مقالات

حق الترشيح للانتخابات

   شهدت العقود الأخيرة تنامياً مطرداً في الاعتماد على العمليات الانتخابية باعتبارها السبيل الرئيسي لإضفاء الشرعية على نظام الحكم على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية. وفي الوقت الحاضر، غدت معظم الحكومات في العالم تكتسب شرعيتها من خلال العمليات الانتخابية، حتى تلك الحكومات التي لا تؤمن بالديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة.

تُعرف الانتخابات بأنها "عملية أدلاء المواطنين بأصواتهم، بهدف اختيار عدد من المرشحين لعضوية المجالس النيابية على المستوى الوطني أو الإقليمي أو المحلي للقيام بمهام السلطة بالنيابة عن المواطنين بما يحفظ حقوقهم ويحقق مصالحهم" وقد تُعرف الانتخابات بأنها "عملية صنع القرار، يقوم بها الشعب لاختيار فرد منهم لمنصب رسمي، سواء لانتخاب أعضاء المجالس التمثيلية على المستوى الوطني أو الإقليمي أو المحلي أو لاختيار أعضاء السلطة التنفيذية والسلطة القضائية أحيانا، علاوة على أن الانتخابات تستخدم على نحو مطرد في اختيار الأشخاص للمناصب المهمة في المنظمات الدولية والإقليمية، وفي المنظمات غير الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص".

في الحقيقة، العملية الانتخابية هي عملية متكاملة تتضمن عددا من المراحل لإنجازها وإتمامها، وأهم هذه المراحل هي مرحلة الترشيح للانتخابات، وبدونها لا يمكن أن تجري الانتخابات، فلا يمكن أن يدلي المواطنون بأصواتهم دون أن يتقدم عدد من المرشحين، ويسجلون أسمائهم ضمن قائمة المرشحين لتلك المناصب والوظائف الحكومية.

فماذا يعني أن يرشح شخص نفسه لعضوية منصب ما؟ وماهي شروط الترشيح؟ وماهي واجبات ومسؤوليات المرشحين بعد فوزهم بالانتخابات؟ وكيف للمرشحين أن يتواصلوا مع المواطنين لتلبية حاجاتهم وتحقيق مصالحهم؟

في اللغة، يقال: رشَّحَ يرشِّح، ترشيحًا، فهو مُرشِّح، والمفعول مُرشَّح، ورشَّح الشَّخصُ نفسَه تقدَّم باسمه في الانتخابات أو الاستفتاء. وفي الإصلاح، الترشيح: العملية التي يقوم من خلالها المرشحون بالإعلان عن عزمهم على التنافس في الانتخابات في غضون فترة زمنية حددتها إدارة الانتخابات.

يُعد حق الترشيح للمجالس النيابية حقا مكفولا لكل مواطن من حيث المبدأ، حيث أن الاتجاه الغالب في الفكر الديمقراطي المعاصر، يسعى نحو توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الانتخابات تطبيقاً لمبدأ الاقتراع العام، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن يخلو حق الترشيح من شروط قانونية تنظمه، إذ لما كانت مهمة النائب أكبر وأدق من مهمة الناخب كان طبيعياً أن تكون الشروط التي يلتزم القانون توفرها في المرشح أشد من تلك التي يشترطها في الناخب.

على مستوى القانون الدولي، ينبغي أن تكون أي قيود تفرض على حق ترشيح النفس للانتخاب، مثل تعيين حد أدنى للسن، قيود مبررة قائمة على معايير موضوعية ومعقولة. ويجب ألا يستثنى أي شخص مؤهل، غير من تنطبق عليه هذه القيود، من ترشيح نفسه للانتخاب لأسباب غير مقبولة أو لأسباب تمييزية من قبيل مستوى التعليم، أو مكان الإقامة، أو النسب، أو بسبب انتمائه السياسي. ويجب عدم إخضاع أي شخص لأي شكل كان من أشكال التمييز أو التحيز لمجرد قيامه بترشيح نفسه. وينبغي للدول الأطراف أن تبين وتوضح ما لديها من أحكام تشريعية تسمح بمنع أفراد جماعة أو فئة من الناس من ترشيح أنفسهم لتقلد المناصب.

وعلى المستوى قوانين الدول الانتخابية، تنقسم شروط الترشيح عموما إلى شروط موضوعية وشروط شكلية:

1- الشروط الموضوعية: وهي الشروط التي ترتبط بشخص المترشح، ووضعه القانونية، والفئة التي ينتمي إليها، ومنها على سبيل المثال:

أ‌- شرط القيد بالقوائم الانتخابية: أي أن يكون المترشح قد أدرج أسمه في إحدى الجداول الانتخابي، حيث لا يمكن أن يتصور أن يكون للمواطن حق ترشيح نفسه، في الوقت الذي لا يستطيع فيه ممارسة حق الانتخاب.

ب‌- شرط سن الترشيح للانتخابات: حيث يتعين على المترشح إثبات بلوغه السن القانونية المحددة في القانون، إذ تشترط العديد من الدول سن معينة لمن يريد الترشيح للانتخابات، وتختلف سن الترشيح من دولة إلى أخرى.

ت‌- شرط الجنسية: حيث أن الحقوق السياسية ومنها حق الانتخاب والترشيح، لا يجب أن يتمتع بها ويمارسها إلا من يرتبط بالوطن وبالأرض ارتباطا وثيقا، ومعيار هذا الارتباط الوثيق هو الجنسية، ومعنى ذلك أنه يجب أن يتمتع من يمارس الحقوق السياسية في دولة من الدول بجنسية هذه الدولة، وهناك إجماع على حرمان الأجنبي من ممارسة حق الترشيح، بالنظر لغياب رابطة الانتماء بين الأجنبي وبين الدولة التي يرغب من ممارسة حق الترشيح.

ث‌- شرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تشترط قوانين الكثير من الدول أن يتمتع المترشح بحسن السيرة والسلوك، بهدف الحيلولة دون وصول ذوي السمعة السيئة إلى مراكز صنع القرار. ويترتب على ذلك عدم جواز ممارسة الحق في الترشيح بالنسبة لمن حرم من حقوقه المدنية والسياسية، حيث أنه لا يمكن إيداع أو تأمين مصير الأمة في يد شخص ناقص الأهلية أو محكوم عليه أو محروم من حقوقه المدنية والسياسية.

ج‌- الشرط المتعلقة بالفئة التي ينتمي إليها المترشح، حيث تمنع قوانين الدول عموما عدد من مواطنيها من الترشيح للانتخابات، لأنهم يعملون ضمن وظائف محددة إلا أن يتخلوا عن تلك الوظائف بشكل رسمي، ويقدموا الاستقالة بخصوص ممارستها، وذلك درءا للشبهات.

2- الشروط الشكلية: ويقصد بها مجموعة الإجراءات الضرورية لتقديم الترشيح، حيث تنص قوانين الدول الانتخابية على مجموعة من الإجراءات تحدد فيها كيفية الترشيح والشروط والضوابط والوثائق المطلوبة التي يتعين على المترشح توفريها قبل أن يحظى بتأييد الجهة المشرفة على الانتخابات، مثل أن يتقـدم المترشح ضمن قائمة يتبناها حزب أو عدة أحزاب سياسية، وعدم جواز الترشيح أصليا أو إضـافيا في أكثر من قائمة انتخابية أو أكثر من دائرة انتخابية، لتوفير إطار من المنافسة العادلة بين جميع المترشحين، وغلق الباب أمام فئة من المترشحين التي تملك الوسائل المادية والبشرية للترشـيح في أكثر من دائرة انتخابية أو قائمة.

ومثل شرط الإقامة: حيث يرتبط شرط الإقامة بشرط القيد في الجداول الانتخابية، حيث لا يستطيع الشخص قيد اسمه إلا في الدائرة الانتخابية التي يقيم فيها. وتشترط بعض الدول في الشخص أن يكون مقيماً في الدائرة الانتخابية مدة من الزمن، لكي يستطيع أن يمارس حقه في الترشيح والشخص المقيم في الدائرة الانتخابية يكون، قطعاً، أكثر إطلاعاً على حاجاتها واهتماماً بشؤونها ممن لا يمت إليها بصلة. وفي المقابل تترك تشريعات بعض الدول الحرية للشخص لاختيار الدائرة الانتخابية التي يريد الترشيح فيها، فلا تقيده بدائرة الإقامة، فقد يختار دائرة الإقامة وغيرها.

يعد المترشح نائبا، ويمارس حقوق النيابة منذ إعلان نتيجة الانتخاب، وعلى كل نائب يصل لمجلس النواب أو المجالس النيابية الأخرى، وقبل الشروع في عمله أن يقسم أمام المجلس أن يكون مخلصا لله والوطن، وأن يحافظ على الدستور، وأن يخدم الأمة، وأن يقوم بالواجبات الموكلة إليه حق القيام.

إن من وظائف النائب الأساسية هي تمثيل الشعب في البرلمان، ومنها تظهر صلاحياته المتعددة بالمساهمة في حقل التشريع، وفي الرقابة على سياسة الدولة وماليتها، علاوة على حقوقه وصلاحياته الانتخابية التي تبدأ برأس القمة، كانتخاب رئيس الجمهورية في بعض الدول أو رئيس الوزراء في البعض الأخر.

وتقع على النائب عدة التزامات منها: الالتزام بحضور اجتماعات المجلس واجتماعات اللجان التي هو عضو فيها، ولا يجوز له التغييب عن هذه الاجتماعات إلا بعذر مشروع يقدره رئيس المجلس أو رئيس اللجنة المختصة، علاوة على الالتزام الأخلاقي بالتواصل مع الناخبين بشكل دوري لتحقيق مصالحهم وحاجاتهم، ولا يجوز للنائب المنتخب أن يستغل مركزه القانوني لأغراض غير مشروعة.

ونخلص مما تقدم ما يأتي:

1- يعد حق الترشيح من الحقوق السياسية في قانون حقوق الإنسان، وهو من الحقوق الدستورية والقانونية للدول التي تأخذ بنظام الانتخابات وسيلة لتولي المناصب والوظائف الحكومية.

2- إن ممارسة حق الترشيح تتطلب توافر شروط معينة حتى يستطيع الفرد استخدامه وترشيح نفسه في الانتخابات للمجالس النيابية. وتختلف الأنظمة السياسية، سواء في عدد هذه الشروط، أو في نوعيتها وطبيعتها. ولكن هناك شروط تتفق عليها كل الأنظمة السياسية أو غالبيتها. وتتمثل هذه الشروط في السن، والجنسية، والأهلية الأدبية، والصلاحية العقلية.

3- إن الأصل العام هو حرية المواطن في ممارسة حق الترشيح الذي خوّله له دستور البلاد وقوانينها، التي أكدت على المساواة بين المواطنين في الترشيح للمجالس النيابية، طالما توافرت في شخص المرشح الشروط التي نص عليها القانون في هذا الصدد. لكن هذا المواطن له صفة أخرى هي كونه موظفاً عاماً، مما يتطلب فرض بعض القيود عليه، فقد حددت قوانين الانتخابات في عدد من الدول الفئات التي لا يجوز لها الترشيح للمجالس النيابية إلا بعد تقديم استقالتهم، كاستثناء على مبدأ حرية الترشيح.

4- يشكل حظر الجمع بين العضوية البرلمانية والوظيفة العامة، ضمانة أساسية لاستقلال النائب في مواجهة الحكومة، كما أنه ليس من اليسير على الموظف العام القيام بأعباء الوظيفة العامة والمهام البرلمانية في آن واحد – والتي، بلا شك، سوف تتأثر تأثيراً سلبياً في حالة الجمع.

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هـ/7712421188+964http://ademrights.orgademrights@gmail.com

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات