مقالات

الحياد الوظيفي كضمانة للحقوق والحريات في العراق

   تبني الدستور العراقي للنظام الاتحادي الديمقراطي القائم على الحرية السياسية والتعددية الحزبية بما من شأنه أن يمنح الأفراد حريات سياسية عديدة وبالوقت ذاته يلقي على السلطات العامة لاسيما التنفيذية التزامات عديدة ومنها التزام الحياد في التعامل مع الأفراد، بان لا يتم التمييز بين المتعاملين على أسس سياسية أو حزبية أو طائفية بل يتم العمل وفق مبدأ المساواة التامة بين الجميع أمام القانون وتكافؤ الفرص في تحصيل الخدمات التي تقدمها المرافق العامة.

وللحياد الوظيفي معنيان أحدهما موضوعي ويعني بقاء السلطة التنفيذية المركزية أو المحلية في حالة من الوسطية بالتعامل مع أفراد الشعب إذ ينبغي أداء الواجبات اليومية بموضوعية بعيدا عن الحسابات السياسية والاعتبارات الحزبية، والمستوى الآخر هو الحياد الشخصي، ويعني ان الموظفين عند اضطلاعهم بأداء واجباتهم اليومية ينبغي ان يكون سلوكهم موضوعي يتطابق مع القواعد القانونية بعيدا عن آراء الموظف الشخصية التي يؤمن بها أو انتمائه السياسي أو الديني أو الأيدلوجي، بعبارة أخرى يمكننا ان نعرف الحياد بأنه العمل الوظيفي وفق معايير موضوعية بعيداً عن الميول الشخصية.

وتظهر الحاجة إلى الحياد الوظيفي للإدارة والموظف في البلدان عامة والتي تتميز بالتنوع الاثني والسياسي بشكل خاص، إذ يجب الحرص على تحقيق الآتي:

1- أن يؤمن المسؤول التنفيذي من أرفع المناصب بالدولة وصولاً إلى أبسطها بحقيقة "إن السلطة التنفيذية وسيلة وليست غاية وإنها تلتزم بالتنفيذ العادل للقوانين فحسب".

2- على القيادات الحزبية المساهمة في السلطة ان تؤمن بالفصل التام بين المصلحة العامة والمصلحة الحزبية فلا تسخير لإمكانيات الدولة خدمة للمشروع الحزبي بل ينبغي التركيز على تكريس كل المقومات لخدمة الصالح العام فحسب.

3- عدم استغلال المنصب الوظيفي لقيادات الحزب لإلحاق الضرر بالخصوم السياسيين بأي شكل من الأشكال أو مستوى من المستويات.

4- على الوزير أو الرئيس الإداري التزام الحياد في التعامل مع المرؤوسين لاسيما ممن يختلفون عنه في الرأي أو العقيدة وأن أي قرار يتخذ حيالهم تخالطه المشاعر الخاصة أو الانفعالات الشخصية للوزير سيكون ولا شك قراراً غير مشروع حرياً بالإلغاء.

5- على الوزير أو الرئيس الإداري التجرد التام من أرائه الشخصية ومعتقداته في التعامل مع المستفيدين من خدمات المرفق العام أي جمهور الشعب فأي استثناء من الضوابط ينبغي ان لا يمنح إلا على أسس إنسانية بحتة وليس لأسباب أخرى كالانتماء القبلي أو الاثني أو السياسي.

6- على الوزير أو الرئيس الإداري التجرد التام من المشاعر حين التعامل بالمال العام جباية أو انفاقاً وإلا سيكون الضحية الأولى هي المصلحة العامة، فحين يكون له دور في المزايدات العامة أو المناقصات سواءً بإعدادها أو إحالتها فعلية واجب التجرد والحياد وعدم المجاملة على حساب المال العام بأي شكل من الأشكال.

 

7- على الموظف مهما كان منصبه التحلي بأخلاقية العمل الوظيفي حيث ينبغي التركيز على تكريس الجهود للنهوض بالمرفق العام بما من شأنه تحسين الخدمة العامة، إذ تلعب بعض العوامل دوراً في التشدد بواجب الحياد الوظيفي ومنها:

أ‌- مكان العمل: فمن يعمل في السفارات والقنصليات العراقية بالخارج عليه التحلي بأعلى معايير الحياد كونه يمثل سيادة البلاد.

ب‌- الموقع في التسلسل الهرمي: فكلما كان الموظف في أعلى درجات السلم الوظيفي كان عليه واجب إظهار أعلى درجات الحياد لكي لا ينسب إليه استغلال المنصب لتحقيق غايات سياسية حزبية.

ومما لا شك فيه إن التعامل مع الغير بناءً على اعتبارات غير موضوعية من شأنه ان يتسبب في تعميق الفجوة بين الإدارة والمواطنين حيث سيكون هنالك نوع من عدم الثقة أو الارتياح من جانب المواطن وبالمقابل ستكون هنالك انتقائية من الموظف في العمل تؤثر سلبا على السياسات والخطط العامة المخصصة لتطوير العمل وتحقيق المصلحة العامة، فمن الثابت إن وظائف السلطة التنفيذية تنقسم إلى قسمين الأول وظائف ذات طبيعة سياسية واجبها رسم السياسة العامة حيث وضح الدستور العراقي بالمادة (80) إن أهم اختصاصات مجلس الوزراء هو رسم السياسة العامة للدولة ويكون رئيس الوزراء بموجب المادة (78) هو المسؤول التنفيذي المباشر للسياسة العامة للدولة، والقسم الأخر هي الوظائف التنفيذية التي تتمثل بتنفيذ القرارات التي يضعها الوزراء ومجلس الوزراء.

ولضمان الحياد في المرافق العامة ينبغي التزام الآتي:

1- إصلاح النظام الحزبي في العراق ليكون ميدان العمل والتنافس المشروع بين الأحزاب هو البرلمان والمجالس المحلية التمثيلية وتشجيع الجميع على التنافس الإيجابي لترسيخ ثقافة التداول السلمي للسلطة والتميز في الخدمة العامة بما يضمن إعادة الانتخاب على أساس التميز في البرامج الحزبية أو السياسية تخطيطاً وتنفيذاً.

2- إحياء واجب الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية بكل مفاصلها لضمان أداء متميز بعيد عن المزايدات السياسية، لمنع الانحراف التنفيذي بالسلطة العامة.

3- منع الموظفين من منصب وكيل الوزير إلى أصغر منصب وظيفي من الجمع بين الوظيفة العامة والوظيفة التمثيلية أو الوظيفة القيادية في أحد الأحزاب فلا بأس بالانتماء السياسي والحزبي بشرط عدم الوصول إلى المناصب المتقدمة لما له من تأثير على أداءه الوظيفي والمهني، وللتذكير ان الدستور العراقي لم يحظر العمل السياسي والانتماء الحزبي إلا على القضاة في المادة (98) "يحظر على القاضي الانتماء إلى أي حزب أو منظمة سياسية أو العمل في أي نشاط سياسي" ورغم ان المؤسسة العسكرية لم تذكر مسألة حيادها السياسي في الدستور إلا أن الأمر مفروغ منه.

4- إعادة النظر بالآليات الدستورية والقانونية المنظمة لاختيار كبار الموظفين ليكون الاختيار على أساس الكفاءة والخدمة فحسب وعلى ان يسند التوصية بالترشيح إلى مجلس الخدمة العامة الاتحادي حصراً، وبخلافه سنرى وفق المعطيات المطروحة موظفين غير محايدين حيث يجري تعينهم حاليا وفق ما ورد بالدستور العراقي في المادة (61/ خامساً) بترشيح من مجلس الوزراء وموافقة مجلس النواب العراقي ومنهم السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ومنحت المادة (2 البند الثاني عشر) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 مجلس الوزراء سلطة الموافقة على تعيين المدراء العامين ومن هو بدرجتهم، ونرى ان الواجب يقتضي ان يوضع تشريع يمنع هؤلاء من إظهار انتماءهم الحزبي أو القومي وان يقسم أي منهم قبل تسلمه المنصب الوظيفي اليمين القانونية بالتجرد التام وتكريس الوقت والجهد خدمة للصالح العام.

ولعل البعض يتساءل عن ضمانات تحقيق الحياد الذي نصبو إليه ونقول ان من أهم الضمانات التي من شأنها ان توصلنا إليه ما يأتي:

1- المساواة: وهو مبدأ أصيل ترجع أصوله للديانات السماوية ومنها الدين الإسلامي والمواثيق الدولية والإعلانات المتعلقة بالحقوق والحريات فقد ورد بالمادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي للعام 1789، انه "يحق لجميع المواطنين باعتبارهم سواسية أمام القانون شغل كافة المناصب العليا والوظائف العامة وفقاً لقدراتهم دون تمييز سوى لفضائلهم ومواهبهم" وبالمعنى ذاته ورد النص في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (21).

2- الجدارة: "أو تكافؤ الفرص لشغل الوظيفة العامة" فالجدارة تعني ان اختيار الموظفين يكون بناءً على المؤهلات والخبرة وليس المحاباة، وما تقدم له طريق واحد ليتحقق ويتمثل في تبني طريقة واضحة في شغل الوظائف تركز على إعداد نوع من المسابقة بين المتقدمين لاختيار الأفضل من حيث المؤهلات والمواهب الذاتية لتسلم الوظيفة ما سيلقي بآثار ممتازة على المرفق العام بتأسيس كادر من الموظفين الكفوئين، وتعميم ما تقدم على مستويات الإدارة العامة كافة، ليكون ما تقدم سياق عمل مستقبلي مع خدمة للجمهور، ومن شأن ما تقدم ان يقضي على المحسوبية والتدخل الهادم للأحزاب أو الكيانات السياسية وغيرها في ملف التعين في الوظيفة لضمان ولاء الموظفين لهم.

3- إصلاح نظام الوظائف العليا: بتفعيل دور الرقابة والتقييم لاستبدال القيادات الإدارية التي أثبتت عدم كفاءتها أو قدرتها على تولي المسؤولية ما يفتح الباب واسعاً بين الموظفين على التنافس الإيجابي لتقديم الأفضل والظفر بالمنصب الأعلى.

4- إنهاء ملف الوظائف المحجوزة: كنوع من التعويض لبعض الفئات التي تدعي التميز بسبب العمل السياسي في الماضي قبل التغيير السياسي العام 2003، والتركيز على المساواة والكفاءة كمعايير لتحقيق العدالة على المستوى المستدام.

5- نزاهة الموظف العام: إذ تمثل نزاهة الموظف أهم الضمانات التي من شأنها ان تحقق الحياد الوظيفي التام فالتزام الموظف للصدق والأمانة سيحقق مبدأ المساواة بين المنتفعين من خدمات المرفق العام، ومصداق لما تقدم ورد في لائحة السلوك الوظيفي الصادرة عن هيئة النزاهة في العراق أن رقم (1) لسنة 2016 إن "اللائحة تهدف إلى إرساء قواعد ومعايير السلوك الأخلاقي لضمان الأداء الصحيح والمشرف والسليم لواجبات الوظيفة" لهذا على الموظف التصريح لدائرته عن أنشطته التجارية ومقدار أمواله وزوجه ان كان هنالك من نشاط يدر أرباح عليه خشية التأثير على عمله الوظيفي، مهما كانت مصادر هذه الأموال حتى لو آلت للموظف أرثاً وهو ما سبق ان أكده قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل بالمادة الرابعة البند ثانياً إذ اعتبر المشرع ما تقدم إحدى أهم واجبات الموظف الإيجابية.

 

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات