مقالات

عمل المرأة في الإسلام

   كيف ينظر الإسلام إلى موضوع عمل المرأة؟ وهل منح الإسلام للمرأة حق العمل؟ وماهي الأعمال التي يمكن أن تقوم بها، والأعمال التي لا يمكن أن تقوم بها؟ وماهي الضوابط والضمانات التي وفرها الإسلام للمرأة العاملة؟ وهل بات عمل المرأة حاجة أكثر مما هو حق، نتيجة التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها المجتمعات الإنسانية؟ وما الذي أخذه العمل من المرأة، وما الذي أعطاها إياها؟

يشير التقرير المشترك الصادر عن منظمة العمل الدولية ومؤسسة غالوب، بعنوان "نحو مستقبل أفضل للمرأة والعمل" أن (70%) من النساء ومثلهم تقريباً (60%) من الرجال يفضلون أن تعمل المرأة في وظائف مدفوعة الأجر. وكل من هاتين النسبتين أكبر مرتين على الأقل من نسبة الذين يفضلون بقاء المرأة في المنزل. وأن النساء في جميع أنحاء العالم يفضلن العمل في وظائف مدفوعة الأجر (29%) أو في وظائف يستطعن فيها التوفيق بين العمل ورعاية الأسرة (41%). أما اللواتي يفضلن البقاء في المنزل فهن (27%) فقد. وقد استند التقرير إلى استطلاع رأي عالمي أجرته مؤسسة غالوب في 142 بلداً وإقليماً وشمل نحو 149 ألفاً من الرجال والنساء البالغين. وهو يمثل آراء أكثر من 99 في المائة من السكان البالغين في العالم،

يُعرف العمل بأنه "الجهد الذي يبذله الإنسان، سواء كان عقلياً أم عضلياً، بمعنى استخدام الفرد لقواه المختلفة من أجل تحقيق منفعة" والمرأة العاملة هي "كل أنثى (عازبة أم متزوجة) تجاوزت الـ 15سنة من العمر، قادرة على القيام بأعمال إنتاجية أو خدمية محددة أو وظائف ضمن قطاعات الدولة العامة أو الخاصة".

وفي الواقع، يختلف السن الذي تبدأ به الأنثى بالعمل من الريف إلى المدينة، ومن بلد إلى آخر، ولا يمكن في بعض الدول اعتبار الإناث تحت سن الـ 15 سنة من الفئة العاملة، كون الموضوع يتعلق بالحد من عمالة الأطفال وتشغيلهم في سن مبكر، ورعاية اليافعين، وبمسألة التعليم الإلزامي. وتعتبر ربة البيت من الفئات العاملة أيضاً فهي التي تقوم بالعمل المنزلي، وليس لها وظيفة أخرى تتقاضى عليها أجراً.

ويعنى الحق في العمل، توزيع فرص العمل، وإتاحة الانتفاع بالموارد على نحو يتيح مشاركة كل من يبحث عن فرصة عمل، والحق في كسب الرزق، سواء كان رجلا أم امرأة. وقد كفلت المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل شخص "حق في العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة". واشارت المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن الحق في العمل يشمل "ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية" والعمل ليس محصورا في الرجل وحده، بل يشمل المرأة أيضا، فالمرأة كما هي شريكة الرجل في الحياة فهي شريكة للرجل في مواقع العمل والإنتاج.

يحث الإسلام على العمل، كقوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، كما ينهى عن الكسل في العمل، يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام ( الكسل يضر بالدين والدنيا ) ويربي الإسلام أبناءه على حب العمل، وعلى الرغبة فيه، لذلك فان القرآن الكريم حينما يتحدث عن المؤمنين يقرن دائماً الإيمان بالعمل الصالح (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، أي إذا لم يوجد عمل فالإيمان النظري المجرد لا فائدة فيه ولا قيمة له، ولا تجد آية في القرآن تتحدث عن الإيمان إلا وتقرنه بالعمل الصالح.

وفي حثه على العمل والتجارة، لم يميز الإسلام بين الرجل والمرأة، فكلاهما مشمولان بالعمل، وكلاهما منهيان عن الكسل والخمول، يضاف إلى ذلك بعض الروايات الخاصّة هنا وهناك والتي تشير إلى عمل المرأة بوصفه ظاهرةً مفروغاً عن حلّيتها، مثل ما جاء في خبر السكوني: (نهى رسول الله عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت، إلا أمةً عرفت بصنعة يد...) وكذا النصوص الواردة في كسب الماشطة وعملها، وما ورد من اكتساب المرأة بالنوح على الميت، وغير ذلك من الأحاديث التي استند إليها بعض الفقهاء لإثبات المبدأ هنا.

ومع ذلك، فان عمل المرأة -من حيث المبدأ- لم يكن مسلما به عند الجميع، فقد طرح علماء المسلمين مجموعة تحفظات على عمل المرأة خارج المنزل دون عملها داخل المنزل، ومنها: مدى توافق العمل مع الطبيعة الأنثوية، والتأثير السلبي على الحياة العائلية، والاختلاط بالأجانب وتحقّق الخلوة، والتأثير السلبي لعمل المرأة على فرص عمل الرجل خاصّة أو على التنمية عامّةً، والخروج من المنزل بغير إذن الزوج أو الولي، وسفر المرأة بدون محرم.

يرى الإمام الشيرازي (لو زاولت المرأة أعمال الرجل خارج البيت، فإنه لا بد وأن يلقى عبء عملها البيتي على الرجال، وفي ذلك إضاعة للطاقتين، طاقة المرأة العاطفية وطاقة الرجل العملية، فالعمل نفس العمل، إلا إنه معكوس ومقلوب، وإذا كان كذلك فإنه سيأتي بنتائج غير مرضية... والدليل على ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية، فمن أين جاءت هذه المشاكل مع إن البشر هم البشر، والرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة؟ الجواب: لأن واجبات المرأة أُخذت منها وحولت الى واجبات الرجل، وواجبات الرجل أُخذت منه وحولت الى واجبات المرأة. لذلك حدث خلل في الواجبات الأسرية ومشاكل، وبدأ الرجال يزدادون تنفراً من زوجاتهم، والنساء يزددن تنفراً من أزواجهن، وأخذت نسبة الطلاق تتزايد يوماً بعد يوم...ولذا حُبِّذ للمرأة الأعمال البيتية الداخلية، وللرجل الأعمال الخارجية الشاقة).

وأكدت فتاوى بعض المرجعيات الدينية (أن المرأة غير ممنوعة من ذلك "أي من العمل" إذا لم يتناف مع التزاماتها الشرعية، بل ربما يجب كما إذا توقف عليه تامين نفقة نفسها او نفقة من تجب نفقته عليها كأولادها مع فقد الأب والجد على ما هو المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم). واشترط (أن لا يتناف العمل مع تكاليفها الدينية، ومنها الستر والحجاب، ومنها عدم الحضور في المكان الذي لا تأمن على نفسها فيه من الوقوع في المعصية، ومنها رعاية حقوق الزوج إذا كانت متزوجة، ومنها رعاية حقوق الوالدين إذا كانا حيّين).

وعليه، ويمكننا الخروج هنا بالنتيجة التالية: إنّ فرص العمل في المجتمع حقّ للرجل والمرأة معاً، وليست حكراً على الرجال، فللمرأة العمل ولا يصحّ النظر إليها على أنها متطفّلة على حقّ غيرها. وإنّ عمل المرأة داخل المنزل وخارجه مباح من حيث المبدأ، لكن لا يمنع ذلك من وضع بعض الشروط والضوابط في هذا الموضوع، كما هي بعض الشروط والضوابط في عمل الرجل، وأبرز هذه الشروط والضوابط هو:

أولاً: ألا يكون في عمل المرأة ضررٌ عليها من الناحية الجسدية أو غيرها، ويختلف الضرر من بلد إلى آخر، تبعاً للبنيات الجسدية المختلفة والظروف المختلفة. وبصفة عامة يميل علماء الإسلام إلى أن تعمل المرأة تلك الأعمال الخفيفة التي لا ترهق جسدها أو تثقل حالتها النفسية، مثل: الطبابة والتربية والتعليم والشؤون المكتبية والمعلوماتية ونحو ذلك.

ثانياً: ألا يلحق عملها ضررٌ على الآخرين، كالزوج والأطفال ورعاية الوالدين وغيرهما. ومن الناحية الواقعية، نجد أنه يفترض إيلاء الأطفال والأسرة أهميةً بحيث لا يصحً التضحية بالسلامة النفسية والاستقرار الروحي للأسرة لصالح مجرّد العمل خارج المنزل، بل على المرأة، تماماً كالرجل أن توازن بين حاجات الأسرة ومتطلّبات العمل، فلا تقع في إفراطٍ أو تفريط.

ثالثاً: لا مانع من عمل المرأة ولو أدّى إلى الاختلاط، لكنّ الملاحظ من النصوص الدينية في الكتاب والسنّة هو الرغبة في جعل الاختلاط حالةً استثنائية، بحيث مهما أمكن تجنّبه. حيث بتنا نلاحظ أنّ الاختلاط بدأ يأخذ شكلاً سلبياً؛ إذ تصاحبه ظواهر في العلاقات الاجتماعية تتخطّى الكثير من الذوق الشرعي، وتجرّ ـ بل جرّت مراراً ـ للرذيلة وارتكاب الفاحشة التي بلغت أحياناً حدّ الخيانة الزوجية المحرّمة.

رابعاً: يشترط في عمل المرأة بل في مطلق علاقتها بالرجال مراعاة أحكام الستر والنظر مراعاةً دقيقة، كما يطلب من الرجل ذلك أيضاً. مع التأكيد على حقّ المرأة في أن تظهر بمظهرٍ يليق بها، فإنّ ما يليق غير ما يجذب أو يفرط في الإثارة.

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هـ/7712421188+964http://ademrights.orgademrights@gmail.com

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات