مقالات

قتل الأطفال في ملاعب الرياضة

في الوضع الطبيعي، يحتاج الطفل إلى أسرة ومجتمع محلي؛ يوفران له بيئة ملائمة، ويؤمنان له احتياجاته الأساسية من الرعاية والحماية اللازمتين لتربيته على أساس الكرامة والتسامح والحرية والعدالة والسلم الاجتماعي. وتمثل اتفاقية حقوق الطفل مجموعة متفق عليها من المعايير والالتزامات التي تعطي الطفل موقعا مركزيا في السعي من أجل بناء مجتمع يسوده العدل والاحترام والسلام.

وتحدد الاتفاقية بوضوح حقوق الإنسان الأساسية للأطفال كافة في كل زمان ومكان مثل حقهم في البقاء، وحقهم في النمو، وحقهم في الحماية من المؤثرات الضارة والأذى والاستغلال، وحقهم في المشاركة في الحياة الأسرية والثقافية والاجتماعية مشاركة كاملة، وتصون الاتفاقية هذه الحقوق بالنص على معايير يتعين أتباعها في مجال الرعاية الصحية والتعليم فضلا عن الخدمات القانونية والمدنية والاجتماعية، وتمثل هذه المعايير معالم مرجعية يمكن أن يقاس بها التقدم.

وفي الوضع غير الطبيعي كالحروب والنزاعات، فان الدول والجماعات المتنازعة ملزمة بتطبيق قواعد القانون الإنساني الدولي ذات الصلة بالطفل لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح. حيث نص البروتوكول الأول لعام 1977 على أنه "يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص وأن تكفل لهم حماية ضد أية صورة من خدش الحياء، ويجب أن يهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون والذي يحتاجون إليهما، سواء بسبب صغر سنهم أو لأي سبب آخر".

إلا أن الأطفال في مناطق الحروب والنزاعات المسلحة غالبا ما يفقدون أبسط أنواع الرعاية والحماية الاجتماعية، بسبب ما تتركه تلك الحروب من آثار مدمرة على السكان المحليين والمنشآت المدنية على حد سواء. حيث يتعرض عدد لا يحصى من الأطفال في مختلف إنحاء العالم يوميا إلى مخاطر تعيق نمائهم، وتنمية قدراتهم، وتشتد معاناتهم بسبب الحروب أو الأزمات وما يصاحبها من أعمال العنف بسبب التمييز والفصل العنصري والعدوان والاحتلال الأجنبي لبلادهم، والتشرد والنزوح واضطرارهم للتخلي بشكل قسري عن جذورهم، وكثيرا ما يكونون ضحايا الإعاقة والإهمال والقسوة والاستغلال.

في السنوات الماضية القليلة، اعتبرت النزاعات المسلحة التي يكون أحد طرفيها الجماعات الإرهابية، أكبر انتهاك لحقوق الأطفال؛ فلم يعد الصراع مع تلك الجماعات يقتصر على مناطق جغرافية محددة؛ ولا على أساس تركيبة سكانية معينة، تختلف مع تلك الجماعات قوميا أو دينيا أو طائفيا، إنما أصبح الإرهابيون يضربون في أي مكان، وفي أي زمان، يمكن أن يصلوا إليه؛ بغض النظر عن طبيعة الضحايا المدنيين سواء كانوا رافضين أو موالين؛ بل أصحبت أهم أهدافهم تلك المناطق والمساحات الجغرافية التي تتواجد فيها كثافة سكانية كبيرة؛ كالأسواق والمحال التجارية والمأرب ومحطات القطارات، بقصد إيقاع أكبر عدد من الضحايا لإحراج الحكومات؛ ولا شك أن من بين هؤلاء الضحايا عدد كبير من الأطفال.

ولما كانت ملاعب كرة القدم، إحدى أهم الأماكن التي يرتادها الشباب والأطفال، دون سن 18، بقصد ممارسة لعبة كرة القدم أو التفرج على اللاعبين، فقد أضحت تلك الملاعب واحدة من الأماكن التي يستهدفها الإرهاب بين الحين والآخر. فلم يكتف الإرهابيون بقتل الكبار من الرجال والنساء وإنما عمدوا إلى استهداف المنشئات التي يمكن أن يتواجد فيها الأطفال والمراهقون والشباب كالروضات والمدارس والنوادي والساحات الرياضية التي هي مكان طبيعي لممارسة الرياضة ولاسيما رياضة كرة القدم.

استهدفت الجماعات الإرهابية، ملاعب كرة قدم في عدة مناطق من العراق، على مدى السنوات الماضية في مدينة بغداد وديالى والحلة وغيرها من مناطق العراق، راح ضحيتها المئات من الشبان والفتيان. ففي نهاية شباط- فبراير الماضي، من عام 2013، استهدف هجوم انتحاري بحزام ناسف وسيارة مفخخة ملعبا لكرة قدم في مدينة الشعلة في العاصمة العراقية بغداد، راح ضحيته 18 فتى وشابا، وأصيب أكثر من 30 آخرين بجروح. وعلى أثرها أقيمت 18 شاهدة قبر، في مكان الانفجار لتشكل قبورا رمزية لهؤلاء الضحايا الصغار بناها أهالي الحي من أحجار وأسوار حديدية وضعوا عندها صور الضحايا وقطع قماش سوداء وزهورا، تخليدا لأطفالهم الضحايا. وقال أبو أمير (50 عاما) قتل ابن شقيقته (11 عاما) وابنا شقيقه (12 عاما و15 عاما) في هذا الهجوم لوكالة الصحافة الفرنسية، وهو يقف عند أحد القبور الرمزية "هؤلاء الأطفال ضحايا أبرياء ليس لديهم أي ذنب". وأضاف "أين نذهب..؟ لم يعد لدينا مكان نضع أطفالنا فيه!"

وفي 25 حزيران- يونيو الماضي، من عام 2013، انفجرت سيارة مفخخة في مدخل ملعب منطقة الزعفرانية جنوب شرق بغداد، خلفت وراءها "5 " وأكثر من "10" جرحى، فقد أحدهم ساقه. وقال سيف عبد الحسن (21 عاما) كابتن فريق شعبي لكرة قدم في الزعفرانية إن "انفجار الزعفرانية ترك تأثيرا سلبيا على معنويات اللاعبين لكنه لم يوقفنا"، وأضاف "الإرهاب يريدنا أن نسير على طريقه، لكننا لن نتوقف عن لعب كرة القدم".

وفي ديالى شمالي بغداد، وفي مناطق متفرقة منها، وفي أوقات مختلفة، حصد الإرهاب أرواح العشرات من الأطفال الرياضيين، أغلبهم صبية وشبان في مقتبل العمر، قتلوا بدم بارد من قبل جماعات تؤمن بسفك الدماء كأسلوب لتحقيق أهدافها وأجندتها ولا تبالي لدماء الأبرياء وآهات الأمهات الثكلى. وقال محافظ ديالى السابق إن "ثمانية ملاعب رياضية جرى استهدافها في ديالى، لتخلف العشرات من الشهداء والجرحى، والهدف من وراء ما جرى هو قتل الرياضة بشكل عام وهذا ما لن نسمح بحصوله لان العنف ليس بمقدوره قتل الرياضة لان الأخيرة هي رسالة سلام ووئام".

وفي بابل جنوب بغداد، في الشهر الثالث من 2016، قتل وأصيب نحو ١٢٠ شخصا غالبيتهم من الأطفال والشباب بتفجير انتحاري تبناه تنظيم "داعش" استهدف حفل توزيع الجوائز لنهائي مباراة شعبية بكرة القدم في ناحية الإسكندرية بمحافظة بابل. قال رئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو " أنا مصدوم وحزين جداً لدى علمي بالمأساة المروعة التي وقعت يوم الجمعة في مباراة لكرة القدم في منطقة الإسكندرية بالعراق. كرة القدم توحد الناس في كل العالم، وهذا يوم حزين عندما يذهب محبي اللعبة إلى مباراة ويكونوا ضحايا للعنف".

وقال رئيس الاتحاد الأسيوي، سلمان بن إبراهيم، " تلقيت بأسف وحزن شديد الأنباء حول المأساة التي وقعت في مباراة كرة القدم يوم الجمعة في ناحية الإسكندرية بالعراق، وأود أن أعرب باسم الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وأسرة كرة القدم الآسيوية عن عميق مشاعر التعزية للاتحاد العراق لكرة القدم وعائلات الضحايا والمصابين" وأشار إلى أن "كرة القدم تعتبر وسيلة للخير وهي لعبة جميلة وتمتلك تاريخا طويلا في تقريب الناس خلال النزاعات في العالم، ولهذا فإن استخدام الملاعب الرياضية كمنصة لمثل أعمال العنف الشنيعة هذه هو أمر جبان وغير عادل ومدان". كما قدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تعازيه لضحايا التفجير وقال إن "المجتمع الدولي يقف مع العراقيين في الحزن والأسى".

لا شك أن تأثر الأطفال بالنزاعات المسلحة قضية ذات أهمية بالغة، فهي من جهة تعد تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ومن جهة ثانية تعد أحد أهم الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان، وهي قضية تصدم العالم وتروعه، بشكل مستمر، دون التوصل إلى حلول جذرية من شانها أن تبعد شبح الحروب والنزاعات عن حياة الأطفال وسلامتهم.. بالخصوص أطفال ملاعب كرة القدم.

وبالتالي، ولان الأطفال هم الأمل والمستقبل فأنهم جديرون بالحصول على أحسن حماية وأفضل فرص يمكن إتاحتها لهم حتى يستطيعوا النمو في جو من الأمن والأمان، وبناء عليه يتعين:

1. العمل على نشر حقوق الطفل وزيادة الوعي بها لدى جميع أفراد المجتمع وعدم قصر ذلك على الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

2. تفعيل الوقاية التي تستدعي تدعيم الأساس القيمي للمجتمعات وتعبئة الرأي العام من أجل تهيئة مناخ اجتماعي وسياسي قادر على اعتراض سبل امتهان الأطفال وانتهاك حقوقهم.

3. تفعيل التشريعات الوطنية والدولية بما يتماشى والتطورات العصرية والدولية وتضمينها نصوصا خاصة بتنظيم أحكام الانتهاكات الجنائية الدولية لحقوق الطفل وتقرير لها أشد العقوبات.

4. تقديم المسئولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد أطفال ملاعب كرة القدم إلى العدالة لأنها دون شك جريمة ضد الإنسانية، وإعطاء شهادة للأطفال الضحايا ضد الجناة مرتكبي هذه الانتهاكات قيمة عالية وعدها دليلا قويا ضدهم، ومنح هؤلاء الأطفال تعويضات مادية ومعنوية عادلة عما لاقوه من انتهاكات والعمل على إعادة تأهيلهم.

5. مطالبة الاتحاد الدولي برفع الحظر على الملاعب العراقية، والمساهمة في دعم الكرة العراقية كأحد وسائل الدعم والتشجيع والمؤازرة.

6. أن تعمل وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية العراقية على توفير المزيد من الدعم للفرق الرياضة الشعبية بما يعزز دورها لرفد المنتخبات العراقية بالطاقات الرياضة الشابة المبدعة.

7. أن تعمل الأجهزة الأمنية والعسكرية على تأمين حماية الأنشطة والفعاليات والبطولات الرياضية من عمليات العنف.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات