مقالات

السلطة البحرينية تقتل بالشوزن وترعى المحكمة العربية لحقوق الإنسان

فيما كانت السلطات البحرينية تمارس عنفها المعتاد ضد المحتجين السلميين الشيعة، فتقتل وتعتقل العشرات وتضيق على آخرين. اجتمعت في البحرين شخصيات تشغل مناصب ومراكز مهمة عربيا ودوليا منهم الأمينان العامان للجامعة العربية، ودول مجلس التعاون الخليجي، نبيل العربي، وعبد اللطيف الزياني، وكان الهدف من الاجتماع هو إقرار النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، واتخاذ المنامة مقرا لها.

هذه المحكمة التي تم إقرارها في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الدوحة العام الماضي، معنية بترسيخ حقوق الإنسان في الدول العربية والنظر في النزاعات التي تحدث في إطار هذه الدول. لكنها تختص بالعرب فقط دون غيرهم على الرغم من أن الأجانب يشكلون نحو 80% من عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي.

 وهي مفارقة لافتة تحيط بتأسيس المحكمة، فليس من المنطقي ان تنظر المحكمة بدعاوى حقوق الإنسان في المنطقة دون أن يكون للأجانب نصيب فيها، وكأن الرسالة التي تريد الجامعة العربية إيصالها إلى مواطنيها وإلى غيرهم تشير إلى أن مقاسات حقوق الإنسان في المنطقة العربية فصّلت وفقا لأهواء الحكومات ولم تكن مبنية على أسس موضوعية متينة.

محكمة ناقصة الاختصاص

ووفقا لمحددات المحكمة العربية لحقوق الإنسان فمن الطبيعي ان نرى أنها غير معنية بالنظر في أية دعوى يرفعها بحرينيون أو سعوديون شيعة، طالما أنهم متهمون بالولاء لدول أخري وطالما تعتقد حكوماتهم انهم مجنسون وليسوا من سكنة البلاد الأصليين.

وإلا فإن اختيار المنامة لتكون مقرا للمحكمة العربية المعنية بحقوق الإنسان في الوقت الذي تمارس فيه السلطات البحرينية منذ سنوات أبشع أنواع العنف ضد محتجين سلميين، لا ينسجم مع ابسط مبادئ حقوق الإنسان ويتجاهل مشاعر أهالي الضحايا البحرينيين ممن سقطوا على يد السلطة، ويشير في ذات الوقت إلى أن الجامعة العربية ليست معنية بحقوق الإنسان للمواطنين الشيعة.

 بل ان هذه الخطوة تستفز البحرينيين المطالبين بالإصلاح وتسقط الجامعة العربية التي لم تمانع في اتخاذ البحرين مقرا لها، تسقطها في تناقض كبير كونها تؤسس لمحكمة ترعى دعاوى حقوق الإنسان وبذات الوقت تتخذ من دولة تنتهك هذه الحقوق مقرا للمحكمة.

وليس أدل على ذلك من قيام السلطات البحرينية بقتل شاب بحريني في الوقت الذي كان فيه ملك البحرين يرعى الاجتماعات التحضيرية الخاصة بالمحكمة العربية لحقوق الإنسان حيث قتل الشاب محمود محسن من أهالي قرية سترة التي يشكل الشيعة غالبية السكان فيها.

والمغدور فارق الحياة بعد ساعات من إصابته برصاص الشوزن وهو ما أكدته وزارة الداخلية البحرينية أيضا.

وكان الحسن في تظاهرة خرجت للتنديد بمقتل مواطن بحريني آخر، فتطورت لاحقا إلى مصادمات مع عناصر الشرطة استخدمت فيها الأخيرة رصاص الشوزن الذي سبق وأن أدى إلى مقتل وجرح المئات من البحرينيين الشيعة منذ اندلاع الاحتجاجات في 2011، وبات معلوما أن السلطات في البحرين تستخدم بشكل واسع سلاح الشوزن والغاز المسيل للدموع.

المهم أن الحسن قتل ولم يثن مقتله المجتمعين في المنامة لمناقشة الأساس لمحكمة حقوق الإنسان العربية، وفي هذا ابلغ رسالة على ان المحكمة لن تكون حيادية، ولن تعبأ برصاص الشوزن الذي يخترق يوميا أجساد العشرات من المحتجين، والشوزن، سلاح ناري مصمم غالبًا للإطلاق بإسناده على الكتف، وهو يرمي كريّات صغيرة، أو رصاصة صلبة.

 وفيه أنواع متعددة بحسب الأحجام تبدأ من 5.5 ملم لقطر الماسورة وصولًا إلى 5 سم، وتؤكد التقارير المعنية بحقوق الإنسان إن السلطات البحرينية استخدمت سلاح الشوزن بكثافة واعتمدت أشد أنواعه خطورة.

البحرين ملف حافل بالانتهاكات

وليس هذا فحسب، فالسلطات البحرينية ومنذ اندلاع الاحتجاجات ضدها في 2011 أقدمت على هدم مئات المساجد ودور العبادة العائدة للشيعة الأمر الذي يكشف عن تمييز ديني واضح تمارسه سلطات البحرين بين مواطنيها.

حتى أنها لم تقم أي اعتبار للجوانب التاريخية لعدد من الرموز الدينية ودور العبادة فهدمت في نيسان 2011 مسجدا تاريخيا يعود تاريخ تشييده إلى ما قبل 400 سنة يعرف بمسجد الأمير بربغي، وتلا ذلك تهديم المئات من دور العبادة.

وأسقطت الجنسية البحرينية عن نحو 35 بحرينيا بسبب معارضتهم السلطة وتسببت بإعاقة العشرات جراء استخدامها العنف ضدهم، كما أجهضت نحو 87 امرأة بسبب الاستخدام المفرط للغازات المسيلة للدموع من قبل عناصر السلطة.

واستقدمت قوات من خارج الحدود للتصدي لمواطنيها المحتجين في سابقة خطيرة لم تحدث من قبل على هذا النحو، وغير ذلك الكثير من الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان، ومع ذلك تجتمع الجامعة العربية وبكل أريحية ودون حرج في البحرين لتتخذ من المنامة مقرا للمحكمة العربية لحقوق الإنسان في استفزاز واضح لمشاعر البحرينيين.

بينما كل هذه الانتهاكات لم تكن بخافية لا عن الجامعة العربية ولا عن الهيئات والمنظمات الدولية، فالبحرين كانت حاضرة في تقارير الإدانة التي ترفعها هذه المنظمات بشكل دوري إلى المجتمع الدولي، فمثلا تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في نيسان الماضي طالب الحكومة البحرينية بوقف ترهيبها لأحد رجال الدين الشيعة بعد تجريده من جنسيته.

وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بوميدوحة: "لا يمكن قبول هذه الحملة من التهديدات والمضايقات والترهيب التي تُشن ضد الشيخ حسين النجاتي، وعليه، فيجب وقفها فورا لأن من شأن إجباره على مغادرة البلاد أن يجعل منه شخصا عديم الجنسية".

معتبرا قرار تجريد الشيخ نجاتي و30 آخرين من جنسياتهم البحرينية محاولة تعسفية تهدف إلى إسكات أصوات منتقدي الحكومة. وطالب بإلغاء القرار فورا.

واللافت إن الجامعة العربية ومن خلال أمينها العام، نبيل العربي، أعربت عن تقديرها لملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وأشادت بالدعوة لإنشاء المحكمة واستضافة مقرها، دون الإشارة إلى حقوق الأغلبية من الشعب البحريني التي تعاني من بطش السلطات.

وفي رد أولي على اتخاذ المنامة مقرا للمحكمة العربية لحقوق الإنسان تجمع المئات من البحرينيين الشيعة الثلاثاء أمام مقر الأمم المتحدة في المنامة احتجاجا على" الاستهانة بمعاناتهم" من قبل الجامعة العربية حسبما كتبوا على اللافتات التي رفعوها إلى جانب صور العشرات من المغدورين ممن قضوا على يد النظام البحريني.

 وطالب المحتجون الأمم المتحدة بالتدخل للحد من الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات البحرينية معتبرين اتخاذ البحرين مقرا للمحكمة العربية لحقوق الإنسان يتنافى والممارسات العنيفة التي تستخدمها هذه السلطات بحق مواطنيها المطالبين بإصلاحات سياسية.

التوصيات

طالما ان المحكمة العربي لحقوق الإنسان، جهة حقوقية يفترض أنها ترعى الحقوق والحريات كان ينبغي مراعاة الظروف التالية عند تأسيسها وفي الإعلان عنها:

أولا- أن لا يقتصر اختصاصها على النظر بالدعاوى التي تكون أطرافها دول عربية وجهات رسمية وشبه رسمية وكان يجب أن تنظر بمختلف القضايا التي تمس حقوق الإنسان حتى وإن كان أطرافها مواطنين عاديين.

ثانيا- ونحن في الألفية الثالثة من المعيب أن تختص المحكمة العربية بالنظر في الدعاوى التي تخص العرب فقط دون الأجانب المقيمين في البلاد العربي.

ثالثا- لم تكن الجامعة العربية موفقة في اختيار المنامة مقرا للمحكمة العربية لحقوق الإنسان لكون السلطات البحرينية متهمة بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

رابعا- ما بدا عليه الإعلان عن تأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان يشير بوضوح أنها لن تكون محايدة وستخضع مثل الجامعة العربية من قبل إلى المزاج السياسي وهيمنة الدول المسيطرة على الجامعة العربية، فيما المطلوب هو أن تبتعد المحكمة عن التأثيرات السياسية 

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات