دراسات

حماية المدنيين من العنف المسلح في العراق (النخيب مثالا)

ينقسم النزاع المسلح الذي يستوجب حماية المدنيين إلى قسمين: الأول؛ النزاع المسلح الدولي، وهو القتال الذي ينشب بين القوات المسلحة لدولتين أو أكثر. الثاني؛ النزاع المسلح غير الدولي، وهو القتال الذي ينشب داخل اقليم دولة بين القوات المسلحة النظامية وجماعات مسلحة يمكن التعرف على هويتها، أو بين جماعات مسلحة تتصارع فيما بينها.

ويتكفل القانون الدولي الإنساني- وهو القانون الذي ينطبق على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية - حماية الأشخاص غير المشاركين أو الذين كفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية، كما يُقيد وسائل وأساليب الحرب.. وتتحمل الاطراف المتنازعة (جهات أو اشخاص) مسؤولية حماية المدنيين من العمليات المسلحة، سواء بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، أو بموجب القوانين الداخلية الجنائية.

وقد عرفت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف 1949 في فقرتها الأولى السكان المدنيين بأنهم "الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم علي العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر".

وتأكيداً للحماية المقررة في اتفاقيات جنيف للسكان المدنيين خلال النزاعات المسلحة حظرت الأفعال التالية في جميع الأوقات والأماكن: (أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، (ب) أخذ الرهائن، (ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، (د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا... وإذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنيا أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنيا.

وفي تطور دولي لافت للنظر، أرست المحكمة الجنائية الدولية الدائمة دعائم المسئولية الجنائية الفردية، والتي اعتمد نظامها الأساسي في 17يوليو1998، كأول نظام قضائي جنائي دائم على شكل معاهدة ملزمة للدول الأطراف، وقد أكدت في ديباجتها أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب ومقاضاة مرتكبيها، وقد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام في منع الجرائم.

ويقتصر اختصاص المحكمة على الأشخاص الطبيعيين بحيث يكون الشخص مسئولاً عن الجرائم بصفته الشخصية سواء ارتكبها بنفسه أو بالاشتراك مع غيره أو عن طريق شخص آخر، أو بالأمر أو بالإغراء على ارتكابها، وللمحكمة بموجب النظام الأساسي اختصاص النظر في جرائم محددة لا تسقط بالتقادم وهي:

1- جريمة الإبادة الجماعية.

2- الجرائم ضد الإنسانية.

3- جرائم الحرب.

4- جريمة العدوان.

مضافا إلى أحكام القوانين الداخلية التي تمنع الاعتداء والتعرض للمدنيين العزل في أي وقت وظرف كان.

ولا شك أن العراق واحد من أهم البلدان التي انشبت فيها نزاعات دولية وداخلية، وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين العراقيين، سواء بقصد من الاطراف المتنازعة أو بدون قصد جراء عمليات القصف للمناطق المأهولة بالسكان.

ومع سيطرة الحكومة العراقية -في السنوات الاخيرة -على مجمل مناطق العراق، مازال هناك جيوب لبعض الجماعات المسلحة التابعة للقاعدة وما يعرف بجماعة (دولة العراق الإسلامية) أحد تشكيلات تنظيم القاعدة الارهابي، تقوم بعمليات ضد المدنيين بقصد زعزعة الامن والاستقرار واثارة الرعب بين العراقيين من خلال استعمال السيارات المفخخة أو الملغومة أو من خلال عمليات الاغتيالات المتكررة في العاصمة بغداد، وبعض المحافظات المسمى بـ(المحافظات الساخنة) ناهيك عن نشاطات مسلحة تقوم بها بعض المليشيات المدعومة من جهات سياسية متنفذه بين فترة وأخرى بدوافع سياسية وطائفية.

ومع أن الحكومة العراقية تؤكد أنها تعمل بشكل مستمر من خلال أجهزتها الامنية والعسكرية على ضرب أوكار هذه الجماعات وتحجيم دورها، لكن هناك قلق متزايد في صفوف العراقيين المدنيين من قيام بعض الجماعات المسلحة بين الفنية والفنية بقطع الطرق والممرات بين محافظة وأخرى، بالخصوص الطريق العابر من محافظة كربلاء إلى محافظة الأنبار، وقتل المسافرين والتمثيل بهم وحرق سياراتهم واخذ بعضهم رهائن إلى مكان مجهول دون أن تسفر تحركات القوات الحكومية الامنية عن نتائج واضحة يمكن أن تحد من تواجد تلك الجماعات الارهابية وتقلل من عملياتها. وتعد منطقة النخيب واحدة من أهم المناطق التي تحصل بها مثل هذه العمليات وبشكل متكرر.

يقول الحاج (محمد علي الوزني) أو المعروف (بأبي ثائر) في لقاء معه اجرته اذاعة الطف في كربلاء يوم 15/9/2011 : عند ذهابنا مساءَ يوم الاثنين الماضي قاصدين زيارة مرقد السيدة زينب (عليها السلام) مروراً بمنطقة النخيب، كنت برفقة زوجتي المريضة، ونحن نرافق حملتنا السياحية التي ضمت نساء ورجال من أبناء محلتنا، وقبل وصولنا إلى شارع (160) القريب من محافظة الأنبار اعترضت طريقنا سيطرة وهمية تضم عصابة إرهابية يرتدي أفرادها زياً عسكرياً، وصعد أحدهم إلى السيارة وأخذ يضرب سائقها وإنزاله منها، ومن ثم صعد بقية العسكريين المسلحين وحوالي (15) شخصاً إلى السيارة وقاموا بترهيب الركاب وأخذوا منهم أجهزة المحمول (الموبايل)، ومن ثم قاموا بإنزال الشباب منها وأبقوا عليّ مع رجل مسن آخر والنساء والأطفال في السيارة...

ثم قامت العصابة الإرهابية بإطلاق عيارات نارية على أفراد الحافلة من الشباب وأردوهم مقتولين والتمثيل بجثثهم؛ وقاموا بإطلاق سراح النساء والأطفال المتواجدين في حافلتنا وعددهم (15) شخصاً، وألحقوهم بأربعة نساء أخريات من حملة سياحية أخرى بعد أن قتلت العصابة الإرهابية ذاتها أزواجهنّ، ثم فروا هاربين...

وقبل أيام قلائل قام مسلحون مجهولون يرتدون زي عناصر الشرطة العراقية بنصب سيطرة وهمية على الطريق العام في قضاء النخيب (300 كلم جنوب غرب الرمادي) المؤدي إلى محافظة كربلاء وأوقفوا ثلاث سيارات مدينة كانت تقل ما لا يقل عن 14 عنصرا من شرطة الحدود أغلبهم من أهالي كربلاء كانوا في طريقهم إلى منازلهم وقاموا بإعدامهم جميعا!.

يقول شاهد عيان إن (المغدورين كانوا بثياب مدنية وقام المسلحون بإنزالهم من السيارات واقتادوهم إلى جانب الطريق ثم اعدموهم رميا بالرصاص) لافتا إلى أن (المسلحين لم يكتفوا بذلك بل قاموا بالتمثيل ببعض الجثث وإحراقها ثم قاموا بعد ذلك بسرقة سيارتهم الثلاث والفرار إلى جهة مجهولة). وكان الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة في العراق مارتن كوبلر، قد حث اثر حادثة النخيب، بحسب بيان لبعثة الامم المتحدة في العراق "يونامي" السلطات الامنية العراقية، على "اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للقبض على مرتكبي هذه الجريمة البشعة وتقديمهم للعدالة"

بصرف النظر عن أي ذريعة يسوقها الإرهابيون وقطاع الطرق في منطقة النخيب تبريراً لأعمالهم، لاشك أن عمليات القتل والخطف والتمثيل بالقتلى وقطع الطرق أمام المسافرين ونهب وسرقة اموالهم وسياراتهم وأعمال الارهاب والتطرف التي تمارسها الجماعات المسلحة من بقايا تنظيم القاعدة وجماعة (دولة العراق الإسلامية) وبشكل مستمر هي أعمال جنائية تشكل خرقا للقانون الدولي الانساني والقوانين العراقية الجنائية.

وبالتالي، فان استمرار مثل هذه الاعمال الارهابية على الطرق الخارجية والتهاون معها تحت ذرية واخرى، لا تشكل تهديدا للعراق والعراقيين المدنيين وحدهم، بل، ستشكل تهديداً مستمراً للسلم والأمن ولاستقرار جميع البلدان والشعوب بالخصوص البلاد المجاورة.

لذا يجب ادانة هذه الاعمال العدائية والتصدي لها، واعتماد استراتيجية شاملة، فاعلة، موحدة وجهد وطني واقليمي ودولي منظم من خلال الآتي:

- إن القاعدة الأساسية للنجاح تتمثل في إستراتيجية حكومية فعالة لمكافحة الإرهاب تضع أهدافاً واضحة ومدروسة لكافة الإدارات والوكالات المختصة بما في ذلك وكالات إنفاذ القانون وإدارات الاستخبارات والإدارات العسكرية والامنية ووزارات الداخلية والخارجية.

- ينبغي بذل محاولات سياسية جادة لتسوية المنازعات الداخلية سلميا من أجل تفويت الفرصة أمام المنظمات الإرهابية لإستغلال معاناة الشعوب التي ترزح تحت وطأة ظروف غير عادلة، ونشر أيديولوجيتها المضللة، وإيجاد أرضية خصبة لتجنيد الأفراد وممارسة أنشطتها غير الشرعية.

- ينبغي تشجيع التسامح والتعايش وتعميق التفاهم المتبادل بشأن مختلف الأديان والمذاهب والعشائر من خلال المناقشة العامة وتبادل الأفكار ورفض كل اعمال العنف والتصدي لها..

- تعزيز التعاون الدولي والإقليمي والثنائي بين الدول لتحديد وتفكيك الخطر المالي للإرهاب وكذلك أنشطة مجموعات الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في الأسلحة والمتفجرات والاتجار في المخدرات.

- يمكن أن تلعب وسائل الإعلام والمجتمعات المدنية ونظم التعليم دورا هاما في أي استراتيجية للتصدي لدعاية الإرهابيين ومزاعمهم في المشروعية. مع وضع قواعد إرشادية للتقارير الإعلامية والصحفية فيما يحول دون استفادة الإرهابيين من الاتصال أو التجنيد أو غير ذلك.

- توفير الارضية القانونية والقضائية الفاعلة في محاسبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين العراقيين وعدم شمولهم بأية اجراءات من شانها أن تساعد المجرمين على الافلات من العقوبة وتشجع الاخرين على ارتكابها دون ادنى خوف أو رادع.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات