مقالات

علاقة الذكاء الصناعي بحقوق الإنسان

   شاع في العالم ومنذ بدأ عشرات السنين مصطلح الذكاء الصناعي والذي تعددت استخداماته ودخلت جل مناحي الحياة العصرية وتعرف هذه التقنية بأنها خصائص معينة للبرامج الإليكترونية تمكنها من محاكاة القدرات الذهنية للإنسان ومحاولة تقليدها، أو هو الذكاء أو الاستجابة التي تبديها الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية للإنسان، وتتمثل بالقدرة على التعامل مع المواقف المختلفة أو القدرة على الاستنتاج ورد الفعل بما يتلاءم مع الضرورات.

كما يعرف بأنه تصميم أنظمة حاسوبية ذكية تتفاعل مع بيئتها وقادرة على اتخاذ اللازم وفق المعطيات، وشاع بالوقت الراهن العديد من التطبيقات الصناعية منها تقنية التعلُم والتحليل ثم الاستجابة والتي تتيح للأجهزة والبرامج القدرة في التعرف على الصور والصوت وتحليلها وبمختلف اللغات، لهذا شاع الاستثمار بهذه التقنية من الشركات الكبرى لاسيما المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي.

إن الإنسانية تقف على أعتاب ثورة تكنولوجية كبيرة جدا من شأنها ان تغير الثوابت بشكل كبير وعميق وبسرعة هائلة تنعكس على مناحي الحياة اليومية للأفراد فالذكاء الصناعي تتزايد استخداماته من المجال العسكري والأمني والتجسسي إلى المجال الصناعي والزراعي والبيئي وانتهاءً بوسائل وتطبيقات تعزز المبدأ الديمقراطي باستخدام برامج معينة تستخدم في الانتخابات والاستفتاءات أو على اتجاهات الرأي العام، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها بجمع البيانات اللازمة لذلك من التقنيات التي ترافقنا في منازلنا ومدارسنا وفي كل وقت.

بعبارة أكثر تعبيراً نحن على أعتاب حضارة جديدة ولهذا لا يمكن التساؤل الآن عن متى أو كيف أو إلى أين يتجه الذكاء الصناعي؟ بل ينبغي التركيز على فكرة بناءه على أساس إنساني بحت قائم على قيم وثوابت سامية تتصل بالحقوق والحريات العامة والخاصة للإنسان في العالم أجمع، والسؤال كيف يمكن تسخير الخوارزميات لحماية الحقوق والحريات بدل من تكريسها لانتهاكها وتعريضها للخطر؟

على سبيل المثال كيف نحمي الحق في الخصوصية وسرية البيانات الشخصية؟ كيف يمكننا مواجهة خطاب الكراهية المغلف بغلاف التحرر والتخلص من الصور النمطية؟ كيف يمكننا الاستفادة من هذه التقنيات لنقل المعلومات بنحو من المساواة للجميع لإتاحة الحق بالتعليم وبلا أي شكل من أشكال التمييز، لاسيما التمييز القائم على أساس الفصل بين الدول كنامية وصناعية متقدمة، والاستفادة من التقنيات التكنولوجية لضمان نزاهة الانتخابات وتحقيق التداول السلمي للسلطة، بمنع أي شكل من أشكال الاستبداد أو التعسف، ما يعني أننا ندعو وبحق لتأطير التكنولوجيا بإطار أخلاقي لتجنب الانتقائية في تعامل الدول الكبرى مع قضايا حقوق الإنسان حين تعد الانتهاكات أمرا خطيرا يستحق العقاب في دول بعينها وتعد الفظائع أمراً طبيعياً في دول أخرى تربطها بالدول المهيمنة روابط مصلحية معينة.

فمن الممكن تسخير الذكاء الصناعي لإنقاذ الأرواح حين يتم تصميم برامج والآلات من شأنها أن تتنبأ بحدوث الكوارث الطبيعية وتعزز وسائل الوقاية منها أو تساعد في معالجة أثارها، كما إن هذه الوسائل من شأنها أن تعالج الآثار المدمرة التي تركها التقدم الصناعي من تغيرات مناخية خطيرة تتهدد العالم والبشرية بخطر محدق، وتساهم في تحقيق التنمية البشرية والصناعية والزراعية في البلدان الأكثر فقراً وتضرراً في أنحاء العالم، مما تقدم نجد ضرورة الالتزام بالآتي ليكون استخدام الذكاء الصناعي هادفا في المرحلة المقبلة:

1- وضع مجموعة معايير ترشد الاستخدام وتمنع الانحراف في الانتفاع بالذكاء في الإساءة لملف حقوق الإنسان كتتبع المعارضين السياسيين ومحاولة التشهير بهم لتسقيطهم وتلفيق التهم لهم جزافاً، أو محاولة اختراق حساباتهم وهواتفهم للتنصت على مكالماتهم وتتبع اتصالاتهم بشكل غير مرخص.

2- الدعوة لوضع قواعد نموذجية دولية تسترشد بها الدول جميعا في سن القوانين الوطنية لتنظيم السياسات الحكومية إزاء استعمالات الذكاء الصناعي، لتكون القواعد موحدة ووفق سياق أخلاقي هادف إلى استثمار التكنولوجيا لخدمة الإنسان فحسب.

3- إشاعة ثقافة استعمال التكنولوجيا لفعل الخير والترويج للوسطية والاعتدال واللاعنف بان تسخر كل الإمكانيات للارتقاء بالفرد والمجتمعات عموماً وعلى نحو متوازن.

وبقدر أهمية التكنولوجيا في عالمنا المعاصر ومحورية دورها في بناء المجتمعات والثقافات المعاصرة إلا إن المخاطر التي تترافق معها لا تقل خطورة عما تقدم من أهمية فقد أدت التكنولوجيا إلى صعود الشركات الكبرى متعددة الجنسيات على وباتت تعرض خدماتها بشكل علني أو سري للحكومات فهدفها معروف هو تحقيق الربح فحسب، إضافة إلى أهداف أخرى غير معلنة، وفي الوقت الذي يأمل الفرد تحقيق طموحاته في الفضاء الافتراضي للتعبير عن ذاته ومعتقداته وميوله بحرية لتتأكد ذاته المتميزة عن الأخرين، لهذا يقع التعارض بين مصلحة الأفراد والمجتمع في المحافظة على القيم والثوابت، وما يقتضيه الحال من حيطة وحذر قد تفوق قدراته الفنية والتقنية وحتى المالية.

لهذا يقال ويصح القول ان مصير العالم اليوم بيد من يملك التكنولوجيا لهذا يحتدم الصراع بين الدول الكبرى للهيمنة على الذكاء الصناعي وتسخيره في شتى المجالات التي تشهد التنافس الدولي للفوز بها والضحية الأول والأخير هو الفرد حيث أضحت الحروب في عالمنا المعاصر تكنولوجية وسيبرانية وليست تقليدية، وأضحت التكنولوجيا السلاح الأخطر بيد الأجهزة الاستخباراتية للتدخل بالشأن الداخلي لبعض الدول وإحداث القلاقل أو المشاكل وبث الإشاعات المغرضة أو غيرها، وباتت الحقوق والحريات بين سندان الحكومات الشمولية أو المتسلطة ومطرقة الشركات التجارية الطامحة للمجد الاقتصادي من بوابة التكنولوجيا الحديثة.

وما تقدم ليس مجرد أمنيات بل على الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية ان لا تدخر جهداً لتحقيق الأمن الحقوقي للفرد حيث ينص الدستور العراقي للعام 2005 على ان من حقوق واجبة الاحترام "الحق في الحياة، والأمن، والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون" وهو ما أكدته المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 وبذات العبارات المتقدمة، وليس من القانون في شيء ان تقوم الشركات الكبرى بمصادرة حقوق المواطن بالأمن الفكري، أو الأمن المجتمعي، حين تسمح بتفشي الصور والممارسات اللاإنسانية وكأنها جزء من حرية التعبير عن الرأي.

وحين تتواجد الأسواق الافتراضية التي تباع أو تعرض فيها الصور والفيديوهات غير الأخلاقية وتكون مقدمة لانحراف النشء والشباب، أو تكون بداية لاستغلال الأطفال في مهن أو ممارسات غير أخلاقية، فالأمر لا يمكن السكوت عنه حيث يجب على السلطات العامة ان تتصدى لهذه الظواهر عملا بما ورد في الدستور المادة (29) والتي ورد فيها "يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم"، ما يعني إن الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مزدوجاً غاية بالأهمية والخطورة بالوقت عينه فهي المتنفس الحقيقي لحرية التعبير عن الرأي وبالوقت عينه تلعب الدور الأبرز في تحقيق مبادئ العدل والمساواة في المجتمع، إلا إنها بالوقت عينه تساهم في تقييد بعض الحريات كونها تتيح آليات المراقبة لدوافع أمنية أو غيرها كما تحصل تلك الشركات على كم هائل من البيانات الخاصة بالمستخدمين والتي تتيحها للغير بلا أذن أو موافقة من صاحبها، ولعلها تمكن جهات معينة من الحصول عليها وتحليلها بما يقود إلى متابعة بعض الشخصيات أو يمكن من تعقب الناشطين والإساءة لهم بنشر بعض بياناتهم التي تتعلق بأسرهم أو حالتهم المرضية أو ما يتصل بديانتهم، ما يعني ان البيانات تستثمر من جانب الشركات، أضف لذلك إن خدماتها التي تبدو مجانية لها ثمن باهظ هو البيانات الشخصية والقدرة على التعقب والتأثير في السلوك أو الرأي، فالسؤال لماذا لا نستثمر الذكاء الصناعي لتعقب المجرمين أو المروجين للممارسات غير الأخلاقية أو غير المهنية الهادفة إلى الإساءة للقيم.

كما إن المعلومات التي تنشر على وسائل التواصل وقدرة بعض الجماعات على استثمارها وتوجيهها ساعدت على انتهاك حقوق الإنسان، ففي العراق إذ استطاع الإرهاب أن يوصل رسائله إلى أنصاره وإتباعه من خلال صفحات وسائل التواصل وتمكن من بث الرعب بقلوب الناس الآمنين واستعباد النساء جنسيا والاتجار بهن في شمال العراق عبر ما تتيحه الشركات الكبرى من تقنيات، وبالمثل فان بعض القادة ومنهم رؤساء دول تضمن خطابهم إساءات متعمدة لمجتمعات وأشخاص بل لا تخلوا إطلالتهم من خطاب يغذي روح الكراهية وتفوح منه الروح الشعوبية المقيتة، أوليس الأولى ان يتم تقييد مثل هذا الخطاب بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ بدل التركيز على مسائل تنتهك الحقوق والحريات نذكر منها قيام الشركات الكبرى بجمع البيانات الخاصة بالمستخدمين في العراق مثلا أو أي دولة في العالم من خلال ((سجل التصفح، سجل الشراء على الأنترنيت، سجل البحث، بيانات الموقع، البيانات المالية والصحية والشخصية)).

وكل ما تقدم يمثل بنك من المعلومات يمكن لآلة صغيرة ان تجمعها بغضون ثواني معدودة وتصنفها وتحللها وتعطي نتائج معينة لصانع القرار في الشركات الخاصة أو لمن طلبها من الجهات الأخرى، وهي تمثل انتهاك صارخ للحق بالخصوصية لكل فرد، بل ويمكن لهذه البنوك المعلوماتية ان تعطي بيانات كاملة عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والميول والرغبات والخلافات التي يمكن ان تستثمر لبث السموم أو التنبؤ بمستقبل المجتمع وما يمكن ان يسهم في تدميره أو لم شمله.

وللعلم ان الشركات الخاصة الكبرى متعددة الجنسيات هي المالك والقادر على ما تقدم وهي من تملك الخوادم والمسؤول عن صيانتها أو التصرف بما تحويه وليس الأمر منوط بالحكومات والدول ما يطرح سؤلاً عن المسؤولية عما تقدم فمن المسؤول؟ أهي الدول بوصفها صاحبة الولاية القانونية ام المنظمات الدولية التي يجب عليها البحث عن المشكلات العابرة للحدود؟ فليس من المعقول الزعم ان الشركات ستتحمل المسؤولية لوحدها إذ انها تدعي بأنها شركات عابرة للثقافات والحدود الوطنية وبإمكانها ان تغير أسلوب عملها في أي وقت تشاء.

 

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات