مقالات

المسؤولية الجنائية لتنظيم "داعش" وداعميه

بعد معارك استمرت لأيام، تمكن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش" من إحكام قبضته على مدينة تدمر الأثرية، المعروفة بأعمدتها الرومانية ومعابدها ومدافنها الملكية التي تشهد على عظمة تاريخها، كما أن هذه الآثار واحدة من ستة مواقع سورية أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) على لائحة التراث العالمي للإنسانية.

في خلال ذلك، أكدت تقارير دولية أن تنظيم "داعش" قد ذبح "400 " مواطن سوري من تدمر على الأقل معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ونكل بجثثهم تحت ذريعة التعامل مع السلطات السورية وعدم تنفيذهم لأوامر التنظيم. ومنع التنظيم الإرهابي آلاف المدنيين من مغادرة مدينة تدمر، إضافة إلى مصادرة أرزاقهم وممتلكاتهم.ومجددا أعرب مجلس الأمن الدولي في (23 مايو/أيار 2015) في بيان رئاسي صدر بإجماع أعضائه الـ15 عن قلقه بالخصوص على مصير النساء والأطفال في تدمر "نظرا للممارسات المعهودة عن تنظيم الدولة الإسلامية من خطف النساء والأطفال واستغلالهم والاعتداء عليهم بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي والزواج القسري والتجنيد القسري للأطفال". وجدد أعضاء المجلس إدانتهم لتدمير معالم التراث الثقافي في كل من سوريا والعراق والذي ارتكبه "خصوصا تنظيم الدولة الإسلامية"، كما أعربوا عن "قلقهم العميق" إزاء مصير آثار تدمر المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.وأعربت وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغريني عن القلق إزاء خطر ارتكاب تنظيم الدولة الإسلامية "جرائم حرب" جديدة بعد سيطرته على مدينة تدمر الأثرية في سوريا. وقالت موغريني في بيان في بروكسل "مجددا قتل مئات الأشخاص، والآلاف مهددون بأعمال عنف تعسفية، فيما يحوم خطر تدمير مواقع ثقافية مرة أخرى". وصرحت موغريني أن "أعمال القتل الجماعي والتدمير المتعمد للإرث الثقافي الأثري في سوريا والعراق بيد داعش تشكل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي" للمحكمة الجنائية الدولية.وقد اعتبر الأمين العام لـ"الجامعة العربية" نبيل العربي، سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" على مدينة تدمر السورية "تهديداً خطيراً" داعياً المجتمع الدولي إلى إنقاذها خشية أن يلحق بها التدمير ذاته الذي ارتكبه التنظيم المتطرف في مدينة الموصل العراقية. وقال الأزهر في بيان له إن الدفاع عن المناطق الأثرية في مدينة تدمر السورية التي سيطر عليها تنظيم "داعش" يعد بمثابة "معركة الإنسانية بأكملها"، معتبراً أن "تدمير التراث الإنساني والحضاري أمر محرم شرعاً". وطالب الأزهر المجتمع الدولي بالتدخل للحيلولة دون طمس التنظيم "المعالم الحضارية والأثرية بالمدينة مثلما فعلوا في مواقع أثرية مماثلة في المناطق التي خضعت لنفوذهم في العراق وسوريا وليبيا".والسؤال هنا كيف ينظر المجتمع الدولي للجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية؟ وما هو الموقف القانوني من تلك الجرائم، وما هي الإجراءات الدولية التي ينبغي أن يتخذها المجتمع الدولي وأعضاءه والتي يمكن أن تحد من فظاعة تلك الجرائم وقسوتها على البشرية بالخصوص الشعوب المتضررة؟ وهل تستطيع المحكمة الجنائية الدولية أن تنظر تلك الجرائم وتحاسب مرتكبيها؟كان ومازال ملف التنظيمات الإرهابية على طاولة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. حيث أصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات ضد تنظيم القاعدة الإرهابي والتنظيمات التابعة لها، ابتداء من قرار مجلس الأمن 1267(1999) وحتى قرار2199 (2015). وقد تضمنت هذه القرارات إدانات واضحة ضد تنظيم القاعدة وجميع التنظيمات والأفراد المنبثقة عنه منها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، وما يرتبط بتنظيم القاعدة من الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات لما ترتكبه من أعمال إرهابية إجرامية متواصلة ومتعددة تهدف إلى قتل المدنيين وغيرهم من الضحايا وتدمير الممتلكات والمواقع الثقافية والدينية، وزعزعة الاستقرار وتقويض دعائمه.وبحسب الأمم المتحدة تتكون قائمة العقوبات والجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة من فرعين: ألف –الجزاءات المتعلقة بالأفراد المرتبطين بتنظيم القاعدة (229 فردا) باء– والجزاءات المتعلقة بالكيانات وغيرها من الجماعات والمؤسسات المرتبطة بتنظيم القاعدة (71 كيانا).وقد تضمنت هذه القرارات عددا كبيرا من العقوبات والجزاءات منها إلزام الدول بعدم توفير الملاذ للإرهابيين الدوليين ومنظماتهم وتدريبهم، وأن تتخذ التدابير الفعالة الملائمة لضمان عدم استخدامها الأراضي التي تسيطر عليها كمنشآت ومعسكرات للإرهابيين أو الإعداد لإعمال إرهابية موجهة ضد دول أخرى أو مواطنيها أو تنظيم تلك الأعمال، وأن تتعاون مع الجهود المبذولة لتقديم الإرهابيين المتهمين إلى العدالة.وألزمت جميـع الـدول أن تتخـذ إجـراءات عاجلـة لمنـع وقمـع جميـع أشـكال الدعـــم الإيجابـــــــــي والدعـم السـلبي للإرهـاب، حيث يتعـــين عليــها بصفــة خاصــة الامتثــال التــام لجميــع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأن تقدم إلى العدالة، وفقا للقـانون الـدولي وبالاسـتناد بصفـة خاصـة إلى مبدأ "إما التسليم وإما المحاكمة" كل من يمول الأعمــال الإرهابيـة أو يدبرهـا أو يدعمـها أو يرتكبها أو يوفر الملاذ الآمن للإرهابيين؛وشدد قرار مجلس الأمن 2199 (2015) الأخير على أن الدول ملزمة بأن تكفل عدم إتاحة أي موارد اقتصادية، عن طريق رعاياها أو أي أشخاص موجودين في أراضيها، لتنظيم داعش وجبهة النصرة، بما في ذلك النفط وما يتصل به من مواد، والموارد الاقتصادية الأخرى. ويشجع القرار الدول الأعضاء على تقديم طلبات لكي تدرَج في القائمة أسماء الجهات من أفراد وكيانات المنخرطة في الأنشطة المتصلة بتجارة النفط مع تنظيم داعش وجبهة النصرة والجماعات الأخرى ذات الارتباط.والمحصلة النهائية لإجراءات الأمم المتحدة أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أصدرت في وقت سابق تقريرا جاء فيه: إن تنظيم الدولة الإسلامية " قد يكون ارتكب الجرائم الثلاث الأخطر دوليا وهي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة " وعدد التقرير جرائم قتل وتعذيب واغتصاب وتجنيد أطفال. ودعا المكتب مجلس الأمن الدولي إلى "إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الجناة". علاوة على ذلك، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يتصل بإنقاذ الممتلكات الثقافية، واعتبرت الجمعية أن تدمير تنظيم داعش الإرهابي للمواقع الثقافية بمثابة جريمة حرب، وقررت الاستنفار ضد الاتجار بالقطع الأثرية المسروقة.إلا أن الملفت للنظر، أنه مع حجم الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية، لاسيما تنظيم داعش في العراق وسورية؛ ومع كل هذه القرارات الدولية الملزمة وغير الملزمة، ولكن تلك التنظيمات مازالت قوية، بل تزداد قوية ومنعة، وأن من يمارسون هذه الانتهاكات والتجاوزات من قيادات وأفراد هذه التنظيمات الإرهابية لم يقدموا للقضاء العادل وغالباً ما يفلتون من العقاب !!السؤال هنا؛ هل يمكن أن تتبنى المحكمة الجنائية تلك الجرائم الوحشية للتنظيم؟ببساطة شديدة، تقول كبيرة المدعين (فاتو بينسودا) في المحكمة الجنائية الدولية في 8/4/2015 إنها غير مستعدة بعد لفتح تحقيق في الجرائم التي يتهم تنظيم الدولة الإسلامية بارتكابها في العراق وسوريا؛ ومن بينها جرائم الإبادة، لأنها لا تملك الصلاحيات القضائية للقيام بذلك، وسوريا والعراق من الدول غير الموقعة على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية وهو ما يحرم المحكمة السلطة القضائية اللازمة، إلا أن بإمكانها محاكمة عدد من آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية الذين هم مواطنون في دول موقعة على الميثاق.يتضح من ذلك كله، أن محاسبة ومعاقبة أفراد التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش في العراق وسوريا يتطلب الآتي:1- محاكمات وطنية: من خلال تفعيل وتنشيط المحاكم الجنائية الوطنية في الدول التي تنشط بها هذه الجماعات الإرهابية مثل العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن وغيرها. وفي هذا الصدد صوت مجلس النواب العراقي في جلسته الثلاثين التي عقدت السبت 18 /4/2015، وبحضور 230 نائبا، على قرار بإحالة ملف تنظيم داعش الإرهابي إلى المحكمة الجنائية العراقية العليا بعد تعديل قانونها، كون الجرائم التي ارتكبها داعش الإرهابي هي من الجرائم المحددة في قانون المحكمة المذكورة رقم 10 لسنة 2005 وهي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الواردة في المادة (1 /ثانيا) من القانون.2- محاكمات دولية: إن النظر في جرائم التنظيمات الإرهابية العاملة في الدول مثل العراق وسوريا يتطلب منهما الانضمام إلى معاهدة روما الدولية التي تلاحق مرتكبي الإبادة الجماعية والأعمال ضد الإنسانية لكي تتمكن المحكمة من استخدام السلطة القضائية اللازمة.3- توصية مجلس حقوق الإنسان: يقول رئيس غرفة المحامين السابق في المحكمة الجنائية العراقية المركزية "علينا أن نأخذ بعين الاعتبار؛ أن عدم أخذ منظومة العدالة المحلية لدورها، أو عدم كفاية القوانين والإجراءات الوطنية، تتيح لمجلس الأمن الدولي، بتوصية من مجلس حقوق الإنسان، تحويل ملف الانتهاكات في العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبخصوص الجرائم التي ارتكبت من قبل تنظيم (داعش) على الأرجح ستفرض نفسها، في مرحلة ما، أمام المحكمة الجنائية لطبيعة تكوين التنظيم، من عناصر يحملون جنسيات متنوعة ويحظون بشبكات دعم وخلايا نائمة في العديد من البلدان.

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://www.telegram.me/
التعليقات