مقالات

حقوق الأديان والمذاهب في إطار المواثيق الدولية

أوضحت دراسة حول الديانات أجراها مركز (بيو) الأمريكي للأبحاث أن عدد المسلمين على مستوى العالم بلغ 1.6 مليار بنسبة 23% من تعداد سكان العالم، بينما بلغ عدد المسيحيين 2.2 مليار بنسبة 32%، وعدد اليهود 14 مليونًا بنسبة 0.2% يقيم 44% منهم في أمريكا الشمالية ويتركز ربعهم في إسرائيل، وأحصت الدراسة 157 دولة ذات أغلبية مسيحية و48 دولة ذات أغلبية إسلامية. 

وأظهرت الدراسة أن المسيحيين هم المجموعة الدينية الأكبر في العالم يليهم المسلمون ثم من لا يتبعون أي ديانة، ثم الهندوس والبوذيون، وأن 84% من سكان العالم ينتمون إلى مجموعات دينية ويبلغ عددهم 5.8 مليار نسمة من مجموع سكان العالم البالغ 6.9 مليار نسمة، وأن 16% من سكان العالم بمجموع 1.1 مليار نسمة لا يتبعون أي ديانة ولو أن عددًا كبيرًا منهم يقر بشكل من المعتقدات الروحية.كما أوضحت أن عدد الهندوس يبلغ مليار نسمة بنسبة 15% من تعداد العالم، كما يبلغ عدد البوذيين حوالي 500 مليون بنسبة 7%.وأشارت الدراسة، التي اعتمدت على أكثر من 2500 إحصاء سكاني أو سجل أو دراسة في أكثر من 230 دولة، إلى أن أكثر من 400 مليون نسمة يتبعون ديانات أخرى، وهم هنود أمريكا والسكان الأصليون في أستراليا والأقليات الصينية.ونوهت الدراسة إلى أن 62% من المسلمين يقيمون في آسيا والمحيط الهادئ مع تركيز كبير في إندونيسيا والهند وباكستان، كما يتوزع المسيحيون بشكل أوسع بين أوروبا بنسبة 24%، وأمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي بنسبة 24%، وإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 24%، ويتواجد في الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك أكبر مجموعات مسيحية.فهل يتمتع أتباع هذه الديانات والمذاهب والاعتقادات بحق حرية ممارسة طقوسهم الدينية والمذهبية دون تدخل من السلطات العامة أو دون قيود سياسية وقانونية واجتماعية؟لو إعتمدنا على دراسة مركز(بيو) للأبحاث حول الدين والحياة العامة، حول (الحرية الدينية في العالم)، والتي جمعت بيانات أكثر من (16) منظمة حكومية وغير حكومية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ووزارة الخارجية الأمريكية، و(منظمة مراقبة حقوق الإنسان) وقد شملت الدراسة أكثر من 99.5٪ من سكان العالم. ووفقاً للنتائج التي نشرت في ديسمبر من عام 2009، لوجدنا نحو ثلث البلدان في العالم لديها قيود عالية أو عالية جداً على الدين، وما يقرب من 70% من سكان العالم يعيشون في البلدان ذات القيود المشددة المفروضة على الحرية الدينية.علماً إن الدراسة اهتمت بجميع القيود على الدين والناشئة عن طريق كلٍ من السلطات الحكومية والاجتماعية، حيث تمارس هاتان السلطتان أعمالاً عدائية يقوم بها أفراد ومنظمات وفئات من المجتمع، كما وضحت أن بعض القيود الحكومية قد شملت قيوداً دستورية أو غيرها من القيود على حرية التعبير. وقد تم قياس الأعمال العدائية الاجتماعية المتعلقة بالدين بإحصاء أعمال الإرهاب والعنف بين الجماعات الدينية، كما أوضحت أن الدول في أمريكا الشمالية والجنوبية أظهرت بعضاً من أدنى مستويات القيود الحكومية والاجتماعية على الدين، في حين أظهرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى مستويات القيود على الحرية الدينية، حيث تصدرت المملكة العربية السعودية، وباكستان، وإيران قائمة البلدان ذات المستويات الأعلى من القيود على الدين بشكل عام. (نظرة معاصرة حول العالم، الموسوعة الحرة).فماذا يقصد بحرية الدين والمعتقد؟ يقصد بالحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان الدولية حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية. وعلى الرغم من أن الديانات والمعتقدات تجلب الأمل والسلوى إلى الأفراد والجماعات والأمم المؤمنة، وتساهم في تحقيق السلام والمصالحة الإنسانية إلا أنها من ناحية أخرى كانت ومازالت مصدرا للتوتر والصراعات، وواحدة من التحديات الأساسية التي تواجه المجتمع الدولي باستمرار، مع الاعتراف ببعض التقدم بشأن إقرار بعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد. فقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن:"لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره". وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل. كما أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، بالحق في حرية الدين أو المعتقد وذلك من بين ما اقر به من حقوق وحريات. وتنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أربع بنود بهذا الخصوص؛ وهي أن:1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.4. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة. وبعد عشرين سنة من مناقشات وكفاح وعمل شاق تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. وإن كان إعلان عام 1981 يفتقر إلى الطبيعة الإلزامية ولا يتضمن النص على آلية للإشراف على تنفيذه إلا أنه مازال يعتبر أهم تقنين معاصر لمبدأ حرية الديانة والمعتقد. اشتمل إعلان 1981 على ثماني مواد، أقرت المادة (1) بعدد من الحقوق الواردة في المادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبينت المادة (2) الجهات التي يمكن أن تمارس التمييز وهي (- دولة على المستوى الوطني والإقليمي والمحلى. - مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية.- مجموعات من الأشخاص.- شخص). وأشارت المادة (3) إلى ترابط هذا الإعلان مع الصكوك الأخرى لحقوق الإنسان. بينما وضحت المادة (4) اتخاذ التدابير اللازمة لمنع واستئصال أي تمييز على أساس الدين أو المعتقد. هذا التطوير المطرد في مجال التشريعات الدولية والوطنية المؤكدة على حق حرية الديانة والمعتقد، ومنع التمييز على أساس المعتقد أو الدين أو المذهب، لم يصاحبه إجراءات دولية ووطنية يعتد بها تعزز تلك القيم والمبادئ التي جاءت بها تلك المواثيق والإعلانات. وما زاد الطين بلة أن الاعتراف الدولي والوطني بالحقوق الدينية والمذهبية للأفراد والجماعات والطوائف، عوض أن يكون مصدر حماية لتلك الجماعات الدينية، والتفتيش عن المشتركات بين الأديان والمذاهب والطوائف المتنوعة، أصبح مصدر قلق وإزعاج بسبب إصرار المتطرفين على تغليب معتقداتهم على معتقدات الآخرين بالقوة والغلبة والقهر.. رغم تأكيد النصوص الدينية على الأخوة الدينية والتعاون والتسامح، وحرمة الاعتداء على الآخرين أو على حياتهم أو على أموالهم.. مع عدم إكراههم على قبول رأي أو معتقد رغما عنهم.إن صراع أتباع الأديان والمذاهب والمعتقدات المختلفة، لا يعود كله إلى التربية الدينية المتطرفة للمدارس والمعاهد والكليات الراعية لتلك الأديان فقط، بل يعود جزء كبير منه إلى سياسة الدول وسياساتها الاجتماعية والقانونية، وذلك عندما تتبنى ديانة معينة أو مذهب معين، وتعمل على تحريم ديانة أخرى ومذهب أخر، وتمنع أتباعه من حرية التعبير عن معتقداتهم وأفكارهم الخاصة. كان الحل ومازال - مع حرية التعبير عن الأديان والمذاهب- هو المساواة بين المواطنين على أساس مبدأ (المواطنة) فما يجب أن يتمتع به المواطن من حقوق وما يجب أن تفرض عليه من التزامات لا يكون على أساس معتقداته وأفكاره، بل على أساس كونه مواطن له حقوق وعليه واجبات دون أن يسأل قط عن فكره وعقيدته ودينه ومذهبه. بناء عليه فان تعزيز فكرة حرية الأديان والمعتقدات هي بحاجة إلى عدة مقومات منها:أولاً- تعزيز مبدأ المساواة بين المواطنين جميعا، مع اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، فالدين والمذهب متى تحول إلى معيار للحقوق والامتيازات، فقدت البلدان تماسك شعوبها.ثانياً- التشجيع على اعتماد تدابير على الصُعد الوطنية والإقليمية والدولية لضمان تعزيز وحماية الحق في حرية الدين أو المعتقد.ثالثاً- تحديد العقبات القائمة والمستجدة التي تعترض التمتع بالحق في حرية الدين أو المعتقد، وتقديم توصيات بشأن سبل ووسائل تذليل تلك العقبات.رابعاً- مواصلة الجهود لدراسة الوقائع والإجراءات الحكومية التي تتعارض مع أحكام إعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.خامساً- مكافحة ظاهرة التطرف الديني والمذهبي كونهما يقودان إلى الكراهية والأحقاد والعنف بين أتباع الديانات والمذاهب.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات