تتسابق حكومات دول العالم إلى إقامة ما يُعرف بـ "الحكومة الالكترونية" فمنذ فترة طويلة، بدأت الكثير من دول العالم في تبني مفهوم "الحكومة الالكترونية" سواء في البلدان المتقدمة أو النامية من خلال استخدام تقنية المعلومات والاتصالات على شبكات الانترنيت في مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والتجارية، والتي أتاحت للحكومة ومواطنيها فرصا للتواصل بعيدا عن الإجراءات الاعتيادية الروتينية.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي تبنتً "الحكومة الالكترونية" وخلق المواطن الالكتروني، حيث يأتي المواطنون الأمريكيون في مقدمة الدول في استخدام تقنية المعلومات، إذ يبلغ عدد المستخدمين للحاسوب الشخصي، حوالي 70% تقريبا، في حين أن 60% من المواطنين في أمريكا أصبحوا مواطنين الكترونيين. وتسعى أمريكا إلى تطبيق سياسات عامة وشاملة تدفع بهذه المعدلات إلى الارتفاع. ومما يشجعها على ذلك أنها توفر ما يقارب من 70% من التكلفة مقارنة بتكلفة تقديم نفس الخدمة عن طريق المعاملات المباشرة أو التقليدية.
وطبقا لتقرير الأمم المتحدة للحكومات الالكترونية، الصادر في شهر فبراير 2012، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة تقدما كبيرا في مجال الحكومة الالكترونية على مستوى العالم، إذ قفزت خلال فترة قصيرة من المرتبة 49 إلى المرتبة 28 عالميا، وهي الأولى عربيا. وقد وصل عدد مستخدمي الانترنت في الإمارات، حوالي 21% من عدد السكان، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى.
والسؤال هنا؛ ماذا تعني "الحكومة الالكترونية"؟ وما هي فوائدها وآثارها السياسية والاقتصادية والإدارية؟ وكيف يمكن القول إن "الحكومة الالكترونية" أضحت حقا للإنسان عامة، وللمواطن في الدول التي تتبنى تقنية المعلومات والاتصالات في الإدارة العامة خاصة؟
ما زالت بعض الحكومات في العديد من الدول غير المتطورة، تقدم خدماتها إلى مواطنيها مباشرة عن طريق المقابلات الشخصية أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الهاتف، إلا أن الدول المتقدمة نتيجة سرعة تطور التقنية الرقمية والاتصال بالإنترنت، تجاوزت مفهوم تقديم الخدمة المباشرة إلى تقديم الخدمة غير المباشرة عن طريق ما هو معروف الآن بنظام الحكومة الرقمية أو الحكومة الإلكترونية؛ فأصبح من الممكن تقديم الطلبات وتخليص الكثير من المعاملات مباشرة عن طريق الحاسوب الآلي والإنترنت. كما أصبح بمقدور المواطن الحصول على كل النماذج الخاصة بالمعاملات الحكومية من الموقع الخاص بالمؤسسة الحكومية المختصة على الشبكة العنكبوتية العالمية أو الويب.
تعني الحكومة الإلكترونية استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين أسلوب أداء الخدمات الحكومية. وبتعبير آخر هي تغيير أسلوب أداء الخدمة من أسلوب يتميز بالروتين والبيروقراطية وتعدد وتعقد الإجراءات إلى أسلوب يعتمد على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين أداء الخدمات الحكومية، بهدف تقديمها للمواطن بطريقة سهلة عبر شبكة الانترنت، مما يوفر الكثير من الجهد والمال لها، فتنخفض بذلك تكلفة أداء الخدمة.
تشير الحكومة الالكترونية من وجهه نظر الأمم المتحدة إلى استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل شبكات ربط الاتصالات الخارجية، مواقع الانترنيت، ونظم الحاسب الآلي بواسطة الجهات الحكومية، ومن ثم؛ فان تبني الحكومة الالكترونية يؤثر على العلاقة الأساسية بين الجهات الحكومية من جانب والمواطنين وأعمالهم من جانب أخر. وعرف العراق الحكومة الالكترونية أنها استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم الخدمات الحكومية للمواطنين وقطاع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني.
تهدف الحكومة الإلكترونية إلى تسهيل تقديم الخدمات للمواطنين بالسرعة الممكنـة وبدرجـة عالية من الدقة، كما تهدف لتقليل التكاليف المتعلقة بالدوائر الحكومية من مصاريف معاملات ورقية وإيجار مباني واستهلاك مياه وكهرباء واتصالات، أيضاً زيادة كفاءة وشـفافية ودقـة عمل الحكومة من خلال تعاملها مع المواطنين ومنشآت الأعمال.
إن بناء الحكومة الإلكترونية يعني الأخذ بالحـسبان كـل مـا تمارسه الحكومة في العالم الحقيقي سواء على مستوى علاقة المؤسسات الحكومية ببعـضها البعض، أو علاقة المؤسسات الحكومية بمؤسسات القطاع الخـاص، أو علاقـة المؤسـسات الحكومية بالمواطنين، آخذين بعين الاعتبار دراسة برنامج عمل كل مؤسسة حكومية تنـدرج ضمن الحكومة الإلكترونية وذلك للوقوف على الايجابيات والسلبيات كي يتم تجاوز السلبيات وتوحيد طريقة عمل المؤسسات الحكومية في الجوانب المشتركة عند تحويل العمل للحكومـة الإلكترونية.
ولا شك أن مفهوم الحكومة الإلكترونية مفهوم واسع وشامل تتسع تطبيقاته لتشمل العديد مـن المجالات، ولا تقتصر على دفع الفواتير وبعض التعاملات البسيطة الأخرى، وإنمـا يـضم بداخله كل ما هو حكومي بحيث تستطيع أداءه عن طريق جهاز حاسـوب مـرتبط بـشبكة الإنترنت أو من خلال جهاز الهاتف أو الجوال دون الحاجة إلى التواجد شخصياً فـي مكـان الحصول على الخدمة.
في الواقع جرى تقسيم "الحكومة الإلكترونية" إلى ثمانيـة أنـواع من الحكـومـة الإلكترونيـة، تسعى الحكومات إلى تنفيذها إما فوراً أو بالتدريج، وهي:
(1) الحكومـة للمواطـن: أي تقديم الخدمات العامة من طرف الحكومية للمواطن مباشرة عن طريق المعلومات والاتصالات.
(2) المواطـن للحكومـة: تزويد الحكومة من طرف المواطن بالمعلومات والاتصالات.
(3) الحكومة للأعمال: تقوم بمبادرات الصفقات التجارية الإلكترونية مثل الحيازة الإلكترونيـة وفتـح سوق إلكتـرونـي لمشتـريـات الحكومـة؛ والقيـام بمناقصات الحيازة الحكومية من خلال الطرق الإلكترونية لتبادل المعلومات والبضائع.
(4) الأعمال للحكومة: أي تزويد الحكومية بالأنشطة الاقتصادية والتجارية من خـلال الطـرق الإلكترونيـة لبيع البضائع والخدمات.
(5) الحكومة للموظفين: الإقدام على مبادرات تسهل إدارة الخدمة المدنية والاتصالات الداخلية مع موظفي الحكومة حتى يمكن جعل تقديم طلبات الوظائف الإلكترونية والبت فيها دون ورق في المكتب الإلكتروني.
(6) الحكومة للحكومة: تزود أقسام أو وكالات الحكومة بالتعاون والاتصالات بصورة مباشرة وبقواعد بيانات حكومية هائلة للتأثير على الكفاءة والفعالية؛ وتشمل أيضاً التبادل الداخلي للمعلومات والمعدات.
(7) الحكومة للمؤسسات اللاربحية: تزود الحكومة المنظمات اللاربجية (الخيرية) والأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والهيئات التشريعية بالمعلومات.
(8) المؤسسات اللاربحية للحكومة: تبادل المعلومات والاتصالات بين الحكومة والمؤسسات اللاربحية (الخيرية) والأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والهيئات التشريعي.
في الحقيقة أن "الحكومة الالكترونية" هي وسيلة لتحسين الأداء الحكومي ليصبح أكثر كفاءة وفاعلية، ولهذا، فان اعتماد الحكومة الالكترونية يشكل عملية تغيير من شأنها أن تساعد على توسيع مجالات المواطنين ورجال الأعمال للمشاركة في الاقتصاد الجديد، القائم على المعرفة، كما توفر الحكومة الإلكترونية إمكانية إشراك المواطنين والمجتمع المدني في مناقشة السياسات ودعم اتخاذ القرارات، بشكل أكثر تفهما للمواطنين واحتياجاتهم.
ولكي تكون الحكومة الالكترونية فعالة، لابد من وجود مقومات ومتطلبات عديدة مثل ضرورة وجود حاسب آلي، ليتمكن موظفو الحكومة الالكترونية من ممارسة مهامهم المناطة بهم في نطاق في نطاق الحكومة الالكترونية وطلب الخدمة واستخدامها. ويتم ذلك من خلال شبكة الكترونية ترتبط بها تلك الحواسيب.
كما أن وجود العنصر البشري لا غنى عنه في أداء أعمال الحكومة الالكترونية، فلابد أن يعرف الموظف العام استخدام تلك الحواسيب المختلفة وتطبيقاتها، وأن يكون مدربا وحاصلا على المؤهلات العلمية التي تمكنه من ممارسة مهامه، في كيفية استخدام الحكومة الالكترونية. كما أن من المهم تطوير المؤسسات الحكومية: حيث يتطلب نجاح تطبيق إستراتيجية الحكومة الالكترونية إجراء التغيرات التنظيمية داخل المؤسسات الحكومية وان أساليب الإدارة التقليدية لا تتناسب مع تطبيقات الحكومة الالكترونية التي تتطلب المرونة والسرعة في اتخاذ القرارات، حيث تتطلب تغير الهياكل بالتحول إلى الهياكل الشبكية، مما يقلل التوجه نحو الاختصاص وتقسيم العمل، في المقابل يزيد التوجه نحو دمج الوظائف وتقليل المستويات الإدارية، وتقلل المستويات الرقابية.
وتمكين المواطنين من التعامل مع الحكومة الالكترونية: وذلك بان يكون لدى المواطن الحاسب الآلي وعلى دراية ومعرفة بطرق التعامل مع الحكومة الالكترونية مما يترتب على المؤسسات التعليمية مسؤولية تطوير مناهج وتقنيات التعليم بما يتفق ومعطيات العصر الالكتروني، كما يتطلب زيادة الوعي وثقافة المواطنين وتقبلهم لاستخدام الحكومة الالكترونية.
نخلص مما تقدم أن استخدام الحكومة الالكترونية لها مزايا وخصائص منها:
۱- تجميع كافة الأنشطة والخدمات المعلوماتية في موضوع واحد هو موقع الحكومة الرسمي على الانترنت.
۲- تحقيق سرعة وفعالية الربط والتنسيق والأداء والإنجاز بين دوائر الحكومة ذاتها ولكل دائرة حكومية على حدة.
۳- اتصال دائم بالمواطنين (24 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع 365 يوم في السنة).
٤- القدرة على تأمين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدمية للمواطن.
٥- تحقيق وفرة في الإنفاق في كافة العناصر، مع تحقيق عوائد أفضل من الأنشطة الحكومية ذات العائد التجاري.
٦- تقليل الاعتماد على العمل الورقي.
۷- الشفافية في التعامل.
۸- كسر الحواجز الجغرافية، وتلك المتعلقة بالسكان.
الخلاصة:
إن مشروع بناء الحكومة الإلكترونية يتمحور حول فكرة أساسية مفادها الاستثمار في تقنيات المعلومات والاتصالات، والتحضير اللازم للعنصر البشري وربط المواطن والمؤسسات الحكومية ومؤسسات الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني بنسق إلكتروني موحد يتيح إجراء مختلف المعاملات بين هذه الأطراف جميعا بالسهولة والسرعة اللازمة، مما يوفر الجهد والوقت والتكاليف، ويحقق لمؤسسات الأعمال على وجه الخصوص مزايا في غاية الأهمية ترفع من مستوى أداء وظائفها المتعددة ضمن الاستخدامات المتميزة للاقتصاد الرقمي.