تشير تقارير دولية عديدة إلى تزايد عدد المهاجرين من مواطني الدول العربية والاسلامية، بالخصوص سوريا والعراق وليبيا، مضافا إلى أفغانستان، وبعض الدول الإفريقية إلى أوربا، بغية الحصول على حياة آمنة وكريمة.. حيث تقول الأمم المتحدة إن نحو 300 ألف مهاجر عبروا البحر المتوسط هذه السنة تجاه أوربا.وقالت وكالة مراقبة الحدود الأوروبية "فرونتكس" إن أكثر من 107 ألف شخص وصلوا أوروبا خلال شهر يوليو/تموز الماضي 2015. وهو ما دفع بريطانيا وفرنسا لتوقيع اتفاق لمواجهة تدفق المهاجرين غير القانونيين الراغبين في التوجه لبريطانيا من ميناء كاليه الفرنسي.ما هي الأسباب التي دعت هذا العدد الكبير من المهاجرين إلى مغادرة بلدانهم وأوطانهم رغم قسوة الرحلة وخطورتها؟ وما هي الحقوق التي ينبغي أن يحصل عليها المهاجرون في بلاد المهجر وفقا للقوانين والاتفاقات الدولية؟ وما هي الحلول الوطنية والدولية التي ينبغي التفكير بها والعمل عليها للتخفيف من ظاهرة الهجرة؟.عند النظر في جنسية المهاجرين إلى أوربا، نجد أن غالبية المهاجرين قادمون من بلاد تشهد انفلاتا امنيا أو حروبا ونزاعات داخلية مثل سوريا والعراق وليبيا، أو من بلاد تعاني الفقر والحرمان والاضطهاد مثل أفغانستان وبعض دول إفريقيا كالصومال واريتريا. وبالتالي، عندما لا يمكن تأمين حياة أفضل أو أكثر أمانا في بلدانهم، يبدو عبور الحدود الخيار الأفضل، إن لم يكن الوحيد لهم ولأسرهم. وفي عالم لا تتوافر فيه غالبا، لأسباب مختلفة، إمكانية الهجرة القانونية، يخلق هذا الطلب سوقاً غير مشروعة مربحة لما يُعرف بالهجرة غير القانونية.الهجرة غير القانونية أو غير الشرعية تعد بمثابة رحلة الموت لطالبي اللجوء في الدول الأوربية؛ إذ يقع المهاجرون المستضعفون في أيدي المهربين، ويتعرض العديد من المهاجرين أثناء عملية التهريب لسوء المعاملة ويجبرون على تحمل ظروف قاسية. فقد يتعرضون للإساءة أثناء الطريق إلى وجهتهم أو يُتركون وسط الطريق دون موارد. وقد يقعون ضحايا للابتزاز والاستغلال من قبل مهربيهم، ويتعرضون كذلك لظروف رهيبة، غالبا ما تعرض حياتهم للخطر. فالآلاف غرقوا في البحر أو لقوا حتفهم في الصحاري.تقدر المنظمة الدولية للهجرة أنه في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014، مات 4077 مهاجراً على الأقل أثناء تهريبهم إلى الخارج بزيادة تفوق 70% عن حالات الوفاة المسجلة في عام 2013 بالكامل. وبحسب المنظمة ذاتها؛ أن عدد الذين ماتوا غرقا في المتوسط 2350 مهاجرا منذ بداية سنة 2015، أي 30 ضعف العدد الغارق سنة 2014.لقد ارتفعت وثيرة الهجرة الدولية بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة، فأصبحت الهجرة فعلا ظاهرة عالمية، ويُقدَّرُ عدد المهاجرين الذين يقطنون خارج بلدانهم الأصلية بحوالي 200 مليون شخص. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن تفاقم أعداد اللاجئين وملتمسي حق اللجوء إلى أوروبا، حالة طوارئ إنسانية، سببها تدهور الأوضاع في بلدان المنشأ والعبور، بما فيها الصراعات في ليبيا، وسوريا، والعراق، ونيجيريا، وغيرها من البلدان التي تعاني انعدام الأمن الاقتصادي أو الانهيار. أي أن وجود أسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تدفع بالكثير إلى طرق باب الهجرة والبحث عن حياة أفضل في دول أخرى تكون جاذبة لمثل هؤلاء الأشخاص، حيث تتوافر فرص عمل أفضل ويشعر الأشخاص فيها بالأمان على حياتهم.وهذا يعني من حيث المبدأ أنه لا يمكن وضع اللوم على هؤلاء المهاجرين الطالبين لحياة أفضل، لان خياراتهم في بلدانهم كانت مازالت محدودة. يقول الصحافي السويسري بيير جيني في مقال بصحيفة la tribune de Genève إن "لا شيء يمكن أن يمنع أي شخص ليس له من خيار سوى مغادرة بلده، ما دام هناك حروب وفقر وكوارث ستكون هناك هجرة". وأيضا لا يمكن وصف هجرة المهاجرين بأنها هجرة غير قانونية أو غير شرعية؛ فليس هناك دافع يدفع المهاجرين إلى مغادرة بيوتهم وبلدانهم غير المعاناة والفقر وعدم الاستقرار، وهي دوافع مشروعة في نظر الإنسانية. حيث يقول إيمانويل بيولان، رئيس مؤسسة فرنسا للحريات (غير حكومية) في مقال رأي نشره في موقع Huffington post الفرنسي، إنه "ليس هناك هجرة شرعية وأخرى غير شرعية، لأن التنقل هربا من الحرب ومن الفقر هو أمر شرعي".علاوة على ذلك، فان العلاقة الوطيدة التي تجمع بين الهجرة كظاهرة اجتماعية ذات بعد إنساني واحترام حقوق الإنسان، جعلت مسألة الحماية الدولية للمهاجرين مطروحة منذ عقود على الساحة الدولية، حيث يتم النظر إلى حقوق المهاجرين في إطار الصكوك الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والمتعلقة بحقوق الإنسان، وبالتالي، فان حق الهجرة واللجوء هو حق مكفول دوليا لكل من يعاني في بلده الأم. فقد جاء في المادة 14 من إعلان العالمي لحقوق الإنسان (1-لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد).الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين نصت في المادة (26) أن على الدول المتعاقدة واجب توطين اللاجئ من اختيار محلا لإقامته مع تنقله الحر ضمن أراضيها وفق أنظمة كالتي يخضع لها الأجانب عامة وفي ذات الظروف. وتعطي المادة (27) حقا للاجئ يلزم الدولة المتعاقدة المقيم فيها لإصدار بطاقة هوية شخصية له لعدم امتلاكه وثيقة سفر منها صالحة تزودها له وفق المادة (28) من الاتفاقية لتمكينه من السفر إلى خارج الدولة باستثناء متطلبات قاهرة متصلة بالأمن الوطني أو النظام العام، وتكون وثائق السفر الصادرة بموجب الاتفاقيات الدولية السابقة محل اعتراف الدول المتعاقدة.وحظرت المادة (31) من الاتفاقية على الدولة المتعاقدة فرض عقوبات جزائية على اللاجئين بسبب وجودهم غير المشروع على أراضيها طالما إن دخولهم غير القانوني سببه تهديد حياتهم أو حرياتهم على الوجه الذي إبانته المادة (1) من الاتفاقية مع إلزامهم بتقديم أنفسهم إلى السلطات بلا تأخير مع إثبات وجاهة دواعي دخولهم أو وجودهم غير المشروع وعلى الدولة المتعاقدة المعنية استبعاد القيود غير الضرورية التي تحول دون تنقلاتهم طالما لم تستكمل تسوية أوضاعهم في بلد الملجأ أو لحين قبولهم في بلد أخر وضمن مهلة مناسبة.وتدعو المادة (33) إلى عدم جواز طرد اللاجئ أو رده إلى حدود الإقليم الذي تكون فيه حياته معرضة للخطر وحريته مهددة بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتماءه إلى فئة معينة أو أرائه السياسية على انه لا يجوز له تمسكه بحقه في اللجوء حينما يكون خطرا على امن البلد. وأخيرا فأن المادة (34) من الاتفاقية تدعو الدول المتعاقدة إلى إبداء التسهيلات الممكنة لاستيعاب اللاجئين ومنحهم جنسيتها دون أبطاء في الإجراءات وتخفيض الرسوم إلى ادني حد ممكن.بناء عليه، فإذا كانت قضية المهاجرين هي قضية إنسانية أولا، وهي مشكلة قانونية ثانية، وسياسية واقتصادية ثالثا، فان من واجب على الدول المرسلة والدول المستقبلة والمنظمات الإنسانية أن تعمل على احتواءها على المستوى الإنساني والقانوني والسياسي والاقتصادي، فضلا عن مكافحة الاستغلال وانتهاك حقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون الذين يشكلون مجموعة سكانية كبيرة لا يمكن تجاهلها، وذلك من خلال الآتي:- من الضروري جدا توفير الحماية القانونية للمهاجرين عن طريق قيام المجتمع الدولي إلى عقد المزيد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية التي تنظم أوضاع هؤلاء الأشخاص وتوفر لهم الحماية والحياة الكريمة..- أن تعمل المنظمة الدولية للهجرة على تعزيز الهجرة وتنظيمها بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويعود بالفائدة على الجميع، من خلال تقديم الخدمات والمشورة للحكومات والمهاجرين على السواء؛ وأن تعمل المنظمة للمساعدة على ضمان إنسانية وإدارة الهجرة وتعزيز التعاون بشأن قضايا الهجرة والمساعدة في البحث عن حلول عملية لمشاكل الهجرة، كما تقدم المساعدة الإنسانية للمهاجرين، سواء كانوا لاجئين، مشردين، أو مقتلعين من ديارهم وأراضيهم.- أن تعمل الدول بالخصوص الدول الأوربية على توفير الأمن والاستقرار السياسي في بلدان المهجر؛ فواضح أن مصالح الدول الكبرى كالدول الأوربية وأمريكا قد ساهمت بشكل وآخر في زرع اللاستقرار السياسي واللامن وإشاعة الفوضى الاجتماعية، علاوة على توفير الحياة الكريمة لكل المهاجرين القادمين من تلك الدول وهو التزام أخلاقي قبل أن يكون قانوني. وبحسب انطونيو غوتيريز مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق اللاجئين إنه على أوروبا جميعا أن تتقاسم أعباء المهاجرين.- أن تعمل منظمات المجتمع المدني على مساعدة المهاجرين واللاجئين في جميع أنحاء العالم من خلال توفير المأوى والغذاء والدعم القانوني والاجتماعي. ويمكن للمواطنين لفت انتباه هذه المنظمات لمحنة الأفراد الذين يحتاجون لمساعدتها وتقديم معلومات عن هذه المنظمات للمهاجرين واللاجئين.- أن لا تركز الجهود الدولية بشكل كبير على اعتقال وترحيل المهاجرين وتولي اهتماماً أكثر لتفكيك الجماعات الإجرامية المنظمة المتورطة. حيث يجب القبض على هؤلاء الذين يجنون الأرباح الحقيقية ومحاكمتهم. فتعزيز مراقبة الحدود قد يؤدي لوحده إلى زيادة الطلب على خدمات التهريب لدخول البلاد بطريقة غير قانونية.
اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
https://www.telegram.me/
التعليقات