عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حواره الفكري في ملتقى النبأ الاسبوعي، والذي ناقش فيه (أثر الإصلاح على مبدأ تكافؤ الفرص)، بمشاركة مجموعة من الباحثين والأكاديميين والقانونيين في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
حيث تطرق مدير الجلسة الفكرية الباحث في الشأن الحقوقي لمركز آدم والتدريسي في جامعة كربلاء الدكتور علاء الحسيني إلى اتساع الحراك الشعبي الذي يمر به العراق وظهوره في عدة أشكال منها التظاهرات والاعتصامات والندوات الحوارية والحملات الإعلامية والتوعوية، المطالبة بتحسين الخدمات العامة وإصلاح الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتردي نتيجة أخطاء الحكومات السابقة والمناكفات السياسية وما تخفيه من صراع يأخذ صور عدة بعضها طائفي أو مذهبي وبعضها حزبي.
موضحا الدور الريادي الذي قامت به المرجعية الشريفة على تحريك الشارع وحث الحكومة بإجراء الإصلاحات عبر خطب الجمعة المتتالية والبيانات المتعددة في هذا الخصوص.
متطرقا لمبادرة رئيس الوزراء بطرح رؤيته الإصلاحية عبر حزمتين من الإصلاح والتي حصلت على تأييد المرجعية الدينية وتفويض من البرلمان العراقي ودعم الشعب ممثلاً بساحات التظاهر في المحافظات المختلفة.
مشيرا إلى انعقاد آمال الشارع العراقي بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين العراقيين تطبيقاً وامتثالاً لما ورد في دستور جمهورية العراق لعام 2005 في المادة 16 (تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك)، مستعرضا من خلال الجلسة الفكرية أهم بنود المبادرة الإصلاحية وبيان تباعدها الواضح بينها وبين مبدأ تكافؤ الفرص عندما طبقت خلال الشهرين الأخيرين وإنها كانت مجرد بالونات إعلامية لامتصاص زخم المظاهرات ومحاولة للحصول على دعم المرجعية بتبني إجراءات بسيطة وغير مؤثرة على التوافق بين الكتل الكبيرة ودون المساس بمكتسباتها ومصادر تمويلها التي تمثل امتصاص لواردات الدولة وإنهاك لموازنتها.
وقد طرح مدير الجلسة الفكرية الدكتور الحسيني عدة أسئلة أمام الحاضرين للمناقشة وسماع آراؤهم التي من شأنها تقويم أفكار الحاضرين، فكان منها:
السؤال الأول: هل نجحت الحكومة في وضع أسس إصلاح الواقع السياسي والاقتصادي والأمني، وهل تمكنت من التلاؤم بين خطواتها الإصلاحية ومبدأ تكافؤ الفرص؟
السؤال الثاني: ما الخطوات العملية واجبة الإتباع للوصول إلى الإصلاح الحقيقي؟.
المداخلات:
الشيخ مرتضى معاش تحدث قائلاً، مفهوم تكافؤ الفرص هو من القضايا المهمة والأخلاقية والتي جاءت تطبيقا لمبدأ أمير المؤمنين (ع) بقوله "وأنصف الناس من نفسك"، ولكن المشكلة التي نواجهها اليوم هي عدم معرفة تطبيق مفهوم مبدأ تكافؤ الفرص، لذا على المجتمع أن يصل بنضجه العقلي إلى تطبيق هذا المبدأ من اجل صناعة مجتمع متوازن وعادل يعمل بالمساواة.
لا نتوقع من رئيس الوزراء العبادي حل مشكلة الإصلاحات والعمل الجدي عليها، على اعتبار إن النظام الانتخابي الذي بنيت عليه الدولة هو نظام خاطئ ولا يعمل على تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع.
من جهته قال الأستاذ حمد جاسم الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، العراق اليوم لا يحتاج إلى إصلاحات فقط، بل يحتاج إلى إعادة بناء لجميع مفاصل الدولة اقتصاديا وعسكريا وامنيا وثقافيا، وفي نفس الوقت يحتاج إلى من يدير هذه الهيكلية بصورة صحيحة وواقعية لا إعلامية فقط.
الدكتور امجد الفاضل/ تدريسي في جامعة كربلاء، أوضح أنه ليس من السهل في العراق طرح ورقة إصلاح واقعية بوجود كل هذا التشابك وهذا التعقيد وهذه العلاقات السياسية المعقدة والمستندة إلى أيدولوجيات داخلية وأخرى خارجية، وإنما علينا معالجة المشكلة الحقيقة في البلاد وهي الإدارة الرشيدة التي يفتقر إليها البلد.
وأضاف بعد عام 2014 بدأت تظهر تجليات سياسية جديدة على الشارع العراقي تمثلت في البحث عن صاحب الكلمة الفصل وصاحب القرار الحاسم في العراق ليضع الحلول الجذرية والنهائية أمام المشاكل، وهذا الأمر ربما أعاد المجتمع بالرجوع إلى المسار الصحيح بتسليم الأمور إلى قيادة الحوزة العلمية الشريفة والثقة بقراراتها، فبعد فشل الطروحات السياسية أصبحت الأرض ممهدة للإصلاح الإداري الحقيقي والواقعي، ليصبح مقدمة للإصلاح السياسي والذي مثلته ظاهرة الحشد الشعبي والتفاف المجتمع حول قيادة دينية موحدة، لذلك اعتبر إن مبدأ تكافؤ الفرص هو محصل نهائي لإدارة رشيدة في الدولة العراقية.
من جانبه تطرق الحقوقي احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات إلى أنه لا يمكننا اليوم تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بسبب اتجاه الدولة نحو النظام الانتخابي الخاطئ وتسيد الأحزاب السياسية، فهناك فئات أثروا على المال العام واستطاعوا الحصول على أعلى الأصوات الانتخابية، وهناك فئات استغلوا مناصبهم الإدارية للحصول على مغانهم.
وإذا كان الإصلاح يبدأ من قانون الأحزاب والانتخابات ومنح الفرص أمام جميع المرشحين سنكون حققنا مبدأ تكافؤ الفرص ونشهد انطلاقه جديدة في الإصلاحات الواقعية.
الدكتور قحطان الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، الإجراءات التي طرحها رئيس الوزراء العبادي في ورقتي الإصلاح بدأت تضمحل وتنهار بسبب التسويف السياسي من قبل البرلمان، مما ولد شعورا بحصول انقلاب على الشعار الذي طرحه العبادي. وطبيعة العملية السياسية في العراق بناءا على أسس خاطئة تحتاج إلى توافق سياسي، فإذا لم يتحقق في بداية المشوار فإنه يولد خصوم جدد أمام العبادي وعليه أن يواجه نواياهم المبيتة والتي تنذر بعزله عن منصبه.
وأضاف اعتقد إن العبادي فشل في وضع الأسس اللازمة للإصلاح الواقعي وخصوصا بعد عدم استغلاله التأييد المرجعي وتفويض الشعب العراقي.
الدكتور احمد المسعودي، الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية قال، لم تنجح حكومة العبادي في وضع أسس سليمة وصحيحة للإصلاحات بسبب عدم امتلاكها أبعاد إستراتيجية واضحة، سواءً على المستوى الاقتصادي أو العسكري أو الأمني، وهذه الإصلاحات تبتعد ابتعادا كبيرا عن الرؤية الإستراتيجية التي من شأنها النهوض بالواقع العراقي.
الدكتور حازم البارز، التدريسي في جامعة كربلاء قال، لم ينجح العبادي في حزمتي الإصلاحات التي طرحها، لأنه قدم المهم على الأهم وكان عليه أن يعالج العلة بالمعلول لا بالعلة نفسها، فقد ظهرت الخلافات والاختلافات ضد العبادي وخصوصا بعد طرحه لورقة الإصلاح الثانية وكأنه لم يضع الأمور على أسس قانونية وأسس دستورية وهذا مما ولد خصوم جدد تقف في وجه الإصلاحات المرجوة.
الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، قال؛ ربط الإصلاح بالحكومة هو إجحاف بحق الإصلاح، لأن الحكومة هي مجموعة من شخصيات تمثل كتل سياسية متهمة بالفساد يديرون دولة، وتحت ضغط المرجعية والشارع أنشأت الإصلاحات التي لم تلامس واقع الشارع العراقي.
والمرجعية تطلب من الحكومة إصلاح نفسها والحكومة مكونة من شخصيات متهمة بالفساد، لكن لم نشهد تقديم ورقة إصلاحات من قبل المرجعية إلى الحكومة من اجل تطبيقها واقعاً، والمثقفين عليهم أيضاً أن يقدموا مشروع إصلاح أمام الحكومة من اجل تطبيقه، الخطوة الأولى في الإصلاح هي تقديم المفسدين أمام القضاء.
وفي نهاية الجلسة الفكرية خرج الحاضرون بعدة توصيات ومقترحات كان من أهمها:
1- العمل على ترسيخ فكرة مبدأ تكافؤ الفرص في المجتمع برسم صورة واضحة لهذا المبدأ.
2- تطوير البنية الاقتصادية للبلد بإشراك القطاع الخاص وفتح المجال أمامه والعمل المشترك.
3- العمل على إنهاء المحاصصة في البلد وتطبيق مبدأ اختيار الأكفأ في الحكم لا على أساس المحاصصة المذهبية.
4- العمل على إعادة النظر بالجانب الإداري لإدارة الدولة وتحديد نظام يعمل وفقاً عليه.
5- من اجل جني ثمار ناضجة للإصلاح فمن الضروري أن تكون البذرة الأولى من التعليم والتركيز على التعليم الإسلامي الصحيح والسليم.
6- إعادة النظر بقانون الانتخابات العراقية وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص أمام جميع الأحزاب والمرشحين.
7- إجراء بعض التعديلات القانونية على بعض مواد الدستور العراقي.
8- الاهتمام بالثقافة الاجتماعية التي يبنى عليها المجتمع العراقي.
وفي ختام الجلسة الفكرية اتفق الجميع على ضرورة وجود الإرادة الحقيقية في المجتمع لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص فيما بينهم ومن خلاله يرتفع إلى السلطات العليا الحاكمة في البلد.
واختتم مدير الجلسة بتقديم الشكر إلى جميع الحاضرين المشاركين في الملتقى الفكري متمنيا لهم دوام التوفيق.