مقالات

السلطات السعودية تنتهك حقوق وحريات حجاج بيت الله

سمع الحاج، حسن عبد الله، الكثير من القصص في السنوات الماضية عن الانتهاكات والمضايقات التي ترتكبها لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية ضد الحجاج العراقيين في مواسم الحج، إذ يمنع عناصر هذه اللجان الحجاج من الاقتراب من مراقد بعض أئمتهم المدفونين في البقيع، ويعتقلون بعضهم في حال امتنعوا عن الامتثال لأوامر هذه اللجان في الابتعاد عن هذه القبور وأعربوا عن تذمرهم من الإهمال الذي تعانيه. 

ولم يتوقع عبد الله أن يكون في يوم ما في قبضة عناصر لجان الأمر بالمعروف السعودية التي اقتادته في موسم الحج الماضي بعد إصراره على الاقتراب كثيرا من قبور أئمة البقيع برغم التحذيرات التي وجهها بعض عناصر السلطة السعودية.وتضم مقبرة البقيع في المدينة المنورة رسوما مندرسة لقبور أحفاد النبي محمد (ص) وعدد كبير من الشخصيات الإسلامية المهمة وقد أقدمت السلطات السعودية على هدم هذه القبور مرتين قبل أكثر من مئة عام ومنعت منذ ذلك التاريخ تشييدها متجاهلة مطالبات عديدة بهذا الشأن كما عمدت في السنوات الأخيرة على إحاطة قبور الأئمة في مقبرة البقيع بسياج حديدي ومنعت الاقتراب منه أو قراءة القرآن عنده.الحاج حسن عبد الله في قبضة السلطةيسكن الحاج حسن عبد الله، في إحدى القرى الواقعة شمال محافظة البصرة في جنوب العراق، وقصد الديار المقدسة في السعودية في موسم الحج العام الماضي، وحين هم بزيارة قبور أئمة البقيع وقراءة الأدعية الخاصة بهذه الزيارة فوجئ بعناصر السلطة يمنعونه ويطلبون منه مغادرة المكان بذريعة إن ما يقوم به شرك بوحدانية الله.وبطريقة عاطفية رفع عبد الله صوته بالبكاء والدعاء على الظالمين الأمر الذي فسّره عناصر السلطة استفزازاً لهم وإصراراً منه على عدم الامتثال لأوامرهم ليتطور الأمر لاحقا إلى اتهام خطير، فقد تداعى عدة أشخاص من عناصر الأمن واقتادوه إلى مكتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بذريعة الشرك بالله.وتعرض هناك لشتى صنوف الإهانة واحتجزته السلطات لعدة أيام وفرضت عليه قراءة بعض الكتيبات الخاصة بوقائع دينية وشخصيات تاريخية محددة كتبت عنها السلطات السعودية بما يلائم المذهب الوهابي الذي تعتنقه السلطة، قبل أن تفرج عنه بعد أن تدخل أشخاص عديدون وتعهد الرجل بعدم زيارة القبور.حالات مماثلةوتكررت هذه الحادثة في موسم الحج الأخير مع المتعهد بنقل الحجيج، عبد السلام جمعة جاسم، وهو من أهالي الكاظمية، فبعد أن ردد بالقرب من قبور أئمة البقيع عبارة "اللهم العن الجبت والطاغوت" وهي ترد في أحد الأدعية فوجئ بعناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينهالون عليه بالضرب والألفاظ النابية ويقتادونه إلى أحد مكاتب الهيئة للتحقيق معه عن مغزى هذه العبارة واتهموه بسب الصحابة، وأجبروه على التوقيع على محضر لم يطلع على تفاصيله، ولولا أن السلطات السعودية اضطرت إلى إطلاق سراحه بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية والرسمية العراقية لحكم عليه بعقوبات قاسية، لكنه أجبر على مغادرة البلاد في خلال 48 ساعة ومنع من دخول أراضي المملكة لاحقا.ويعتقد عبد الحسين خليل، وهو شاهد عيان لما جرى في هذه الحادثة أن السلطات السعودية مستاءة من إصرار الحجاج العراقيين على زيارة قبور أئمتهم في البقيع وتريد أن تنهي هذه الممارسة. وقال لـ"مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات "القضية لا تتعلق بالصحابة كما يدعون فلا أحد من الحجاج يجرؤ على التجاوز على صحابة رسول الله. لكن السلطة تريد منع زيارة مقبرة أئمة البقيع بطريق ملتوية وتعسفية".ويعتبر المذهب الوهابي السلفي، أو الوهابية، المذهب الرسمي في المملكة العربية السعودية، وهو حركة إسلامية سياسية قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود بعد أن تحالفا لنشر ما يسمى بالسلفية، وأعلنا "الجهاد" وشنا سلسلة من الحروب ضد خصومهم المسلمين في المنطقة وقتلوهم وصادروا أموالهم بذريعة أنها غنائم، وأجبروهم على اعتناق السلفية والتخلي عن مذاهبهم الإسلامية الأخرى بالقوة.السلطات السعودية تتعسفوقد منحت السلطات السعودية نفسها الوصاية على طريقة تعبد الحجاج وحولت واجبها في خدمة الحجيج إلى حق للوصاية تفرض من خلاله نوعا محددا من العبادة تناسب المذهب الوهابي الذي تعتنقه، وتجاهلت أن المسلمين في مختلف أنحاء العالم ينقسمون إلى مذاهب متعددة ويختلفون في بعض التفاصيل وان اتفقوا على الكليات، وقال أستاذ العلوم الدينية، أحمد جاسم فرحان، لمركز آدم "ليس من حق السلطات السعودية أن تمنح نفسها حق الوصاية على الطريقة التي يتعبد بها الأشخاص وتفرض عليهم مذهبها الذي تؤمن به".معتبرا زيارة قبور الأولياء لا تخالف الشريعة الإسلامية وليس فيها شرك كما تدعي السلطات السعودية، ولفت إلى أن زيارة القبور بهدف قراءة القرآن الكريم والأدعية عندها كانت سلوكا لرسول الله كما أوردته كتب السنة، فروي في (صحيح مسلم ج3 ص63) عن عائشة أنها قالت: «كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون».وأكد الدكتور فرحان أن بعض المسلمين حين يزورون قبور أئمتهم فإنما يقرأون القرآن عندها ويدعون ويتوسلون لله بأدعية معروفة وليس في هذا أدني مخالفة للشريعة، واصفا السلطات السعودية بالـ"متطرفة" في ممارسة سلطاتها التنظيمية خلال الحج.وقال "السلطة السعودية يجب أن تبقى في حدود تنظيم الحج وليس التدخل في شؤون الحجيج وطرق عبادتهم "مضيفا أن المذاهب الإسلامية المتعددة تختلف عن طريقة تعبد المذهب الوهابي السعودي، وعلى السلطات السعودية التي تدين بهذا المذهب أن تحترم أتباع المذاهب الأخرى.مبديا استغرابه من إصرار السلطات السعودية على منع زيارة قبور أئمة البقيع وهم أحفاد النبي الكريم، فيما "هي تشجع على العنف في العديد من المناطق خارج السعودية ويصدر شيوخها فتاوى عجيبة غريبة تحلل دماء المسلمين وانتهاك حرماتهم ولاعتداء على أعراضهم، وتنتهك تلك الفتاوى حرمة الإسلام بشكل صريح وواضح".وطالب منظمة المؤتمر الإسلامي باتخاذ موقف صريح حيال" التعسف السعودي" وممارسة الضغط على السعودية لمنعها من التضييق على بعض طوائف المسلمين خلال موسم الحج، وقال "يجب أن تعرف السعودية أنها ليست مخولة من قبل الله تعالى في فرض نمط من التعبد على المسلمين قد لا يكون منسجما مع فحوى الإسلام".الهيئة تمنع زيارة القبور ولا تمنع انتهاك كرامة الحجيجوفي ذات السياق أعرب عدد من الحجاج ممن عادوا من الديار المقدسة قبل أيام عن امتعاضهم من الطريقة التي تتصرف بها السلطات السعودية مع الحجيج، وقال رياض عبد العباس من أهالي الديوانية في وسط العراق "رأيت كيف يسخر عدد من المتطرفين الوهابية من رجال دين معممين شيعة ويسقطون عمائمهم ويضحكون عليهم أمام مرأى السلطات السعودية دون أن تحرك ساكنا لمنعهم".مضيفا إن السلطات السعودية التي تقول أنها تحرص على امن الحجيج وسلامتهم لا تقوم بهذا الواجب على أكمل وجه فحين تتعرض كرامة بعض رجال الدين المعممين الشيعة للامتهان لا تقوم السلطات السعودية بأية خطوة لحمايتهم.فيما قال حاج آخر، يدعى سلمان حسن إبراهيم، من النجف إن" عناصر الأمر والمعروف عادة ما يسألون الحجيج العراقيين عن مذهبهم ويرددون كثيرا عبارة (الروافض) في مسعى مكشوف لإهانة شريحة واسعة من الحجيج العراقيين، وبين إن هذه الأساليب تكشف عن إن السلطات السعودية ليست حيادية في إدارة الحج.يذكر أن السلطات السعودية تتعرض لانتقادات واسعة في مواسم الحج خصوصا، بسبب ما تمارسه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تضييق على الحجيج، وقد شهدت السنوات الماضية مصادمات بين أعداد من الحجيج والسلطات السعودية بسبب هذه الممارسات.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات