دراسات

المقاومة الشعبية المسلحة ضد الإرهاب في إطار القوانين الدولية (العراق أنموذجا)

 إن الأصل في العلاقات الدولية هو عدم جواز استخدام القوة أو التهديد بها، فقد حَظَرَت الأمم المتحدة بالفقرة الرابعة من المادة (2) من الميثاق التهديد باستعمال القوّة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر، وأن استعمال القوة لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة التي هي حفظ السلم والأمن الدّولي وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكلّ منها تقرير مصيرها.

 ولكن ماذا لو تعرض أمن الدول والشعوب للخطر؟ ماذا لو قررت دولة ما أو جماعات مسلحة ما أن تحتل أراضي أو جزء من أراضي دولة أخرى؟ ماذا لو تعرض سكان دولة ما إلى احتلال سافر وإلى تغيير ديمغرافي؟ هل يبقى الأصل على أصله، وتمتنع الشعوب عن استخدام القوة في مقابل القوى المحتلة، أم أن القانون الدولي أجاز للدولة المحتلة التي انتهكت سيادتها أن تدافع عن نفسها بكل الطرق والوسائل المشروعة بما فيها استخدم القوة المسلحة بواسطة القوى النظامية أو القوى الشعبية التي تجندها لهذا الغرض؟

 الواقع أن مثل تلك الحالات وهي كثيرة، تبرز قاعدة (الدفاع عن النفس) وهي قاعدة تظل قائمة إلى جنب قاعدة (عدم جواز استخدام القوة أو التهديد بها). فقد أجاز الميثاق بالمادة (51) منه حقّ الدّفاع الشّرعي عن النّفس، والتي جاء فيها: ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحقّ الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدّفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوّة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة. وتعد هذه المادة الأساس في الميثاق التي تتيح الحق بالدّفاع الشّرعي لصد العدوان والاحتلال.

 لذلك فان القانون الدولي يعطى حق المقاومة المسلحة للشعوب التي احتلت أرضها، من قبل دولة أخرى أو جماعات أخرى دخلت حدودها مدعومة أو مؤيدة من دولة أخرى، ولا يحق لأي فرد أيا كان أن يتنازل عن هذا الحق حتى لو كان رئيسا للدولة؛ لأن هذا الحق يعد من حقوق الإنسان الطبيعية التي كفلتها الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان والصادرة عام 1966 والتي تتضمن العهد الدولي للحقوق المدنية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية، والذي يجعل حق الشعوب في مقاومة المستعمر وتقرير المصير ومواصلة الكفاح المسلح بكل النواحي حق مقرر للشعوب.

 في العراق من هو العدو؟ ومن يمكن أن يتصدى له، وما هو موقف القوانين الدولية من تشكيلات (قوات الدفاع الوطني) التي تطوعت للدفاع عن الأراضي المحتلة من قبل العدو؟

 العدو الذي اجتاح حدود العراق، واحتل مركز محافظة نينوى وبعض أقضية المحافظة، هو مجموعة من الإرهابيين المعروفين باسم (تنظيم داعش) وهم مؤيدون ومدعمون من قبل دول مجاورة وجماعات خارجية تريد إسقاط العملية السياسية برمتها وإعادة العراق إلى زمن الاستبداد والاستبعاد.

 اعتبرت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الإرهاب عملا إجراميا، وجريمة دولية هدفها تدمير حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية وتهديد السلام الإقليمي للدول وأمنها وهز استقرار الحكومات الشرعية والمساس بتعددية المجتمع المدني. وقد عُرف الإرهاب في اتفاقية منع الإرهاب 1937 بأنه (جميع الأعمال الإرهابية الموجهة ضد دولة ما وتهدف أو يقصد بها خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور).

 وبعد مشوار طويل، استقر الرأي الدولي على اعتبار المحكمة الجنائية الدولية هي الوسيلة المثلى لمحاكمة المتهمين بالإرهاب أو شركائهم بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة، بعد إدخال جرائم الإرهاب على النحو المشار إليه ضمن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية مما تختص به تلك المحكمة، بحيث يمكن أن تختص بمحاكمة المتهمين في تلك الجرائم، سواء كان الإرهاب داخل إطار الدولة أو اشترك فيه آخرون من خارج الإقليم بالاتفاق أو المساعدة، بصرف النظر عن صفاتهم، سواء كانوا أفرادا عاديين أو رؤساء دول.

 وإذا كان الإرهاب جريمة دولية تمس أمن البلاد والشعوب، فكيف يمكن للدول أن تدافع عن نفسها وترد القوى الإرهابية وتعزز أمنها واستقرارها وتحتفظ بنظامها الديمقراطي؟

 للدولة أن تستخدم كل طاقاتها وإمكانياتها للدفاع عن أراضيها، وللشعب أن يدافع عن نفسه بكل الطرق المشروعة والوسائل المتاحة، ويمكن أن تتولى القوات النظامية سواء كانت قوات الجيش أو الشرطة أو القوات الأمنية والاستخبارية، مهمة صد العدو ومقاومته من خلال الوسائل والأدوات المتوفرة لديها.

 ويمكن أن ينتفض الشعب ويتولى الدفاع عن نفسه ومقاومة العدو، سواء أكان المقاومون منظمين وخاضعين لقيادة مركزية أم على شكل مبادرات شعبية، وسواء أكان نشاطهم العسكري قاصراً على الإقليم المحتل أم تعدّاه إلى ملاحقة المعتدي خارج الإقليم.

 بالخصوص إذا كانت القوات النظامية غير كافية للدفاع عن سيادة البلد، أو أن المناطق التي يستحوذ عليها العدو الإرهابي هي مناطق سكنية، يؤدي ضربها إلى وقوع ضحايا من المدنيين الذين يتحصن بهم العدو ويتخذهم دروعا بشرية له.

 وصفت المادة الثانية من لائحة لاهاي لعام 1907 الشّعب القائم أو المنتفض في وجه العدو بأنه: (مجموعة المواطنين من سكان الأراضي المحتلة الذين يحملون السّلاح ويتقدمون إلى قتال العدو، سواء أكان ذلك بأمر من حكومتهم أم بدافع من وطنيتهم أو واجبهم) وأقرت المادة المذكورة كذلك بأن (هؤلاء المواطنين المقاتلين يعدون في حكم القوات النّظامية وتنطبق عليهم صفة المحاربين لكن وجوب توافر شرطين فيهم الأول حمل السّلاح علناً والثاني التقيدْ بقوانين الحرب وأعرافها).

وقد اشترطت المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة الشروط التي ينبغي توافرها في عنصر المقاومة التي هي:

1- أن تكون تحت قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه أي وجود منظومة قيادة وسيطرة للمقاومة.

2- أن تكون لهم علامة مميزة يمكن تمييزها عن بعد.

3- أن تحمل أسلحتها بشكل ظاهر.

4- أن تقوم بعملياتها الحربية طبقاً لقوانين وتقاليد الحرب.

 إذن، فحركات المقاومة والتحرر الوطني تمثل إرادة الشعوب التي تدافع من أجل قضية عادلة وهي الحرية والاستقلال، وتلجأ إلى السلاح والعنف كوسيلة بغية الوصول إلى أهدافها الإستراتيجية والبعيدة، كردّ فعل لا بديل له على العنف الأكبر والإذلال الذي تمارسه الجماعات الإرهابية والدول الداعمة والمساندة له على أرضه.

 

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات