دراسات

مخالفة حكم إعدام الشيخ النمر للمواثيق الدولية والقوانين الوطنية

إن حكم الإعدام الصادر بحق الشيخ نمر باقر النمر مخالف للمواثيق الدولية التي تعد قواعد إلزامية لمختلف دول المجتمع الدولي، وكذلك ينطوي هذا الحكم على مخالفات جوهرية للدساتير والقوانين الوطنية وبالخصوص أحكام النظام الجزائي السعودي، وقبل التطرق إلى هذه المخالفات لابد أولاً من بيان التهم الموجهة للشيخ النمر، ومن ثم تلخيص المخالفات التي تضمنها الحكم وكما يأتي:

أولاً: التهم الموجهة للشيخ النمر:

ان الاتهامات الباطلة الموجهة للشيخ النمر ليست قضائية وإنما هي طائفية بامتياز، ولعل الدليل البارز على عدم ارتكاب الشيخ نشاطاً محظوراً هو تخبط الأجهزة الأمنية السعودية وارتباكها في مجال لصق التهم بالشيخ المظلوم، فمن المتعارف عليه أن التهمة يجب أن تكون محددة وواضحة يحاط بها المتهم علماً وعلى أساسها تتخذ الإجراءات الجنائية في الدعوى الجزائية، وهذا ما لا نجده في قضية الشيخ النمر، ويتبين ذلك من خلال التهم الموجهة إليه بموجب نص الحكم ومن أهمها:

الخروج على ولي الأمر، الإفساد في الأرض، استحلال الدماء، إشعال الفتنة الطائفية، حمل السلاح ضد رجال الأمن، التحريض على التظاهر، دعم ثورة البحرين، الطعن في الصحابة، المطالبة بولاية الفقيه، سب رجال الدولة، جلب التدخل الخارجي، الإساءة لسمعة البلاد والانضمام إلى خلية إرهابية.

ومما يثير الاستغراب إن التهم الموجهة من قبل السلطات السعودية للشيخ النمر تستند على مجرد تصريحات وخطب لا يستوجب توجيه التهم بهذا الحجم، خصوصاً إن الشيخ النمر هو إمام جامع، يتحدث في خطبه عن الإصلاحات وعن الحريات الواجبة للشباب، على وفق مناخ الحرية الذي طرح نفسه بقوة على دول المنطقة، ولعل تهمة الخروج على الحاكم تعد أخطر التهم الموجهة للشيخ النمر.

كما أن ما قدّمته النيابة العامة لتأكيد هذه التهم متناقض في جملته، فمثلاً إن الزعم باستخدام الشيخ النمر للسلاح تكذبه التقارير الطبية، وكذلك الواقعة بحد ذاتها، فلائحة الاتهام أشارت إلى إن إطلاق النار على الشيخ النمر كان أثناء فراره بسيارته، في حين إن الرصاصات الأربع التي أصيب بها الشيخ أتت من الجهة الأمامية.

ثانياً: مخالفة الحكم للمواثيق الدولية:

ومن أهم هذه المخالفات ما يأتي:

1// إن اعتقال الشيخ النمر من دون ارتكابه فعلاً مجرماً ومن دون توجيه تهمة محددة إليه، يتعارض مع أحكام المادة (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 التي تنص على أن: (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً)، كما يخالف أحكام المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966 التي تنص على أن: (...لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاءً على أشد الجرائم خطورةً وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد).

2// مخالفة الحكم للضمانات التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره رقم 50 لسنة 1984 المؤرخ في 25 أيار/ مايو 1984 ومنها:

أ. لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم على أن يكون مفهوما أن نطاقها ينبغي ألا يتعدى الجرائم المتعمدة التي تسفر نتائج مميتة أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة.

ب. لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص القانون، وقت ارتكابها، على عقوبة الموت فيها.

ج. لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالا لأي تفسير بديل للوقائع.

د. لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة، مماثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة.

3// على فرض إن ما صدر عن سماحة الشيخ فعلاً مجرماً وهو ليس كذلك فإن الجريمة تصنف كجريمة سياسية لا يجوز فيها إيقاع عقوبة الإعدام وهذا المبدأ مستقر في المواثيق الدولية والدساتير والقوانين الوطنية.

ثالثاً: مخالفة الحكم للقوانين الوطنية:

ومن أهم هذه المخالفات ما يأتي:

1// تضمن الحكم مخالفة كبيرة لمبدأ الشرعية الجنائية المعبر عنه بمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) إذ لم تسند لسماحة الشيخ تهمة محددة تؤسس عليها إجراءات التحقيق والمحاكمة وإنما تخبطت السلطات في إسناد التهم إليه وفي كل يوم تتبدل التهمة وهو منهج يعكس رغبة النظام السعودي في الإنتقام. إذ لا يتفق الحكم مع مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقتضي أن تكون الجريمة محددة بالقانون والعقوبة محددة أيضاً وهو سبب أساس لبطلان الحكم المشار إليه.

2// لم تكفل الأجهزة الأمنية والقضائية السعودية حق الدفاع لسماحة الشيخ على الوجه المقرر في المادة (4) من نظام الإجراءات الجزائية إذ أنها لم تسمح لمحاميه بالحضور أثناء الاستجواب، كما لم تستجب المحكمة لطلب الدفاع بإحضار عناصر الأمن الذين ألقوا القبض على سماحة الشيخ ببلدة العوامية للاستماع إلى إفاداتهم على الرغم من أنها منتجة في الدعوى، وفي هذا الرفض دلالة واضحة على عدم حيادية المحكمة ومهنيتها ورغبتها في إدانة العلامة النمر تحت أي مسمى.

3// لقد كانت إجراءات المحاكمة مشوبة بخلل جوهري يوجب بطلانها وهو أن الإدعاء العام باشر الدعوى الجزائية أمام المحكمة وفقاً للمادة (16) من نظام الإجراءات الجزائية عن جريمة الحرابة وكان المقتضى أن تتم المحاكمة عنها فحسب إلا أن المحكمة أسقطت حد الحرابة بشكل مفاجئ وفي الجلسة الأخيرة وحكمت بالإعدام تعزيراً وهذا مناقض لأبجديات الإجراءات الجزائية.

4// تعارض الحكم مع نص المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 39 لسنة 1992 التي تنص على أن: (لايجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً أو نظاماً) إلا أن ما حصل مع الشيخ النمر كان خلاف هذه القاعدة، فالشيخ لم يرتكب فعلاً مجرماً في الشرائع الإلهية أو في القوانين الوضعية، إذ أن كل ما صدر عنه قول كلمة الحق والحرية والإصلاح والعدل من موقعه كزعيم بارز للطائفة الشيعية، فقد كانت مطالبه تتجسد في ضرورة إلغاء التمييز الطائفي ضد المواطنين الشيعة والسماح ببناء المقامات الدينية في البقيع وكفالة الحد الأدنى من الحقوق المدنية والسياسية وكل هذه المطالبات تندرج ضمن ممارسة حرية التعبير عن الرأي، فالنشاط الوحيد الذي صدر عن سماحة الشيخ المحكوم عليه هو النشاط القولي تعبيراً عن حرية الرأي المكفولة دستورياً وقانونياً.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات