣٠٠ سعر) لتحقيق الأمن الغـذائي بمقـدار (٢٠٠ سعر) حراري. ولكن تكمن المشكلة في سوء توزيع الأغذية ونقص القدرة الـشرائية، فهناك حوالي (٨٥٤) مليون نسمة في العالم يعانون من عدم الأمـن الغـذائي ونقـص التغذية، معظمهم في الدول النامية حيث يعيش أكثر من بليون إنسان على دخل يومي يقل عن دولار، منهم (٣٣٢) مليون يعيشون على ما بين ٧٥ و٥٠ سنتاً في اليوم و١٦٢ مليون يعيشون على أقل من ٥٠ سنتاً في اليوم.

وبناء على ما تقدم، تطرح مجموعة من الحلول التي من شأنها أن تقلل من عدد الجياع المتزايد سنويا، ولعل أهم هذه الحلول هي ما يأتي:

- السلام والاستقرار هما شرطان ضروريان لتخفيض الجوع والفقر في العالم.

- لا يمكن القضاء على الجوع في حياتنا دون بناء قدرة المستضعفين على التكيف مع مخاطر الكوارث وتغير المناخ.

- الاستثمار العام في النمو الزراعي واستخدام التكنلوجية النظيفة.

- ضرورة العمل على توافر الأغذية والحصول عليها واستقرارها واستخدامها بشكل أمثل.

- تحسين فرص الحصول على تغذية متنوعة، والرعاية المناسبة، وممارسات التغذية، مع تحقيق قدر كافٍ من الصحة والنظافة العامة.

- وإزاء هذا التحدي، فإن أي تقدم سوف يتوقف على نظم فعالة للحوكمة، وإشراك الكثير من أصحاب المصلحة في جميع القطاعات، على أن تكون المشاركة والشفافية والمساواة والمساءلة مبادئ رئيسية في هذا الشأن.

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هـ/7712421188+964http://ademrights.orgademrights@gmail.com

 

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات